fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سوريا: سردية الثورة الصلبة وخطيئة نبذ الموالين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التركيز على معاداة النظام، أكثر من جذب المجتمع، جذّر من هذه السردية، وبدل أن تكون الثورة مقترحاً لحل الانقسامات القديمة وتخفيفها، صارت مسرحاً لها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أغلقت سردية نخب في المعارضة السورية الصلبة، حول ما حصل في 15 آذار/ مارس 2011، وما تلا ذلك من أحداث، أي فرصة لفتح هذا التاريخ على إشكاليات تتعلق بنظرة الجماعات والفاعلين الاجتماعيين في سوريا، على اختلاف اتجاهاتهم، إلى طبيعة الحدث المتمثل ببداية التظاهر ضد السلطة. إذ تم تأسيس سردية تحيل المجتمع ككل إلى كتلة واحدة تواجه نظاماً قاسياً، وتسعى إلى تغييره، في افتراض مسبق بوجود وعي سوري واحد، لا يتأثر بانعدام الوطنية.

والسردية المعارضة، طردت، كل من لا يوافق عليها، فظهرت تصنيفات الموالين والرماديين والانفصاليين. وتطورت الاستقطابات لتفرز مؤيدين للعسكرة ومعارضين لها، يطالبون المدن بالتحرك، مقابل رافضين للخطوة خشية الدمار. كل حدث، كان يولّد فرزاً جديداً، ويبعد شرائح جديدة من الثورة، التي بات تأييدها مشروطاً بمواقف قليلة ومطلقة لا تقبل النسبية. والحال فإن، التركيز على معاداة النظام، أكثر من جذب المجتمع، جذّر من هذه السردية، وبدل أن تكون الثورة مقترحاً لحل الانقسامات القديمة وتخفيفها، صارت مسرحاً لها. بمعنى أنه لم يتم تطوير فهم ديناميكي واستيعابي، للحظة 15 آذار وما تبعها من تحولات، على العكس، تم تأبيد اللحظة، وتديينها، بحيث بات توسيعها لتشمل قناعات أقل راديكالية ثورية، تتعلق بجماعات تتفاوت في نظرتها للنظام، أمراً شديد الصعوبة. أن تؤيد “الثورة”، يعني أن تنحاز إلى العسكرة والأسلمة وتمتلك حساسية سلبية تجاه الأقليات، ولا تهتم بقضايا المرأة، وترفض التفاوض، وتخون المدن الكبيرة.

تصلب سردية المعارضة، وطردها كل مخالف، قابله تصلب في سرديات الفئات غير المتحمسة للتغيير

 هكذا تم اختراع معارض أبدي، يقوم على سردية مغلقة، خطابها المعلن تأسيس سوريا الديموقراطية الخالية من الاستبداد، لكنه يستبطن عدد من المواقف المتشددة تجاه أطياف وشرائح من السوريين. لم تتنبه نخب المعارضة لغياب الحد الأدنى من التوافقات الوطنية، ورفعت التناقضات الطبيعية في المجتمع السوري، إلى سوية المتنافيات، بسبب سرديتها المتصلبة وانغلاقها على أي تفاهم مع الخائفين من التغيير، وإحالتهم إلى “خونة” و”مؤيدين” و”رماديين”، وغيره. فبدل طرح أفكار لاجتذاب المدن بمراكزها الحيوية، تم لومها، وتحويلها إلى عدو، وبدل استقطاب الأقليات عبر ضمانات، تصاعد خطاب الكراهية ضدها. أي فاعل اجتماعي، غير مقتنع بـ15 آذار، أو لديه هواجس حيالها، استبعد من سردية الأخيرة، بدل فتح التفاوض معه. 

إقرأوا أيضاً:

صحيح أن الأطراف التي وجب على المعارضة الانفتاح عليها ومحاولة استقطابها من موالين و”رماديين” وأقليات، كانت لها سرديات مضادة، لكن هذه السرديات تفاوتت في جذريتها، من الخوف على الوجود لدى بعض الطوائف انطلاقاً من مظلوميات تاريخية، وصولاً إلى التمسك بالاستقرار عند شرائح مدينية. وهذا، بطبيعة الحال يرتب، علاقة متفاوتة لهؤلاء مع النظام، تتدرج من القتال دفاعاً عنه وتنخفض إلى تأييده بالموقف وأحياناً بالصمت. التمير هنا كان ضرورياً لفهم السرديات رافضة الثورة، والتعامل معها، انطلاقاً من عناصر تشكيلها والفرز بين الحقيقي الذي يستوجب تقديم طروحات ضامنة، وبين المختلق الذي وجب دحضه بالأدلة والبراهين.

 والحال، فإن تصلب سردية المعارضة، وطردها كل مخالف، قابله تصلب في سرديات الفئات غير المتحمسة للتغيير، لا بل إن فئات انخرطت في الحراك عادت وانفكت عنه بفعل تطورات منفرة بالنسبة إليها مثل العسكرة وتصاعد خطاب الكراهية الطائفي. وإن صح أن تطورات كثيرة كان يصعب التحكم بها مثل استخدام السلاح لمواجهة العنف، وانفلات لغة التكاره بين الجماعات، يصح أيضاً أن كل تطور كان يمكن ضبطه سياسياً من قبل نخب المعارضة، بما لا يستفز شرائح المتوجسين، وتأطيره في هدف محدد غير قابل للفوضى. على العكس، التطورات كانت تحصل، من عسكرة وطائفية وتخوين وفرز، من دون أي تدخل معارض لضبطها بلغة عقلانية، ما وسّع من شرائح داعمي النظام أو غير المعارضين له. 

الأرجح، أن كسل المعارضة في فتح سرديتها على الموالين وسواهم، متصل بفهمها لسوريا بوصفها بلداً تام الوطنية، مشكلته في نظامه فقط، وليس في تعقيدات مجتمعه أيضاً، ومتصل كذلك، باعتقادها أن الحراك الشعبي، حركة تستدعي ما بعدها من تغيير، فيما هو صيرورة تستلزم الانفتاح على الخائفين، وتبديد هواجسهم. 

إقرأوا أيضاً:

14.12.2020
زمن القراءة: 3 minutes

التركيز على معاداة النظام، أكثر من جذب المجتمع، جذّر من هذه السردية، وبدل أن تكون الثورة مقترحاً لحل الانقسامات القديمة وتخفيفها، صارت مسرحاً لها.

أغلقت سردية نخب في المعارضة السورية الصلبة، حول ما حصل في 15 آذار/ مارس 2011، وما تلا ذلك من أحداث، أي فرصة لفتح هذا التاريخ على إشكاليات تتعلق بنظرة الجماعات والفاعلين الاجتماعيين في سوريا، على اختلاف اتجاهاتهم، إلى طبيعة الحدث المتمثل ببداية التظاهر ضد السلطة. إذ تم تأسيس سردية تحيل المجتمع ككل إلى كتلة واحدة تواجه نظاماً قاسياً، وتسعى إلى تغييره، في افتراض مسبق بوجود وعي سوري واحد، لا يتأثر بانعدام الوطنية.

والسردية المعارضة، طردت، كل من لا يوافق عليها، فظهرت تصنيفات الموالين والرماديين والانفصاليين. وتطورت الاستقطابات لتفرز مؤيدين للعسكرة ومعارضين لها، يطالبون المدن بالتحرك، مقابل رافضين للخطوة خشية الدمار. كل حدث، كان يولّد فرزاً جديداً، ويبعد شرائح جديدة من الثورة، التي بات تأييدها مشروطاً بمواقف قليلة ومطلقة لا تقبل النسبية. والحال فإن، التركيز على معاداة النظام، أكثر من جذب المجتمع، جذّر من هذه السردية، وبدل أن تكون الثورة مقترحاً لحل الانقسامات القديمة وتخفيفها، صارت مسرحاً لها. بمعنى أنه لم يتم تطوير فهم ديناميكي واستيعابي، للحظة 15 آذار وما تبعها من تحولات، على العكس، تم تأبيد اللحظة، وتديينها، بحيث بات توسيعها لتشمل قناعات أقل راديكالية ثورية، تتعلق بجماعات تتفاوت في نظرتها للنظام، أمراً شديد الصعوبة. أن تؤيد “الثورة”، يعني أن تنحاز إلى العسكرة والأسلمة وتمتلك حساسية سلبية تجاه الأقليات، ولا تهتم بقضايا المرأة، وترفض التفاوض، وتخون المدن الكبيرة.

تصلب سردية المعارضة، وطردها كل مخالف، قابله تصلب في سرديات الفئات غير المتحمسة للتغيير

 هكذا تم اختراع معارض أبدي، يقوم على سردية مغلقة، خطابها المعلن تأسيس سوريا الديموقراطية الخالية من الاستبداد، لكنه يستبطن عدد من المواقف المتشددة تجاه أطياف وشرائح من السوريين. لم تتنبه نخب المعارضة لغياب الحد الأدنى من التوافقات الوطنية، ورفعت التناقضات الطبيعية في المجتمع السوري، إلى سوية المتنافيات، بسبب سرديتها المتصلبة وانغلاقها على أي تفاهم مع الخائفين من التغيير، وإحالتهم إلى “خونة” و”مؤيدين” و”رماديين”، وغيره. فبدل طرح أفكار لاجتذاب المدن بمراكزها الحيوية، تم لومها، وتحويلها إلى عدو، وبدل استقطاب الأقليات عبر ضمانات، تصاعد خطاب الكراهية ضدها. أي فاعل اجتماعي، غير مقتنع بـ15 آذار، أو لديه هواجس حيالها، استبعد من سردية الأخيرة، بدل فتح التفاوض معه. 

إقرأوا أيضاً:

صحيح أن الأطراف التي وجب على المعارضة الانفتاح عليها ومحاولة استقطابها من موالين و”رماديين” وأقليات، كانت لها سرديات مضادة، لكن هذه السرديات تفاوتت في جذريتها، من الخوف على الوجود لدى بعض الطوائف انطلاقاً من مظلوميات تاريخية، وصولاً إلى التمسك بالاستقرار عند شرائح مدينية. وهذا، بطبيعة الحال يرتب، علاقة متفاوتة لهؤلاء مع النظام، تتدرج من القتال دفاعاً عنه وتنخفض إلى تأييده بالموقف وأحياناً بالصمت. التمير هنا كان ضرورياً لفهم السرديات رافضة الثورة، والتعامل معها، انطلاقاً من عناصر تشكيلها والفرز بين الحقيقي الذي يستوجب تقديم طروحات ضامنة، وبين المختلق الذي وجب دحضه بالأدلة والبراهين.

 والحال، فإن تصلب سردية المعارضة، وطردها كل مخالف، قابله تصلب في سرديات الفئات غير المتحمسة للتغيير، لا بل إن فئات انخرطت في الحراك عادت وانفكت عنه بفعل تطورات منفرة بالنسبة إليها مثل العسكرة وتصاعد خطاب الكراهية الطائفي. وإن صح أن تطورات كثيرة كان يصعب التحكم بها مثل استخدام السلاح لمواجهة العنف، وانفلات لغة التكاره بين الجماعات، يصح أيضاً أن كل تطور كان يمكن ضبطه سياسياً من قبل نخب المعارضة، بما لا يستفز شرائح المتوجسين، وتأطيره في هدف محدد غير قابل للفوضى. على العكس، التطورات كانت تحصل، من عسكرة وطائفية وتخوين وفرز، من دون أي تدخل معارض لضبطها بلغة عقلانية، ما وسّع من شرائح داعمي النظام أو غير المعارضين له. 

الأرجح، أن كسل المعارضة في فتح سرديتها على الموالين وسواهم، متصل بفهمها لسوريا بوصفها بلداً تام الوطنية، مشكلته في نظامه فقط، وليس في تعقيدات مجتمعه أيضاً، ومتصل كذلك، باعتقادها أن الحراك الشعبي، حركة تستدعي ما بعدها من تغيير، فيما هو صيرورة تستلزم الانفتاح على الخائفين، وتبديد هواجسهم. 

إقرأوا أيضاً:

14.12.2020
زمن القراءة: 3 minutes
|
آخر القصص
“يا ريت” يمكن تغيير الواقع بخطاب لنعيم قاسم!
حسن عباس - كاتب وصحافي لبناني | 23.04.2025
روما تتسلّم “شعلة” التفاوض من مسقط
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.04.2025

اشترك بنشرتنا البريدية