fbpx

سوريا : “ثورة السويداء” بين الاحتفاء باشتعالها وإدانة تأخرها…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بحث وضعية الدروز في شكل أي نظام حكم مستقبلي هو المدخل لتوسيع مظاهرات السويداء وجعلها ذات مردود سياسي

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تنفي المبالغة المسبغة على تظاهرات السويداء وجعلها استئنافاً وتجديداً وانعاشاً للثورة السورية، طبيعة الاجتماع الذي يتشكل في المدينة ذات الغالبية الدرزية، وتحيله إلى لحظة 15 آذار للعام 2011، حيث الاحتجاج المدني العابر للطوائف، مصاغ كصورة ذهبية، تؤجل أسئلة التفكك السوري وما سيترتب عليه من انهيارات. 

والإحالة تستبطن إنكاراً لكل ما حلّ بالبلاد من خراب، سببه المباشر الاستبداد، وغير المباشر انتفاء المشتركات لدى سكان وطن حصل على استقلاله على وقع “قلق كياني”، على حدّ وصف أحد أبرز الكتاب المعارضين. 

وربط التظاهرات الحاصلة في السويداء حالياً، والتي طالبت برحيل النظام وانسحاب روسيا وإيران مع لحظة الثورة الأولىوربط التظاهرات الحاصلة في السويداء مع لحظة الثورة الأولى، يغفل ربطاً آخر أشد تماسكاً وتاريخية، يتمثل في زمن السلطة التي حكمت دمشق بعد رحيل الانتداب، فالسويداء لم تستقم علاقتها مع “الدولة الوطنية” وغالباً ما شُنت حملات عسكرية لتأديب أهل جبل العرب عقب كل أزمة سياسية. وتجذر التأرجح في الوعي الدرزي، بين الحنين إلى الحكم الذاتي السابق، وتدهور العلاقات مع السلطة المركزية، التي شجعت، متمثلة بالرئيس شكري القوتلي، التمرد على عائلة الأطرش، واحتلت، متمثلة بالرئيس أديب الشيشكلي جبل الدروز وطردت القادة المحليين منه. والحال، فإن عوامل شتى تتداخل مع بعضها، تفسيراً وتعليلاً، لخلل العلاقة بين الدروز ودمشق، بينها الميل للهاشمين والمشاركة في انقلابات عسكرية لصالح طرف دون آخر، لكن العوامل تلك، تطفو على سطح، عمقه وأساسه، العلاقة السيئة بين حكم المركز والأقليات.

وتفضيل ربط التظاهرات مع التاريخ البعيد (خلل العلاقة مع المركز) وليس التاريخ القريب (بداية الثورة السورية) مردّه، جذرية الأول وتأصله، مقابل سرعة الثاني وعبوره الخاطف، حيث الصورة الذهبية لانطلاقة الثورة تلونت سريعاً بتناقضات المكونات السورية، وما ترتب على هذا التلون من صراعات وحروب، عادت بالفائدة على النظام المستبد، وانتجت التطرف والإرهاب، الذي أصاب جبل العرب، ضمن لعبة التوظيف الأسدية. استناداً على ذلك، فإن حدث الثورة، بالنسبة لعموم الدروز، إضافة جديدة للتوتر التاريخي السابق الذي قطعته الأسدية بتجميدها مسار التطور السوري. فهؤلاء، لهم في حقبة ما بعد الاستقلال، مساراً شاقاً، شكّل سيرتهم مع الوطن المنوي تأسيسه، ولم يجد في الثورة المقموعة بالحديد والنار، اقتراحات لإصلاح العطب وتداركه، في وقت عاشوا فيه في ظل الأسدية مقموعين كبقية السوريين.

بحث وضعية الدروز في شكل أي نظام حكم مستقبلي هو المدخل لتوسيع مظاهرات السويداء وجعلها ذات مردود سياسي، أما التناوب على الاحتفاء والإدانة فهو ليس سوى تكرار كسول لمنطق ساد مع إنطلاق الثورة، مؤداه أن النظام ساقط لا محالة، ولا داعي للتفاهم مع الجماعات التي تشكل الاجتماع السوري، حول ما بعد سقوطه.

ما جرى هو تعميم التبسيط، على وقع تمسك معظم المعارضين بتصور متخيل لعلاقة السوريين مع بعضهم، وعلاقة كل طرف مع المركز، يحيل إلى الوحدة وهامشية التناقضات، ويسقط كل الشرور على النظام موضوع الثورة. والنظام إن كان مسؤولاً عن صراعاتنا الأهلية، عبر الاستفادة من الشروخ والشقوق التي تشوب جسم المجتمع للحصول على الشرعية، فهو جزء من لعبة الجماعات، معطوف على عائلية ومناطقية تحصد حلفاء عبر الزبائنية والمصالح. 

 والاحتفاء بمظاهرات الأيام الأخيرة في السويداء ليس سوى استكمال لهذا التعميم، الهادف إلى إدخال الدروز في متخيل الثورة الماحي للتناقضات، دون تقديم اقترحات أو مقاربات، تفصلهم عن مسار تاريخي شديد الصلابة يتعلق بعلاقتهم بالمركز.

وليس انقلاب الاحتفاء إلى إدانة لدى سوريين آخرين انتقدوا تأخر التظاهرات في السويداء وسخروا منها، سوى تأكيد للوقوع في فخ معيارية الثورة ولحظتها الأولى، وإغفال لطبيعة المواقع التي تشغلها الأقليات في الكيان السوري، تاريخاً ووجداناً. فالساخرون هم الوجه الآخر للمحتفين، الطرفان يضعان الدروز ضمن متخيل الثورة. ومتخيل الثورة هو انتزاع حقبة مشرقة في البدايات، وتعميمها على حقبات  لاحقة متعرجة وشديدة التعقيد. مع فارق أن طرفاً يقبل الدروز في متخيله ولو بعد حين، فيما آخر يرفضهم ويدين تأخرهم.

والاحتفاء والإدانة، إذ يتلابسان، انطلاقاً من متخيل واحد، يغفلان كل ما تجاوز هذا المتخيل من واقع تمثل بحروب أهلية وتطرف وتدخل خارجي وتغيير ديمغرافي و مصالحات وتوسع رقعة الرماديين. ثمة، إذا محو للزمن الفاصل بين بداية الثورة وما تلاها، معطوف على محو سابق، بين الاستقلال وما تلاه، وكأننا حيال إنتاج دروز غير تاريخيين، لا يتفاعلون مع المراحل والحقب، ولا يشكلون اتجاهات في ظلالها. دروز ثابتون عند ما جلبته الثورة من خير، لا خلل في علاقتهم مع المركز في السابق، ولا قلق في علاقتهم مع الثورة في الحاضر. 

والأرجح أن علاج القلق يبدأ بعلاج الخلل، عبر طرح يضمن للدروز كيانيتهم وخصوصيتهم، ويزيل الالتباس بينهم وبين المركز، طرح يستمد شرعيته، من نقد متخيل الثورة، وإنزاله من تصورات متوهمة حول “الوحدة الوطنية” إلى العلاقات بين الجماعات، ومواقف الأخيرة من صيغ الحكم التي هي مفاتيح المشاركة في الثورة، وليست نقاشات مؤجلة إلى ما بعد انتصارها.

بحث وضعية الدروز في شكل أي نظام حكم مستقبلي هو المدخل لتوسيع مظاهرات السويداء وجعلها ذات مردود سياسي، أما التناوب على الاحتفاء والإدانة فهو ليس سوى تكرار كسول لمنطق ساد مع إنطلاق الثورة، مؤداه أن النظام ساقط لا محالة، ولا داعي للتفاهم مع الجماعات التي تشكل الاجتماع السوري، حول ما بعد سقوطه.

 وإن كان من الممكن تدارك هذا المنطق مع الدروز حاليا، وفتح نقاش حول دورهم في سوريا الجديدة، فالأفضل أن يحصل ذلك دون شروط مسبقة، لاسيما الشرط  القمعي، وحدة سوريا.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 06.11.2024

“حلّ الدولتين” الضحيّة الأولى لفوز دونالد ترامب

اليوم ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، علينا أن ننتظر انقلاباً كبيراً على هذا الصعيد. فالإدارة الديموقراطية كانت تتحدث عن "حل الدولتين" بوصفه أفقاً استراتيجياً غير راهن، لا بد منه، أما إدارة دونالد ترامب فلا أثر في خطابها لحل الدولتين، و"السلام الإبراهيمي" هو ما تقترحه على العالم العربي.
08.06.2020
زمن القراءة: 4 minutes

بحث وضعية الدروز في شكل أي نظام حكم مستقبلي هو المدخل لتوسيع مظاهرات السويداء وجعلها ذات مردود سياسي

تنفي المبالغة المسبغة على تظاهرات السويداء وجعلها استئنافاً وتجديداً وانعاشاً للثورة السورية، طبيعة الاجتماع الذي يتشكل في المدينة ذات الغالبية الدرزية، وتحيله إلى لحظة 15 آذار للعام 2011، حيث الاحتجاج المدني العابر للطوائف، مصاغ كصورة ذهبية، تؤجل أسئلة التفكك السوري وما سيترتب عليه من انهيارات. 

والإحالة تستبطن إنكاراً لكل ما حلّ بالبلاد من خراب، سببه المباشر الاستبداد، وغير المباشر انتفاء المشتركات لدى سكان وطن حصل على استقلاله على وقع “قلق كياني”، على حدّ وصف أحد أبرز الكتاب المعارضين. 

وربط التظاهرات الحاصلة في السويداء حالياً، والتي طالبت برحيل النظام وانسحاب روسيا وإيران مع لحظة الثورة الأولىوربط التظاهرات الحاصلة في السويداء مع لحظة الثورة الأولى، يغفل ربطاً آخر أشد تماسكاً وتاريخية، يتمثل في زمن السلطة التي حكمت دمشق بعد رحيل الانتداب، فالسويداء لم تستقم علاقتها مع “الدولة الوطنية” وغالباً ما شُنت حملات عسكرية لتأديب أهل جبل العرب عقب كل أزمة سياسية. وتجذر التأرجح في الوعي الدرزي، بين الحنين إلى الحكم الذاتي السابق، وتدهور العلاقات مع السلطة المركزية، التي شجعت، متمثلة بالرئيس شكري القوتلي، التمرد على عائلة الأطرش، واحتلت، متمثلة بالرئيس أديب الشيشكلي جبل الدروز وطردت القادة المحليين منه. والحال، فإن عوامل شتى تتداخل مع بعضها، تفسيراً وتعليلاً، لخلل العلاقة بين الدروز ودمشق، بينها الميل للهاشمين والمشاركة في انقلابات عسكرية لصالح طرف دون آخر، لكن العوامل تلك، تطفو على سطح، عمقه وأساسه، العلاقة السيئة بين حكم المركز والأقليات.

وتفضيل ربط التظاهرات مع التاريخ البعيد (خلل العلاقة مع المركز) وليس التاريخ القريب (بداية الثورة السورية) مردّه، جذرية الأول وتأصله، مقابل سرعة الثاني وعبوره الخاطف، حيث الصورة الذهبية لانطلاقة الثورة تلونت سريعاً بتناقضات المكونات السورية، وما ترتب على هذا التلون من صراعات وحروب، عادت بالفائدة على النظام المستبد، وانتجت التطرف والإرهاب، الذي أصاب جبل العرب، ضمن لعبة التوظيف الأسدية. استناداً على ذلك، فإن حدث الثورة، بالنسبة لعموم الدروز، إضافة جديدة للتوتر التاريخي السابق الذي قطعته الأسدية بتجميدها مسار التطور السوري. فهؤلاء، لهم في حقبة ما بعد الاستقلال، مساراً شاقاً، شكّل سيرتهم مع الوطن المنوي تأسيسه، ولم يجد في الثورة المقموعة بالحديد والنار، اقتراحات لإصلاح العطب وتداركه، في وقت عاشوا فيه في ظل الأسدية مقموعين كبقية السوريين.

بحث وضعية الدروز في شكل أي نظام حكم مستقبلي هو المدخل لتوسيع مظاهرات السويداء وجعلها ذات مردود سياسي، أما التناوب على الاحتفاء والإدانة فهو ليس سوى تكرار كسول لمنطق ساد مع إنطلاق الثورة، مؤداه أن النظام ساقط لا محالة، ولا داعي للتفاهم مع الجماعات التي تشكل الاجتماع السوري، حول ما بعد سقوطه.

ما جرى هو تعميم التبسيط، على وقع تمسك معظم المعارضين بتصور متخيل لعلاقة السوريين مع بعضهم، وعلاقة كل طرف مع المركز، يحيل إلى الوحدة وهامشية التناقضات، ويسقط كل الشرور على النظام موضوع الثورة. والنظام إن كان مسؤولاً عن صراعاتنا الأهلية، عبر الاستفادة من الشروخ والشقوق التي تشوب جسم المجتمع للحصول على الشرعية، فهو جزء من لعبة الجماعات، معطوف على عائلية ومناطقية تحصد حلفاء عبر الزبائنية والمصالح. 

 والاحتفاء بمظاهرات الأيام الأخيرة في السويداء ليس سوى استكمال لهذا التعميم، الهادف إلى إدخال الدروز في متخيل الثورة الماحي للتناقضات، دون تقديم اقترحات أو مقاربات، تفصلهم عن مسار تاريخي شديد الصلابة يتعلق بعلاقتهم بالمركز.

وليس انقلاب الاحتفاء إلى إدانة لدى سوريين آخرين انتقدوا تأخر التظاهرات في السويداء وسخروا منها، سوى تأكيد للوقوع في فخ معيارية الثورة ولحظتها الأولى، وإغفال لطبيعة المواقع التي تشغلها الأقليات في الكيان السوري، تاريخاً ووجداناً. فالساخرون هم الوجه الآخر للمحتفين، الطرفان يضعان الدروز ضمن متخيل الثورة. ومتخيل الثورة هو انتزاع حقبة مشرقة في البدايات، وتعميمها على حقبات  لاحقة متعرجة وشديدة التعقيد. مع فارق أن طرفاً يقبل الدروز في متخيله ولو بعد حين، فيما آخر يرفضهم ويدين تأخرهم.

والاحتفاء والإدانة، إذ يتلابسان، انطلاقاً من متخيل واحد، يغفلان كل ما تجاوز هذا المتخيل من واقع تمثل بحروب أهلية وتطرف وتدخل خارجي وتغيير ديمغرافي و مصالحات وتوسع رقعة الرماديين. ثمة، إذا محو للزمن الفاصل بين بداية الثورة وما تلاها، معطوف على محو سابق، بين الاستقلال وما تلاه، وكأننا حيال إنتاج دروز غير تاريخيين، لا يتفاعلون مع المراحل والحقب، ولا يشكلون اتجاهات في ظلالها. دروز ثابتون عند ما جلبته الثورة من خير، لا خلل في علاقتهم مع المركز في السابق، ولا قلق في علاقتهم مع الثورة في الحاضر. 

والأرجح أن علاج القلق يبدأ بعلاج الخلل، عبر طرح يضمن للدروز كيانيتهم وخصوصيتهم، ويزيل الالتباس بينهم وبين المركز، طرح يستمد شرعيته، من نقد متخيل الثورة، وإنزاله من تصورات متوهمة حول “الوحدة الوطنية” إلى العلاقات بين الجماعات، ومواقف الأخيرة من صيغ الحكم التي هي مفاتيح المشاركة في الثورة، وليست نقاشات مؤجلة إلى ما بعد انتصارها.

بحث وضعية الدروز في شكل أي نظام حكم مستقبلي هو المدخل لتوسيع مظاهرات السويداء وجعلها ذات مردود سياسي، أما التناوب على الاحتفاء والإدانة فهو ليس سوى تكرار كسول لمنطق ساد مع إنطلاق الثورة، مؤداه أن النظام ساقط لا محالة، ولا داعي للتفاهم مع الجماعات التي تشكل الاجتماع السوري، حول ما بعد سقوطه.

 وإن كان من الممكن تدارك هذا المنطق مع الدروز حاليا، وفتح نقاش حول دورهم في سوريا الجديدة، فالأفضل أن يحصل ذلك دون شروط مسبقة، لاسيما الشرط  القمعي، وحدة سوريا.