fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سابقة قضائيّة في فرنسا… مذكرات توقيف بحق 4 ضباط عسكريين سوريين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مذكرات التوقيف التي صدرت في قضية صلاح أبو نبوت، تشكّل سابقة على الصعيد القضائي الفرنسي، إذ أُصدرت على خلفية استهداف منشآت مدنية بأسلحة عشوائية، ما يشكّل جريمة حرب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لا تعتمد على أحد في الحياة إلا على نفسك”، لم يدرك عمر أبو نبوت أن تلك العبارة التي رددها والده على مسمعه في صغره ستكون حافزاً  نحو طريق العدالة الشاق، الطريق الذي كُلّلت إحدى محطاته في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، عبر إصدار قضاة التحقيق في وحدة جرائم الحرب الفرنسية مذكرات توقيف بحق أربعة ضباط سوريين، هم: فهد جاسم الفريج، علي عبدالله أيوب، أحمد بلول وعلي الصافتلي. 

مذكرات التوقيف أتت بناءً على تحقيق امتدّ الى ست سنوات، بعد شكوى قدمها عمر أبو نبوت على خلفية مقتل والده صلاح، في 7 حزيران/ يونيو 2017، حين ألقت حوامة تابعة للجيش السوري برميلاً متفجراً على منزل العائلة  خلال حملته العسكرية على مدينة درعا. 

تفادى عمر تناول القضية على نحو واسع مع دائرة معارفه تجنباً لتثبيط عزيمته، إذ كان مدركاً من اليوم الأول أن طريق العدالة يحتاج إلى التزام وجهد وتعب، وأنه لن يصل إلى مبتغاه بين يوم وليلةـ وعليه، قرر خوض هذا الطريق بجهود ذاتية انسجاماً مع نصيحة والده، وفق ما صرّح لـ”درج”.

صلاح أبو نبوت، الذي يحمل أيضاً الجنسية الفرنسية، اعتُقل في العام 2013 وأُفرج عنه في العام 2015. خلال هذين العامين، انتقلت العائلة إلى فرنسا، لكن القدر باغت رب الأسرة ولم يمهله الوقت للالتحاق بعائلته بعد الإفراج عنه.   

الإصرار على العدالة

لم يكن تقديم طلب التحقيق قراراً سهلاً، في حينها كان عمر، ذو الـ 21 عاماً، منكباً على دراسة اللغة الفرنسية إلى جانب مسؤولياته العائلية التي فُرضت عليه بسبب غياب والده، كونه الأكبر سناً. هي تحديات شخصية لكنها لم تحبط من عزيمته. 

يقول عمر لـ”درج”: “بطبيعة الحال، وكّلت محامياً، لكنه لم يتابع الملف بجدية، حتى أنه غاب عن الجلسة الأولى مع القاضي مطلع العام 2018، فحضرتها بصحبة مترجمة فقط”. 

يضيف عمر أن القاضي دُهش من إصراره على متابعة الشكوى وأدائه مهمات هي في الأصل من اختصاص المحامين، كجمع الأدلة والتواصل مع الشهود. عام 2020، انضم “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” إلى الشكوى كطرف مدني، برغبة عمر وموافقته، لما يملكه هذا المركز من خبرات ساهمت في إخراج الملف من حالة المراوحة الإدارية. وفي الفترة نفسها، أوكلت القضية إلى المحامية المتخصصة في القانون الجنائي الدولي وصاحبة الخبرة في جرائم الحرب في سوريا، كليمانس بيكتارت.

“مذكرات التوقيف التي صدرت في قضية صلاح أبو نبوت، تشكّل سابقة على الصعيد القضائي الفرنسي، إذ أُصدرت مذكرات التوقيف على خلفية استهداف منشآت مدنية بأسلحة عشوائية، ما يشكّل جريمة حرب”.
كليمانس بيكتارت-محامية الأطراف المدنية

وفقاً لموقعه الإلكتروني، زوّد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير قضاة التحقيق بمجموعة كبيرة من المقاطع المصورة، وثّقت تفجير 7 حزيران 2017 في درعا. وبالتعاون مع ضباط منشقين، حصل المركز على عينات من المبنى المستهدف، والذي كان يضم مدرسة للأطفال. علاوة على ذلك، قدم المركز دراسة خاصة مكّنت من التعرف على نوع الطائرة الحوامة التي قامت بالقصف  (ME روسية الصنع) والسلاح المستخدم (برميل متفجر) والمطار الذي أقلعت منه (مطار بلي)، إلى جانب معلومات حول التسلسل القيادي للجيش السوري وآلية صدور الأمر القتالي في سلاح الجو وتنفيذه. 

استناداً إلى منشورات المركز، لم تُصدر مذكرات التوقيف بعشوائية: فهد جاسم الفريج كان يشغل منصب وزير الدفاع في حينها وينسق مع القائد العام للجيش، أي بشار الأسد، وشارك في صنع القرار العسكري وتطوير استراتيجيات القتال. أما علي عبدالله أيوب وبحكم منصبه كرئيس أركان القوات المسلحة في حينها، شارك بشكل مباشر في تنسيق العمليات العسكرية وتنفيذها. وبصفته قائداً للقوات الجوية والدفاع الجوي في العام 2017، اعتُبر أحمد بلول مسؤولاً مباشراً عن جميع المسائل المتعلقة بأنشطة القوات الجوية، ومن ضمنها الغارات التي وقعت في سوريا. وانطلاقاً من موقعه كقائد لمطار بلي، أصدر علي الصافتلي الأوامر القتالية، والتي شملت نوع المهمة وموقعها ونوع الذخيرة والهدف والطائرة المستخدمة.

خطوة جديدة نحو المحاسبة

المحامي ومدير مشروع التقاضي الاستراتيجي في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير طارق حوكان، أشار في اتصال مع “درج”، الى أن المركز راكم خبرات في هذا المجال منذ العام 2017، كما سبق له التعاون مع جهات وشركاء دوليين في قضايا وشكاوى قُدمت في فرنسا والسويد وألمانيا وهولندا. لكن في قضية صلاح أبو نبوت، تمكن المركز من إعداد الملف بكامله بصورة مستقلة، ما يجعله قادراً على التحرك بمفرده مستقبلاً. 

محامية الأطراف المدنية كليمانس بيكتارت، أشارت من جهتها لموقع “درج”، الى أن مذكرات التوقيف التي صدرت في قضية صلاح أبو نبوت، تشكّل سابقة على الصعيد القضائي الفرنسي، إذ أُصدرت مذكرات التوقيف على خلفية استهداف منشآت مدنية بأسلحة عشوائية، ما يشكّل جريمة حرب. 

يتفق طارق حوكان مع كلام بيكتارت، مقارناً مع ملفات سابقة. على سبيل المثال، في قضية باتريك ومازن الدباغ، صدرت مذكرات التوقيف بحق ضباط أمنيين وليس عسكريين (علي مملوك وجميل حسن وعبد السلام مملوك)، لتورطهم في ارتكاب جرائم تعذيب وإخفاء قسري. أما في حالة الضباط العسكريين الأربعة، فيلاحَقون  قضائياً بسبب أعمال عسكرية.

لولا حيازة صلاح أبو نبوت على الجنسية الفرنسية، لكان من الصعب الوصول إلى تلك النتيجة، وفقاً لحوكان، إذ تم الاستناد إلى مبدأ “الاختصاص القضائي الممتد إقليمياً” الذي يسمح بقبول دعوى و/أو شكوى حصلت أحداثها خارج الحدود الجغرافية لدولة ما، لمجرد أن المتضرر من رعاياها.

تقول المحامية بيكتارت، إنه لو لم تحمل عائلة أبو نبوت الجنسية الفرنسية لتوجب الاستناد إلى مبدأ “الولاية القضائية العالمية”. هذا المبدأ يتيح للمحاكم الوطنية النظر في جرائم ارتُكبت خارج نطاق سلطتها الجغرافية ومن جانب أجانب ضد أجانب آخرين، لكنها على درجة كبيرة من الخطورة لتطاول انعكاساتها المجتمع الدولي.  

يتّفق كل من حوكان وبيكتارت على وجود قيود فرنسية تعيق تفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية، ما يهدد بجعل فرنسا “ملاذاً للمتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش. 

في المقابل، يختلف حوكان وبيكتارت حيال الإصلاحات الفرنسية الرامية إلى إزالة تلك القيود، فحوكان ينظر بإيجابية الى التعديلات التشريعية الأخيرة التي أعطت تفسيراً أوسع لمبدأ الولاية القضائية العالمية، منوهاً في هذا الإطار بالدور الذي لعبته محكمة النقض الفرنسية لصالح العدالة. لكن بيكتارت بدت أقل تفاؤلاً، معتبرة أنه لا تزال أمام فرنسا ورشة إصلاح كبيرة في هذا السياق. 

تفادى عمر تناول القضية على نحو واسع مع دائرة معارفه تجنباً لتثبيط عزيمته، إذ كان مدركاً من اليوم الأول أن طريق العدالة يحتاج إلى التزام وجهد وتعب، وأنه لن يصل إلى مبتغاه بين يوم وليلةـ وعليه، قرر خوض هذا الطريق بجهود ذاتية انسجاماً مع نصيحة والده.

تعطي بيكتارت مثالاً، وهو اشتراط السلطات القضائية الفرنسية بأن يكون المتهم مقيماً على الأراضي الفرنسية للنظر والفصل في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب الولاية القضائية العالمية. برأي بيكتارت، فرض فرنسا هذه القيود يفضي إلى حالة من التمييز بين الضحايا.

ينفي عمر أبو نبوت تعرّضه إلى أي ضغوط لسحب الشكوى، كما لم يلمس تقاعساً متعمداً أو تدخلات سياسية خلال هذا المسار الشائك. في المقابل، لمس أن إمكانات الأجهزة الفرنسية المعنية بالملف متواضعة مقارنة بالجهد المطلوب، ما أدى تلقائياً إلى إطالة مسار الشكوى، يضاف إليها الروتين الإداري الفرنسي المعهود. وفقاً لعمر، لا علاقة لهذا الروتين باستقلالية القضاء الفرنسي وقدرته على المحاسبة، إذ سلكت الشكوى مسارها الطبيعي بكل نزاهة. 

في هذا الإطار، يوضح حوكان وبيكتارت أنه متى انطلق المسار القضائي يستحيل إيقافه أو حرف مساره خدمة لمصالح سياسية. في المقابل، هذا النوع من القضايا ليس في منأى عن الاعتبارات السياسية، برأي حوكان، لكن تأثيرها يبقى محصوراً في مرحلة التشريع وليس المحاكمة، أي من خلال تلكؤ البرلمان الفرنسي في إصدار التشريعات اللازمة لإصلاح الشوائب. تشير بيكتارت، من جهتها، إلى غياب الإرادة السياسية الفرنسية التي قد تترجم كذلك في عدم توفير الموارد اللازمة للقضاء الفرنسي لأداء وظيفته بفعالية، وهو ما حصل في العام 2015 عند تكليف قاض واحد فقط بالعمل على ملف قيصر.

رغم تلك الهواجس، يبدي حوكان وبيكتارت تفاؤلاً حيال محاكمة الضباط الأربعة ولو غيابياً، إذ تراهن بيكتارت في تفاؤلها على المحاكمة المرتقبة للمتهمين في قضية مازن وباتريك الدباغ، والتي ستنطلق في أيار/ مايو 2024، ما يعني إمكان سلك قضية صلاح أبو نبوت المسار ذاته. بحسب حوكان، في وسع قاضي التحقيق إحالة الملف إلى المحكمة إذا وجد أن الأدلة اكتملت بما يكفي لإصدار اتهام.

يشعر عمر بالفخر لما تحقق بعد ست سنوات، “هذا النصر ليس فقط لوالدي بل لجميع السوريين”، متمنياً أن تتحوّل هذه المذكرات إلى قاعدة يمكن البناء عليها مستقبلاً. فرسائل التهاني والتشجيع التي وصلته دليل على اقتناع السوريين بجدوى المضي بمسار العدالة، التي تشكل بنظر عمر شرطاً أساسياً لأية عملية انتقال سياسية جدية.

محمد السكاف- فراس دالاتي- عمّار المأمون | 25.01.2025

ممثلون وممثلات سوريون بدون “الرئيس”!… عن مظلوميّة “أيتام” القصر الجمهوري المشبوهة !

في خضم المواقف المتعددة للفنانين والممثلين والإعلاميين السوريين، برز مصطلح "أيتام القصر الجمهوريّ" كوصف لمجموعة ممن لم يستطيعوا حتى الآن تقبّل واقع وجود سوريا بلا الأسد وأسرته التي أغرقت عليهم "الخدمات" مقابل الولاء الأعمى!
24.10.2023
زمن القراءة: 6 minutes

مذكرات التوقيف التي صدرت في قضية صلاح أبو نبوت، تشكّل سابقة على الصعيد القضائي الفرنسي، إذ أُصدرت على خلفية استهداف منشآت مدنية بأسلحة عشوائية، ما يشكّل جريمة حرب.

“لا تعتمد على أحد في الحياة إلا على نفسك”، لم يدرك عمر أبو نبوت أن تلك العبارة التي رددها والده على مسمعه في صغره ستكون حافزاً  نحو طريق العدالة الشاق، الطريق الذي كُلّلت إحدى محطاته في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، عبر إصدار قضاة التحقيق في وحدة جرائم الحرب الفرنسية مذكرات توقيف بحق أربعة ضباط سوريين، هم: فهد جاسم الفريج، علي عبدالله أيوب، أحمد بلول وعلي الصافتلي. 

مذكرات التوقيف أتت بناءً على تحقيق امتدّ الى ست سنوات، بعد شكوى قدمها عمر أبو نبوت على خلفية مقتل والده صلاح، في 7 حزيران/ يونيو 2017، حين ألقت حوامة تابعة للجيش السوري برميلاً متفجراً على منزل العائلة  خلال حملته العسكرية على مدينة درعا. 

تفادى عمر تناول القضية على نحو واسع مع دائرة معارفه تجنباً لتثبيط عزيمته، إذ كان مدركاً من اليوم الأول أن طريق العدالة يحتاج إلى التزام وجهد وتعب، وأنه لن يصل إلى مبتغاه بين يوم وليلةـ وعليه، قرر خوض هذا الطريق بجهود ذاتية انسجاماً مع نصيحة والده، وفق ما صرّح لـ”درج”.

صلاح أبو نبوت، الذي يحمل أيضاً الجنسية الفرنسية، اعتُقل في العام 2013 وأُفرج عنه في العام 2015. خلال هذين العامين، انتقلت العائلة إلى فرنسا، لكن القدر باغت رب الأسرة ولم يمهله الوقت للالتحاق بعائلته بعد الإفراج عنه.   

الإصرار على العدالة

لم يكن تقديم طلب التحقيق قراراً سهلاً، في حينها كان عمر، ذو الـ 21 عاماً، منكباً على دراسة اللغة الفرنسية إلى جانب مسؤولياته العائلية التي فُرضت عليه بسبب غياب والده، كونه الأكبر سناً. هي تحديات شخصية لكنها لم تحبط من عزيمته. 

يقول عمر لـ”درج”: “بطبيعة الحال، وكّلت محامياً، لكنه لم يتابع الملف بجدية، حتى أنه غاب عن الجلسة الأولى مع القاضي مطلع العام 2018، فحضرتها بصحبة مترجمة فقط”. 

يضيف عمر أن القاضي دُهش من إصراره على متابعة الشكوى وأدائه مهمات هي في الأصل من اختصاص المحامين، كجمع الأدلة والتواصل مع الشهود. عام 2020، انضم “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” إلى الشكوى كطرف مدني، برغبة عمر وموافقته، لما يملكه هذا المركز من خبرات ساهمت في إخراج الملف من حالة المراوحة الإدارية. وفي الفترة نفسها، أوكلت القضية إلى المحامية المتخصصة في القانون الجنائي الدولي وصاحبة الخبرة في جرائم الحرب في سوريا، كليمانس بيكتارت.

“مذكرات التوقيف التي صدرت في قضية صلاح أبو نبوت، تشكّل سابقة على الصعيد القضائي الفرنسي، إذ أُصدرت مذكرات التوقيف على خلفية استهداف منشآت مدنية بأسلحة عشوائية، ما يشكّل جريمة حرب”.
كليمانس بيكتارت-محامية الأطراف المدنية

وفقاً لموقعه الإلكتروني، زوّد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير قضاة التحقيق بمجموعة كبيرة من المقاطع المصورة، وثّقت تفجير 7 حزيران 2017 في درعا. وبالتعاون مع ضباط منشقين، حصل المركز على عينات من المبنى المستهدف، والذي كان يضم مدرسة للأطفال. علاوة على ذلك، قدم المركز دراسة خاصة مكّنت من التعرف على نوع الطائرة الحوامة التي قامت بالقصف  (ME روسية الصنع) والسلاح المستخدم (برميل متفجر) والمطار الذي أقلعت منه (مطار بلي)، إلى جانب معلومات حول التسلسل القيادي للجيش السوري وآلية صدور الأمر القتالي في سلاح الجو وتنفيذه. 

استناداً إلى منشورات المركز، لم تُصدر مذكرات التوقيف بعشوائية: فهد جاسم الفريج كان يشغل منصب وزير الدفاع في حينها وينسق مع القائد العام للجيش، أي بشار الأسد، وشارك في صنع القرار العسكري وتطوير استراتيجيات القتال. أما علي عبدالله أيوب وبحكم منصبه كرئيس أركان القوات المسلحة في حينها، شارك بشكل مباشر في تنسيق العمليات العسكرية وتنفيذها. وبصفته قائداً للقوات الجوية والدفاع الجوي في العام 2017، اعتُبر أحمد بلول مسؤولاً مباشراً عن جميع المسائل المتعلقة بأنشطة القوات الجوية، ومن ضمنها الغارات التي وقعت في سوريا. وانطلاقاً من موقعه كقائد لمطار بلي، أصدر علي الصافتلي الأوامر القتالية، والتي شملت نوع المهمة وموقعها ونوع الذخيرة والهدف والطائرة المستخدمة.

خطوة جديدة نحو المحاسبة

المحامي ومدير مشروع التقاضي الاستراتيجي في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير طارق حوكان، أشار في اتصال مع “درج”، الى أن المركز راكم خبرات في هذا المجال منذ العام 2017، كما سبق له التعاون مع جهات وشركاء دوليين في قضايا وشكاوى قُدمت في فرنسا والسويد وألمانيا وهولندا. لكن في قضية صلاح أبو نبوت، تمكن المركز من إعداد الملف بكامله بصورة مستقلة، ما يجعله قادراً على التحرك بمفرده مستقبلاً. 

محامية الأطراف المدنية كليمانس بيكتارت، أشارت من جهتها لموقع “درج”، الى أن مذكرات التوقيف التي صدرت في قضية صلاح أبو نبوت، تشكّل سابقة على الصعيد القضائي الفرنسي، إذ أُصدرت مذكرات التوقيف على خلفية استهداف منشآت مدنية بأسلحة عشوائية، ما يشكّل جريمة حرب. 

يتفق طارق حوكان مع كلام بيكتارت، مقارناً مع ملفات سابقة. على سبيل المثال، في قضية باتريك ومازن الدباغ، صدرت مذكرات التوقيف بحق ضباط أمنيين وليس عسكريين (علي مملوك وجميل حسن وعبد السلام مملوك)، لتورطهم في ارتكاب جرائم تعذيب وإخفاء قسري. أما في حالة الضباط العسكريين الأربعة، فيلاحَقون  قضائياً بسبب أعمال عسكرية.

لولا حيازة صلاح أبو نبوت على الجنسية الفرنسية، لكان من الصعب الوصول إلى تلك النتيجة، وفقاً لحوكان، إذ تم الاستناد إلى مبدأ “الاختصاص القضائي الممتد إقليمياً” الذي يسمح بقبول دعوى و/أو شكوى حصلت أحداثها خارج الحدود الجغرافية لدولة ما، لمجرد أن المتضرر من رعاياها.

تقول المحامية بيكتارت، إنه لو لم تحمل عائلة أبو نبوت الجنسية الفرنسية لتوجب الاستناد إلى مبدأ “الولاية القضائية العالمية”. هذا المبدأ يتيح للمحاكم الوطنية النظر في جرائم ارتُكبت خارج نطاق سلطتها الجغرافية ومن جانب أجانب ضد أجانب آخرين، لكنها على درجة كبيرة من الخطورة لتطاول انعكاساتها المجتمع الدولي.  

يتّفق كل من حوكان وبيكتارت على وجود قيود فرنسية تعيق تفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية، ما يهدد بجعل فرنسا “ملاذاً للمتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش. 

في المقابل، يختلف حوكان وبيكتارت حيال الإصلاحات الفرنسية الرامية إلى إزالة تلك القيود، فحوكان ينظر بإيجابية الى التعديلات التشريعية الأخيرة التي أعطت تفسيراً أوسع لمبدأ الولاية القضائية العالمية، منوهاً في هذا الإطار بالدور الذي لعبته محكمة النقض الفرنسية لصالح العدالة. لكن بيكتارت بدت أقل تفاؤلاً، معتبرة أنه لا تزال أمام فرنسا ورشة إصلاح كبيرة في هذا السياق. 

تفادى عمر تناول القضية على نحو واسع مع دائرة معارفه تجنباً لتثبيط عزيمته، إذ كان مدركاً من اليوم الأول أن طريق العدالة يحتاج إلى التزام وجهد وتعب، وأنه لن يصل إلى مبتغاه بين يوم وليلةـ وعليه، قرر خوض هذا الطريق بجهود ذاتية انسجاماً مع نصيحة والده.

تعطي بيكتارت مثالاً، وهو اشتراط السلطات القضائية الفرنسية بأن يكون المتهم مقيماً على الأراضي الفرنسية للنظر والفصل في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب الولاية القضائية العالمية. برأي بيكتارت، فرض فرنسا هذه القيود يفضي إلى حالة من التمييز بين الضحايا.

ينفي عمر أبو نبوت تعرّضه إلى أي ضغوط لسحب الشكوى، كما لم يلمس تقاعساً متعمداً أو تدخلات سياسية خلال هذا المسار الشائك. في المقابل، لمس أن إمكانات الأجهزة الفرنسية المعنية بالملف متواضعة مقارنة بالجهد المطلوب، ما أدى تلقائياً إلى إطالة مسار الشكوى، يضاف إليها الروتين الإداري الفرنسي المعهود. وفقاً لعمر، لا علاقة لهذا الروتين باستقلالية القضاء الفرنسي وقدرته على المحاسبة، إذ سلكت الشكوى مسارها الطبيعي بكل نزاهة. 

في هذا الإطار، يوضح حوكان وبيكتارت أنه متى انطلق المسار القضائي يستحيل إيقافه أو حرف مساره خدمة لمصالح سياسية. في المقابل، هذا النوع من القضايا ليس في منأى عن الاعتبارات السياسية، برأي حوكان، لكن تأثيرها يبقى محصوراً في مرحلة التشريع وليس المحاكمة، أي من خلال تلكؤ البرلمان الفرنسي في إصدار التشريعات اللازمة لإصلاح الشوائب. تشير بيكتارت، من جهتها، إلى غياب الإرادة السياسية الفرنسية التي قد تترجم كذلك في عدم توفير الموارد اللازمة للقضاء الفرنسي لأداء وظيفته بفعالية، وهو ما حصل في العام 2015 عند تكليف قاض واحد فقط بالعمل على ملف قيصر.

رغم تلك الهواجس، يبدي حوكان وبيكتارت تفاؤلاً حيال محاكمة الضباط الأربعة ولو غيابياً، إذ تراهن بيكتارت في تفاؤلها على المحاكمة المرتقبة للمتهمين في قضية مازن وباتريك الدباغ، والتي ستنطلق في أيار/ مايو 2024، ما يعني إمكان سلك قضية صلاح أبو نبوت المسار ذاته. بحسب حوكان، في وسع قاضي التحقيق إحالة الملف إلى المحكمة إذا وجد أن الأدلة اكتملت بما يكفي لإصدار اتهام.

يشعر عمر بالفخر لما تحقق بعد ست سنوات، “هذا النصر ليس فقط لوالدي بل لجميع السوريين”، متمنياً أن تتحوّل هذه المذكرات إلى قاعدة يمكن البناء عليها مستقبلاً. فرسائل التهاني والتشجيع التي وصلته دليل على اقتناع السوريين بجدوى المضي بمسار العدالة، التي تشكل بنظر عمر شرطاً أساسياً لأية عملية انتقال سياسية جدية.