fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سوريا: “تأبيد” الإذلال وامتهان الكرامة… 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بشّار الأسد يواصل حكم سوريا عبر منظومة الإذلال التي أرساها في وعي إسلاميي الحكم الجديد، وسوريا لم تتخلّص من “البعث”، ذلك أن الأخير عاد وانبعث في الإدارة الجديدة عبر أبشع قيمه وأكثرها قسوة وقذارة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كيف انتقلت الحال في سوريا من “بشّار ربك ولاك” إلى “عوّي يا كلب” واليوم “معّي يا حيوان!”…

في متابعة فيديوهات الإذلال التي تصلنا من سوريا؛ الإذلال الذي يتعرّض له دروز في سياق عنف طائفي يمارسه مسلّحون متشدّدون محسوبون على الإدارة السورية، شيء يصيب عمق النفس، ويكاد يكون أكثر قسوة من القتل نفسه، أعني أن نجد أننا ما زلنا أسرى فكرة إذلال الجسد وإهانة الهوّية واستباحة الكرامة، ومن ثم الاحتفاء بذلك من قِبل جحافل من الحمقى على السوشيال ميديا. 

مشاهد القتل الدموي أو الجثث المدمّاة مروّعة، لكن من المحال النجاة من دلالات فيديوهات تجميع مسلّحين متشدّدين شبّاناً دروزاً يجري حلق شواربهم قسراً، فيما يظهر آخر في فيديو ثانٍ يُحقّر شابين ويُجبرهما على الإجابة: “شو ساووا بني أميّة؟ ليُجيب الشاب: نتفولنا شواربنا”. 

في فيديو ثالث يظهر مسلّح يطلب من المعتقل أمامه أن “يُمعّي” كالخروف، “معّي، شو ما بتعرف تمعّي؟”، حاول الرجل الجالس أرضاً أن يقاوم طلب المسلّح بأن “يُمعّي”، وقال له: “معقول عم تطلب مني هيك!”، لكن المسلّح أصرّ أن ينظر في وجه الرجل وعينيه ويُذلّه ويُجبره على المأمأة (صوت الخروف). 

بحسب الفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفيناس، فإن العلاقة الأخلاقية تبدأ بـ”الوجه”  ليس الوجه المادي فقط، بل حضور الآخر كذات أخلاقية، وعندما يُذلّ الآخر، يُنفى وجهه: “الوجه يقول: لا تقتلني، وحضور الوجه يضعنا مباشرة أمام مسؤولية لا تقبل النقاش. الإهانة، في جوهرها، هي نفي هذا الحضور، هذا النداء”. 

من هنا، بدا النظر في وجود الشبّان وهم يصطفّون أمام المسلّحين ليحلقوا لهم شواربهم، أو ليفرضوا عليهم أن “يُمعّوا” كالغنم هو إنكار لجوهرهم ونفي لإنسانيتهم. في العُرف الدرزي يُعدّ الشاربين جزءاً من الكرامة والهوّية الثقافية، لذلك تعمّد المسلّحون إهانة عمق هذا الشعور، وزاد منها إجبارهم على المأمأة كالخراف. 

الإذلال في الحروب والصراعات الطائفية لا يقتصر على القتل أو التهجير، بل يشمل أيضاً “قتل الكرامة” من خلال ممارسات تشبه إجبار الآخر على خيانة هوّيته، أو التنكّر لها. واليوم مع الهواتف الذكيّة يجري توثيق ذلك ونشره وتعميمه، لضمان أن الإذلال انتشر ورسخ وسيبقى طويلاً في الذاكرة.

لم يكن قد مرّ شهران على مجازر الساحل السوري، التي ارتكبها مسلّحون متشدّدون محسوبون على الإدارة السورية الجديدة ضدّ مدنيين علويين، لتتكرّر مشاهد القتل الطائفي نفسها في مناطق درزية. ضمن مشاهد القتل التي استهدفت العلويين برزت أيضاً فيديوهات تجميع عشرات الرجال والشبّان، وأمرهم بالعواء: “عوّي يا كلب”، فالعواء كالكلاب يُراد منه تحويل الآخر إلى “دون إنساني”.

ممارسات الإذلال الطائفي مثل إجبار أفراد من طائفة ما على تقمّص أدوار حيوانية، أو إذلال رموز ثقافية مثل الشاربين لها جذور عميقة، وغالباً ما ترتبط بمحاولات الهيمنة الرمزية والنفسية على “الآخر” في سياقات النزاع الطائفي أو الإثني أو السياسي.

 يروي الكاتب ياسين الحاج صالح تجربته الشخصية في السجون السورية خلال حكم آل الأسد، مسلّطاً الضوء على كيف أن الإذلال لم يكن مجرّد نتيجة عرضية للاعتقال، بل كان جزءاً أساسياً من استراتيجية حكم “البعث”.​

في إحدى مقالاته، يُوضح الحاج صالح الفرق بين القمع والإذلال، حيث يقول:​

“الدولة تقمع، وقد تقتل، لكنها لا تُذلّ مواطنيها، لا تطعنهم في إنسانيتهم وفي كرامتهم. الإذلال هو عنف عصابات لا عنف دولة”. 

هذا الكلام يُوضح كيف تجاوز النظام السوري حدود القمع التقليدي إلى استخدام الإذلال كوسيلة لإخضاع المواطنين، مما يحوّل الدولة إلى كيان يمارس عنف العصابات.​ وفي كتابه “بالخلاص يا شباب”، يصف الحاج صالح تفاصيل الحياة في السجن، مشيراً إلى أن السجناء كانوا يُجبَرون على خفض رؤوسهم، والهمس عند الحديث، وحلق شعورهم، في محاولة مستمرّة لكسر إرادتهم وتجريدهم من كرامتهم: “أن تكون الرؤوس مُنكَّسة بحجّة أنهم لم يفعلوا شيئاً يرفع الرأس! وأن يكون الكلام همساً كي لا ترتفع أصواتهم مستقبلاً، وأن تكون شعور رؤوسهم وذقونهم وشواربهم حليقة كي يشعروا بالمهانة والاستصغار”.

الإذلال في السياق السوري ليس مجرّد وسيلة للسيطرة، بل هو جزء من بنية السلطة التي تهدف إلى تدمير الإنسان نفسياً ومعنوياً، مما يجعل من الصعب عليه استعادة كرامته.​ لن ينسى سوريون كثر فيديوهات جنود الأسد يعذّبون موقوفين معارضين ويخاطبونهم بالقول “بشّار ربك ولاك”، التي تحوّلت إلى شعار ضدّ المعارضة التي أُهينت وقُتلت وأُذلّت على مدى سنوات…

وبهذا المعنى فإن بشّار الأسد يواصل حكم سوريا عبر منظومة الإذلال التي أرساها في وعي إسلاميي الحكم الجديد، وسوريا لم تتخلّص من “البعث”، ذلك أن الأخير عاد وانبعث في الإدارة الجديدة عبر أبشع قيمه وأكثرها قسوة وقذارة. 

من هنا تبدو فيديوهات “عوّي يا كلب” و”معّي يا حيوان”، التي كرّرها مسلّحون من الإدارة الجديدة في سياق قتل طائفي ضدّ علويين وضدّ دروز، بمثابة تكريس فكرة الإذلال بوصفه أكثر من مجرّد تجربة عابرة من الألم، بل هو بنية نفسية واجتماعية عميقة تُعيد إنتاج علاقات الهيمنة. 

المفكرون والفلاسفة الذين تناولوا هذا الموضوع يقدّمون أدوات لفهمه لا بوصفه حدثاً، بل نظام مستمر من السيطرة والانتهاك، ولكن مع تبدّل الجهات التي تمارسه، فالإذلال هنا جزء من جهاز السلطة، إذ يُحوّل العقوبة إلى فعل داخلي، فتُصبح الضحيّة متواطئة في إعادة إنتاج قهرها.

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.

بشّار الأسد يواصل حكم سوريا عبر منظومة الإذلال التي أرساها في وعي إسلاميي الحكم الجديد، وسوريا لم تتخلّص من “البعث”، ذلك أن الأخير عاد وانبعث في الإدارة الجديدة عبر أبشع قيمه وأكثرها قسوة وقذارة.


كيف انتقلت الحال في سوريا من “بشّار ربك ولاك” إلى “عوّي يا كلب” واليوم “معّي يا حيوان!”…

في متابعة فيديوهات الإذلال التي تصلنا من سوريا؛ الإذلال الذي يتعرّض له دروز في سياق عنف طائفي يمارسه مسلّحون متشدّدون محسوبون على الإدارة السورية، شيء يصيب عمق النفس، ويكاد يكون أكثر قسوة من القتل نفسه، أعني أن نجد أننا ما زلنا أسرى فكرة إذلال الجسد وإهانة الهوّية واستباحة الكرامة، ومن ثم الاحتفاء بذلك من قِبل جحافل من الحمقى على السوشيال ميديا. 

مشاهد القتل الدموي أو الجثث المدمّاة مروّعة، لكن من المحال النجاة من دلالات فيديوهات تجميع مسلّحين متشدّدين شبّاناً دروزاً يجري حلق شواربهم قسراً، فيما يظهر آخر في فيديو ثانٍ يُحقّر شابين ويُجبرهما على الإجابة: “شو ساووا بني أميّة؟ ليُجيب الشاب: نتفولنا شواربنا”. 

في فيديو ثالث يظهر مسلّح يطلب من المعتقل أمامه أن “يُمعّي” كالخروف، “معّي، شو ما بتعرف تمعّي؟”، حاول الرجل الجالس أرضاً أن يقاوم طلب المسلّح بأن “يُمعّي”، وقال له: “معقول عم تطلب مني هيك!”، لكن المسلّح أصرّ أن ينظر في وجه الرجل وعينيه ويُذلّه ويُجبره على المأمأة (صوت الخروف). 

بحسب الفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفيناس، فإن العلاقة الأخلاقية تبدأ بـ”الوجه”  ليس الوجه المادي فقط، بل حضور الآخر كذات أخلاقية، وعندما يُذلّ الآخر، يُنفى وجهه: “الوجه يقول: لا تقتلني، وحضور الوجه يضعنا مباشرة أمام مسؤولية لا تقبل النقاش. الإهانة، في جوهرها، هي نفي هذا الحضور، هذا النداء”. 

من هنا، بدا النظر في وجود الشبّان وهم يصطفّون أمام المسلّحين ليحلقوا لهم شواربهم، أو ليفرضوا عليهم أن “يُمعّوا” كالغنم هو إنكار لجوهرهم ونفي لإنسانيتهم. في العُرف الدرزي يُعدّ الشاربين جزءاً من الكرامة والهوّية الثقافية، لذلك تعمّد المسلّحون إهانة عمق هذا الشعور، وزاد منها إجبارهم على المأمأة كالخراف. 

الإذلال في الحروب والصراعات الطائفية لا يقتصر على القتل أو التهجير، بل يشمل أيضاً “قتل الكرامة” من خلال ممارسات تشبه إجبار الآخر على خيانة هوّيته، أو التنكّر لها. واليوم مع الهواتف الذكيّة يجري توثيق ذلك ونشره وتعميمه، لضمان أن الإذلال انتشر ورسخ وسيبقى طويلاً في الذاكرة.

لم يكن قد مرّ شهران على مجازر الساحل السوري، التي ارتكبها مسلّحون متشدّدون محسوبون على الإدارة السورية الجديدة ضدّ مدنيين علويين، لتتكرّر مشاهد القتل الطائفي نفسها في مناطق درزية. ضمن مشاهد القتل التي استهدفت العلويين برزت أيضاً فيديوهات تجميع عشرات الرجال والشبّان، وأمرهم بالعواء: “عوّي يا كلب”، فالعواء كالكلاب يُراد منه تحويل الآخر إلى “دون إنساني”.

ممارسات الإذلال الطائفي مثل إجبار أفراد من طائفة ما على تقمّص أدوار حيوانية، أو إذلال رموز ثقافية مثل الشاربين لها جذور عميقة، وغالباً ما ترتبط بمحاولات الهيمنة الرمزية والنفسية على “الآخر” في سياقات النزاع الطائفي أو الإثني أو السياسي.

 يروي الكاتب ياسين الحاج صالح تجربته الشخصية في السجون السورية خلال حكم آل الأسد، مسلّطاً الضوء على كيف أن الإذلال لم يكن مجرّد نتيجة عرضية للاعتقال، بل كان جزءاً أساسياً من استراتيجية حكم “البعث”.​

في إحدى مقالاته، يُوضح الحاج صالح الفرق بين القمع والإذلال، حيث يقول:​

“الدولة تقمع، وقد تقتل، لكنها لا تُذلّ مواطنيها، لا تطعنهم في إنسانيتهم وفي كرامتهم. الإذلال هو عنف عصابات لا عنف دولة”. 

هذا الكلام يُوضح كيف تجاوز النظام السوري حدود القمع التقليدي إلى استخدام الإذلال كوسيلة لإخضاع المواطنين، مما يحوّل الدولة إلى كيان يمارس عنف العصابات.​ وفي كتابه “بالخلاص يا شباب”، يصف الحاج صالح تفاصيل الحياة في السجن، مشيراً إلى أن السجناء كانوا يُجبَرون على خفض رؤوسهم، والهمس عند الحديث، وحلق شعورهم، في محاولة مستمرّة لكسر إرادتهم وتجريدهم من كرامتهم: “أن تكون الرؤوس مُنكَّسة بحجّة أنهم لم يفعلوا شيئاً يرفع الرأس! وأن يكون الكلام همساً كي لا ترتفع أصواتهم مستقبلاً، وأن تكون شعور رؤوسهم وذقونهم وشواربهم حليقة كي يشعروا بالمهانة والاستصغار”.

الإذلال في السياق السوري ليس مجرّد وسيلة للسيطرة، بل هو جزء من بنية السلطة التي تهدف إلى تدمير الإنسان نفسياً ومعنوياً، مما يجعل من الصعب عليه استعادة كرامته.​ لن ينسى سوريون كثر فيديوهات جنود الأسد يعذّبون موقوفين معارضين ويخاطبونهم بالقول “بشّار ربك ولاك”، التي تحوّلت إلى شعار ضدّ المعارضة التي أُهينت وقُتلت وأُذلّت على مدى سنوات…

وبهذا المعنى فإن بشّار الأسد يواصل حكم سوريا عبر منظومة الإذلال التي أرساها في وعي إسلاميي الحكم الجديد، وسوريا لم تتخلّص من “البعث”، ذلك أن الأخير عاد وانبعث في الإدارة الجديدة عبر أبشع قيمه وأكثرها قسوة وقذارة. 

من هنا تبدو فيديوهات “عوّي يا كلب” و”معّي يا حيوان”، التي كرّرها مسلّحون من الإدارة الجديدة في سياق قتل طائفي ضدّ علويين وضدّ دروز، بمثابة تكريس فكرة الإذلال بوصفه أكثر من مجرّد تجربة عابرة من الألم، بل هو بنية نفسية واجتماعية عميقة تُعيد إنتاج علاقات الهيمنة. 

المفكرون والفلاسفة الذين تناولوا هذا الموضوع يقدّمون أدوات لفهمه لا بوصفه حدثاً، بل نظام مستمر من السيطرة والانتهاك، ولكن مع تبدّل الجهات التي تمارسه، فالإذلال هنا جزء من جهاز السلطة، إذ يُحوّل العقوبة إلى فعل داخلي، فتُصبح الضحيّة متواطئة في إعادة إنتاج قهرها.

|
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية