“ما حدث هو استغلال للحاجة الشبابية، لمثل هذه الأماكن المشهورة، والتي تعطي انطباعاً، بأننا نعيش في مكان طبيعي يوفر للإنسان شعوراً بأنه جزء من العالم الحديث. معظم الشباب الذين كانوا يترددون على “ستاربكس” بغداد، التقطوا صوراً ونشروها بسعادة، على اعتبار أنهم أيضاً موجودون في هذه الأرض”.
محمد منصور، يتردد كثيراً على مقهى “ستاربكس” في العاصمة بغداد، الذي يقع في أحد أرقى الأحياء التجارية، وهو حي المنصور/ شارع الأميرات حيث سعر المتر المربع الواحد يتجاوز الـ7 آلاف دولار. يحضر مع حاسوبه للعمل، وأحياناً مع أصدقائه، لشرب القهوة، يلتقط “سيلفي”، ينشر الموقع ويحدده “ستاربكس”. يقول إنه لم يفكر ولو مرة واحدة، بأن الموقع مزيف يحاول استغلال الاسم العالمي لاستقطاب الرواد. يؤكد لـ”درج” أنه يعرف الكثير من الأصدقاء اللبنانيين والأردنيين ويراهم ينشرون صورهم بشكل مستمر في “ستاربكس”، وعند افتتاح فرع في العراق، شعر بأنه واخيراً سيعمل مثلهم.
شكوك
في كانون الثاني/ يناير 2022، افتُتح مقهى “ستاربكس” في العراق، وحظي باحتفالية هائلة بحضور عدد من الشخصيات. وعلى رغم أهمية الحدث بالنسبة إلى كثيرين، إلا أنه سرعان ما بدأت الشكوك تحوم حول المكان. لا القهوة ولا مذاقها، ولا طريقة ترتيب الكراسي، أثارت الشك بالفعل، كان كل شيء مثالياً، إلا أن بعض من جرب فروعاً أخرى أكدوا أن هذا الفرع مزيف، وأن الشركة الأصلية وصفحاتها الرسمية، لم تعلن عن هذا الخبر ولم تزف البشرى للعراقيين بحصولهم أخيراً على أكواب “ستاربكس” مزينة بأسمائهم! لكن، كل هذا الكلام، لم يُسمع، بل استمر العمل داخل هذا المقهى الواسع والمزدحم طوال الوقت- بشكل يومي، حتى إن موقع الخرائط “غوغل”، يمكنه ان يظهر لك مكان “ستاربكس” في بغداد، وهكذا أصبح كل شيء رسمياً وهادئاً، قبل أن يصل الخبر إلى إدارة “ستاربكس” الأم.
أثارت السلسلة العالمية، ضجة بعدما أكدت أن الفرع الموجود في بغداد والذي يحمل اسمها، لا يمت إليها بصلة، مشيرة إلى أنها رفعت دعوى قضائية ضد صاحب المقهى. كان للسلسلة أن تنتفض بعد مجموعة شكاوى وصلتها واسئلة واستفسارات من عراقيين داخل العراق وخارجه، وسياح أجانب، يزورون المقهى ويكتشفون “زيفه” ببساطة تامة، وبتفاصيل تكاد تكون غير مهمة لصاحب المقهى المزيف، لكن رواد “ستاربكس” في العالم، كانوا يلتقطونها وبسرعة.
“مغلق من أجل الصيانة“، هكذا كُتب على جدار “ستاربكس” العراق المغلق حالياً.
غلطة الشاطر بألف
أحد السياح من المكسيك، ويدعى لويز، أعد على “يوتيوب”، مقطعاً كاملاً يؤكد فيه أن “ستاربكس” العراق، غير قانوني، برغم أنه سأل وأتت الإجابة بأنه الفرع الرسمي. لكن لويز سجّل ملاحظات أكدت شكوكه، وأشار في الفيديو الذي اعده، إلى أن أسماء الزبائن لا تُكتب في الفرع العراقي على الأكواب، كما أن الفروع الاخرى تكتب starbucks coffee، فيما اكتفى الفرع العراقي بوضع “اللوغو الشهير”. وعلى رغم أن الأكواب تبدو حقيقية وحتى طعم القهوة، لكن علامة الحقوق التجارية “R” ايضاً كانت غير موجودة، ومن التفاصيل الاخرى التي ذكرها، أن “ستاربكس” الأصلي يعتمد حرف S كبيراً، فيما تكون بقية حروف العبارة صغيرة. بالطبع فإن لويز لم يكتف عند هذا القدر وحسب، بل تواصل مع الصفحات الرسمية لـ”ستاربكس” والتي أكدت أنها لا تملك فرعاً في العراق.
طرح الفيديو أسئلة كبيرة وطرح نقاش “ستاربكس” في الشارع العراقي، حتى إن بعض مناصري المقهى رأوا في الأمر مؤامرة على العراق.
محمد أيضاً يؤكد لـ”درج”، انه وبعدما وجد الكثير من الاسئلة التي تطوف فوق هذا المكان، وجه رسالة إلى إحدى الصفحات الرسمية الخاصة بـ”ستاربكس” والتي اجابته بإنهم سيحلون الوضع قريباً وتنتهي صفحة الشكوك.
يوضح محمد، أن التلاعب والاحتيال انتشرا بالعراق رغم وجود السوشيل ميديا وصغر العالم، إلا أن اللصوص لا يهمهم شيء، ويعتقدون أنهم بأموالهم قد يسكتون “ستاربكس” وغيرها.
التحقيق الذي فجر القضية
في تحقيق وكالة “أسوشييتد برس”، والذي من خلاله تواصلت مع مالكي الحقوق الأصلية، تأكد أن هذا الفرع وهمي، لكن القهوة حقيقية ومن مصانع ستاربكس، فكيف هذا؟ تبين أن مالك المقهى، يحرص على جلب القهوة المعتمدة في فروع “ستاربكس” من الدول المجاورة، مع لوازمها الرئيسية كالأكواب والمكائن. وذُكر في التقرير أن سلسلة المقاهي كان قد رفعت قضية على سارق الحقوق منذ عام 2020، لكن كثراً يؤكدون أن الجهة المنتفضة لم تعلم بوجود الفرع الوهمي الا عام 2022، أي بعد افتتاحه في بغداد، وذلك بسبب الشعبية التي لاقاها، وأن المقاهي السابقة التي حملت اسم “ستاربكس” كانت تضع أسماء أخرى قرب الاسم الأصلي لضمان نجاتها من المقاضاة.
إقرأوا أيضاً:
هل بقية الماركات أصلية؟
“كان جميع الاصدقاء يحبون تمضية وقتهم في ذلك المكان، لكن ما فعله صاحب المقهى، سوف يضر وبشكل حتمي بالاقتصاد العراقي وبمهمة انجاح البلاد بالتعاون مع الوكالات العالمية، فمن يعلم ربما شركة adidas في بغداد هي أيضاً قد تكون مزيفة؟ ومن يستطيع تأكيد أن أحذية Nike المتوفرة أيضاً وباسعار باهظة حقيقية؟ صرنا نخشى أن نقول اسم ماركة في العراق ثم تصيبنا صدمة”.
توضح داليا الجعفري والتي كانت رواد المقهى، أن “الكثير من العلامات التجارية الموجودة في العراق مزيفة وغير حقيقية، إذ يستغل بعض المتنفذين والمتورطين في غسيل الأموال، بناء وكالات وهمية بأسماء عالمية بأسعار مضاعفة عن الأسعار الاصلية، يستغلون حاجة المواطن العراقي لشيء اصلي وغير مقلد، بخاصة أنه يشعر بأنه معزول عن العالم”.
اتهامات متبادلة بين الشركة وصاحب المقهى الوهمي
تردد اسم علي المكصوصي، وهو رجل أعمال عراقي، ذكر اسمه في ملف “ستاربكس”، وقد صرّح في حديث إعلامي بأنه حاول الحصول على ترخيص ولم يستطع، “فاضطر إلى مواجهة الشدائد” بحسب قوله، لبناء بيئة اقتصادية جديدة في العراق، وانه سيتحمل المسؤولية كاملة. وبرغم كلامه هذا، إلا أن فريق المحامين الخاص بشركة “ستاربكس”، أكد تعرضه للتهديد بالمليشيات والاحزاب النافذة في العراق، ما أجبرهم على سحب الدعوى، لكن المكصوصي نفى “التهديدات” ولم ينف العلاقات “الطيبة” بالميليشيات والاحزاب، بحجة انه “رجل اعمال” وبحاجة للتسهيلات في مكان صعب مثل العراق.
حملة جديدة
بعد انتشار خبر “ستاربكس الزائف”، أعلن رئيس الوزراء العراق محمد السوداني في بيان، إطلاق حملة لمحاسبة الجهات التي تنتحل صفة شركات تجارية دولية معروفة أو تستخدم علاماتها التجارية بشكل غير قانوني، مؤكداً أن تلك التصرفات “تضر بفرص العراق لجذب الاستثمار الأجنبي”.
“مغلق من أجل الصيانة”، هكذا كُتب على جدار “ستاربكس” العراق المغلق حالياً.