fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سوريا: سباق بين الغبطة واحتمالات الخيبة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جميعنا مأخوذون بالمشهد، نظام بشار الأسد يتداعى تحت أنظارنا، سؤال ما بعد السقوط، أو ما بعد انعقاد الخريطة على واقع مختلف، شرط سياسي لا بد منه، لكنه لا يستوي في بعده العاطفي مع السؤال السياسي. الكلام عن تأجيل السياسة إلى ما بعد انكشاف سير المعركة، يشبه طلب تأجيل نقد حماس إلى ما بعد نهاية الحرب في غزة، ويشبه أيضاً إحالة حزب الله لنا، نحن اللبنانيين، عند السؤال عن مستقبلنا، إلى “الميدان”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يجب ألا تبلغ بنا الغبطة مبلغاً يعمي أبصارنا، فنشيح بوجهنا عن حقيقة أننا حيال أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع كما يفضّل تسميته في سياق محاولاته لإعادة تسويق نفسه. 

الجولاني أو الشرع آتٍ إلى الحرب في سوريا من تنظيم “القاعدة”، نعم نحن حيال مرحلة متقدمة من انهيار أحد أقبح الأنظمة في العالم. لكننا أيضاً حيال احتمالات عنف جهادي سبق اختبارها، فهل يمكن أن نضبط معدل الأدرينالين حين نعاين مشاهد السجناء الخارجين من سجنَي حلب وحماة؟ 

المهمة صعبة، لا بل غير منطقية، وغير إنسانية. بعض السجناء السياسيين أمضى في السجن ما يزيد عن أربعين عاماً. وملايين من السوريين أُخرجوا عنوة من مدنهم وبلداتهم، وها هم يعودون إليها، ولكن بمعية الجولاني، الرجل الذي حكم إدلب بـ”أحكام الشريعة”. إنه قدر السوريين، ولا يمكن إلا أن نتفهم ما يحصل لوجدانهم. 

جميعنا مأخوذون بالمشهد، نظام بشار الأسد يتداعى تحت أنظارنا، سؤال ما بعد السقوط، أو ما بعد انعقاد الخريطة على واقع مختلف، شرط سياسي لا بد منه، لكنه لا يستوي في بعده العاطفي مع السؤال السياسي. الكلام عن تأجيل السياسة إلى ما بعد انكشاف سير المعركة، يشبه طلب تأجيل نقد حماس إلى ما بعد نهاية الحرب في غزة، ويشبه أيضاً إحالة حزب الله لنا، نحن اللبنانيين، عند السؤال عن مستقبلنا، إلى “الميدان”.

 السياسة تُرسم الآن، في الطريق من حلب إلى حماة، ومن حماة إلى حمص. هذه الطريق معبدة بالمآسي، منذ المجزرة الأولى في العام 1982، ومنذ الهزيمة في حمص، والخيبة في حلب، والنهاية في إدلب.

ماذا نفعل نحن العاجزين عن إشاحة أنظارنا عن مشهد السجون وقد أطلق نزلاؤها؟ ذلك الطرابلسي الذي أمضى في السجن نحو أربعين عاماً، حُرر بالأمس بعدما كانت عائلته تعتقد أنه قُتل، وآلاف السوريين مثله أيضاً. لكن على مسافة ليست بعيدة من السجن المشرعة أبوابه أمام السجناء،  أنباء عن امرأة  كردية قطع رأسها، وآلاف العفرينيين المهجرين أمام سطوة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، ومؤشرات أخرى غير مطمئنة. حماية المسيحيين لا تكفي وليست إجراء نهائياً. هذا لن يوقف طبعاً جريان الأدرينالين، لكنه قد يستبق خيبات لطالما أصابتنا. 

ثم إن للغبطة مطبات موازية، منها عدم التقاطنا السياق الرئيسي للحرب، فالنظام ليس أكثر من خسائر جانبية للحرب على أذرع إيران. الأسد بهذا المعنى قد ينجو بدويلته التي سبق أن أسماها “سورية المفيدة”، والممتدة من الساحل السوري إلى دمشق. فماذا عنا الذين ساقتنا عواطفنا وراء هذا الاحتمال الراجح؟ والرجل وراءه هذه المرة الخليج بممالكه وإماراته، وروسيا، وإيران، وعلى الأرجح إسرائيل أيضاً. “الميدان” لا يساعد كل هؤلاء حتى الآن، لكن إلى متى يبقى هذا الميدان قادراً على إطاحة كل هؤلاء. 

المشهد السوري ينطوي هذه المرة على قدر هائل من العناصر التي تجعل التوقع مستحيلاً. من هو هذا الجولاني الذي صار اسمه بين ليلة وضحاها “أحمد الشرع”، ثمة من يطبخ كل هذه التحولات. من هو هذا الطاهي؟ أميركا أم تركيا؟ الجولاني خريج سجن بوكة في البصرة، هناك حيث وُلد “داعش”، وموفد أبو بكر البغدادي إلى سوريا، والمنشق عن تنظيم الدولة الإسلامية والملتحق بعدها بـ”القاعدة” ثم المنشق عن الأخيرة ومؤسس “النصرة”، ومحولها إلى “هيئة تحرير الشام”. هذا الرجل أطل اليوم، وخاطبنا من “موقعه الجديد” بوصفه محرر المدن السورية من نظام البعث!

لم يسبق أن خضعنا لهذا النوع من الاختبارات، السوريون يمرون بأوقات غريبة عجيبة، لكل لحظة انعطافتها. أصوات من كل حدب وصوب يدعو معظمها إلى التريث، وجميعها لا تخفي خوفها، ولا تخفي حماستها. لكن المرء إذ يشعر أن هذا لا يكفي، يشرع بالبحث عن نفسه وسط هذه المفاجآت المدوية، فلا يعثر على أكثر من الانتظار. وفي هذا الوقت لا بأس بقليل من الغبطة، على الأقل في ظل مشهد تحرير السجناء وعودة أهالي المدن والقرى الى بيوتهم.   

"درج"
لبنان
06.12.2024
زمن القراءة: 3 minutes

جميعنا مأخوذون بالمشهد، نظام بشار الأسد يتداعى تحت أنظارنا، سؤال ما بعد السقوط، أو ما بعد انعقاد الخريطة على واقع مختلف، شرط سياسي لا بد منه، لكنه لا يستوي في بعده العاطفي مع السؤال السياسي. الكلام عن تأجيل السياسة إلى ما بعد انكشاف سير المعركة، يشبه طلب تأجيل نقد حماس إلى ما بعد نهاية الحرب في غزة، ويشبه أيضاً إحالة حزب الله لنا، نحن اللبنانيين، عند السؤال عن مستقبلنا، إلى “الميدان”.

يجب ألا تبلغ بنا الغبطة مبلغاً يعمي أبصارنا، فنشيح بوجهنا عن حقيقة أننا حيال أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع كما يفضّل تسميته في سياق محاولاته لإعادة تسويق نفسه. 

الجولاني أو الشرع آتٍ إلى الحرب في سوريا من تنظيم “القاعدة”، نعم نحن حيال مرحلة متقدمة من انهيار أحد أقبح الأنظمة في العالم. لكننا أيضاً حيال احتمالات عنف جهادي سبق اختبارها، فهل يمكن أن نضبط معدل الأدرينالين حين نعاين مشاهد السجناء الخارجين من سجنَي حلب وحماة؟ 

المهمة صعبة، لا بل غير منطقية، وغير إنسانية. بعض السجناء السياسيين أمضى في السجن ما يزيد عن أربعين عاماً. وملايين من السوريين أُخرجوا عنوة من مدنهم وبلداتهم، وها هم يعودون إليها، ولكن بمعية الجولاني، الرجل الذي حكم إدلب بـ”أحكام الشريعة”. إنه قدر السوريين، ولا يمكن إلا أن نتفهم ما يحصل لوجدانهم. 

جميعنا مأخوذون بالمشهد، نظام بشار الأسد يتداعى تحت أنظارنا، سؤال ما بعد السقوط، أو ما بعد انعقاد الخريطة على واقع مختلف، شرط سياسي لا بد منه، لكنه لا يستوي في بعده العاطفي مع السؤال السياسي. الكلام عن تأجيل السياسة إلى ما بعد انكشاف سير المعركة، يشبه طلب تأجيل نقد حماس إلى ما بعد نهاية الحرب في غزة، ويشبه أيضاً إحالة حزب الله لنا، نحن اللبنانيين، عند السؤال عن مستقبلنا، إلى “الميدان”.

 السياسة تُرسم الآن، في الطريق من حلب إلى حماة، ومن حماة إلى حمص. هذه الطريق معبدة بالمآسي، منذ المجزرة الأولى في العام 1982، ومنذ الهزيمة في حمص، والخيبة في حلب، والنهاية في إدلب.

ماذا نفعل نحن العاجزين عن إشاحة أنظارنا عن مشهد السجون وقد أطلق نزلاؤها؟ ذلك الطرابلسي الذي أمضى في السجن نحو أربعين عاماً، حُرر بالأمس بعدما كانت عائلته تعتقد أنه قُتل، وآلاف السوريين مثله أيضاً. لكن على مسافة ليست بعيدة من السجن المشرعة أبوابه أمام السجناء،  أنباء عن امرأة  كردية قطع رأسها، وآلاف العفرينيين المهجرين أمام سطوة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، ومؤشرات أخرى غير مطمئنة. حماية المسيحيين لا تكفي وليست إجراء نهائياً. هذا لن يوقف طبعاً جريان الأدرينالين، لكنه قد يستبق خيبات لطالما أصابتنا. 

ثم إن للغبطة مطبات موازية، منها عدم التقاطنا السياق الرئيسي للحرب، فالنظام ليس أكثر من خسائر جانبية للحرب على أذرع إيران. الأسد بهذا المعنى قد ينجو بدويلته التي سبق أن أسماها “سورية المفيدة”، والممتدة من الساحل السوري إلى دمشق. فماذا عنا الذين ساقتنا عواطفنا وراء هذا الاحتمال الراجح؟ والرجل وراءه هذه المرة الخليج بممالكه وإماراته، وروسيا، وإيران، وعلى الأرجح إسرائيل أيضاً. “الميدان” لا يساعد كل هؤلاء حتى الآن، لكن إلى متى يبقى هذا الميدان قادراً على إطاحة كل هؤلاء. 

المشهد السوري ينطوي هذه المرة على قدر هائل من العناصر التي تجعل التوقع مستحيلاً. من هو هذا الجولاني الذي صار اسمه بين ليلة وضحاها “أحمد الشرع”، ثمة من يطبخ كل هذه التحولات. من هو هذا الطاهي؟ أميركا أم تركيا؟ الجولاني خريج سجن بوكة في البصرة، هناك حيث وُلد “داعش”، وموفد أبو بكر البغدادي إلى سوريا، والمنشق عن تنظيم الدولة الإسلامية والملتحق بعدها بـ”القاعدة” ثم المنشق عن الأخيرة ومؤسس “النصرة”، ومحولها إلى “هيئة تحرير الشام”. هذا الرجل أطل اليوم، وخاطبنا من “موقعه الجديد” بوصفه محرر المدن السورية من نظام البعث!

لم يسبق أن خضعنا لهذا النوع من الاختبارات، السوريون يمرون بأوقات غريبة عجيبة، لكل لحظة انعطافتها. أصوات من كل حدب وصوب يدعو معظمها إلى التريث، وجميعها لا تخفي خوفها، ولا تخفي حماستها. لكن المرء إذ يشعر أن هذا لا يكفي، يشرع بالبحث عن نفسه وسط هذه المفاجآت المدوية، فلا يعثر على أكثر من الانتظار. وفي هذا الوقت لا بأس بقليل من الغبطة، على الأقل في ظل مشهد تحرير السجناء وعودة أهالي المدن والقرى الى بيوتهم.   

"درج"
لبنان
06.12.2024
زمن القراءة: 3 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية