fbpx

سلطة المدرسة الأبوية تفصل طالباً مصرياً بعد اتهامه بالمثلية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

طالب مدرسة الرواد لم يكن الأول ولن يكون الأخير، في الوصم والاضطهاد ضد الأقليات، لكن مجتمعنا العربي في حاجة ماسة إلى زيادة الوعي بقبول الآخر، وعدم فرض الوصاية على الآخرين، لمجرد اختلافهم، هذا التغيير لن يأتي إلا إذا آمنا به نحن أولاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رافقني رهاب مستمر طيلة أيام الدراسة، تحت مُسمى “هيبة المُعلم”، إذ كان المعلمون يحاولون فرض شخصيتهم- أو لنقُل وصايتهم- على الطلاب ولا مانع من بعض الحديث عن أجيال من سبقونا وهيبة الأساتذة آنذاك… لإشعار الطلاب بالمزيد من النقص والذنوب.

منذ أيام نشر طالب في مدرسة “الرواد الدولية” المصرية، عبر حسابه في “إنستغرام” فيديو يحكي فيه عن مشكلة واجهته في المدرسة وهي أن مديرة القسم استدعت والده وأخبرته بفصل نجله بعد اتهامه بـ”الشذوذ الجنسي”.

وبرغم حذف الفيديو، من على حساب الطالب في “إنستغرام”، إلا أن صدى هذا الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، اضُطر إدارة المدرسة إلى التعقيب عليه، ففي تصريحات صحافية، أكدت نائبة مدير عام مدرسة الرواد “نسرين الساركي”:

“إدارة المدرسة حصلت على رسائل نصية غير لائقة  بتطبيق (واتساب) بين الطالب وزملائه، ما استدعى تدخل المدرسة والتواصل مع ولي أمره، ليكون لديه علم بما يقوم به الطالب بشكل لا يليق بصورة المدرسة”.

C:\Users\mohamed\Desktop\276173848_10159715083579454_6128578946519234738_n.jpg

وأشارت إلى أن “المديرة لم تمنعه عن حضور المدرسة وأمرت باستكماله للعام الدراسي مؤكدة أحقية المدرسة في التربية أولاً قبل التعليم”.

لا دلالات على التغيير الذي نرجوه، بخصوص طريقة تعامل المعلمين مع الطلاب، بخاصة في طريقة تناول القضايا الشخصية والسلوكية للطلاب، التي لا تنتمي إلى المناهج الدراسية، ولكنها حتماً تنتمي إلى المدرسة، باعتبارها مهد تكوين شخصيات وعقليات الطلاب. 

يضعنا تصريح نائبة مدير المدرسة وتعليق الطالب أمام صراع بين جيلين يمكن وصفه بالطبقي. فلا تزال المدرسة تنظر إلى طلابها من منظور فوقي وتتبنى الخطاب التقليدي المشوب بالسلطوية دون أي تجديد. 

مسؤولة في المدرسة ترى أن الأخيرة يمكنها تحديد الهوية الجنسية للطلاب من خلال رسائل (واتساب)، بل وترى أنها بيدها الحق في وضع الأطر التي يجب ألا يحيد عنها ميول الطلاب وإلا اعتُبروا آثمين، ويحق للمدرسة حينها وصمهم ونبذهم. 

على النقيض، يأتي منظور شريحة في الجيل الجديد متمثلاً في وجهة نظر الطالب صاحب المشكلة، الذي نفى ما وجه إليه عن ميوله الجنسية، لكنه لم يتردد في مشاركة مشكلته على منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك تحدث عن (الهوموفوبيا) أو ما يُدعى برهاب المثلية الجنسية، واستنكر ممارسة المدرسة لذلك الرهاب على الطلاب إلى الآن، بدلاً من التوعية به والوقوف ضده. 

لكن هل يكفي حديث هذا الجيل عبر الإنترنت لخلق التجديد الذي يبغونه؟

على المتضرر اللجوء للقضاء

وفق دراسة أُجريت العام الماضي 2021 على 3200 من طلاب المدارس الثانوية في بيتسبرغ في ولاية بنسيلفانيا في الولايات المتحدة، أن ما يقرب من 10 في المئة من الطلاب عرّفوا أنفسهم على أنهم عابرون جنسياً أو مثليون. بغض النظر عن العدد الدقيق، تحتاج المؤسسات التعليمية إلى التعرف إلى كيفية احترام خصوصية هؤلاء الطلاب، وحماية صحتهم العقلية والنفسية. وهو ما جعل المؤسسات المدنية والحقوقية تلجأ للقضاء، من أجل تأمين مسار قانوني يمكنهم من معاقبة مرتكبي التمييز، في أي زمان ومكان.

 أقرت المحاكم والوكالات الفيدرالية بعض الأحكام، وهي أن الطلاب المتنوعين من الجنسين يتمتعون بنفس الحقوق الأساسية الممنوحة لجميع الطلاب، والتي لا يمكن إنكارها على أساس الهوية الجنسية، بما في ذلك:  الحق في عدم التعرض للتأديب أو المعاملة بشكل مختلف لأنهم متحولون جنسياً أو غير متوافقين مع نوع الجنس. الحق في المعاملة باحترام وعدم التعرض للمضايقة أو التنمر. فمن واجب المؤسسات التعليمية منع التحرش الجنسي، بما في ذلك التحرش على أساس الهوية الجنسية. والحق في عدم الاضطرار إلى تقديم معلومات شخصية وطبية لمسؤولي المدرسة. وبالمثل، على مسؤولي المدرسة عدم الكشف عن المعلومات الشخصية المتعلقة بالطلاب العابرين جنسياً، بما في ذلك جنس الطالب عند الولادة، أو التاريخ الطبي، أو الهوية الجنسية، أو التحول الجنسي- من دون موافقة الطالب أو والديه.

ربما نبتعد كثيراً الآن، من إمكانية اتخاذ مسار قضائي حقيقي، والذي لا بد أن نلجأ إليه يوماً ما، ليس لإنشاء قوانين تمنع التمييز ضد الأقليات الجنسية فقط، ولكن ضد أي أقليات أياً كانت كنيتها وهويتها. فوفقاً لتقرير أجرته (BBC News Arabic) عام 2019، لا يقبل المثلية الجنسية في تونس سوى 7 في المئة، ومع ذلك، استؤنفت الدعوة التونسية للمثليين في ظل النظام التونسي الحالي، على رغم تأثرها بالأحزاب السياسية الإسلامية إلى وقت قريب. وبرغم صعوبة ذلك الطرح حالياً، وعدم جديته، نجحت بلدان عربية في إيصال قضايا مجتمع الميم إلى القضاء مثل تونس ولبنان

مشكلات العالم الثالث: نصف مؤيد/ نصف معارض

لاقت قضية طالب مدرسة الرواد صدى واسعاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، وما بين مؤيد ومعارض، وقفت بعض الآراء في المنتصف متسائلة، عن مدى صحة التعاطف مع مثل هكذا قضايا “في دول العالم الثالث”، فربما لا ينوب صاحبها جراء هذا التعاطف إلا الضرر والوصم المجتمعي، غير أن قضايا مثل قضايا المرأة لا تزال محل جدال بين عموم الناس.

بالنظر إلى دمج قضايا حقوق مجتمع الميم على نطاق عالمي، يجد كثر من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنفسهم في موقف غامض بين القيم العالمية المزعومة النابعة من الغرب والقيم التقليدية والدينية في أوطانهم.

على رغم أن ظروف مجتمعات المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والعابرين جنسياً (LGBT) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يُنظر إليها على أنها من بين الأسوأ في جميع أنحاء العالم، إلا أن هناك المزيد من الحركات التي تدعم حقوق مجتمع الميم في المنطقة وتدافع عن قضيتهم بشكل علني، مثل “هيومن رايتس ووتش”، و”المؤسسة العربية للحريات والمساواة”.

قال أحمد بن شمسي، مدير الاتصال في “هيومن رايتس ووتش” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:

 “جميع دول المنطقة تجرم المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي بتهمة الفجور والفساد وانتهاك الأخلاق العامة. النشطاء يساهمون في تغيير ذلك من خلال نشر الوعي في وسائل التواصل الاجتماعي، وتطوير الشبكات الإقليمية وتحدي القوانين القمعية”.

طالب مدرسة الرواد لم يكن الأول ولن يكون الأخير، في الوصم والاضطهاد ضد الأقليات، لكن مجتمعنا العربي في حاجة ماسة إلى زيادة الوعي بقبول الآخر، وعدم فرض الوصاية على الآخرين، لمجرد اختلافهم، هذا التغيير لن يأتي إلا إذا آمنا به نحن أولاً.

إقرأوا أيضاً:

رمزي البشراوي- صحفي تونسي | 09.11.2024

حتى الفيلة لم يعد لها مكان في تونس!

اضطرت إدارة حديقة "فريڨيا" للحيوانات في تونس إلى نقل 3 فيلة إلى الهند كونها بحاجة إلى "رعاية متخصصة لدعم سلامتها الجسدية والنفسية". يبدو أن جبروت النظام التونسي وسطوته تجاوزا البشر وامتدّا إلى الحيوان، وفي انتظار أن يصلا إلى النبات قريباً، كل شيء حي في هذه البلاد مهدد بالاضطهاد والتنكيل إذا لم يصفق للزعيم ويهلل له!
29.03.2022
زمن القراءة: 4 minutes

طالب مدرسة الرواد لم يكن الأول ولن يكون الأخير، في الوصم والاضطهاد ضد الأقليات، لكن مجتمعنا العربي في حاجة ماسة إلى زيادة الوعي بقبول الآخر، وعدم فرض الوصاية على الآخرين، لمجرد اختلافهم، هذا التغيير لن يأتي إلا إذا آمنا به نحن أولاً.

رافقني رهاب مستمر طيلة أيام الدراسة، تحت مُسمى “هيبة المُعلم”، إذ كان المعلمون يحاولون فرض شخصيتهم- أو لنقُل وصايتهم- على الطلاب ولا مانع من بعض الحديث عن أجيال من سبقونا وهيبة الأساتذة آنذاك… لإشعار الطلاب بالمزيد من النقص والذنوب.

منذ أيام نشر طالب في مدرسة “الرواد الدولية” المصرية، عبر حسابه في “إنستغرام” فيديو يحكي فيه عن مشكلة واجهته في المدرسة وهي أن مديرة القسم استدعت والده وأخبرته بفصل نجله بعد اتهامه بـ”الشذوذ الجنسي”.

وبرغم حذف الفيديو، من على حساب الطالب في “إنستغرام”، إلا أن صدى هذا الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، اضُطر إدارة المدرسة إلى التعقيب عليه، ففي تصريحات صحافية، أكدت نائبة مدير عام مدرسة الرواد “نسرين الساركي”:

“إدارة المدرسة حصلت على رسائل نصية غير لائقة  بتطبيق (واتساب) بين الطالب وزملائه، ما استدعى تدخل المدرسة والتواصل مع ولي أمره، ليكون لديه علم بما يقوم به الطالب بشكل لا يليق بصورة المدرسة”.

C:\Users\mohamed\Desktop\276173848_10159715083579454_6128578946519234738_n.jpg

وأشارت إلى أن “المديرة لم تمنعه عن حضور المدرسة وأمرت باستكماله للعام الدراسي مؤكدة أحقية المدرسة في التربية أولاً قبل التعليم”.

لا دلالات على التغيير الذي نرجوه، بخصوص طريقة تعامل المعلمين مع الطلاب، بخاصة في طريقة تناول القضايا الشخصية والسلوكية للطلاب، التي لا تنتمي إلى المناهج الدراسية، ولكنها حتماً تنتمي إلى المدرسة، باعتبارها مهد تكوين شخصيات وعقليات الطلاب. 

يضعنا تصريح نائبة مدير المدرسة وتعليق الطالب أمام صراع بين جيلين يمكن وصفه بالطبقي. فلا تزال المدرسة تنظر إلى طلابها من منظور فوقي وتتبنى الخطاب التقليدي المشوب بالسلطوية دون أي تجديد. 

مسؤولة في المدرسة ترى أن الأخيرة يمكنها تحديد الهوية الجنسية للطلاب من خلال رسائل (واتساب)، بل وترى أنها بيدها الحق في وضع الأطر التي يجب ألا يحيد عنها ميول الطلاب وإلا اعتُبروا آثمين، ويحق للمدرسة حينها وصمهم ونبذهم. 

على النقيض، يأتي منظور شريحة في الجيل الجديد متمثلاً في وجهة نظر الطالب صاحب المشكلة، الذي نفى ما وجه إليه عن ميوله الجنسية، لكنه لم يتردد في مشاركة مشكلته على منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك تحدث عن (الهوموفوبيا) أو ما يُدعى برهاب المثلية الجنسية، واستنكر ممارسة المدرسة لذلك الرهاب على الطلاب إلى الآن، بدلاً من التوعية به والوقوف ضده. 

لكن هل يكفي حديث هذا الجيل عبر الإنترنت لخلق التجديد الذي يبغونه؟

على المتضرر اللجوء للقضاء

وفق دراسة أُجريت العام الماضي 2021 على 3200 من طلاب المدارس الثانوية في بيتسبرغ في ولاية بنسيلفانيا في الولايات المتحدة، أن ما يقرب من 10 في المئة من الطلاب عرّفوا أنفسهم على أنهم عابرون جنسياً أو مثليون. بغض النظر عن العدد الدقيق، تحتاج المؤسسات التعليمية إلى التعرف إلى كيفية احترام خصوصية هؤلاء الطلاب، وحماية صحتهم العقلية والنفسية. وهو ما جعل المؤسسات المدنية والحقوقية تلجأ للقضاء، من أجل تأمين مسار قانوني يمكنهم من معاقبة مرتكبي التمييز، في أي زمان ومكان.

 أقرت المحاكم والوكالات الفيدرالية بعض الأحكام، وهي أن الطلاب المتنوعين من الجنسين يتمتعون بنفس الحقوق الأساسية الممنوحة لجميع الطلاب، والتي لا يمكن إنكارها على أساس الهوية الجنسية، بما في ذلك:  الحق في عدم التعرض للتأديب أو المعاملة بشكل مختلف لأنهم متحولون جنسياً أو غير متوافقين مع نوع الجنس. الحق في المعاملة باحترام وعدم التعرض للمضايقة أو التنمر. فمن واجب المؤسسات التعليمية منع التحرش الجنسي، بما في ذلك التحرش على أساس الهوية الجنسية. والحق في عدم الاضطرار إلى تقديم معلومات شخصية وطبية لمسؤولي المدرسة. وبالمثل، على مسؤولي المدرسة عدم الكشف عن المعلومات الشخصية المتعلقة بالطلاب العابرين جنسياً، بما في ذلك جنس الطالب عند الولادة، أو التاريخ الطبي، أو الهوية الجنسية، أو التحول الجنسي- من دون موافقة الطالب أو والديه.

ربما نبتعد كثيراً الآن، من إمكانية اتخاذ مسار قضائي حقيقي، والذي لا بد أن نلجأ إليه يوماً ما، ليس لإنشاء قوانين تمنع التمييز ضد الأقليات الجنسية فقط، ولكن ضد أي أقليات أياً كانت كنيتها وهويتها. فوفقاً لتقرير أجرته (BBC News Arabic) عام 2019، لا يقبل المثلية الجنسية في تونس سوى 7 في المئة، ومع ذلك، استؤنفت الدعوة التونسية للمثليين في ظل النظام التونسي الحالي، على رغم تأثرها بالأحزاب السياسية الإسلامية إلى وقت قريب. وبرغم صعوبة ذلك الطرح حالياً، وعدم جديته، نجحت بلدان عربية في إيصال قضايا مجتمع الميم إلى القضاء مثل تونس ولبنان

مشكلات العالم الثالث: نصف مؤيد/ نصف معارض

لاقت قضية طالب مدرسة الرواد صدى واسعاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، وما بين مؤيد ومعارض، وقفت بعض الآراء في المنتصف متسائلة، عن مدى صحة التعاطف مع مثل هكذا قضايا “في دول العالم الثالث”، فربما لا ينوب صاحبها جراء هذا التعاطف إلا الضرر والوصم المجتمعي، غير أن قضايا مثل قضايا المرأة لا تزال محل جدال بين عموم الناس.

بالنظر إلى دمج قضايا حقوق مجتمع الميم على نطاق عالمي، يجد كثر من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنفسهم في موقف غامض بين القيم العالمية المزعومة النابعة من الغرب والقيم التقليدية والدينية في أوطانهم.

على رغم أن ظروف مجتمعات المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والعابرين جنسياً (LGBT) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يُنظر إليها على أنها من بين الأسوأ في جميع أنحاء العالم، إلا أن هناك المزيد من الحركات التي تدعم حقوق مجتمع الميم في المنطقة وتدافع عن قضيتهم بشكل علني، مثل “هيومن رايتس ووتش”، و”المؤسسة العربية للحريات والمساواة”.

قال أحمد بن شمسي، مدير الاتصال في “هيومن رايتس ووتش” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:

 “جميع دول المنطقة تجرم المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي بتهمة الفجور والفساد وانتهاك الأخلاق العامة. النشطاء يساهمون في تغيير ذلك من خلال نشر الوعي في وسائل التواصل الاجتماعي، وتطوير الشبكات الإقليمية وتحدي القوانين القمعية”.

طالب مدرسة الرواد لم يكن الأول ولن يكون الأخير، في الوصم والاضطهاد ضد الأقليات، لكن مجتمعنا العربي في حاجة ماسة إلى زيادة الوعي بقبول الآخر، وعدم فرض الوصاية على الآخرين، لمجرد اختلافهم، هذا التغيير لن يأتي إلا إذا آمنا به نحن أولاً.

إقرأوا أيضاً: