fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سوريا التي نعرفها ولا نعرفها!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أيها العزير الصديق، مثلما زرتني في الجليل، فإنني أريد زيارتك في الشام، مثلما كنت عندي أريد أن أكون عندك، وتعرف أنني أعني على الأقل بجواز ذلك معنوياً إن لم يكن فعلياً، لكنني معكم بوجداني، بأمنياتي، بدعائي وبمساهمتي إذا امكن. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كنت أعرف سوريا عن بعد، كفلسطيني من 48، ومن خلال اهتمامي بالسياسة، وكأستاذ علوم سياسية في جامعة حيفا، لكنني بت أعرف سوريا عن قرب، وبشكل مباشر، من خلال معرفتي، منذ عقدين ونيف، بالصديق ماجد كيالي، كفلسطيني وككاتب، وكصاحب همّ سوري وفلسطيني في الوقت نفسه.

هكذا، تعرفت على سوريا الأخرى، التي لا نقرأها في الصحف أو نشاهدها في التلفزيونات، تعرفت على ألم السوريين (والفلسطينيين – السوريين) ومعاناتهم الناجمة عن نظام الاستبداد، الذي اعتبر أن سوريا هي سوريا “الأسد إلى الأبد”، كما تعرفت على الآلام الناجمة عن دعم من اعتقدناهم كديمقراطيين ووطنيين سوريين وعراقيين وفلسطينيين لنظام القتل والإذلال، الذي أذاق السوريين والفلسطينيين واللبنانيين الأمرّين، في حماة وحلب ودمشق ومخيم اليرموك وغيرها من الوطن السوري العظيم بأهله، والمهان والمظلوم بنظامه.

مع ذلك عرفت من خلال ماجد الذي ولد في سوريا لعائلة فلسطينية، وعاش وتعلم في مدارسها وجامعتها، كل سنين عمره، التي ناهزت الستين لحظة مغادرته لها، قبل أكثر من عشرة أعوام، عرفت منه أن ثمة مع الألم أملاً بخلاص السوريين. 

كنت بين فترة وفترة، بخاصة خلال السنوات الماضية، أي سنوات النكبة التي حلت بالسوريين، مع آلام التشرد والقتل والاعتقال والخراب، أخاطب صديقي ماجد بشكل يومي تقريباً، مع مشاعر يتعانق فيها الألم والأمل، الخوف والحلم على المستقبل، في إمكان سوريا ديمقراطية ومدنية وإنسانية وتعيش وتتنفس الحرية والمساواة والمواطنية الديمقراطية والمتخلصة من هموم العنف السياسي والخلاف الأهلي والقمع المؤسس على قوة الظلم وجبروته. ومن نظام لا يكون رئيسه إبناً لرئيس سابق، و لا أباً لرئيس قادم، والتداول فيه هو أساس المُلك.

“شعب سجن 55 سنة  لنأمل بأن يتعافى من سجن الكراهية والعنف والرعب والخوف من الآخر… لنأمل بأن يتعافى السوريون بجسدهم وعقلهم ومشاعرهم…”.

أيها الصديق، التحديات كبيرة وفائقة وقد يقال إنها عصية على التطويع، وتعرف أن هذا غير صحيح، لا توجد مشكلة صنعها البشر وما حولهم من قوى الطبيعة، لا يوجد لها حل، ولا نستطيع تطويعها إذا تضافرت الجهود، وإذا امتلكنا الإرادة الذاتية، الوطنية، التي تعطي بغير ضغينة ولا استثناء، في آخر النفق المعتم هنالك مخرج مضيء ويحملنا الى حيث يجب أن نكون.

أدرك أن التحديات كثيرة، وأهمها: أولاً، تراث النظام البائد في التنكر للمواطنة، في ملاحقة المواطنين، في الابتعاد من الديمقراطية، في تخريب مقدرات البلد الإنسانية والاقتصادية والعلمية، الخ. ثانياً، التدخل الخارجي المقيت والمتغلغل الى كل زوايا الوطن، قوات ومخابرات إيرانية ولبنانية وتركية وعراقية وأردنية وإسرائيلية وأميركية وروسية وأوروبية وصينية، الخ. كلها لها مصالح وتعمل حسبها. العلاقات التبادلية هي محك التغيير، استقلال القرار الوطني يمثل تحدياً كبيراً وربما يبدو مستحيلاً في الظرف الحالي. ثالثاً، تحدي الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري وتوسيعه قبل أيام، إنه تحدٍّ كبير ويتعاظم مع الحكومة الفاشية والمتطرفة في إسرائيل الآن.

فوق كل التحديات أعلاه وغيرها أو تحتها، ترقد ضرورة بناء نظام ومجتمع ديمقراطيين ومدنيين بعد سنوات طويلة من الخراب، الفصائل العسكرية التي قاتلت نظام الأسد كانت مهمة لإسقاطه، لكن تراجعها قليلاً عن مركز الحكم والتحكم هو مفتاح مهم لبناء ديمقراطي في سوريا.

كبح جماح الفصائل العسكرية من أكراد وديمقراطيين ووطنيين وإسلاميين ودروز وعلويين، وبشكل مدني ومن خلال خلق مزاج شعبي يدافع لأجل ذلك، هو مفتاح مهم للمستقبل الديمقراطي.

إننا أمام امتحان طريق الألف ميل، والذي لن نرى آخره، إلا أننا نستطيع أن نساهم في أوله، في الخطوات الأولى لأجله، وإذا كانت الخطوات الأولى صحيحة وسليمة فلا خوف على استمرارية الطريق وأهدافها. كل ذلك ولذلك، من المهم أن يساهم كل السوريين في هذه العملية، مهم ألا تترك الأمور لقيادات الجماعات والفصائل والأحزاب والقوى المسلحة أو لغيرها. دورك كمثقف، ودور الفنانين والصحافيين وأساتذة الجامعات وعشرات المهن والاختصاصات مهم جداً لإحداث التغيير، أو على الأقل للبدء في مسيرة الطريق الطويل. 

لا تستعجل الخلاص السريع كما يطنطن البعض، كما يريد من يؤيد في سره عودة نظام القمع من خلال نشر اليأس أو مقولة “مش قلنالكم”، لأنه يحرض بأن التجربة فشلت، مثلما حصل في تونس وفي مصر وغيرهما. لا تقنطوا أيها السوريون، أيها الأصدقاء من إمكانات التغيير البطيء والمستمر نحو إنجاز مجتمع المساواة والديمقراطية. سوريا لكم وستبقى لأبنائكم، فلا تقبلوا بعودة الاستبداد وقوى الظلام والبؤس للتحكم فيها.

مع كل ما هو قائم وما كان، مع المعاناة والأحلام الفردية والعائلية، والتي تمس الأصدقاء، فإنني أدعوك بهذا، وكل من ينشط في الحيز العام الى العودة الى دمشق وحلب ودير الزور والى اللاذقية، ليس لك ولنا ولغيرنا غير أوطاننا التي نستطيع تغييرها، نستطيع المساهمة في تطورها، في أنسنتنا، في جعلنا مواطنين أحراراً، لعلها بوابة العودة الى اللد. هناك أو هنا بحسب موقع كل واحد منا، نستطيع أن نساهم في جعل أوطاننا أجمل، جعلها مكاناً لأبنائنا من بعدنا، لمن يريد ويتطلع الى العيش في حضن الوطن.

أيها العزير الصديق، مثلما زرتني في الجليل، فإنني أريد زيارتك في الشام، مثلما كنت عندي أريد أن أكون عندك، وتعرف أنني أعني على الأقل بجواز ذلك معنوياً إن لم يكن فعلياً، لكنني معكم بوجداني، بأمنياتي، بدعائي وبمساهمتي إذا امكن. 

إسمح لي يا صديقي أن أقتبس خاطرة عفوية بعثتها لي صباح هذا اليوم، اليوم الثاني لإزاحة نظام القتل. وأتفق معها تماماً: “اليوم لنأمل أن تتعافى سوريا من أدران الأسد ومن القيح الذي ينز من مساماتها… شعب سجن 55 سنة  لنأمل بأن يتعافى من سجن الكراهية والعنف والرعب والخوف من الآخر… لنأمل بأن يتعافى السوريون بجسدهم وعقلهم ومشاعرهم…”.

مصطفى إبراهيم - حقوقي فلسطيني | 24.01.2025

فرح أهل غزة المؤقّت والبحث عما تبقّى من ذاتهم

المفروض أن يعود النازحون من الجنوب الى مدينة غزة وشمالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، وهي المرحلة الثانية من الحرب، والبحث عما تبقى من ممتلكاتهم وأملاكهم وحياتهم. في الوقت ذاته، يبحث الذين هُدمت بيوتهم عن أماكن لإيوائهم أو يسعون الى استئجار شقق والبدء من جديد. هي "حرب" جديدة قد تستمر سنوات من إعادة ترميم الذات…
13.12.2024
زمن القراءة: 4 minutes

أيها العزير الصديق، مثلما زرتني في الجليل، فإنني أريد زيارتك في الشام، مثلما كنت عندي أريد أن أكون عندك، وتعرف أنني أعني على الأقل بجواز ذلك معنوياً إن لم يكن فعلياً، لكنني معكم بوجداني، بأمنياتي، بدعائي وبمساهمتي إذا امكن. 

كنت أعرف سوريا عن بعد، كفلسطيني من 48، ومن خلال اهتمامي بالسياسة، وكأستاذ علوم سياسية في جامعة حيفا، لكنني بت أعرف سوريا عن قرب، وبشكل مباشر، من خلال معرفتي، منذ عقدين ونيف، بالصديق ماجد كيالي، كفلسطيني وككاتب، وكصاحب همّ سوري وفلسطيني في الوقت نفسه.

هكذا، تعرفت على سوريا الأخرى، التي لا نقرأها في الصحف أو نشاهدها في التلفزيونات، تعرفت على ألم السوريين (والفلسطينيين – السوريين) ومعاناتهم الناجمة عن نظام الاستبداد، الذي اعتبر أن سوريا هي سوريا “الأسد إلى الأبد”، كما تعرفت على الآلام الناجمة عن دعم من اعتقدناهم كديمقراطيين ووطنيين سوريين وعراقيين وفلسطينيين لنظام القتل والإذلال، الذي أذاق السوريين والفلسطينيين واللبنانيين الأمرّين، في حماة وحلب ودمشق ومخيم اليرموك وغيرها من الوطن السوري العظيم بأهله، والمهان والمظلوم بنظامه.

مع ذلك عرفت من خلال ماجد الذي ولد في سوريا لعائلة فلسطينية، وعاش وتعلم في مدارسها وجامعتها، كل سنين عمره، التي ناهزت الستين لحظة مغادرته لها، قبل أكثر من عشرة أعوام، عرفت منه أن ثمة مع الألم أملاً بخلاص السوريين. 

كنت بين فترة وفترة، بخاصة خلال السنوات الماضية، أي سنوات النكبة التي حلت بالسوريين، مع آلام التشرد والقتل والاعتقال والخراب، أخاطب صديقي ماجد بشكل يومي تقريباً، مع مشاعر يتعانق فيها الألم والأمل، الخوف والحلم على المستقبل، في إمكان سوريا ديمقراطية ومدنية وإنسانية وتعيش وتتنفس الحرية والمساواة والمواطنية الديمقراطية والمتخلصة من هموم العنف السياسي والخلاف الأهلي والقمع المؤسس على قوة الظلم وجبروته. ومن نظام لا يكون رئيسه إبناً لرئيس سابق، و لا أباً لرئيس قادم، والتداول فيه هو أساس المُلك.

“شعب سجن 55 سنة  لنأمل بأن يتعافى من سجن الكراهية والعنف والرعب والخوف من الآخر… لنأمل بأن يتعافى السوريون بجسدهم وعقلهم ومشاعرهم…”.

أيها الصديق، التحديات كبيرة وفائقة وقد يقال إنها عصية على التطويع، وتعرف أن هذا غير صحيح، لا توجد مشكلة صنعها البشر وما حولهم من قوى الطبيعة، لا يوجد لها حل، ولا نستطيع تطويعها إذا تضافرت الجهود، وإذا امتلكنا الإرادة الذاتية، الوطنية، التي تعطي بغير ضغينة ولا استثناء، في آخر النفق المعتم هنالك مخرج مضيء ويحملنا الى حيث يجب أن نكون.

أدرك أن التحديات كثيرة، وأهمها: أولاً، تراث النظام البائد في التنكر للمواطنة، في ملاحقة المواطنين، في الابتعاد من الديمقراطية، في تخريب مقدرات البلد الإنسانية والاقتصادية والعلمية، الخ. ثانياً، التدخل الخارجي المقيت والمتغلغل الى كل زوايا الوطن، قوات ومخابرات إيرانية ولبنانية وتركية وعراقية وأردنية وإسرائيلية وأميركية وروسية وأوروبية وصينية، الخ. كلها لها مصالح وتعمل حسبها. العلاقات التبادلية هي محك التغيير، استقلال القرار الوطني يمثل تحدياً كبيراً وربما يبدو مستحيلاً في الظرف الحالي. ثالثاً، تحدي الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري وتوسيعه قبل أيام، إنه تحدٍّ كبير ويتعاظم مع الحكومة الفاشية والمتطرفة في إسرائيل الآن.

فوق كل التحديات أعلاه وغيرها أو تحتها، ترقد ضرورة بناء نظام ومجتمع ديمقراطيين ومدنيين بعد سنوات طويلة من الخراب، الفصائل العسكرية التي قاتلت نظام الأسد كانت مهمة لإسقاطه، لكن تراجعها قليلاً عن مركز الحكم والتحكم هو مفتاح مهم لبناء ديمقراطي في سوريا.

كبح جماح الفصائل العسكرية من أكراد وديمقراطيين ووطنيين وإسلاميين ودروز وعلويين، وبشكل مدني ومن خلال خلق مزاج شعبي يدافع لأجل ذلك، هو مفتاح مهم للمستقبل الديمقراطي.

إننا أمام امتحان طريق الألف ميل، والذي لن نرى آخره، إلا أننا نستطيع أن نساهم في أوله، في الخطوات الأولى لأجله، وإذا كانت الخطوات الأولى صحيحة وسليمة فلا خوف على استمرارية الطريق وأهدافها. كل ذلك ولذلك، من المهم أن يساهم كل السوريين في هذه العملية، مهم ألا تترك الأمور لقيادات الجماعات والفصائل والأحزاب والقوى المسلحة أو لغيرها. دورك كمثقف، ودور الفنانين والصحافيين وأساتذة الجامعات وعشرات المهن والاختصاصات مهم جداً لإحداث التغيير، أو على الأقل للبدء في مسيرة الطريق الطويل. 

لا تستعجل الخلاص السريع كما يطنطن البعض، كما يريد من يؤيد في سره عودة نظام القمع من خلال نشر اليأس أو مقولة “مش قلنالكم”، لأنه يحرض بأن التجربة فشلت، مثلما حصل في تونس وفي مصر وغيرهما. لا تقنطوا أيها السوريون، أيها الأصدقاء من إمكانات التغيير البطيء والمستمر نحو إنجاز مجتمع المساواة والديمقراطية. سوريا لكم وستبقى لأبنائكم، فلا تقبلوا بعودة الاستبداد وقوى الظلام والبؤس للتحكم فيها.

مع كل ما هو قائم وما كان، مع المعاناة والأحلام الفردية والعائلية، والتي تمس الأصدقاء، فإنني أدعوك بهذا، وكل من ينشط في الحيز العام الى العودة الى دمشق وحلب ودير الزور والى اللاذقية، ليس لك ولنا ولغيرنا غير أوطاننا التي نستطيع تغييرها، نستطيع المساهمة في تطورها، في أنسنتنا، في جعلنا مواطنين أحراراً، لعلها بوابة العودة الى اللد. هناك أو هنا بحسب موقع كل واحد منا، نستطيع أن نساهم في جعل أوطاننا أجمل، جعلها مكاناً لأبنائنا من بعدنا، لمن يريد ويتطلع الى العيش في حضن الوطن.

أيها العزير الصديق، مثلما زرتني في الجليل، فإنني أريد زيارتك في الشام، مثلما كنت عندي أريد أن أكون عندك، وتعرف أنني أعني على الأقل بجواز ذلك معنوياً إن لم يكن فعلياً، لكنني معكم بوجداني، بأمنياتي، بدعائي وبمساهمتي إذا امكن. 

إسمح لي يا صديقي أن أقتبس خاطرة عفوية بعثتها لي صباح هذا اليوم، اليوم الثاني لإزاحة نظام القتل. وأتفق معها تماماً: “اليوم لنأمل أن تتعافى سوريا من أدران الأسد ومن القيح الذي ينز من مساماتها… شعب سجن 55 سنة  لنأمل بأن يتعافى من سجن الكراهية والعنف والرعب والخوف من الآخر… لنأمل بأن يتعافى السوريون بجسدهم وعقلهم ومشاعرهم…”.