fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سقوط النظام السوري… فرحة كرديّة عارمة بنكهة منقوصة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان واضحاً حجم الأفكار والتطلعات والمخاوف التي تقاطعت في تفكير وتحليل الكثير من الكورد لليوم التالي على سقوط بشار الأسد، وهي التي أرخت بظلالها على فرحتنا، وترددت بيننا أسئلة مثل، “كيف أفلت بشار الأسد من العقاب والمحكمة والعدالة؟”، “من سيحكم دمشق؟”، و”ما مصير القضية والحقوق الكردية؟”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سعيت جاهداً كي أبقى مستيقظاً في ليلة سيطرة المعارضة السورية المسلحة على حمص؛ حالي كحال “جميع” السوريين، آملاً بسماع صوت أحد الزملاء الصحافيين وهو يُعلن سقوط النظام، لكن خانتني قوايّ واستسلمت للنوم، لم يُقظني سوى صوت ابنتي “كارين” تتهيأ للذهاب إلى حضانة الأطفال.

أول ما فعلته حين استيقظت أني فتشت في هاتفي المحمول، لتقع عيناي على رسالة من معتقل سياسي سابق وقيادي في المنظمة الآشورية “كابرئيل موشي”، نشرها في مجموعة الـ”واتسآب” الخاصة بجبهة السلام والحرية قائلاً: “مبرووووك الحرية للشعب السوري، انتهى الأسد انتهى للأبد”. 

تجوّلنا في أحياء القامشلي بعد سقوط الأسد، كُنا مزيجاً غريباً ممن كانوا على خلاف فكري أو سياسي أو حزبي أو شخصي. وفي شوارع قامشلي وساحاتها الرئيسية، فرحنا ورقصنا، احتفينا بأعلامنا ورموز الثورة. لكن، ثمة مُنغصات قزّمت فرحتنا. 

استغربنا نحن مجموعة من الشباب الأكراد، لماذا لم تكن الفرحة موازية لعذاباتِ /14/ عاماً، بل لمظلومية أكثر من نصف قرن. بكل تأكيد لا يندم على نهاية حقبة الأسد، إلا من عاش سعيداً في كنف الاستبداد، مع ذلك يبقى السؤال مشروعاً، لماذا كانت الفرحة كبيرة في قلوبنا، وملجومة بسلوكنا، رغم الكثافة العددية للمحتفلين سواء في الساحات أو عبر مواكب السيارات. علماً أنه لا مناصرة للكرد إلا مع السوريين، في هذه المحنة الجماعية.

مخاوف من المستقبل 

كان واضحاً حجم الأفكار والتطلعات والمخاوف التي تقاطعت في تفكيرنا وتحليلنا لليوم التالي على السقوط، وهي التي أرخت بظلالها على فرحتنا، وترددت بيننا أسئلة مثل، “كيف أفلت بشار الأسد من العقاب والمحكمة والعدالة؟”، “من سيحكم دمشق؟”، و”ما مصير القضية والحقوق الكردية؟”، “هل سنعود الى المركزية المميتة للحياة السياسية والحريات؟” وغيرها من الأسئلة التي قادتنا نحو حقيقة مفادها أن الأيام المقبلة أكثر شدةً مما نحن عليه الآن.

 انقسم السوريون الى ملل وأطراف وكياناتٍ مختلفة، ولا بد من إطار هويّاتي جامع يلم شتات السوريين في كل مكان، فمع الانهيار الأخير لنظام الأسد في سوريا، تغيرت قواعد اللعبة بشكل كبير، وإذا كان “الجولاني” قدم الكثير من الإشارات والسلوكيات التي يرغب من ورائها في تأكيد غياب أي شكل من أشكال العلاقة الفكرية أو السلوكية مع “القاعدة” أو غيرها.

 قدم الشرع وعبر حكومة الإنقاذ، سرديات وادعاءات على نجاح عمل حكومته أكثر من باقي الحكومات في سوريا، ما خلا الموقف من الحريات العامة، وبخاصة في قضية الصحافيين في إدلب. وقد حجزت طبيعة العلاقة التي سيبنيها الجولاني، أو أحمد الشرع، وهو اسمه الحقيقي، مع المكونات والقوميات، مكاناً في تفكيرنا أثناء أهازيج النصر، فهل من المعقول أن يتحول الحكم في سوريا إلى الإسلام السياسي؟

على رغم رسائل الطمأنة التي سعى الى ترسيخها لدى الكرد والإسماعيليين والدروز والمسيحيين وغيرهم، بقيت مخاوفنا مشروعة، بخاصة وأننا نعيش في شرق الفرات، في سلة سوريا الغذائية، ضمن بلدٍ مُدمر اقتصادياً، وتسيطر عليه قوة عسكرية جديدة، لن يُرضيها أن تبقى محرومة، أو تحصل على “حصة” من “غنائم “الثروات الطبيعية، بل ستعمل المستحيل في سبيلها، لكن كيف وما هي الآلية؟

 الأمر الآخر الذي نغّص فرحتنا، كان طبيعة العلاقة بين الكرد في سوريا، فالإدارة الذاتية تتصرف وكأنها هي من أسقطت النظام وقدمت كل التسهيلات اللازمة لذلك، أو كأنها لم تكن تعارض المعارضة السورية، أو لم تتهم كل مُخالف لها بالعمالة والخيانة!

مخاوفنا كانت حول كيف سيتصرف الكرد حيال هذه الأزمة، هل من طريق لوفد كردي مشترك على قاعدة الحقوق القومية للشعب الكردي، أم ستستمر الإدارة الذاتية في طروحاتها الغريبة وغير “المهضومة” في الوسط الكردي، مثل الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب …إلخ، والخوف الأكبر كان على ما تبقى من الجغرافيا الكردية؛ في ما لو نشبت معارك بين الجولاني وقسد، وهي في النهاية ستكون مسرحاً للطائرات التركية المسيرة، ومشاركة فصائل المعارضة المسلحة.

أخذنا التفكير صوب أخطر بقاع العالم، مخيم الهول، حيث “دويلة” خاصة بــ”50″ ألف سجين من مقاتلي وعوائل تنظيم داعش ضمن المعتقلات التي خصصتها لهم قوات سوريا الديمقراطية، وهم المقاتلون الذين شكلوا خطراً حيوياً ووجودياً على الأمن القومي الاستراتيجي الأميركي في المنطقة، فإنهم يُشكلون أكبر خطر يُهدد البشرية وأميركا وسوريا والكرد، وفي انتظار الإدارة الأميركية الجديدة لوضع حلول لسوريا.

إلى ذلك الحين، يُمكن القول إنها فرصة تاريخية لنا كسوريين أن نثبت أحقيتنا في إدارة بلادنا، هذه البلاد التي لم تكن يوماً مُتشكلة من دين أو قومية واحدة فقط. ومع شلالات الدم التي أريقت في سوريا، ليس من السهل إقناع الجميع ببضع جمل مُطمئنة حول العيش المشترك والمصير الواحد… لا أبداً، بل إن قصة الوطن الواحد تبدأ مع الهويّة الجامعة، وحقوق الهويّات الفرعية، ومنح الصلاحيات للأطراف وتشكيل الإدارات أو الحكومات التي ترتبط بالعاصمة الاتحادية. وتبدأ من اليقين بأن أجيالاً راحت تكبر على وقع الحرمان، بعدما شاهدت آباءها يشيخون وراء حقوقهم القومية والوطنية.

17.12.2024
زمن القراءة: 4 minutes

كان واضحاً حجم الأفكار والتطلعات والمخاوف التي تقاطعت في تفكير وتحليل الكثير من الكورد لليوم التالي على سقوط بشار الأسد، وهي التي أرخت بظلالها على فرحتنا، وترددت بيننا أسئلة مثل، “كيف أفلت بشار الأسد من العقاب والمحكمة والعدالة؟”، “من سيحكم دمشق؟”، و”ما مصير القضية والحقوق الكردية؟”

سعيت جاهداً كي أبقى مستيقظاً في ليلة سيطرة المعارضة السورية المسلحة على حمص؛ حالي كحال “جميع” السوريين، آملاً بسماع صوت أحد الزملاء الصحافيين وهو يُعلن سقوط النظام، لكن خانتني قوايّ واستسلمت للنوم، لم يُقظني سوى صوت ابنتي “كارين” تتهيأ للذهاب إلى حضانة الأطفال.

أول ما فعلته حين استيقظت أني فتشت في هاتفي المحمول، لتقع عيناي على رسالة من معتقل سياسي سابق وقيادي في المنظمة الآشورية “كابرئيل موشي”، نشرها في مجموعة الـ”واتسآب” الخاصة بجبهة السلام والحرية قائلاً: “مبرووووك الحرية للشعب السوري، انتهى الأسد انتهى للأبد”. 

تجوّلنا في أحياء القامشلي بعد سقوط الأسد، كُنا مزيجاً غريباً ممن كانوا على خلاف فكري أو سياسي أو حزبي أو شخصي. وفي شوارع قامشلي وساحاتها الرئيسية، فرحنا ورقصنا، احتفينا بأعلامنا ورموز الثورة. لكن، ثمة مُنغصات قزّمت فرحتنا. 

استغربنا نحن مجموعة من الشباب الأكراد، لماذا لم تكن الفرحة موازية لعذاباتِ /14/ عاماً، بل لمظلومية أكثر من نصف قرن. بكل تأكيد لا يندم على نهاية حقبة الأسد، إلا من عاش سعيداً في كنف الاستبداد، مع ذلك يبقى السؤال مشروعاً، لماذا كانت الفرحة كبيرة في قلوبنا، وملجومة بسلوكنا، رغم الكثافة العددية للمحتفلين سواء في الساحات أو عبر مواكب السيارات. علماً أنه لا مناصرة للكرد إلا مع السوريين، في هذه المحنة الجماعية.

مخاوف من المستقبل 

كان واضحاً حجم الأفكار والتطلعات والمخاوف التي تقاطعت في تفكيرنا وتحليلنا لليوم التالي على السقوط، وهي التي أرخت بظلالها على فرحتنا، وترددت بيننا أسئلة مثل، “كيف أفلت بشار الأسد من العقاب والمحكمة والعدالة؟”، “من سيحكم دمشق؟”، و”ما مصير القضية والحقوق الكردية؟”، “هل سنعود الى المركزية المميتة للحياة السياسية والحريات؟” وغيرها من الأسئلة التي قادتنا نحو حقيقة مفادها أن الأيام المقبلة أكثر شدةً مما نحن عليه الآن.

 انقسم السوريون الى ملل وأطراف وكياناتٍ مختلفة، ولا بد من إطار هويّاتي جامع يلم شتات السوريين في كل مكان، فمع الانهيار الأخير لنظام الأسد في سوريا، تغيرت قواعد اللعبة بشكل كبير، وإذا كان “الجولاني” قدم الكثير من الإشارات والسلوكيات التي يرغب من ورائها في تأكيد غياب أي شكل من أشكال العلاقة الفكرية أو السلوكية مع “القاعدة” أو غيرها.

 قدم الشرع وعبر حكومة الإنقاذ، سرديات وادعاءات على نجاح عمل حكومته أكثر من باقي الحكومات في سوريا، ما خلا الموقف من الحريات العامة، وبخاصة في قضية الصحافيين في إدلب. وقد حجزت طبيعة العلاقة التي سيبنيها الجولاني، أو أحمد الشرع، وهو اسمه الحقيقي، مع المكونات والقوميات، مكاناً في تفكيرنا أثناء أهازيج النصر، فهل من المعقول أن يتحول الحكم في سوريا إلى الإسلام السياسي؟

على رغم رسائل الطمأنة التي سعى الى ترسيخها لدى الكرد والإسماعيليين والدروز والمسيحيين وغيرهم، بقيت مخاوفنا مشروعة، بخاصة وأننا نعيش في شرق الفرات، في سلة سوريا الغذائية، ضمن بلدٍ مُدمر اقتصادياً، وتسيطر عليه قوة عسكرية جديدة، لن يُرضيها أن تبقى محرومة، أو تحصل على “حصة” من “غنائم “الثروات الطبيعية، بل ستعمل المستحيل في سبيلها، لكن كيف وما هي الآلية؟

 الأمر الآخر الذي نغّص فرحتنا، كان طبيعة العلاقة بين الكرد في سوريا، فالإدارة الذاتية تتصرف وكأنها هي من أسقطت النظام وقدمت كل التسهيلات اللازمة لذلك، أو كأنها لم تكن تعارض المعارضة السورية، أو لم تتهم كل مُخالف لها بالعمالة والخيانة!

مخاوفنا كانت حول كيف سيتصرف الكرد حيال هذه الأزمة، هل من طريق لوفد كردي مشترك على قاعدة الحقوق القومية للشعب الكردي، أم ستستمر الإدارة الذاتية في طروحاتها الغريبة وغير “المهضومة” في الوسط الكردي، مثل الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب …إلخ، والخوف الأكبر كان على ما تبقى من الجغرافيا الكردية؛ في ما لو نشبت معارك بين الجولاني وقسد، وهي في النهاية ستكون مسرحاً للطائرات التركية المسيرة، ومشاركة فصائل المعارضة المسلحة.

أخذنا التفكير صوب أخطر بقاع العالم، مخيم الهول، حيث “دويلة” خاصة بــ”50″ ألف سجين من مقاتلي وعوائل تنظيم داعش ضمن المعتقلات التي خصصتها لهم قوات سوريا الديمقراطية، وهم المقاتلون الذين شكلوا خطراً حيوياً ووجودياً على الأمن القومي الاستراتيجي الأميركي في المنطقة، فإنهم يُشكلون أكبر خطر يُهدد البشرية وأميركا وسوريا والكرد، وفي انتظار الإدارة الأميركية الجديدة لوضع حلول لسوريا.

إلى ذلك الحين، يُمكن القول إنها فرصة تاريخية لنا كسوريين أن نثبت أحقيتنا في إدارة بلادنا، هذه البلاد التي لم تكن يوماً مُتشكلة من دين أو قومية واحدة فقط. ومع شلالات الدم التي أريقت في سوريا، ليس من السهل إقناع الجميع ببضع جمل مُطمئنة حول العيش المشترك والمصير الواحد… لا أبداً، بل إن قصة الوطن الواحد تبدأ مع الهويّة الجامعة، وحقوق الهويّات الفرعية، ومنح الصلاحيات للأطراف وتشكيل الإدارات أو الحكومات التي ترتبط بالعاصمة الاتحادية. وتبدأ من اليقين بأن أجيالاً راحت تكبر على وقع الحرمان، بعدما شاهدت آباءها يشيخون وراء حقوقهم القومية والوطنية.

17.12.2024
زمن القراءة: 4 minutes
آخر القصص
“يا ريت” يمكن تغيير الواقع بخطاب لنعيم قاسم!
حسن عباس - كاتب وصحافي لبناني | 23.04.2025
روما تتسلّم “شعلة” التفاوض من مسقط
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.04.2025

اشترك بنشرتنا البريدية