عاد بنيامين نتنياهو والتقط أنفاسه. فاستطلاعات الرأي في إسرائيل عادت لتضعه في المقدمة بعد أن كانت فضيحة الجيش الإسرائيلي في “7 أكتوبر” قد قذفته إلى أدنى مرتبة في خيارات الإسرائيليين!
إذاً، إسرائيل عدْلت عن محاسبة الرجل الذي كان على رأس السلطة، حين فشل الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية في التعامل مع “غزوة حماس” قبل نحو عشرة أشهر. ومن الواضح من المؤشرات أن بيبي نتنياهو جعل يصعد مجدداً عند كل مجزرة يرتكبها الجيش، أو عند كل اغتيال ينجح في تنفيذه. الذروة كانت عند اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، وسبق ذلك بساعات اغتيال القيادي في “حزب الله” فؤاد شكر. في هذه اللحظات حلق مؤشر نتنياهو في استطلاعات الرأي. هذه الحقيقة تقول الكثير عن إسرائيل، لكنها تقول أيضاً عن مستقبل العلاقة بين الدولة العبرية والفلسطينيين، وعن العلاقة مع العرب وعن انعدام فرص سلام عادل في المنطقة.
نتنياهو الذي أثار حنق الرئيس الأميركي جو بايدن بعدما التف أكثر من مرة على خياراته، وراوغ المفاوضين وانقض أكثر من مرة على فرص الهدن وتبادل الأسرى (باعتراف وزير دفاعه يوآف غالنت) نتنياهو هذا هو خيار شريحة واسعة من الإسرائيليين بحسب استطلاعات الرأي. نتنياهو بما يمثله من أحمالٍ تاريخية ترى أن لا مكان للفلسطينيين في فلسطين التاريخية، وأن رميهم خارج الحدود، ودفعهم نحو الوطن البديل، وهو الأردن بحسب هذه الرواية، هو خيار إسرائيل الوحيد. نعم، قال الإسرائيليون كلمتهم مؤخراً، وحددوا خيارهم، وها هو بيبي يذكرهم في خطابه الأخير بملهمه وأستاذ والده زئيف جابوتنسكي، أيقونة اليمين الإسرائيلي وصاحب نظرية إسرائيل “الدولة اليهودية الصافية” من النهر إلى البحر.
ليس هذا تهويلاً بما ينتظرنا. إنه ما ينتظرنا حقاً. أما الرد على هذا الكلام بأن “حماس” في المقابل اختارت يحيى السنوار بما يمثله رئيساً لمكتبها السياسي، فالرد عليه سهل جداً. السنوار ليس خيار سلام على الإطلاق، إلا أنه خيار حركة “حماس” وليس خيار الفلسطينيين. ثم إن الذريعة الإسرائيلية الدائمة لعدم الانخراط في المفاوضات حول مستقبل “حل الدولتين” هي غياب الشريك الفلسطيني، في ظل الانقسام بين غزة ورام الله! وهي ذريعة وجدت صداها في أوساط غربية واسعة، يجب أن يقابلها سؤال عن الشريك الإسرائيلي، فها هي إسرائيل (المجتمع والدولة) تقول إن صاحب مقولة “إسرائيل دولة يهودية من النهر إلى البحر” هو خيارها. إذاً الكلام عن انعدام “الشريك الإسرائيلي” ليس تحليلاً ولا استنتاجاً، فهو موثق برواية ذكرها نتنياهو قبل أيام حين احتفل بذكرى وفاة جابوتنسكي. ونتنياهو هو إسرائيل في حين أن السنوار ليس الفلسطينيين، لا بل ثمة من يقول إن السنوار ليس كل “حماس”.
اليوم، نتنياهو أرسل وفده إلى مفاوضات الدوحة متخففاً من الضغوط الداخلية، بعد أن رفعته استطلاعات الرأي إلى رأس قائمتها. وما إن تحفظ غالانت على أسلوبه في إدارة المفاوضات حتى رفع بوجهه سيف التخوين ـ إنها عدوى الممانعة ـ وهو إذ استجاب للضغوط الأميركية بضرورة إجراء صفقة التبادل، حمل الوفد على ما يبدو شروطاً قد تطيح بالمفاوضات، وما يعزز هذه المخاوف أيضاً أن “حماس” التي أعلنت عدم مشاركتها المباشرة بجلسات التفاوض، هي اليوم بزعامة مطلقة ليحيى السنوار، وهذا ما لا يدفع إلى التفاؤل.
“حماس” ليست الشريك الفلسطيني في صفقة تتعدى التبادل ووقف إطلاق النار. والبحث عن هذا الشريك ممكن في ظل مشهد فلسطيني يتعدى “حماس”، لكن الذي لا أثر له في البحث في مستقبل هذا النزاع هو “الشريك الإسرائيلي”، فما تعرضه إسرائيل اليوم على العالم هو اليمين الجابوتنسكي أو اليمين الديني، وكلاهما لا مكان لحل الدولتين في خطابهما، لا بل لا مكان للفلسطينيين في دولتهما.
وأمام هذا الكم من “المنتصرين” ثمة ما لا يبعث على التفاؤل بنتائج اجتماعات الدوحة.
إقرأوا أيضاً: