fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سوريا: عن الفرح وعن صيدنايا وطائرات الخردة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المشاهد خلال أسبوع السقوط تؤشر إلى حقيقة كيف حوّل آل الأسد سوريا إلى خردة، والى أن قصورهم وسياراتهم الفارهة تم شراؤها في ظل الجوع والقمع اللذين عمّموهما في كل البلد. وهذا كله مترافق مع شرائح واسعة، من غير السوريين، أسفت على سقوط النظام، من ضمنهم نخب وأحزاب وأنظمة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في اللحظة التي سقط فيها نظام الأسد، استيقظ خوف “حريصين” على مستقبل سوريا من حقيقة أن متشددين إسلاميين هم من أسقطوه! انهالت على السوريين نصائح بضرورة الحذر من الغبطة والفرح. المشاهد المرعبة التي رافقت السقوط، لم تُثر في المحذّرين شيئاً. حقيقة أن شيئاً لن يفوق سجن صيدنايا فظاعة ليست في حسابات المحذرين، فهؤلاء ضبطوا انحيازهم إلى نظام الجريمة في منظومة شعورية أسموها الخوف من التكفيريين.

أشاحوا بوجوههم عن مشاهد سجناء صيدنايا، عن ذلك الطفل الذي ولد في السجن، وعن السجين اللبناني الذي فقد ذاكرته، وعن آلاف المفرج عنهم وقد أطلقوا لأرجلهم العنان. تنطوي النصيحة على خيبة من سقوط بشار الأسد. نعم خلف التحذيرات شيء من الأسف على النظام. ليس هذا اتهاماً، لكنه التفسير الوحيد لهذا الكم الهائل من الخوف، لا سيما وأن أصحابه يعرفون أن الفرح بسقوط النظام مترافق مع قلق على المستقبل، وأن السوريين يعرفون أن الجنة ليست بانتظارهم، وأن أبو محمد الجولاني ليس خيارهم، لكنهم استعادوا بلدهم بعد أكثر من خمسة عقود اختطفه خلالها آل الأسد منهم.

استعاد السوريون بلدهم ممزقاً ومدمراً ومتنازعاً، لكنهم هم من فعلها. هم من أسقط التمثال، وليس جيشاً غازياً، وهم من فتح السجون وليس ضابطاً أميركياً أو تركياً، وهم من راحوا يبكون ويبحثون عن أحبتهم بين وجوه المفرج عنهم من السجون.

الخوف كبير والمستقبل غامض، والنظام أورثهم المتشددين، لكن بمستطاعهم الآن البدء بمسار استعادة سوريا. ثمة أفق اليوم لمواجهة الجولاني وجماعته، ولاختبار التجربة. 

المشاهد خلال أسبوع السقوط تؤشر إلى حقيقة كيف حوّل آل الأسد سوريا إلى خردة، والى أن قصورهم وسياراتهم الفارهة تم شراؤها في ظل الجوع والقمع اللذين عمّموهما في كل البلد. وهذا كله مترافق مع شرائح واسعة، من غير السوريين، أسفت على سقوط النظام، من ضمنهم نخب وأحزاب وأنظمة. في تونس مثلاً، حفلت صحافة النظام وصحافة “اليسار”، بعناوين “الخيبة”، وفي لبنان اسودت وجوه، وفي مصر أشاح عبد الفتاح السيسي بوجهه عن الحدث. أما ما نقلته الكاميرات من مشاهد لفظائع النظام، فهذا ليس محل ابتلاء الخائبين.         

 آخر مشهد بقي في ذهني لـ”سوريا الأسد”، قبل أن يغادرها ذاك الرجل ذو الوجه المسطح، هو مشهد الطائرات العسكرية الراسية في المطارات التي أخلاها النظام البائد.

بشار الأسد كان يقتل السوريين بطائرات الخردة هذه. هذه الخردة السوفياتية هي تماماً حزب البعث، فهي غير قابلة لغير قتل السوريين. هذه المقاتلات لم تفارق ذهني طوال الليل. هي النموذج الفعلي للنظام البائد. لا شيء في “سوريا الأسد” سوى هذه الطائرات الرثة. النسخة التكنولوجية لنظام الجريمة. السجون، وتماثيل “الأب القائد”، والابن الذي لم يَظِل وجه أبيه، والضباط الذين سبق أن احتلوا لبنان، ومخيمات النازحين، والطائرات السوفياتية التي سبق أن قصفتنا في سراقب، هذا هو النظام، أيها الخائفون من سقوطه.

وفي الصباح، استيقظنا على خبر مغادرة بشار الأسد دمشق إلى جهة مجهولة. وما أن وصلنا الخبر متأخراً ساعات قليلة، حتى راحت صور طائرات الخردة بالتحليق في مخيلتي. أي إهانة للعالم هذه. العالم الذي كان باشر بإعادة الاعتبار الى هذه الطائرات. لسفارة دولة الإمارات العربية التي أعيد افتتاحها في دمشق. لتلفزيون العربية الذي أجرى تحولاً في قاموس تناوله النظام، وعاد بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية في اللغة التحريرية للمحطة التلفزيونية. العالم كان بصدد إعادة الاعتبار الى هذه الخردة التي لا تشكل خطراً إلا على السوريين. 

حتى الأمس، كان وزراء خارجية دول عدة يجتمعون في العاصمة القطرية ويصدرون بياناً يجددون فيه لبشار الأسد لمدة تسعة أشهر يُعدّ خلالها لانتخابات كان سيشرف عليها هو بنفسه. 

لعله فاجأهم بمغادرته دمشق بعد ساعات قليلة من اجتماعهم. أو ربما غادر قبل الاجتماع، من يدري؟! غافلهم وغادر، بعدما سربوا لقناة “الجزيرة” مقررات اجتماعهم. فضيحة التمديد له لا تقل عن فضيحة مغافلته لهم. 

الصور القادمة من دمشق لا تُصدق. أقوى من أي شيء يمكن أن يقال عن تجربة البعث. الطفل على باب الزنزانة في سجن صيدنايا يفطر القلب. السوريون المندفعون إلى الساحات لتحطيم الأصنام، منزل الرئيس المخلوع، وأسطول سياراته الحديثة، والنفق في أسفل قصر المهاجرين. كل هذه المشاهد تعود لتردنا إلى طائرات الخردة المعدة لحماية العائلة، ولقتل السوريين. 

نعم علينا أن نخاف من الجولاني، وأن ننتظر أياماً صعبة، لكن الرحلة بدأت والأبد انطوى إلى غير عودة، وأهل صيدنايا استعادوا قريتهم من السجن. وفي سوريا اليوم رحلة بدأت، ومرحلة صعبة، لكن أيضاً سوريا الآن خرجت من سجن البعث، ويحق لها أن تحتفل.

يمنى فواز- صحافية لبنانية | 18.01.2025

ماكرون يحاول تعويض خساراته الفرنسية في شوارع بيروت !

يسير إيمانويل ماكرون في شوارع بيروت يتلفت يميناً ويساراً، يأمل أن تلتقط الكاميرات مجدداً امرأة تهرع إليه كمنقذ وكأنه رئيس لبنان، أو طفل فرح يركض إليه من أي اتجاه، لكنه وجد نفسه محاطاً بجمع من الصحافيين، ومتفرجين من المارّة، في الشارع ذاته الذي استقبله بحفاوة وكأنه رئيس البلاد في 6 آب 2020.
09.12.2024
زمن القراءة: 3 minutes

المشاهد خلال أسبوع السقوط تؤشر إلى حقيقة كيف حوّل آل الأسد سوريا إلى خردة، والى أن قصورهم وسياراتهم الفارهة تم شراؤها في ظل الجوع والقمع اللذين عمّموهما في كل البلد. وهذا كله مترافق مع شرائح واسعة، من غير السوريين، أسفت على سقوط النظام، من ضمنهم نخب وأحزاب وأنظمة.

في اللحظة التي سقط فيها نظام الأسد، استيقظ خوف “حريصين” على مستقبل سوريا من حقيقة أن متشددين إسلاميين هم من أسقطوه! انهالت على السوريين نصائح بضرورة الحذر من الغبطة والفرح. المشاهد المرعبة التي رافقت السقوط، لم تُثر في المحذّرين شيئاً. حقيقة أن شيئاً لن يفوق سجن صيدنايا فظاعة ليست في حسابات المحذرين، فهؤلاء ضبطوا انحيازهم إلى نظام الجريمة في منظومة شعورية أسموها الخوف من التكفيريين.

أشاحوا بوجوههم عن مشاهد سجناء صيدنايا، عن ذلك الطفل الذي ولد في السجن، وعن السجين اللبناني الذي فقد ذاكرته، وعن آلاف المفرج عنهم وقد أطلقوا لأرجلهم العنان. تنطوي النصيحة على خيبة من سقوط بشار الأسد. نعم خلف التحذيرات شيء من الأسف على النظام. ليس هذا اتهاماً، لكنه التفسير الوحيد لهذا الكم الهائل من الخوف، لا سيما وأن أصحابه يعرفون أن الفرح بسقوط النظام مترافق مع قلق على المستقبل، وأن السوريين يعرفون أن الجنة ليست بانتظارهم، وأن أبو محمد الجولاني ليس خيارهم، لكنهم استعادوا بلدهم بعد أكثر من خمسة عقود اختطفه خلالها آل الأسد منهم.

استعاد السوريون بلدهم ممزقاً ومدمراً ومتنازعاً، لكنهم هم من فعلها. هم من أسقط التمثال، وليس جيشاً غازياً، وهم من فتح السجون وليس ضابطاً أميركياً أو تركياً، وهم من راحوا يبكون ويبحثون عن أحبتهم بين وجوه المفرج عنهم من السجون.

الخوف كبير والمستقبل غامض، والنظام أورثهم المتشددين، لكن بمستطاعهم الآن البدء بمسار استعادة سوريا. ثمة أفق اليوم لمواجهة الجولاني وجماعته، ولاختبار التجربة. 

المشاهد خلال أسبوع السقوط تؤشر إلى حقيقة كيف حوّل آل الأسد سوريا إلى خردة، والى أن قصورهم وسياراتهم الفارهة تم شراؤها في ظل الجوع والقمع اللذين عمّموهما في كل البلد. وهذا كله مترافق مع شرائح واسعة، من غير السوريين، أسفت على سقوط النظام، من ضمنهم نخب وأحزاب وأنظمة. في تونس مثلاً، حفلت صحافة النظام وصحافة “اليسار”، بعناوين “الخيبة”، وفي لبنان اسودت وجوه، وفي مصر أشاح عبد الفتاح السيسي بوجهه عن الحدث. أما ما نقلته الكاميرات من مشاهد لفظائع النظام، فهذا ليس محل ابتلاء الخائبين.         

 آخر مشهد بقي في ذهني لـ”سوريا الأسد”، قبل أن يغادرها ذاك الرجل ذو الوجه المسطح، هو مشهد الطائرات العسكرية الراسية في المطارات التي أخلاها النظام البائد.

بشار الأسد كان يقتل السوريين بطائرات الخردة هذه. هذه الخردة السوفياتية هي تماماً حزب البعث، فهي غير قابلة لغير قتل السوريين. هذه المقاتلات لم تفارق ذهني طوال الليل. هي النموذج الفعلي للنظام البائد. لا شيء في “سوريا الأسد” سوى هذه الطائرات الرثة. النسخة التكنولوجية لنظام الجريمة. السجون، وتماثيل “الأب القائد”، والابن الذي لم يَظِل وجه أبيه، والضباط الذين سبق أن احتلوا لبنان، ومخيمات النازحين، والطائرات السوفياتية التي سبق أن قصفتنا في سراقب، هذا هو النظام، أيها الخائفون من سقوطه.

وفي الصباح، استيقظنا على خبر مغادرة بشار الأسد دمشق إلى جهة مجهولة. وما أن وصلنا الخبر متأخراً ساعات قليلة، حتى راحت صور طائرات الخردة بالتحليق في مخيلتي. أي إهانة للعالم هذه. العالم الذي كان باشر بإعادة الاعتبار الى هذه الطائرات. لسفارة دولة الإمارات العربية التي أعيد افتتاحها في دمشق. لتلفزيون العربية الذي أجرى تحولاً في قاموس تناوله النظام، وعاد بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية في اللغة التحريرية للمحطة التلفزيونية. العالم كان بصدد إعادة الاعتبار الى هذه الخردة التي لا تشكل خطراً إلا على السوريين. 

حتى الأمس، كان وزراء خارجية دول عدة يجتمعون في العاصمة القطرية ويصدرون بياناً يجددون فيه لبشار الأسد لمدة تسعة أشهر يُعدّ خلالها لانتخابات كان سيشرف عليها هو بنفسه. 

لعله فاجأهم بمغادرته دمشق بعد ساعات قليلة من اجتماعهم. أو ربما غادر قبل الاجتماع، من يدري؟! غافلهم وغادر، بعدما سربوا لقناة “الجزيرة” مقررات اجتماعهم. فضيحة التمديد له لا تقل عن فضيحة مغافلته لهم. 

الصور القادمة من دمشق لا تُصدق. أقوى من أي شيء يمكن أن يقال عن تجربة البعث. الطفل على باب الزنزانة في سجن صيدنايا يفطر القلب. السوريون المندفعون إلى الساحات لتحطيم الأصنام، منزل الرئيس المخلوع، وأسطول سياراته الحديثة، والنفق في أسفل قصر المهاجرين. كل هذه المشاهد تعود لتردنا إلى طائرات الخردة المعدة لحماية العائلة، ولقتل السوريين. 

نعم علينا أن نخاف من الجولاني، وأن ننتظر أياماً صعبة، لكن الرحلة بدأت والأبد انطوى إلى غير عودة، وأهل صيدنايا استعادوا قريتهم من السجن. وفي سوريا اليوم رحلة بدأت، ومرحلة صعبة، لكن أيضاً سوريا الآن خرجت من سجن البعث، ويحق لها أن تحتفل.

09.12.2024
زمن القراءة: 3 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية