fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“ريفييرا الشرق الأوسط”: خطة ترامب للتطهير العرقي في غزة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مقترحات ترامب تتجاهل مقررات محكمة العدل الدولية، التي حسمت الجدل  حول أحقية الفلسطينيين في تقرير المصير في رأيها الاستشاري الصادر في تموز/ يوليو 2024.  واعتبرت المحكمة أن أي محاولة لفرض تهجير قسري أو تغيير ديموغرافي في الأراضي المحتلّة، يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“يمكن أن تكون غزة ريفييرا الشرق الأوسط، ويمكن أن تكون مكاناً رائعاً، ولكن ما هو أكثر أهمية هو أن هؤلاء الأشخاص الذين دُمرت حياتهم بإمكانهم أن يعيشوا في سلام في مكان أفضل لأنهم كانوا يعيشون في جحيم.… لقد تحدثت إلى ملك الأردن والسيد رئيس مصر، وأظن أن بإمكان الجميع العيش في سلام وأمان في تلك المنطقة”، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو المطلوب بمذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. 

مقترحات ترامب تتجاهل مقررات محكمة العدل الدولية، التي حسمت الجدل  حول أحقية الفلسطينيين في تقرير المصير في رأيها الاستشاري الصادر في تموز/ يوليو 2024.  واعتبرت المحكمة أن أي محاولة لفرض تهجير قسري أو تغيير ديموغرافي في الأراضي المحتلّة، يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي.

خلال المؤتمر الصحافي، اعتبر نتانياهو ترامب “أعظم صديق في البيت الأبيض بتاريخ إسرائيل”. ووصف في مقابلة مع Fox News  خطة ترامب بـ “الاستثنائية”، لكنه عاد لاحقاًَ وحاول امتصاص الانتقادات بالقول إن الفكرة هي “لمن يرغب” من الفلسطينيين في مغادرة غزة . من جهتها، صرّحت المتحدثة بإسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بأن ترامب لم يلتزم بنشر قوات أميركية على الأرض في غزة، وأن السكان هناك ستتم “إعادة توطينهم مؤقتاً”. لكن بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، أصدر وزير الحرب  يسرائيل كاتس أوامر للجيش الإسرائيلي بإعداد خطة تسمح بخروج سكان غزة من القطاع.

من سيعيش في “ريفييرا الشرق”؟ 

شعار “أميركا أولاً”، الذي رفعه ترامب طوال مسيرته السياسية، لم يكن غائباً عن مشهد “تقسيم الجبنة”، إذ قرر مصير أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في مقترح يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية، في مخالفة للشرعية الدولية والحقوق التاريخية للشعوب.  

“وعد ترامب” لا يشبه “وعد بلفور”، ذلك الإعلان الصادر عام 1917 عن وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، الذي وعد بإقامة “وطن قومي للشعب اليهودي”.  لكن، “وعد بلفور الجديد”، كما وُصف، لم يأتِ هذه المرة لمنح إسرائيل منفذاً على المتوسط، بل حمل بعداً أكثر خطورة، إذ صرّح ترامب بأن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على غزة وتملكها على المدى الطويل، في إشارة واضحة إلى سياسة توسعية أميركية غير مسبوقة. وهذا يعكس نظرة استعمارية جديدة ترى أراضي الشعوب بوصفها سلعاً يمكن شراؤها أو السيطرة عليها بالقوة. فترامب سبق أن طلب من الدنمارك بيع جزيرة غرينلاند، كما تحدث عن ضم كندا باعتبارها “الولاية الحادية والخمسين”.

يستحضر “وعد ترامب” تصريحات صهره جاريد كوشنر عن غزة قبل عام، باعتبارها “عقاراً ذات قيمة كبيرة على الواجهة البحرية”، ما يعكس منظوراً اقتصادياً بحتاً يتجاهل الواقع الإنساني في القطاع. وردّ ترامب على أسئلة الصحافيين قائلاً: “لم يُتّخذ هذا القرار باستخفاف، جميع الذين تحدثت معهم يحبون فكرة امتلاك الولايات المتحدة تلك الأرض وتطويرها، وخلق آلاف الوظائف، وتحويلها إلى شيء رائع في منطقة مذهلة حقاً”. 

وأضاف ترامب: “لا يجب أن يعود الفلسطينيون إلى غزة”، إذ تقوم خطته على إعادة توطين جميع الغزاويين في مكان بعيد تحت مظلة “وضع نهاية لسوء الحظ والوفاة”. وقال: “هذا قد يتحقق من خلال تمويل من دول ليُنقل هؤلاء الأشخاص الى أماكن عدة أربعة أو خمسة أو حتى 12 مكاناً عوضاً عن مكان يتعرضون فيه للقتل”. وفي الأيام الأخيرة، أشار ترامب إلى غزة قائلاً: “هذا الموقع شهد الكثير من الصراعات. تقريباً كل شيء مدمر، والناس يموتون هناك. لذا، أفضّل أن أشارك بعض الدول العربية في بناء مساكن في مكان مختلف حيث يمكنهم ربما أن يعيشوا في سلام للتغيير”. وتابع: “الأفضل لهم أن يعيشوا لبقية حياتهم في أماكن أفضل بدلاً من أن يعيدوا بناء غزة”. ورداً على سؤال مراسلة الـ CNN قال ترامب: “أتصور عالماً يعيش فيه كل الناس. أعتقد أننا سنجعل من ذلك المكان موقعاً دولياً غير مسبوق ومزدهر”. 

وفي مقابل تصريحات ترامب عن نية الولايات المتحدة الأميركية السيطرة على غزة وامتلاكها، قدم حزب “غوتسماه يهوديت” بقيادة الوزير المستقيل إيتمار بن غفير، اقتراح قانون ينص على “تشجيع الهجرة الطوعية” لسكان القطاع، مع توقيع من يختار ذلك على تعهد بعدم العودة. وعبر منصة أكس، وصف بن غفير خطة ترامب بـ “الحل لمشكلة غزة” مطالباً نتانياهو بالإعلان عن تبنّيها “في أسرع وقت ممكن والبدء فوراً في تنفيذ خطوات عملية”.

ووفقاً لوكالة “رويترز”، ردت  حركة “نحالا” الاستيطانية الإسرائيلية على تصريحات ترامب بالقول: “يجب أن نسرع في إقامة مستوطنات في جميع أنحاء قطاع غزة. لا ينبغي ترك أي جزء من أرض إسرائيل من دون استيطان يهودي. إذا بقيت أي منطقة مهجورة، فقد يستولي عليها الأعداء”. يذكر أن “نحالا” أعلنت في وقت سابق عن تسجيل 700 عائلة للسكن في 6 مستوطنات محتملة في غزة.  

وفي حين لا يمكن التنبؤ بمخططات ترامب، تشير التقارير الى أن الخطة المثيرة للجدل يمكن قد تكون وسيلة لإرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي عارض موقفه من وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في القطاع، أو ربما جزءاً من مخطط للقضاء على حماس. بينما يرى البعض أن موقف ترامب يهدف فقط إلى دفع الدول العربية الى إعادة إعمار غزة خصوصاً بعد تصريحاته بأن أميركا لن تموّل ذلك. مستشار الأمن القومي لترامب، مايك والتز، قال إن فكرة ترامب “ستدفع المنطقة بكاملها إلى تقديم حلولها الخاصة”.

رفض عربي ودولي

صرّح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن “الفلسطينيين لن يتخلوا عن أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم”، مؤكداً أن “قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية”. القيادي في حركة حماس سامي أبو زهري قال في بيان: “شعبنا في غزة لن يسمح بتمرير هذه الخطط”.

وأثار ترامب الجدل بطرحه نقل سكان غزة إلى مصر والأردن، وهو ما رفضته الدولتان رفضاً قاطعاً. وقال ملك الأردن عبد الله الثاني: “يمكنني التحدّث ليس فقط نيابة عن الأردن، وكذلك عن أصدقائنا في مصر والقول، إن هذا خط أحمر”. وتابع ” لا لجوء في الأردن ولا لجوء في مصر”. وفي اتصال مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكدا حق الفلسطينيين بقيام دولتهم، عاصمتها القدس الشرقية، على أساس حلّ الدوليتن”.

 لكن ترامب علّق خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بنتانياهو على رفض الملك الأردني والرئيس المصري الخطة قائلاً: أؤمن أنه رغم رفضهم، إلا أنهم في النهاية سيفتحون قلوبهم ويمنحوننا قطعة أرض لإنجاز ذلك”. وكان قد صرّح سابقاً: “سيفعلونها، سيقومون بذلك حسناً؟ نفعل الكثير لهم سيقومون بذلك”. 

ورداً على تصريحات ترامب المثيرة للجدل، أصدرت دول عربية عدة، بينها مصر، الأردن، السعودية، الإمارات، قطر، السلطة الفلسطينية، وجامعة الدول العربية، بياناً مشتركاً رفضت فيه بشكل قاطع أي خطط لنقل الفلسطينيين من أراضيهم في غزة والضفة الغربية المحتلة. وفي هذا السياق، شددت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967.

أما السعودية التي لمّح ترامب الى أنها ستدفع من أجل مشروعه، فقد أكدت عبر وزارة الخارجية أن موقفها من قيام الدولة الفلسطينية “راسخ وثابت ولا يتزعزع”. وفي بيان، شددت وزارة الخارجية الإماراتية على “رفضها القاطع للمساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومحاولة تهجيره، داعيةً إلى “ضرورة وقف الأنشطة الاستيطانية التي تهدد الاستقرار الإقليمي”. وأكدت الخارجية “ضرورة إيجاد أفق سياسي جاد يُفضي إلى حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ما يعكس قناعتها بألا استقرار في المنطقة إلا بحل الدولتين”.

وُصف التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة  بأنه استمرار “للنكبة” التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عام 1948. من جهتها، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن “باريس ترى أن مستقبل غزة يكمن في “دولة فلسطينية مستقبلية” وليس في سيطرة “دولة ثالثة”. بدوره، شدد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على أنه “يجب السماح لهم بالعودة إلى ديارهم، وبإعادة البناء، وينبغي أن نكون معهم في هذه العملية، في الطريق نحو حل الدولتين”. ووافقه الرأي رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، الذي أكد أن حكومته تؤيد حل الدولتين. 

كما عارضت وزارة الخارجية الصينية التهجير القسري من القطاع، فيما اعتبرته تركيا طرحاً “غير مقبول”. بدورها، أكدت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي  أن موقف بلادها من غزة لم يتغير قائلة: “نحن ملتزمون بتحقيق حل الدولتين”.

خطط قديمة للتطهير العرقي 

عام 2023، قال نائب الرئيس السابق للموساد والمندوب الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة في مقال نشر في صحيفة The Wall Street Journal، إن لأوروبا تاريخاً طويلاً في مساعدة الفارين من النزاعات المسلحة”، ودعا دول العالم أن تستقبل العائلات التي أعربت عن رغبتها في الانتقال من غزة. وأضاف، “إذا استقبلت كل دولة عدداً قليلاً، لو وصل إلى 10000 شخص لكل دولة، فهذا يساعد في حل الأزمة”. ووصفت  صحيفة “هآرتس” آنذاك، أن الطرح “نسخة مجملة من التطهير العرقي”. وعارضت دول أوروبية، بالإضافة إلى بريطانيا، فكرة إعادة التوطين. 

وفي حين يقول ترامب عن نفسه إنه “يستحق جائزة نوبل للسلام” على مقترحاته، يرى السيناتور الأميركي الديمقراطي كريس ميرفي “لقد فقد عقله، سيؤدي غزو الولايات المتحدة لغزة إلى مذبحة لآلاف الجنود الأميركيين وحرب في الشرق الأوسط لعقود”. من جانبه، قال المعهد العربي – الأميركي إن “ترامب لو كان يريد إحلال السلام في الشرق الأوسط لدَعَم حق الفلسطينيين في تقرير المصير على أرضهم التاريخية وفقاً للقانون الدولي، بدلاً من أن يتحدث عن النقل القسري غير القانوني”. أما عضو مجلس النواب الديمقراطي جيك أوشينكلوس فوصف الحل بـ “المتهوّر وغير المعقول”.

 وفي تعليق على تصريحات ترامب لـ MSNBC، وصف السيناتور الأميركي كريس فان هولن، بأنها “سياسة الولايات المتحدة التهجير القسري لمليوني فلسطيني من غزة، وهذا ليس إلا تطهيراً عرقياً بمسمى آخر وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”. 

واعتبرت الأمم المتحدة أن اقتراح ترامب للسيطرة على غزة “مفاجئ جداً”. وفي تعليق، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، “من الضروري تلافي أي شكل من أشكال التطهير العرقي”. لكن هذه النكسة لحقوق الإنسان، في مقدمها حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ليست مفاجئاً، خصوصاً بعد انسحاب أميركا وإسرائيل من مجلس حقوق الإنسان طوعاً. ويتم عادة إقصاء الدول  من المجلس قسرياً بسبب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. 

وفي بيان لوكالة “رويتز”، قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن “أي نقل قسري أو ترحيل للأشخاص من الأراضي المحتلة محظور تماماً”.

يحظر القانون الإنساني الدولي الترحيل القسري للسكان. وتنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، على أنه “يحظر النقل القسري الفردي أو الجماعي، وكذلك ترحيل الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي القوة المحتلة أو إلى أراضي أي دولة أخرى، سواء كانت محتلة أم لا، بغض النظر عن الدوافع الكامنة وراء ذلك”. 

ووفقاً لنظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، يُعتبر “إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان” جريمة ضد الإنسانية. وعلى الرغم من أن أميركا وإسرائيل لم توقعا على نظام روما الأساسي، فإن القانون الدولي العرفي يلزم كلتَي الدولتين باحترام حقوق الإنسان، على رأسها الحق في تقرير المصير.

إذا نُفِّذت فكرة ترامب، “فإنها سترقى إلى تصعيد خطير في عملية التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، وستؤدي إلى تفاقم معاناتهم بشكل هائل”، وفقاً لما قاله عمر شاكر، مدير المكتب المعني بإسرائيل والفلسطينيين في منظمةهيومن رايتس ووتش”. لكن فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قالت “هراء… هذا هراء وهو مريع

ما يقترحه… الناس يتحدثون عن تطهير عرقي… لا، إنه أسوأ، هو ترحيل قسري… هذه جريمة… إنه غير قانوني، غير أخلاقي، وغير مسؤول”.

أما لمى الفقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”، فقالت: “سيؤدي ذلك إلى انتقال الولايات المتحدة من التواطؤ في جرائم الحرب إلى ارتكاب الفظائع بشكل مباشر”. فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية، “أي مخطط للترحيل القسري للفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة ورغماً عنهم، هو جريمة حرب”. 

من البديهي أن الولايات المتحدة لا تمتلك أي شرعية قانونية على الأراضي الفلسطينية، لكن من غير الواضح كيف يعتزم ترامب فرض الحكم الأميركي في قطاع غزة. 

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
06.02.2025
زمن القراءة: 8 minutes

مقترحات ترامب تتجاهل مقررات محكمة العدل الدولية، التي حسمت الجدل  حول أحقية الفلسطينيين في تقرير المصير في رأيها الاستشاري الصادر في تموز/ يوليو 2024.  واعتبرت المحكمة أن أي محاولة لفرض تهجير قسري أو تغيير ديموغرافي في الأراضي المحتلّة، يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي.

“يمكن أن تكون غزة ريفييرا الشرق الأوسط، ويمكن أن تكون مكاناً رائعاً، ولكن ما هو أكثر أهمية هو أن هؤلاء الأشخاص الذين دُمرت حياتهم بإمكانهم أن يعيشوا في سلام في مكان أفضل لأنهم كانوا يعيشون في جحيم.… لقد تحدثت إلى ملك الأردن والسيد رئيس مصر، وأظن أن بإمكان الجميع العيش في سلام وأمان في تلك المنطقة”، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو المطلوب بمذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. 

مقترحات ترامب تتجاهل مقررات محكمة العدل الدولية، التي حسمت الجدل  حول أحقية الفلسطينيين في تقرير المصير في رأيها الاستشاري الصادر في تموز/ يوليو 2024.  واعتبرت المحكمة أن أي محاولة لفرض تهجير قسري أو تغيير ديموغرافي في الأراضي المحتلّة، يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي.

خلال المؤتمر الصحافي، اعتبر نتانياهو ترامب “أعظم صديق في البيت الأبيض بتاريخ إسرائيل”. ووصف في مقابلة مع Fox News  خطة ترامب بـ “الاستثنائية”، لكنه عاد لاحقاًَ وحاول امتصاص الانتقادات بالقول إن الفكرة هي “لمن يرغب” من الفلسطينيين في مغادرة غزة . من جهتها، صرّحت المتحدثة بإسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بأن ترامب لم يلتزم بنشر قوات أميركية على الأرض في غزة، وأن السكان هناك ستتم “إعادة توطينهم مؤقتاً”. لكن بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، أصدر وزير الحرب  يسرائيل كاتس أوامر للجيش الإسرائيلي بإعداد خطة تسمح بخروج سكان غزة من القطاع.

من سيعيش في “ريفييرا الشرق”؟ 

شعار “أميركا أولاً”، الذي رفعه ترامب طوال مسيرته السياسية، لم يكن غائباً عن مشهد “تقسيم الجبنة”، إذ قرر مصير أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في مقترح يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية، في مخالفة للشرعية الدولية والحقوق التاريخية للشعوب.  

“وعد ترامب” لا يشبه “وعد بلفور”، ذلك الإعلان الصادر عام 1917 عن وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، الذي وعد بإقامة “وطن قومي للشعب اليهودي”.  لكن، “وعد بلفور الجديد”، كما وُصف، لم يأتِ هذه المرة لمنح إسرائيل منفذاً على المتوسط، بل حمل بعداً أكثر خطورة، إذ صرّح ترامب بأن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على غزة وتملكها على المدى الطويل، في إشارة واضحة إلى سياسة توسعية أميركية غير مسبوقة. وهذا يعكس نظرة استعمارية جديدة ترى أراضي الشعوب بوصفها سلعاً يمكن شراؤها أو السيطرة عليها بالقوة. فترامب سبق أن طلب من الدنمارك بيع جزيرة غرينلاند، كما تحدث عن ضم كندا باعتبارها “الولاية الحادية والخمسين”.

يستحضر “وعد ترامب” تصريحات صهره جاريد كوشنر عن غزة قبل عام، باعتبارها “عقاراً ذات قيمة كبيرة على الواجهة البحرية”، ما يعكس منظوراً اقتصادياً بحتاً يتجاهل الواقع الإنساني في القطاع. وردّ ترامب على أسئلة الصحافيين قائلاً: “لم يُتّخذ هذا القرار باستخفاف، جميع الذين تحدثت معهم يحبون فكرة امتلاك الولايات المتحدة تلك الأرض وتطويرها، وخلق آلاف الوظائف، وتحويلها إلى شيء رائع في منطقة مذهلة حقاً”. 

وأضاف ترامب: “لا يجب أن يعود الفلسطينيون إلى غزة”، إذ تقوم خطته على إعادة توطين جميع الغزاويين في مكان بعيد تحت مظلة “وضع نهاية لسوء الحظ والوفاة”. وقال: “هذا قد يتحقق من خلال تمويل من دول ليُنقل هؤلاء الأشخاص الى أماكن عدة أربعة أو خمسة أو حتى 12 مكاناً عوضاً عن مكان يتعرضون فيه للقتل”. وفي الأيام الأخيرة، أشار ترامب إلى غزة قائلاً: “هذا الموقع شهد الكثير من الصراعات. تقريباً كل شيء مدمر، والناس يموتون هناك. لذا، أفضّل أن أشارك بعض الدول العربية في بناء مساكن في مكان مختلف حيث يمكنهم ربما أن يعيشوا في سلام للتغيير”. وتابع: “الأفضل لهم أن يعيشوا لبقية حياتهم في أماكن أفضل بدلاً من أن يعيدوا بناء غزة”. ورداً على سؤال مراسلة الـ CNN قال ترامب: “أتصور عالماً يعيش فيه كل الناس. أعتقد أننا سنجعل من ذلك المكان موقعاً دولياً غير مسبوق ومزدهر”. 

وفي مقابل تصريحات ترامب عن نية الولايات المتحدة الأميركية السيطرة على غزة وامتلاكها، قدم حزب “غوتسماه يهوديت” بقيادة الوزير المستقيل إيتمار بن غفير، اقتراح قانون ينص على “تشجيع الهجرة الطوعية” لسكان القطاع، مع توقيع من يختار ذلك على تعهد بعدم العودة. وعبر منصة أكس، وصف بن غفير خطة ترامب بـ “الحل لمشكلة غزة” مطالباً نتانياهو بالإعلان عن تبنّيها “في أسرع وقت ممكن والبدء فوراً في تنفيذ خطوات عملية”.

ووفقاً لوكالة “رويترز”، ردت  حركة “نحالا” الاستيطانية الإسرائيلية على تصريحات ترامب بالقول: “يجب أن نسرع في إقامة مستوطنات في جميع أنحاء قطاع غزة. لا ينبغي ترك أي جزء من أرض إسرائيل من دون استيطان يهودي. إذا بقيت أي منطقة مهجورة، فقد يستولي عليها الأعداء”. يذكر أن “نحالا” أعلنت في وقت سابق عن تسجيل 700 عائلة للسكن في 6 مستوطنات محتملة في غزة.  

وفي حين لا يمكن التنبؤ بمخططات ترامب، تشير التقارير الى أن الخطة المثيرة للجدل يمكن قد تكون وسيلة لإرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي عارض موقفه من وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في القطاع، أو ربما جزءاً من مخطط للقضاء على حماس. بينما يرى البعض أن موقف ترامب يهدف فقط إلى دفع الدول العربية الى إعادة إعمار غزة خصوصاً بعد تصريحاته بأن أميركا لن تموّل ذلك. مستشار الأمن القومي لترامب، مايك والتز، قال إن فكرة ترامب “ستدفع المنطقة بكاملها إلى تقديم حلولها الخاصة”.

رفض عربي ودولي

صرّح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن “الفلسطينيين لن يتخلوا عن أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم”، مؤكداً أن “قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية”. القيادي في حركة حماس سامي أبو زهري قال في بيان: “شعبنا في غزة لن يسمح بتمرير هذه الخطط”.

وأثار ترامب الجدل بطرحه نقل سكان غزة إلى مصر والأردن، وهو ما رفضته الدولتان رفضاً قاطعاً. وقال ملك الأردن عبد الله الثاني: “يمكنني التحدّث ليس فقط نيابة عن الأردن، وكذلك عن أصدقائنا في مصر والقول، إن هذا خط أحمر”. وتابع ” لا لجوء في الأردن ولا لجوء في مصر”. وفي اتصال مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكدا حق الفلسطينيين بقيام دولتهم، عاصمتها القدس الشرقية، على أساس حلّ الدوليتن”.

 لكن ترامب علّق خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بنتانياهو على رفض الملك الأردني والرئيس المصري الخطة قائلاً: أؤمن أنه رغم رفضهم، إلا أنهم في النهاية سيفتحون قلوبهم ويمنحوننا قطعة أرض لإنجاز ذلك”. وكان قد صرّح سابقاً: “سيفعلونها، سيقومون بذلك حسناً؟ نفعل الكثير لهم سيقومون بذلك”. 

ورداً على تصريحات ترامب المثيرة للجدل، أصدرت دول عربية عدة، بينها مصر، الأردن، السعودية، الإمارات، قطر، السلطة الفلسطينية، وجامعة الدول العربية، بياناً مشتركاً رفضت فيه بشكل قاطع أي خطط لنقل الفلسطينيين من أراضيهم في غزة والضفة الغربية المحتلة. وفي هذا السياق، شددت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967.

أما السعودية التي لمّح ترامب الى أنها ستدفع من أجل مشروعه، فقد أكدت عبر وزارة الخارجية أن موقفها من قيام الدولة الفلسطينية “راسخ وثابت ولا يتزعزع”. وفي بيان، شددت وزارة الخارجية الإماراتية على “رفضها القاطع للمساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومحاولة تهجيره، داعيةً إلى “ضرورة وقف الأنشطة الاستيطانية التي تهدد الاستقرار الإقليمي”. وأكدت الخارجية “ضرورة إيجاد أفق سياسي جاد يُفضي إلى حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ما يعكس قناعتها بألا استقرار في المنطقة إلا بحل الدولتين”.

وُصف التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة  بأنه استمرار “للنكبة” التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عام 1948. من جهتها، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن “باريس ترى أن مستقبل غزة يكمن في “دولة فلسطينية مستقبلية” وليس في سيطرة “دولة ثالثة”. بدوره، شدد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على أنه “يجب السماح لهم بالعودة إلى ديارهم، وبإعادة البناء، وينبغي أن نكون معهم في هذه العملية، في الطريق نحو حل الدولتين”. ووافقه الرأي رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، الذي أكد أن حكومته تؤيد حل الدولتين. 

كما عارضت وزارة الخارجية الصينية التهجير القسري من القطاع، فيما اعتبرته تركيا طرحاً “غير مقبول”. بدورها، أكدت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي  أن موقف بلادها من غزة لم يتغير قائلة: “نحن ملتزمون بتحقيق حل الدولتين”.

خطط قديمة للتطهير العرقي 

عام 2023، قال نائب الرئيس السابق للموساد والمندوب الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة في مقال نشر في صحيفة The Wall Street Journal، إن لأوروبا تاريخاً طويلاً في مساعدة الفارين من النزاعات المسلحة”، ودعا دول العالم أن تستقبل العائلات التي أعربت عن رغبتها في الانتقال من غزة. وأضاف، “إذا استقبلت كل دولة عدداً قليلاً، لو وصل إلى 10000 شخص لكل دولة، فهذا يساعد في حل الأزمة”. ووصفت  صحيفة “هآرتس” آنذاك، أن الطرح “نسخة مجملة من التطهير العرقي”. وعارضت دول أوروبية، بالإضافة إلى بريطانيا، فكرة إعادة التوطين. 

وفي حين يقول ترامب عن نفسه إنه “يستحق جائزة نوبل للسلام” على مقترحاته، يرى السيناتور الأميركي الديمقراطي كريس ميرفي “لقد فقد عقله، سيؤدي غزو الولايات المتحدة لغزة إلى مذبحة لآلاف الجنود الأميركيين وحرب في الشرق الأوسط لعقود”. من جانبه، قال المعهد العربي – الأميركي إن “ترامب لو كان يريد إحلال السلام في الشرق الأوسط لدَعَم حق الفلسطينيين في تقرير المصير على أرضهم التاريخية وفقاً للقانون الدولي، بدلاً من أن يتحدث عن النقل القسري غير القانوني”. أما عضو مجلس النواب الديمقراطي جيك أوشينكلوس فوصف الحل بـ “المتهوّر وغير المعقول”.

 وفي تعليق على تصريحات ترامب لـ MSNBC، وصف السيناتور الأميركي كريس فان هولن، بأنها “سياسة الولايات المتحدة التهجير القسري لمليوني فلسطيني من غزة، وهذا ليس إلا تطهيراً عرقياً بمسمى آخر وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”. 

واعتبرت الأمم المتحدة أن اقتراح ترامب للسيطرة على غزة “مفاجئ جداً”. وفي تعليق، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، “من الضروري تلافي أي شكل من أشكال التطهير العرقي”. لكن هذه النكسة لحقوق الإنسان، في مقدمها حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ليست مفاجئاً، خصوصاً بعد انسحاب أميركا وإسرائيل من مجلس حقوق الإنسان طوعاً. ويتم عادة إقصاء الدول  من المجلس قسرياً بسبب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. 

وفي بيان لوكالة “رويتز”، قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن “أي نقل قسري أو ترحيل للأشخاص من الأراضي المحتلة محظور تماماً”.

يحظر القانون الإنساني الدولي الترحيل القسري للسكان. وتنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، على أنه “يحظر النقل القسري الفردي أو الجماعي، وكذلك ترحيل الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي القوة المحتلة أو إلى أراضي أي دولة أخرى، سواء كانت محتلة أم لا، بغض النظر عن الدوافع الكامنة وراء ذلك”. 

ووفقاً لنظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، يُعتبر “إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان” جريمة ضد الإنسانية. وعلى الرغم من أن أميركا وإسرائيل لم توقعا على نظام روما الأساسي، فإن القانون الدولي العرفي يلزم كلتَي الدولتين باحترام حقوق الإنسان، على رأسها الحق في تقرير المصير.

إذا نُفِّذت فكرة ترامب، “فإنها سترقى إلى تصعيد خطير في عملية التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، وستؤدي إلى تفاقم معاناتهم بشكل هائل”، وفقاً لما قاله عمر شاكر، مدير المكتب المعني بإسرائيل والفلسطينيين في منظمةهيومن رايتس ووتش”. لكن فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قالت “هراء… هذا هراء وهو مريع

ما يقترحه… الناس يتحدثون عن تطهير عرقي… لا، إنه أسوأ، هو ترحيل قسري… هذه جريمة… إنه غير قانوني، غير أخلاقي، وغير مسؤول”.

أما لمى الفقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”، فقالت: “سيؤدي ذلك إلى انتقال الولايات المتحدة من التواطؤ في جرائم الحرب إلى ارتكاب الفظائع بشكل مباشر”. فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية، “أي مخطط للترحيل القسري للفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة ورغماً عنهم، هو جريمة حرب”. 

من البديهي أن الولايات المتحدة لا تمتلك أي شرعية قانونية على الأراضي الفلسطينية، لكن من غير الواضح كيف يعتزم ترامب فرض الحكم الأميركي في قطاع غزة.