ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سجائر عابرة للحروب… كيف تستغلّ شركات التبغ الكبرى الحروب لتوسيع أسواقها في السودان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين في 31 أيار/ مايو، تنشر منصة “درج” سلسلة من أربعة تحقيقات تكشف أنشطة شركات التبغ الكبرى في مناطق الصراع وتأثيرها، وتسعى الى تسليط الضوء على تداعيات هذه السياسات على المجتمعات المحلية وصحة الأفراد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ اندلاع الحرب في السودان في نيسان/ أبريل 2023، تعرّضت عمليات شركات التبغ الدولية، مثل “بريتش أميركان توباكو (BAT) و”فيليب موريس (PMI)، لاضطرابات شديدة، فتوقفت سلاسل التوريد القانونية، وتعثّرت البنية التحتية، وانهارت الأنظمة الرقابية. ومع ذلك، بقي الطلب على السجائر مرتفعاً، ما دفع هذه الشركات إلى اتباع طرق بديلة. 

وتعتبر مناطق النزاع “أرضاً خصبة” للشركات الكبرى، التي تستفيد من انهيار المنظومات الصحية والقانونية لتوسيع نفوذها، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية. وكان السودان، الذي يعاني من اضطرابات وحروب داخلية، أرضاً خصبة لشركات التبغ العالمية، بخاصة “BAT”، التي حاولت الالتفاف على القانون عبر الحكومة الباكستانية، وفقاً للمستشار في “معهد السياسات للتنمية المستدامة” في باكستان (SDPI)،  وسيم جنجوا.

هذا التحقيق هو جزء من مشروع حول أنشطة شركات التبغ في مناطق النزاع، ويأتي لمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين في 31 أيار/ مايو. تنشر منصة “درج” سلسلة من أربعة تحقيقات تسلط الضوء على أنشطة شركات التبغ الكبرى في مناطق الصراع وتأثيرها، مع تركيز خاص على غزة والسودان. تهدف السلسلة إلى كشف ممارسات هذه الشركات وكيفية استغلالها الظروف الإنسانية الصعبة لتحقيق أرباح على حساب صحة السكان.

سجائر الـ”Kiddie” في السودان 

أدت الحرب الأهلية في السودان، المستمرة منذ نيسان/ أبريل 2023، إلى انهيار الإنتاج المحلي، وانخفاض القدرة الشرائية لدى السكّان، في حين استمر الطلب على السجائر برغم ارتفاع أسعارها مع مرور السنين، وفقاً لرسم بياني نشره جنجوا مع “درج”. لذلك، تحركت شركات التبغ العالمية بسرعة، معتمدةً على التهريب، وعلى دول ثالثة مثل باكستان وبنغلادش لإعادة توجيه الشحنات.

في الوقت نفسه، سعت شركتا BAT وPTC إلى استغلال الأزمة الاقتصادية والمالية المستمرة في باكستان لإبرام صفقة بقيمة 20.5 مليون دولار أميركي، تهدف إلى تصنيع عبوات سجائر من 10 أعواد وتصديرها إلى السودان. 

إلا أن التأخير الكبير في إجراءات الموافقة، ومن ثمّ رفض التعديل المقترح، مكّن مجتمع مكافحة التبغ في باكستان من إحباط تنفيذ هذه الصفقة لفترة وجيزة، لكن الحكومة عبر وزارة الصحّة مررتها لاحقاً، كما جاء على لسان جنجوا. 

واحد من أبرز الأمثلة كان محاولة شركة “BAT” إنتاج عبوات سجائر مكوّنة من 10 أعواد فقط في باكستان، مخصصة للتصدير إلى السودان، علمًا أن هذه العبوات تُعرف دولياً باسم “عبوات الأطفال” (Kiddie Packs) بسبب انخفاض سعرها وسهولة حصول المراهقين عليها. هذا النوع من العبوات محظور في عدد من الدول مثل إثيوبيا وبعض الدول الأوروبية، وكندا وأستراليا وسنغافورة، المنضوية تحت اتفاقية الإطار لمكافحة التبغ (FCTC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، والتي توصي باتخاذ إجراءات تقلل من استهلاك التبغ لدى الشباب، بما في ذلك منع بيع العبوات الصغيرة التي تُسهّل وصول القُصّر إلى التدخين.

في حديثه لـ”درج”، قال جنجوا إن “عبوات العشر سجائر غير قانونية في باكستان لأنها تستهدف الأطفال مباشرة. القانون واضح في منع تصنيعها وبيعها داخلياً، ومع ذلك تحاول الشركات التلاعب بالثغرات القانونية من خلال التصدير”.

وأضاف جنجوا: ما تحاول فعله BAT تحديداً هو إيصال هذه المنتجات إلى أسواق الحرب حيث لا وجود رقابي فعّال. هذه ليست مجرد تجارة، بل استغلال لفوضى الحرب في السودان، واعتبار أطفال أفريقيا أقل استحقاقاً للحماية من أطفال الدول الغنية“.

في نهاية المطاف، نُفِّذت الطلبية من خلال بنغلادش، وهي أيضاً دولة موقّعة على اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ (FCTC) في جنوب آسيا.

الأطفال في قلب الأزمة

وفقًا لمؤشر تدخل صناعة التبغ في السودان لعام 2023، فإن محاولات الشركات لا تقتصر فقط على إدخال منتجاتها إلى السوق، بل تمتد إلى التأثير المباشر على السياسات العامة، من خلال الضغط على الوزارات، أو التحايل على الثغرات القانونية، أو حتى تعطيل مشاريع القوانين الصحية التي تهدف إلى الحد من استهلاك التبغ.

في هذا الإطار، أوضح جنجوا: “شركات التبغ لا تُجبر على التراجع إلا عندما تواجه ضغطاً قانونياً حقيقياً أو فضحاً إعلامياً واسع النطاق. وما لم يتحقق ذلك، فإنها ستستمر في معاملة أطفالنا كحقل تجارب وربح”.

وأضاف أن العبوات الصغيرة والرخيصة التي تُصدَّر إلى دول مثل السودان، تمثل بوابة الإدمان المبكرة، إذ يسهل على الأطفال شراؤها وتجربتها، خصوصًا في غياب قوانين تقيّد البيع أو تمنع الدعاية المباشرة وغير المباشرة الموجّهة الى هذه الفئة.

في الواقع، تعتمد بعض الشركات على استراتيجيات تسويقية غير مباشرة تستغل بيئة الحرب والانهيار الاجتماعي، لتروّج لمنتجاتها في محيط تنتفي فيه وسائل التوعية، وتغيب فيه المدرسة والرقابة الأهلية، ويصبح الطفل أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات ضارة من دون أي حماية.

ازدواجية المعايير في مناطق النزاع

تتحدث شركات التبغ الكبرى كثيراً عن التزامها بالمعايير الأخلاقية في الأسواق الغربية. فعلى سبيل المثال، أعلنت بعض الشركات تعليق الحملات الإعلانية في أوكرانيا خلال الحرب، وأخرى قلّصت عملياتها في روسيا خشية الغضب الدولي.

لكن في السودان، حيث تغيب الرقابة والإعلام، يظهر سلوك مختلف تماماً، إذ ضاعفت من محاولاتها لتأمين الأسواق. أشار تحقيق لصحيفة The Guardian، إلى أن شركة “BAT” بدأت بالفعل التوسع في جنوب السودان منذ ما قبل استقلاله في 2011، إذ بدأت بضخ سجائر منخفضة التكلفة إلى دولة ناشئة تعاني من هشاشة سياسية واقتصادية.

ولا تقتصر هذه الاستراتيجية على السودان، بل هي جزء من نمط تكرّر في العراق، سوريا، الصومال، والكونغو. هناك، كما في السودان، استغلت الشركات غياب القوانين لتوزيع منتجاتها عبر شبكات التهريب أو موزعين محليين بلا رقابة.

وفق تقرير صحيفة The Reporter Ethiopia، حذّرت السلطات الصحية من تدفق هذه العبوات إلى السودان، مؤكدة أن ذلك يشكّل تهديداً مباشراً على الصحة العامة، بخاصة لفئة الشباب.


قدّم فريق أبحاث مكافحة التبغ في جامعة باث الدعم لعمل منصة “درج” في تحقيقات التبغ، لكن جمع المعلومات وتفسيرها وعرضها هي مسؤولية “درج” وحدها.

“The Tobacco Control Research Group at the University of Bath has supported the work of Daraj on tobacco investigations but the gathering of the information, its interpretation and presentation are the responsibility of Daraj.

30.05.2025
زمن القراءة: 4 minutes

لمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين في 31 أيار/ مايو، تنشر منصة “درج” سلسلة من أربعة تحقيقات تكشف أنشطة شركات التبغ الكبرى في مناطق الصراع وتأثيرها، وتسعى الى تسليط الضوء على تداعيات هذه السياسات على المجتمعات المحلية وصحة الأفراد.

منذ اندلاع الحرب في السودان في نيسان/ أبريل 2023، تعرّضت عمليات شركات التبغ الدولية، مثل “بريتش أميركان توباكو (BAT) و”فيليب موريس (PMI)، لاضطرابات شديدة، فتوقفت سلاسل التوريد القانونية، وتعثّرت البنية التحتية، وانهارت الأنظمة الرقابية. ومع ذلك، بقي الطلب على السجائر مرتفعاً، ما دفع هذه الشركات إلى اتباع طرق بديلة. 

وتعتبر مناطق النزاع “أرضاً خصبة” للشركات الكبرى، التي تستفيد من انهيار المنظومات الصحية والقانونية لتوسيع نفوذها، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية. وكان السودان، الذي يعاني من اضطرابات وحروب داخلية، أرضاً خصبة لشركات التبغ العالمية، بخاصة “BAT”، التي حاولت الالتفاف على القانون عبر الحكومة الباكستانية، وفقاً للمستشار في “معهد السياسات للتنمية المستدامة” في باكستان (SDPI)،  وسيم جنجوا.

هذا التحقيق هو جزء من مشروع حول أنشطة شركات التبغ في مناطق النزاع، ويأتي لمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين في 31 أيار/ مايو. تنشر منصة “درج” سلسلة من أربعة تحقيقات تسلط الضوء على أنشطة شركات التبغ الكبرى في مناطق الصراع وتأثيرها، مع تركيز خاص على غزة والسودان. تهدف السلسلة إلى كشف ممارسات هذه الشركات وكيفية استغلالها الظروف الإنسانية الصعبة لتحقيق أرباح على حساب صحة السكان.

سجائر الـ”Kiddie” في السودان 

أدت الحرب الأهلية في السودان، المستمرة منذ نيسان/ أبريل 2023، إلى انهيار الإنتاج المحلي، وانخفاض القدرة الشرائية لدى السكّان، في حين استمر الطلب على السجائر برغم ارتفاع أسعارها مع مرور السنين، وفقاً لرسم بياني نشره جنجوا مع “درج”. لذلك، تحركت شركات التبغ العالمية بسرعة، معتمدةً على التهريب، وعلى دول ثالثة مثل باكستان وبنغلادش لإعادة توجيه الشحنات.

في الوقت نفسه، سعت شركتا BAT وPTC إلى استغلال الأزمة الاقتصادية والمالية المستمرة في باكستان لإبرام صفقة بقيمة 20.5 مليون دولار أميركي، تهدف إلى تصنيع عبوات سجائر من 10 أعواد وتصديرها إلى السودان. 

إلا أن التأخير الكبير في إجراءات الموافقة، ومن ثمّ رفض التعديل المقترح، مكّن مجتمع مكافحة التبغ في باكستان من إحباط تنفيذ هذه الصفقة لفترة وجيزة، لكن الحكومة عبر وزارة الصحّة مررتها لاحقاً، كما جاء على لسان جنجوا. 

واحد من أبرز الأمثلة كان محاولة شركة “BAT” إنتاج عبوات سجائر مكوّنة من 10 أعواد فقط في باكستان، مخصصة للتصدير إلى السودان، علمًا أن هذه العبوات تُعرف دولياً باسم “عبوات الأطفال” (Kiddie Packs) بسبب انخفاض سعرها وسهولة حصول المراهقين عليها. هذا النوع من العبوات محظور في عدد من الدول مثل إثيوبيا وبعض الدول الأوروبية، وكندا وأستراليا وسنغافورة، المنضوية تحت اتفاقية الإطار لمكافحة التبغ (FCTC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، والتي توصي باتخاذ إجراءات تقلل من استهلاك التبغ لدى الشباب، بما في ذلك منع بيع العبوات الصغيرة التي تُسهّل وصول القُصّر إلى التدخين.

في حديثه لـ”درج”، قال جنجوا إن “عبوات العشر سجائر غير قانونية في باكستان لأنها تستهدف الأطفال مباشرة. القانون واضح في منع تصنيعها وبيعها داخلياً، ومع ذلك تحاول الشركات التلاعب بالثغرات القانونية من خلال التصدير”.

وأضاف جنجوا: ما تحاول فعله BAT تحديداً هو إيصال هذه المنتجات إلى أسواق الحرب حيث لا وجود رقابي فعّال. هذه ليست مجرد تجارة، بل استغلال لفوضى الحرب في السودان، واعتبار أطفال أفريقيا أقل استحقاقاً للحماية من أطفال الدول الغنية“.

في نهاية المطاف، نُفِّذت الطلبية من خلال بنغلادش، وهي أيضاً دولة موقّعة على اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ (FCTC) في جنوب آسيا.

الأطفال في قلب الأزمة

وفقًا لمؤشر تدخل صناعة التبغ في السودان لعام 2023، فإن محاولات الشركات لا تقتصر فقط على إدخال منتجاتها إلى السوق، بل تمتد إلى التأثير المباشر على السياسات العامة، من خلال الضغط على الوزارات، أو التحايل على الثغرات القانونية، أو حتى تعطيل مشاريع القوانين الصحية التي تهدف إلى الحد من استهلاك التبغ.

في هذا الإطار، أوضح جنجوا: “شركات التبغ لا تُجبر على التراجع إلا عندما تواجه ضغطاً قانونياً حقيقياً أو فضحاً إعلامياً واسع النطاق. وما لم يتحقق ذلك، فإنها ستستمر في معاملة أطفالنا كحقل تجارب وربح”.

وأضاف أن العبوات الصغيرة والرخيصة التي تُصدَّر إلى دول مثل السودان، تمثل بوابة الإدمان المبكرة، إذ يسهل على الأطفال شراؤها وتجربتها، خصوصًا في غياب قوانين تقيّد البيع أو تمنع الدعاية المباشرة وغير المباشرة الموجّهة الى هذه الفئة.

في الواقع، تعتمد بعض الشركات على استراتيجيات تسويقية غير مباشرة تستغل بيئة الحرب والانهيار الاجتماعي، لتروّج لمنتجاتها في محيط تنتفي فيه وسائل التوعية، وتغيب فيه المدرسة والرقابة الأهلية، ويصبح الطفل أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات ضارة من دون أي حماية.

ازدواجية المعايير في مناطق النزاع

تتحدث شركات التبغ الكبرى كثيراً عن التزامها بالمعايير الأخلاقية في الأسواق الغربية. فعلى سبيل المثال، أعلنت بعض الشركات تعليق الحملات الإعلانية في أوكرانيا خلال الحرب، وأخرى قلّصت عملياتها في روسيا خشية الغضب الدولي.

لكن في السودان، حيث تغيب الرقابة والإعلام، يظهر سلوك مختلف تماماً، إذ ضاعفت من محاولاتها لتأمين الأسواق. أشار تحقيق لصحيفة The Guardian، إلى أن شركة “BAT” بدأت بالفعل التوسع في جنوب السودان منذ ما قبل استقلاله في 2011، إذ بدأت بضخ سجائر منخفضة التكلفة إلى دولة ناشئة تعاني من هشاشة سياسية واقتصادية.

ولا تقتصر هذه الاستراتيجية على السودان، بل هي جزء من نمط تكرّر في العراق، سوريا، الصومال، والكونغو. هناك، كما في السودان، استغلت الشركات غياب القوانين لتوزيع منتجاتها عبر شبكات التهريب أو موزعين محليين بلا رقابة.

وفق تقرير صحيفة The Reporter Ethiopia، حذّرت السلطات الصحية من تدفق هذه العبوات إلى السودان، مؤكدة أن ذلك يشكّل تهديداً مباشراً على الصحة العامة، بخاصة لفئة الشباب.


قدّم فريق أبحاث مكافحة التبغ في جامعة باث الدعم لعمل منصة “درج” في تحقيقات التبغ، لكن جمع المعلومات وتفسيرها وعرضها هي مسؤولية “درج” وحدها.

“The Tobacco Control Research Group at the University of Bath has supported the work of Daraj on tobacco investigations but the gathering of the information, its interpretation and presentation are the responsibility of Daraj.