“النظام ما ترك لنا خيارات. أو المواجهة او الموت ونحن اخترنا الحياة…”
بإصرار تجيب فاطمة فؤاد السمان (24 عاماً)، وهي واحدة من جيل لبناني واسع شارك في انتفاضة 17 تشرين التي انطلقت قبل عام تماماً، احتجاجاً على فساد السلطة.
تنحدر فاطمة من مدينة طرابلس وهي تدرس في معهد السينما في بيروت. شاركت في بداية الانتفاضة مع مجموعات نسوية التي عرفت حينها بالبلوك النسوي، الذي كان واحداً من أنشط مجموعات الثورة ومن أكثرها جرأة في رفع سقف الشعارات الحقوقية والسياسية.
كانت سنة مليئة بالأمال والأحلام وكذلك كانت حافلة بالتجارب القاسية والخيبات. تأتي الذكرى الاولى للانتفاضة في وقت يغلب فيها شعور عام عند اللبنانيين باليأس والاحباط بعد وصول التدهور الاقتصادي الى مستويات قياسية ومع استمرار بقاء السلطة التي تتحمل مسؤولية انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي والذي دمر احياء واسعة من العاصمة وقتل وجرح الآلاف.
“الاحباط كبير. اول مرة بحس بهيك احباط ودمار نفسي. اول مرة بوعى على كارثة بلبنان هلقد كبيرة… فكرت فل من لبنان كفي جامعتي برة لبنان ويمكن فل بس اكيد بدي ارجع…”
يعيش لبنان لحظة بالغة الدقة والصعوبة، يسعى فيها كثيرون للهجرة، ولم تكن قوارب الموت التي خاضها فقراء يائسون سوى واحداً من ملامح انفجار الأزمة السياسية والاجتماعية.
تأتي ذكرى 17 تشرين ومعها محاولات لاستعادة زخم الشارع في ظل استمرار عجز النظام عن تأليف حكومة بعد استقالة حكومة حسان دياب الأخيرة او صوغ برنامج إنقاذ جدي. تقول فاطمة إن الاحتجاجات وحدها على ضرورتها لكنها لم تعد كافية : “المرحلة الجاي بتتطلب رفع مستوى المواجهة، وبالتالي ما رح نكون عم نكتفي بالمظاهرات، رح نكون بحاجة لمشروع سياسي واقتصادي بديل عن هيدا النظام قادر ينقذ البلد من يلي عم يمرق فيه”.
وفاطمة فقدت شقيقها فواز خلال مواجهات بين المتظاهرين والجيش في ساحات احتجاج طرابلس.
تعتبر أن اللحظة الأصعب كان حينما حملت (رنا) طفلة شقيقها فواز خلال تشييعه:”كنا واقفين عم نهتف “يسقط حكم المصرف” و”الشعب يريد إسقاط النظام” وكان الناس يلي عم تشيعه بحارات واسواق طرابلس القديمة المفقرة منهجياً يلي ما عرفت الا الاهمال والتهميش والمعارك العشوائية كانت الناس عم تصرخ بكل إرادة وحب وعزم انو بدها تسقط النظام.”
لكن النظام وإن تهاوى لكنه لم يسقط، بل بينت الأشهر التي أعقبت 17 تشرين الماضي أن النظام الطائفي والعلاقات الزبائنية بين أركان السلطة في لبنان لا تزال قادرة على المبادرة مستفيدة من ظروف كثيرة ليس أقلها الانهيار المالي وأزمة وباء كورونا التي فرضت الزام الناس منازلهم.
ليست معركة سهلة
اللحظة هي لحظة تغيير، يقول بشير نخال (24 عاماً) وهو مهندس وناشط سياسي أمضى معظم الأشهر الماضية في ساحات التظاهر واعتقل مرات عدة.
يرى نخال أن الانتفاضة أدت دورها كما حدث في احتجاجات عام 2015، وأن الحاجة اليوم باتت ملحة لإنتاج قيادة سياسية معارضة جديدة: “بعتقد لازم نحضر لـ17 تشرين الجاي يلي هو اكيد قادم ما منعرف بأي تاريخ بس اكيد جاي، هيدا شي حتمي.” والمرحلة برأيه بحاجة لتنظيم أكثر، ورغم الخمول الذي يمر فيه الشارع يؤكد أن المعركة تراكمية وبحاجة لوقت وتنظيم … مش هلقد هينة نسقط هيك سلطة وهيك نظام ،هيك طبقة حاكمة يعني أي نحن لازم نكون واعيين ومنظمين.”
يشارك كثر رأي بشير لجهة الحاجة للتنظيم وتشكيل حضور سياسي معارض فاعل، خصوصاً أن الأشهر الماضية شهدت محاولات متكررة لضبط الصوت الاعتراضي الى حد القمع والاعتقال والقتل. وقد وصفت منظمة العفو الدولية في تقريرها عن ذكرى 17 تشرين بأن العام الماضي كان عام الإفلات من المحاسبة، إذ لم تتم محاسبة أي من الجهات التي تسببت بضرب وايذاء وقتل المحتجين سواء من الأجهزة الأمنية الرسمية أو من عناصر حزبية موالية لأطراف في السلطة.
وقد رصدت “المفكرة القانونية ” بالتنسيق مع لجنة الدفاع عن المتظاهرين أكثر من 1175 حالة توقيف معظمها في إطار التوقيف الجماعي خلال التظاهرات وأكثر من 1240 حالة اعتداء على مدنيين من قبل عناصر الأجهزة الأمنية وعناصر أمنية تابعة لأحزاب السلطة خلال الأشهر الماضية.
خلدون جابر هو أحد الوجوه البارزة في انتفاضة 17 تشرين وهو تعرض للخطف والاعتداء والتوقيف من قبل جهاز أمني رسمي وهو على طريق القصر الجمهوري في تظاهرة احتجاجية، فتكسرت أسنانه وفقد 79% من سمع احدى أذنيه ويعاني من التواء في العامود الفقري، ” رغم كل هيدا اعتبروا (أجهزة السلطة) إنو أنا اللي تعاملت مع القوى الأمنية بشدة”. قبل أيام أصدر المدعي العام لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حجار براءة جابر من تهمة وجهت له، وهي معاملة القوى الأمنية العسكرية وتحقير المؤسسة العسكرية التعرض لموقع الرئاسة الجمهورية، “ما قدروا أثبتوا تهمة تتعرض للمؤسسة العسكرية، أما تهمة تحقير رئيس الجمهورية فقد تحولت لمحكمة مختصة”. يذكر خلدون أن القضاء لم يتعامل بجدية مع الدعوى التي رفعها على مخابرات الجيش بتهمة الاعتداء عليه.
رغم كل ما حصل معه، يواصل خلدون نشاطه الاحتجاجي والسياسي ويؤمن بأن زخم 17 تشرين لم يتوقف، “الثورة مكملة بمجموعة من التحركات التصاعدية بالمناطق او ببيروت …. معركة السلطة معركة شخصية لأنو بطلت معركة مواطن وسلطة صارت معركة حقوق وكرامات.”
والاعتداءات ضد المتظاهرين شملت الكثير من الفتيات والنساء اللواتي كنّ في الصفوف الأمامية للتظاهرات. رفيف سوني (23 عاماً) وهي طالبة حقوق وتعرضت لضربة قوية على الرأس خلال مواجهة مع قوى الأمن في وسط بيروت في كانون الثاني الماضي ما تسبب ببقائها في المنزل لشهرين جراء الإصابة.
رفيف كانت جزءا من حركة طلابية واسعة شاركت في الانتفاضة، “يمكن متل ما بيقولوا الثورة بدها وقت، بدها زمن لأن هاي سلطة سياسية صرلها 30 سنة… المظاهرة هي السكة الأولى بس اكيد نحن بحاجة لتغيير جذري نحن بحاجة لقيادات سياسية جديدة غير اللي بالسلطة”.
لا تنكر رفيف أن انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي كان صدمة كبيرة سبب لها كما لآلاف اللبنانيين إحباطاًَ هائلاً دفعها للتفكير بالهجرة،”الاحباط كبير. اول مرة بحس بهيك احباط ودمار نفسي. اول مرة بوعى على كارثة بلبنان هلقد كبيرة… فكرت فل من لبنان كفي جامعتي برة لبنان ويمكن فل بس اكيد بدي ارجع…”