fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سراج وبهجت نموذجاً… معاقبة الصحافيين والحقوقيين على أدائهم عملهم في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

 عدد لا بأس به من قضايا الصحافيين تكررت فيه تهم بالانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والآن أصبح لدينا تهم تتعلق بالتمويل أيضاً، الصحافيون يُتركون لسنوات في الحبس الاحتياطي، ثم يتم الإفراج عنهم وتُحال القضايا أو تُجمد وتظل على هذا الوضع، وهذا يعني أنه يجب مراجعة هذا الوضع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل ما يزيد على الشهرين أجرى الصحافي المصري في موقع “ذات مصر” أحمد سراج، حواراً صحافياً مع ندى مغيث زوجة رسام الكاريكاتير المصري أشرف عمر المعتقل منذ تموز/ يوليو الماضي، على خلفية تهم الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وبث شائعات وأخبار وبيانات كاذبة ونشرها، وإساءة استخدام إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن سراج لم يكن يعلم أن هذا الحوار سيكون السبب في أن يصبح زميلاً لأشرف عمر في السجن، بعد القبض عليه بتهم مشابهة.

بحسب الحوار المنشور تحدثت ندى عن ظروف اعتقال زوجها، والانتهاكات التي حصلت خلال اعتقاله، كالاستيلاء على بعض أغراضها الشخصية مثل أدوات الزينة الخاصة بها وخواتمها، إضافة إلى مبلغ من المال؛ استطاعت إثبات فقدان ربعه فقط، وبحسب الحوار أيضاً، طالبت ندى بالتحقيق في إجراءات القبض على زوجها.

عقب شهر من نشر الحوار، فوجئت ندى وسراج بصدور أوامر بالقبض عليهما، وإحالتهما إلى التحقيق أمام نيابة أمن الدولة منتصف كانون الثاني/ يناير الحالي، واستمر التحقيق معهما لمدة 5 ساعات، قبل أن يتم إخلاء سبيل ندى على ذمة القضية بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه، بينما قررت النيابة حبس سراج 15 يوماً في القضية رقم 7 لسنة 2025، ووُجهت إليه تهم نشر أخبار كاذبة، والانضمام إلى جماعة ارهابية، واستخدام موقع ألكتروني للترويج لأفكار إرهابية، وارتكاب جريمة من جرائم التمويل.

وقبل القبض على ندى وسراج بيومين فقط، أصدرت وزارة الداخلية المصرية بياناً نقلت فيه نفي مصدر أمني، صحة ما ورد في مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعى، تضمّن ادّعاء سيدة إلقاء القبض على زوجها، ومصادرة مبالغ مالية وبعض المتعلقات من محل سكنه أثناء ضبطه، من دون إثباتها فى محضر الضبط، في إشارة إلى حوار زوجة عمر.

حالة سراج ليست فريدة في الوسط الصحافي في مصر، فهناك صحافيون مصريون كثر تتم معاقبتهم بالحبس بسبب موادهم والقضايا التي يتناولونها، وتتراوح المدد التي يخضعون فيها للحبس بين بضعة أيام إلى سنوات.

بحسب “المرصد المصري للصحافة والإعلام” المعني بقضايا الحبس والانتهاكات بحق الصحافيين، فقد شهدت مصر 112 حالة اعتقال تعسفي ضد الصحافيين، في الفترة الممتدة من العام 2019 إلى العام 2024، و57 حالة توقيف واحتجاز غير قانوني في الفترة نفسها، كانت ذروتها في عام 2019، بواقع 31 حالة اعتقال تعسفي، و14 حالة توقيف غير قانوني، وهو العام الذي شهد دعوات للتظاهر ضد النظام المصري، أطلقها المعارض محمد علي من منفاه الاختياري في إسبانيا، وعلى إثرها شهدت مصر حملة اعتقالات واسعة، تركزت في مدينة القاهرة والسويس التي استجابت جزئياً للدعوة.

اختفاء ومنفى

من ضمن الصحافيين الذين تمت معاقبتهم بسبب موادهم الصحافية، كانت الصحافية المصرية بسمة مصطفى، التي تم اعتقالها في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، في مدينة الأقصر، أثناء رحلة عمل لتغطية مقتل مواطن على يد الشرطة في قرية العوامية.

وبحسب ما نشره موقع  “المنصة” الذي كانت تعمل فيه، فقد استوقف شرطي بسمة، وطلب الاطلاع على هويتها قبل أن يسمح لها بمواصلة رحلتها، إلا أنه ظل يلاحقها قبل أن تختفي وينقطع الاتصال بها، لتظهر في النيابة في اليوم التالي، وتواجه تهماً بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، واستخدام موقع بغرض النشر؛ وهي التهم نفسها التي تم توجيهها إلى سراج، ولتقرر النيابة حبسها لمدة 15 يوماً، قبل أن يقرر النائب العام إخلاء سبيلها بعد يومين، اضُطرت بعدها إلى ترك البلاد خوفاً من الملاحقة الأمنية، لتعيش بين لبنان وإحدى الدول الأفريقية، قبل تستقر نهائياً في ألمانيا.

وتتشابه حالة بسمة مع زميلها معتز ودنان في اضطرارهما إلى اختيار المنفى، إلا أنهما يختلفان في المدة التي أمضياها في السجن، فحظ بسمة كان أفضل من حظ ودنان، الذي أمضى ما يزيد على 3 سنوات كاملة في السجن، بسبب إجرائه حواراً صحافياً مع الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، لصالح موقع “هاف بوست عربي”، تحدث فيه عن  امتلاك رئيس أركان الجيش المصري الأسبق الفريق سامي عنان، مستندات تتضمن وثائق وأدلة تدين الكثير من القيادات في مصر، من دون أن يسميها في شباط/ فبراير 2018، مما تسبب في القبض عليه وحبسه بتهم بث أخبار وبيانات كاذبة ونشرها وإذاعتها، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية، في القضية رقم 1898 لسنة 2019 حصر أمن دولة، ثم أُحيل إلى المحاكمة أمام المحكمة العسكرية، وتم الإفراج عنه في تموز/ يوليو 2021، أي بعد مضي أكثر من 3 سنوات على اعتقاله.

مؤشر حرية الصحافة 

من جانبه، قال نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي إن “موقف النقابة واضح بأن إجراء الحوار ليس جريمة، لكن خلال العام الماضي تم توجيه تهم باطلة إلى العديد من الصحافيين، من بينها الانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حالة سراج تمت إضافة تهم ارتكاب جريمة التمويل، واستخدام موقع بغرض النشر، ويقضي الصحافيون سنوات في الحبس الاحتياطي بهذه التهم، إلى أن يتم الإفراج عنهم أو إحالة قضاياهم إلى المحكمة، أو تجميدها”.

 عدد لا بأس به من قضايا الصحافيين تكررت فيه تهم بالانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والآن أصبح لدينا تهم تتعلق بالتمويل أيضاً، الصحافيون يُتركون لسنوات في الحبس الاحتياطي، ثم يتم الإفراج عنهم وتُحال القضايا أو تُجمد وتظل على هذا الوضع، وهذا يعني أنه يجب مراجعة هذا الوضع.

“قضية سراج تكشف لنا ضرورة إعادة النظر في هذه التهم، وكذلك إعادة النظر في استخدام قانون مكافحة الإرهاب، لأن الحكومة تقول إن مرحلة الإرهاب الاستثنائية قد انتهت، لذلك يجب العودة إلى القوانين الطبيعية. والقانون الطبيعي يقول إنه إذا كان هناك شكوى بشأن الحوار الذي أجراه الصحافي، يجب أن تبدأ الإجراءات القضائية ببلاغ للنائب العام، الذي يستدعي الصحافي إلى التحقيق في إطار القانون، وليس إحالة الصحافي إلى محكمة أمن الدولة”، يقول البلشي.

ويضيف البلشي “المفارقة الأكبر في قضية سراج أنه تم القبض عليه بتهمة إجراء حوار مع طرف آخر حصل على إخلاء سبيل، بينما الصحافي هو من حُبس بتهم استخدام موقع للترويج لأفكار إرهابية، وهو موقع يعمل في مصر، ومتقدّم للترخيص ولا يملكه سراج إنما يعمل فيه، وحبس الصحافيين بسبب أدائهم عملهم، سيؤدي في النهاية إلى فقدان الصحافة قدرتها على التعبير عن الناس”.

في أيار/ مايو 2024 أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمي، فاحتلت مصر  المركز 170، بفارق 10 مراكز فقط تفصلها عن المركز الأخير، وسبقتها فلسطين والعراق واليمن وليبيا، وهي المناطق التي تشهد نزاعات في المنطقة العربية، في حين انتقدت 8 منظمات حقوقية، من بينها “هيومن رايتس ووتش” في آب/ أغسطس 2024 ما وصفته بأنه هجمة ضد حرية التعبير في مصر، مستشهدة بملاحقة 4 صحافيين من بينهم أشرف عمر، خلال الأسابيع القليلة التي سبقت البيان.

من جانبها اعتبرت المرشحة السابقة لعضوية مجلس نقابة الصحافيين في مصر إيمان عوف “القبض على الصحافي أحمد سراج مؤشر خطر إلى طريقة التعامل مع الصحافيين في مصر، لأنه غير متورط في كتابة تتناول أية آراء سياسية، إنما أجرى حواراً صحافياً فقط، ورد فيه كلام هو ملزم بنشره بمهنية، لأن هذه هي طبيعة العمل الصحافي، وهذا يختلف عن دواعي القبض على الصحافيين المعارضين للنظام”، مشيرة إلى أن “هذه الحالة ليست الأولى في مصر، فقد سبقتها حالات كثيرة، أبرزها إلقاء القبض على الصحافي معتز ودنان، على خلفية أداء عمله الصحافي”.

وشددت عوف على “ضرورة صياغة العلاقة بين الصحافة والسلطة، لأن الصحافة إذا تم قتلها عبر ملاحقة الصحافيين الذين يقومون بتأدية عملهم، ستكون البلاد في خطر، لأن الصحافة هي المنفذ الذي يعبّر فيه المواطن عن رأيه، ومنفذ الشكوى الوحيد له”، مقترحة “إجراء حوار موسع بين ممثلي الصحافة وعلى رأسها نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام والسلطة، لوضع قواعد حاكمة للتعامل مع الصحافيين”.

العمل الحقوقي والصحافي

إذا كان سراج يحاسَب على عمله الصحافي، فإن حسام بهجت يعاقَب على مجمل عمله الحقوقي والصحافي أيضاً، وسط رحلة طويلة من المضايقات بدأت منذ العام 2011، في ما يعرف بقضية التمويل الأجنبي رقم 173، حيث مُنع من السفر، وتم التحفظ على أمواله  بتاريخ 2016، في القضية نفسها التي اتُهم فيها عدد من المؤسسات الحقوقية، على رأسها “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”.

وفي 2015 احتُجز بهجت لمدة 3 أيام بشكل غير قانوني من قبل الشرطة العسكرية، بسبب نشره تحقيق صحافي في موقع “مدى مصر” المستقل، حول خطة للإطاحة بالنظام المصري.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر في عام 2021، صدر حكم بغرامة قدرها 10,000 آلاف جنيه ضد بهجت، بتهمة إهانة هيئة الانتخابات، ونشر أخبار كاذبة باستخدام حساب على وسائل التواصل الاجتماعي لارتكاب هذه الجرائم، في أعقاب نشره تغريدة ينتقد فيها الرئيس السابق للهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، على حسابه  في موقع “X”. 

وما زال بهجت يعاني من التحفظ على أمواله، برغم انتهاء التحقيقات رسمياً في قضية التمويل الأجنبي، بإعلان  قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق في القضية  المستشار أحمد قتلان، انتهاء التحقيقات التي فتحتها السلطات في عام 2011 ضد عدد من المراكز الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني؛ لعدم كفاية الأدلة، إلا أن بهجت ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة “قضايا المرأة المصرية” عزة سليمان ومدير مركز “هشام مبارك للقانون” مصطفى الحسن، ظلوا ممنوعين من التصرف بأموالهم بعد رفض محكمة جنايات القاهرة طلب رفع التحفظ عنها، بينما رُفعت أسماؤهم من قوائم الممنوعين من السفر.

وفي الثلث الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير الحالي، استُدعي بهجت للتحقيق بتهم مشاركة جماعة إرهابية وتمويلها، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، على خلفية نشر “المبادرة” بياناً حول إضراب المحتجزين بسجن العاشر 6 عن الطعام، بسبب سوء المعاملة، مطالبة النائب العام المستشار محمد شوقي بالانتقال الفوري بشخصه إلى مقر مركز الإصلاح والتأهيل العاشر 6، لتفتيش السجن وتفقد أحوال المحتجزين وسماع شكاواهم والتحقيق فيها، وتم إخلاء سبيله بكفالة 20 ألف جنيه.

ومن المقرر أن يراجع الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، سجل مصر الحقوقي في 28 كانون الثاني/ يناير 2025، وأمام وفد مصر مهمة صعبة في تبرير معاقبة الصحافيين على عملهم الصحافي.

"درج"
لبنان
29.01.2025
زمن القراءة: 7 minutes

 عدد لا بأس به من قضايا الصحافيين تكررت فيه تهم بالانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والآن أصبح لدينا تهم تتعلق بالتمويل أيضاً، الصحافيون يُتركون لسنوات في الحبس الاحتياطي، ثم يتم الإفراج عنهم وتُحال القضايا أو تُجمد وتظل على هذا الوضع، وهذا يعني أنه يجب مراجعة هذا الوضع.

قبل ما يزيد على الشهرين أجرى الصحافي المصري في موقع “ذات مصر” أحمد سراج، حواراً صحافياً مع ندى مغيث زوجة رسام الكاريكاتير المصري أشرف عمر المعتقل منذ تموز/ يوليو الماضي، على خلفية تهم الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وبث شائعات وأخبار وبيانات كاذبة ونشرها، وإساءة استخدام إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن سراج لم يكن يعلم أن هذا الحوار سيكون السبب في أن يصبح زميلاً لأشرف عمر في السجن، بعد القبض عليه بتهم مشابهة.

بحسب الحوار المنشور تحدثت ندى عن ظروف اعتقال زوجها، والانتهاكات التي حصلت خلال اعتقاله، كالاستيلاء على بعض أغراضها الشخصية مثل أدوات الزينة الخاصة بها وخواتمها، إضافة إلى مبلغ من المال؛ استطاعت إثبات فقدان ربعه فقط، وبحسب الحوار أيضاً، طالبت ندى بالتحقيق في إجراءات القبض على زوجها.

عقب شهر من نشر الحوار، فوجئت ندى وسراج بصدور أوامر بالقبض عليهما، وإحالتهما إلى التحقيق أمام نيابة أمن الدولة منتصف كانون الثاني/ يناير الحالي، واستمر التحقيق معهما لمدة 5 ساعات، قبل أن يتم إخلاء سبيل ندى على ذمة القضية بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه، بينما قررت النيابة حبس سراج 15 يوماً في القضية رقم 7 لسنة 2025، ووُجهت إليه تهم نشر أخبار كاذبة، والانضمام إلى جماعة ارهابية، واستخدام موقع ألكتروني للترويج لأفكار إرهابية، وارتكاب جريمة من جرائم التمويل.

وقبل القبض على ندى وسراج بيومين فقط، أصدرت وزارة الداخلية المصرية بياناً نقلت فيه نفي مصدر أمني، صحة ما ورد في مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعى، تضمّن ادّعاء سيدة إلقاء القبض على زوجها، ومصادرة مبالغ مالية وبعض المتعلقات من محل سكنه أثناء ضبطه، من دون إثباتها فى محضر الضبط، في إشارة إلى حوار زوجة عمر.

حالة سراج ليست فريدة في الوسط الصحافي في مصر، فهناك صحافيون مصريون كثر تتم معاقبتهم بالحبس بسبب موادهم والقضايا التي يتناولونها، وتتراوح المدد التي يخضعون فيها للحبس بين بضعة أيام إلى سنوات.

بحسب “المرصد المصري للصحافة والإعلام” المعني بقضايا الحبس والانتهاكات بحق الصحافيين، فقد شهدت مصر 112 حالة اعتقال تعسفي ضد الصحافيين، في الفترة الممتدة من العام 2019 إلى العام 2024، و57 حالة توقيف واحتجاز غير قانوني في الفترة نفسها، كانت ذروتها في عام 2019، بواقع 31 حالة اعتقال تعسفي، و14 حالة توقيف غير قانوني، وهو العام الذي شهد دعوات للتظاهر ضد النظام المصري، أطلقها المعارض محمد علي من منفاه الاختياري في إسبانيا، وعلى إثرها شهدت مصر حملة اعتقالات واسعة، تركزت في مدينة القاهرة والسويس التي استجابت جزئياً للدعوة.

اختفاء ومنفى

من ضمن الصحافيين الذين تمت معاقبتهم بسبب موادهم الصحافية، كانت الصحافية المصرية بسمة مصطفى، التي تم اعتقالها في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، في مدينة الأقصر، أثناء رحلة عمل لتغطية مقتل مواطن على يد الشرطة في قرية العوامية.

وبحسب ما نشره موقع  “المنصة” الذي كانت تعمل فيه، فقد استوقف شرطي بسمة، وطلب الاطلاع على هويتها قبل أن يسمح لها بمواصلة رحلتها، إلا أنه ظل يلاحقها قبل أن تختفي وينقطع الاتصال بها، لتظهر في النيابة في اليوم التالي، وتواجه تهماً بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، واستخدام موقع بغرض النشر؛ وهي التهم نفسها التي تم توجيهها إلى سراج، ولتقرر النيابة حبسها لمدة 15 يوماً، قبل أن يقرر النائب العام إخلاء سبيلها بعد يومين، اضُطرت بعدها إلى ترك البلاد خوفاً من الملاحقة الأمنية، لتعيش بين لبنان وإحدى الدول الأفريقية، قبل تستقر نهائياً في ألمانيا.

وتتشابه حالة بسمة مع زميلها معتز ودنان في اضطرارهما إلى اختيار المنفى، إلا أنهما يختلفان في المدة التي أمضياها في السجن، فحظ بسمة كان أفضل من حظ ودنان، الذي أمضى ما يزيد على 3 سنوات كاملة في السجن، بسبب إجرائه حواراً صحافياً مع الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، لصالح موقع “هاف بوست عربي”، تحدث فيه عن  امتلاك رئيس أركان الجيش المصري الأسبق الفريق سامي عنان، مستندات تتضمن وثائق وأدلة تدين الكثير من القيادات في مصر، من دون أن يسميها في شباط/ فبراير 2018، مما تسبب في القبض عليه وحبسه بتهم بث أخبار وبيانات كاذبة ونشرها وإذاعتها، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية، في القضية رقم 1898 لسنة 2019 حصر أمن دولة، ثم أُحيل إلى المحاكمة أمام المحكمة العسكرية، وتم الإفراج عنه في تموز/ يوليو 2021، أي بعد مضي أكثر من 3 سنوات على اعتقاله.

مؤشر حرية الصحافة 

من جانبه، قال نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي إن “موقف النقابة واضح بأن إجراء الحوار ليس جريمة، لكن خلال العام الماضي تم توجيه تهم باطلة إلى العديد من الصحافيين، من بينها الانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حالة سراج تمت إضافة تهم ارتكاب جريمة التمويل، واستخدام موقع بغرض النشر، ويقضي الصحافيون سنوات في الحبس الاحتياطي بهذه التهم، إلى أن يتم الإفراج عنهم أو إحالة قضاياهم إلى المحكمة، أو تجميدها”.

 عدد لا بأس به من قضايا الصحافيين تكررت فيه تهم بالانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والآن أصبح لدينا تهم تتعلق بالتمويل أيضاً، الصحافيون يُتركون لسنوات في الحبس الاحتياطي، ثم يتم الإفراج عنهم وتُحال القضايا أو تُجمد وتظل على هذا الوضع، وهذا يعني أنه يجب مراجعة هذا الوضع.

“قضية سراج تكشف لنا ضرورة إعادة النظر في هذه التهم، وكذلك إعادة النظر في استخدام قانون مكافحة الإرهاب، لأن الحكومة تقول إن مرحلة الإرهاب الاستثنائية قد انتهت، لذلك يجب العودة إلى القوانين الطبيعية. والقانون الطبيعي يقول إنه إذا كان هناك شكوى بشأن الحوار الذي أجراه الصحافي، يجب أن تبدأ الإجراءات القضائية ببلاغ للنائب العام، الذي يستدعي الصحافي إلى التحقيق في إطار القانون، وليس إحالة الصحافي إلى محكمة أمن الدولة”، يقول البلشي.

ويضيف البلشي “المفارقة الأكبر في قضية سراج أنه تم القبض عليه بتهمة إجراء حوار مع طرف آخر حصل على إخلاء سبيل، بينما الصحافي هو من حُبس بتهم استخدام موقع للترويج لأفكار إرهابية، وهو موقع يعمل في مصر، ومتقدّم للترخيص ولا يملكه سراج إنما يعمل فيه، وحبس الصحافيين بسبب أدائهم عملهم، سيؤدي في النهاية إلى فقدان الصحافة قدرتها على التعبير عن الناس”.

في أيار/ مايو 2024 أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمي، فاحتلت مصر  المركز 170، بفارق 10 مراكز فقط تفصلها عن المركز الأخير، وسبقتها فلسطين والعراق واليمن وليبيا، وهي المناطق التي تشهد نزاعات في المنطقة العربية، في حين انتقدت 8 منظمات حقوقية، من بينها “هيومن رايتس ووتش” في آب/ أغسطس 2024 ما وصفته بأنه هجمة ضد حرية التعبير في مصر، مستشهدة بملاحقة 4 صحافيين من بينهم أشرف عمر، خلال الأسابيع القليلة التي سبقت البيان.

من جانبها اعتبرت المرشحة السابقة لعضوية مجلس نقابة الصحافيين في مصر إيمان عوف “القبض على الصحافي أحمد سراج مؤشر خطر إلى طريقة التعامل مع الصحافيين في مصر، لأنه غير متورط في كتابة تتناول أية آراء سياسية، إنما أجرى حواراً صحافياً فقط، ورد فيه كلام هو ملزم بنشره بمهنية، لأن هذه هي طبيعة العمل الصحافي، وهذا يختلف عن دواعي القبض على الصحافيين المعارضين للنظام”، مشيرة إلى أن “هذه الحالة ليست الأولى في مصر، فقد سبقتها حالات كثيرة، أبرزها إلقاء القبض على الصحافي معتز ودنان، على خلفية أداء عمله الصحافي”.

وشددت عوف على “ضرورة صياغة العلاقة بين الصحافة والسلطة، لأن الصحافة إذا تم قتلها عبر ملاحقة الصحافيين الذين يقومون بتأدية عملهم، ستكون البلاد في خطر، لأن الصحافة هي المنفذ الذي يعبّر فيه المواطن عن رأيه، ومنفذ الشكوى الوحيد له”، مقترحة “إجراء حوار موسع بين ممثلي الصحافة وعلى رأسها نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام والسلطة، لوضع قواعد حاكمة للتعامل مع الصحافيين”.

العمل الحقوقي والصحافي

إذا كان سراج يحاسَب على عمله الصحافي، فإن حسام بهجت يعاقَب على مجمل عمله الحقوقي والصحافي أيضاً، وسط رحلة طويلة من المضايقات بدأت منذ العام 2011، في ما يعرف بقضية التمويل الأجنبي رقم 173، حيث مُنع من السفر، وتم التحفظ على أمواله  بتاريخ 2016، في القضية نفسها التي اتُهم فيها عدد من المؤسسات الحقوقية، على رأسها “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”.

وفي 2015 احتُجز بهجت لمدة 3 أيام بشكل غير قانوني من قبل الشرطة العسكرية، بسبب نشره تحقيق صحافي في موقع “مدى مصر” المستقل، حول خطة للإطاحة بالنظام المصري.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر في عام 2021، صدر حكم بغرامة قدرها 10,000 آلاف جنيه ضد بهجت، بتهمة إهانة هيئة الانتخابات، ونشر أخبار كاذبة باستخدام حساب على وسائل التواصل الاجتماعي لارتكاب هذه الجرائم، في أعقاب نشره تغريدة ينتقد فيها الرئيس السابق للهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، على حسابه  في موقع “X”. 

وما زال بهجت يعاني من التحفظ على أمواله، برغم انتهاء التحقيقات رسمياً في قضية التمويل الأجنبي، بإعلان  قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق في القضية  المستشار أحمد قتلان، انتهاء التحقيقات التي فتحتها السلطات في عام 2011 ضد عدد من المراكز الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني؛ لعدم كفاية الأدلة، إلا أن بهجت ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة “قضايا المرأة المصرية” عزة سليمان ومدير مركز “هشام مبارك للقانون” مصطفى الحسن، ظلوا ممنوعين من التصرف بأموالهم بعد رفض محكمة جنايات القاهرة طلب رفع التحفظ عنها، بينما رُفعت أسماؤهم من قوائم الممنوعين من السفر.

وفي الثلث الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير الحالي، استُدعي بهجت للتحقيق بتهم مشاركة جماعة إرهابية وتمويلها، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، على خلفية نشر “المبادرة” بياناً حول إضراب المحتجزين بسجن العاشر 6 عن الطعام، بسبب سوء المعاملة، مطالبة النائب العام المستشار محمد شوقي بالانتقال الفوري بشخصه إلى مقر مركز الإصلاح والتأهيل العاشر 6، لتفتيش السجن وتفقد أحوال المحتجزين وسماع شكاواهم والتحقيق فيها، وتم إخلاء سبيله بكفالة 20 ألف جنيه.

ومن المقرر أن يراجع الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، سجل مصر الحقوقي في 28 كانون الثاني/ يناير 2025، وأمام وفد مصر مهمة صعبة في تبرير معاقبة الصحافيين على عملهم الصحافي.