اختلطت السخرية بالشماتة في تلقي عدد من السوريين، خبري، وفاة الممثل زهير رمضان في دمشق، واعتقال المطرب الشعبي، عمر سليمان في تركيا (ذكر قريب له أنه تم الإفراج عنه). فقد تم التعامل معهما بوصفهما، موالين للنظام، ما جعل، أفعالاً كالموت والاعتقال، ذات معنى مضاد للمتعارف عليه، حيث الغياب والفقد والألم وحجز الحرية. هذه الأفعال، تبعاً لما تشير إليه منشورات وتغريدات، للشامتين والساخرين، أقرب إلى كونها أدوات للانتقام والثأر والتعويض النفسي ولو لفترة موقتة.
سليمان، الذي شكك كثر بكونه مؤيداً للنظام، اعتُقل في تركيا بتهمة الانتماء إلى “جماعة إرهابية” أي حزب “العمال الكردستاني”. والتهمة تلك، غالباً ما تستخدمها السلطة، ضد خصومها، بهدف تصفيات حسابات سياسية. أي أن سياق اعتقال سليمان، مرتبط بطبيعة النظام السلطوي في تركيا، لا بموقفه من النظام، الذي تضاربت الآراء حوله. بمعنى آخر، اعتقال الشخص شيء، وموقفه شيء آخر. لكن الشامتين، خلطوا بين الأمرين، بحيث يكون الأول انتقاماً من الثاني، بصرف النظر عن السياقات المختلفة، والتي ينتج عن تجاهلها، تأييد ممارسات سلطوية للدولة التركية، للثأر من موقف مؤيد لديكتاتورية النظام في سوريا.
بيد أن موقف زهير رمضان، أكثر وضوحاً من سليمان، فالفنان الراحل له تصريحات يزايد فيها على النظام نفسه، داعياً إلى عدم السماح بعودة الفنانين “الخونة”، ما جعل المعارضين، أكثر يقيناً في الشماتة بموته، وتمني الموت لغيره من الفنانين كدريد لحام وبسام الكوسا. والأرجح، أن اتساع الكراهية، لفنان موال مثل رمضان، لتشمل سواه، مردها عدم تحديد الموقف الأخلاقي من الموالي، وكذلك عدم صياغة معايير نسبية، تحدد درجة مشاركته وانخراطه مع النظام. غالباً ما تستخدم المفردات نفسها، حيال أي موال، الفنان والمنخرط بميليشيات والموظف الحكومي والجندي، كلهم ينظر إليهم نظرة واحدة، ويتم وصفهم باللغة ذاتها، أي بوصفهم “شبيحة” و”قتلة” و”مجرمين”. مع العلم أن، حتى، المحاكم التي تطبق بها العدالة، تنظر إلى متهمين بجريمة قتل مثلاً، بدرجات متفاوتة، فتميز بين محرض ومساعد ومنفذ.
التعميم الذي يتم إسباغه على الموالين، يجعل من موظف عادي مؤيد مثل طيار يرمي براميل متفجرة، وبينهما فنانون وشعراء وروائيون وصحافيون. وأحياناً، يحصل التباس، في تحديد الموالي كما في حالة عمر سليمان، بسبب الضبابية والتعميم. قد نكون بحاجة إلى لغة أقل إطلاقية، في النظر للموالين، تنهض على النسبية والتميز وملاحظة التفاوتات، أي لغة، تنطلق من البعد الأخلاقي، وتبني عليه، كمعيار يرفض القتل والانحياز للجلاد، لكنها في الوقت عينه، تقيس على موقع الموالي ووظيفته ودرجة تورطه، ودوره، حمله السلاح من عدمه، مروره في آلة النظام الإعلامية، مقابل اكتفائه بموقفه لشخصه، فضلاً عن عناصر أخرى تتعلق بالبيئة الضاغطة الذي يعيش فيها ودرجة قدرته على الاختيار.
تجاهل قياس المعيار الأخلاقي على موقع الموالي، يحرم المعيار من التحديد ويفتحه على التعميم، الذي يمهد الأجواء للانتقائية، بحيث يتم الاستناد إلى الرصيد الرمزي للموالي للحكم عليه، وليس على موقفه السياسي وحسب، وهو ما يفسر حزن الكثير من المعارضين الراديكاليين على الفنان الراحل، صباح فخري، وإيجاد أعذار لموقفه المؤيد للنظام.
إقرأوا أيضاً:
رمضان لا يفتقد إلى رصيد فخري الإيجابي، عند عموم المعارضين، وحسب، هو أيضاً، وبسبب الشخصيات الكوميدية التي أداها في عدد من المسلسلات مثل المختار “بيسه” ورئيس المخفر “أبو جودت”، يعتبر مادة خصبة للسخرية، إذ امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي، بجمل مضحكة سبق أن قالها في أدواره، للسخرية من موته. والأمر نفسه حصل مع سليمان، عند اعتقاله، فنشر كثر صوراً للفنان الملقب بـ”قيصر”، والذي يأخذ لنفسه كاريكاتير خاص، للسخرية من اعتقاله.
وبالنتيجة، الاعتقال والموت، مرا بإطلاقية المعيار الذي لا يقاس وفق موقع الموالي لتحديد درجة إدانته، وتحولا إلى أدوات للسخرية، ضمن آلية خطيرة، تجعل من الوعي المعارض، أكثر تطبيعاً مع الموت والاعتقال، بوصفهما، علاجاً وتعويضاً وثأراً، وليسا أمرين يجعلان، إمكانية مواصلة المنازلة مع الخصوم أكثر تعقيداً.
رمضان وسليمان (إن صح تأييده النظام) يتحملان مسؤولية أخلاقية نتيجة مواقفهما، ولكن عدم تحديد درجة هذه المسؤولية، ودفعها نحو الشر المطلق، سيزيدان أعداد مؤيدي الموت والاعتقال في صفوف المعارضين، لا سيما أن ذلك يحصل، بعد هزيمة الثورة، أي مع شعور أنصارها باليأس وتلقفهم أي أذى يلحق بالمؤيدين، باعتباره نصراً تعويضياً.
إقرأوا أيضاً: