fbpx

سوريا: “قوات القبائل والعشائر” رهان طهران  لهزيمة واشنطن شرق الفرات 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هجوم قوات “القبائل العشائر” على مناطق سيطرة قوات “قسد”، أعاد حالة السجال حول تبعية هذه القوات. إذ يرى فيها معارضو الإدارة الذاتية ومشروعها قوات عربية تسعى إلى تحرير مناطقها من هيمنة حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” PKK، ويحاول أصحاب هذا الرأي نفي أي علاقة لها مع إيران أو النظام السوري، بينما يرى مؤيدون للإدارة الذاتية، أنها مشروع إيراني يسعى إلى تدمير المنطقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هاجمت “قوات القبائل والعشائر” التي يتزعّمها إبراهيم الهفل، شيخ قبيلة العقيدات، ليلة الثلاثاء 6 آب/ أغسطس، مناطق ريف دير الزور الشرقي الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”. وهو يُعتبر الهجوم الأقوى من نوعه منذ حالة التمرّد التي قادها الهفل على “قسد” في آب من العام الماضي.

انطلق هجوم مقاتلي القبائل من مناطق سيطرة النظام في الضفة الغربية لنهر الفرات، وتمكّنوا من السيطرة على قرى ومواقع عسكرية عدة لقوات “قسد”، قبل أن تنقل الأخيرة تعزيزات عسكرية من محافظتي الرقة والحسكة إلى ريف دير الزور، انتهت بسيطرتها على المنطقة وانسحاب القوات المهاجمة إلى نقاط تمركزها غرب نهر الفرات.

هجوم قوات “القبائل العشائر” على مناطق سيطرة قوات “قسد”، أعاد حالة السجال حول تبعية هذه القوات. إذ يرى فيها معارضو الإدارة الذاتية ومشروعها قوات عربية تسعى إلى تحرير مناطقها من هيمنة حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” PKK، ويحاول أصحاب هذا الرأي نفي أي علاقة لها مع إيران أو النظام السوري، بينما يرى مؤيدون للإدارة الذاتية، أنها مشروع إيراني يسعى إلى تدمير المنطقة.

تعود بداية تشكُّل قوات “القبائل والعشائر”، إلى شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2023، حين أعلن إبراهيم الهفل تشكيلها بهدف محاربة قوات “قسد” وتحرير مناطق العشائر شرق الفرات. وجاء إعلان الهفل بعد انخراطه مع مقاتلين من عشائر المنطقة، في حادثة التمرد التي قادها بعض عناصر مجلس دير الزور العسكرية من عشيرة البكير، أحد مكونات قبيلة العقيدات، على خلفية اعتقال أحمد الخبيل أبو خالة، قائد مجلس دير الزور العسكري في آب/ أغسطس 2023.

دخول الهفل والعشائر في حالة التمرد الأولى، لم يأتِ دعماً لأحمد الخبيل، فالهفل كان بحالة عداء مع الخبيل، كما أن العشائر والقبائل تختلف مع الأخير، نتيجة ما ارتكبه من مجازر بحق مدنيين من تلك القبائل، لكن انخراطها في التمرد جاء لقناعتها بأن هدف “الإدارة الذاتية” هو القضاء على مجلس دير الزور العسكري، الذي شكل لسنوات طوق حماية للمنطقة وعشائرها من هيمنة القوى الكردية التي تدير “قسد”.

فالمجتمع القبلي العشائري في دير الزور رأى لسنوات، أن امتلاك استقلالية نسبية في المحافظة أمر جيد له على عكس محافظتي الحسكة والرقة، وأن ما قامت به “قسد”، خطوة للقضاء على هذه الاستقلالية النسبية في المنطقة،  لإخضاع المنطقة وتهجينها كما في بقية مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا.

أما السبب الثاني لدخول الهفل والعشائر العربية في الصراع، فهو احتجاز قوات “قسد” عائلات بعض أبناء دير الزور، بينهم قادة المجلس المقيمون في محافظة الحسكة، وقتلها مدنيين خلال عملياتها العسكرية، ما آثار غضب تلك القبائل ودفعها إلى حمل السلاح.

في المرحلة الأولى من إعلان الهفل دخوله المعركة ضد قوات “قسد”، كان يعتمد في حالة الصراع على مقاتلي القبائل والعشائر وما يملكونه من قدرات عسكرية، بخاصة المرحلة الأولى التي شهدت تفوق قوات العشائر وسيطرتها على مساحات جغرافية واسعة من المنطقة، لكن ترتيب “قسد” صفوفها وشنها هجوماً مضاداً في تلك الفترة وبدء تقدّمها، ذلك كله دفع الهفل إلى البحث عن خطوط دعم تساهم في تحسين موقفه. إذ وجد في العميد جهاد الزعل، رئيس فرع المخابرات الجوية بدير الزور آنذاك، ضالته، إذ ساهم الأخير في دعم الهفل عسكرياً، من خلال تقديم الذخائر والسماح بنقل مقاتلي الدفاع الوطني من مناطق النظام غرب الفرات، للقتال إلى جانب الهفل ومن معه، شرقه.

في تلك المرحلة، كانت علاقة الهفل بإيران غير موجودة، على رغم نمو تلك العلاقة مع النظام السوري، لكن إيران كانت داخلة بالصراع من دون أي ترتيب مع الهفل، عبر دفع عناصر ميليشياتها من خلفيات عشائرية إلى المشاركة في العمليات العسكرية تحت مسمى “قوات عشائرية”. كما أرسلت إيران الأسلحة والذخائر إلى مقاتلي العشائر عبر ذراعها نواف البشير، شيخ قبيلة البقارة. كما تدخل عناصر من الحرس الثوري الإيراني في المعركة من محور جديد عكيدات وذيبان، لتأمين نقاط وجود قرب قاعدتي حقل العمر وقلعدة معمل غاز “كونيكو”، لاستهداف تلك القواعد بهجمات صاروخية، وتصوير الأمر بأن قوى عشائرية منخرطة في الصراع ضد “قسد”، هي من قامت بتلك العمليات.

بعد هزيمة الهفل ومقاتلي القبائل والعشائر، وسقوط بلدة ذيبان مقر مشيخة العقيدات ومسقط رأس الهفل، في شهر أيلول/ سبتمبر، ولجوئه ومن معه من مقاتلين إلى مناطق النظام السوري، بدأت إيران برسم علاقتها معه، بعدما رأت فيه بديلاً جيداً يمكن أن تعتمد عليه في مشروعها، بعد فشل استثمارها في نواف البشير، شيخ قبيلة البقارة.

علاقة الهفل بإيران بدأت بعد نقله إلى العاصمة دمشق، حيث التقى بقادة إيرانيين منهم عسكريون في الحرس الثوري الإيراني وآخرون دبلوماسيون من السفارة الإيرانية، إذ اتفق الطرفان على دعم إيران للهفل عسكرياً ومالياً في جهوده لمحاربة قوات “قسد”، وكانت توصيات الإيرانيين تتضمن عدم إظهار تبعية قوات “جيش العشائر” لها أو للنظام لأسباب كثيرة، أولها جذب أكبر عدد من المنتمين الى تلك القوات، إضافة إلى بقاء الموقف الأميركي منها على أنها قوات عشائرية متمرّدة تطالب بحقوقها في إدارة مناطقها.

بعد الاتفاق بين إيران والهفل، بدأ الهفل تحركاته لجمع أكبر قدر من الشخصيات العشائرية إلى جانبه، بخاصة الموالية لإيران، لحشد جهودها في مواجهة “الإدارة الذاتية”، إذ التقى خلال تلك الفترة بكل من فرحان المرسومي شيخ المراسمة، ونواف البشير شيخ البقارة، وقادة عسكريين من خلفيات عشائرية يعملون مع إيران، بخاصة في منطقة شرق سوريا، وباتت علاقة استراتيجية تربط الطرفين، وأصبح الهفل ومن معه إحدى أهم أدوات إيران في الصراع شرق سوريا، ويمكن توضيح هذه العلاقة للمشككين من خلال نقاط عدة.

أولاً، لا يُعرف للهفل منذ عام 2011 حتى اليوم أي موقف سياسي من النظام السوري أو إيران، كما أنه لم يكن لديه أي موقف من الثورة السورية، إذ يمكن أن نقول إنه شخص محسوب على التيار الرمادي، على الرغم من مطالبات الجميع له بتوضيح موقفه، بخاصة من النظام وإيران بعد حالة التمرد، إلا أن الهفل تجاهل تلك الدعوات كلها، وحصر موقفه بأنه طرف مناهض “للإدارة الذاتية” ومشروعها فقط.

ثانياً، يعيش الهفل منذ انتقاله إلى مناطق غرب الفرات الخاضعة للنظام السوري في مدينة الميادين، أهم معاقل سيطرة إيران في دير الزور بعد مدينة البوكمال وبوابتها الحدودية، ويتمركز ومن معه في مقرات ومعسكرات ضمن مناطق مزارع الميادين، وتتولى حمايتها إلى جانب قوات القبائل والعشائر ميليشيات الحرس الثوري الإيراني.

ثالثاً، جميع العمليات العسكرية التي يقوم بها الهفل وقوات القبائل العشائر العربية، تنطلق من مدينة الميادين إضافة إلى المنطقة الممتدة منها وحتى مدينة البوكمال، وهذه المناطق هي المعقل الرئيسي للميليشيات الإيرانية في شرق سوريا، وهذا لن يكون ممكناً لولا العلاقة التي تربط الهفل مع إيران وميليشياتها بسوريا.

رابعاً، كيف للهفل وجيش مقاتلي القبائل العشائر العربية تأمين السلاح والذخيرة في مناطق وجودهما، من دون علاقة مع النظام أو إيران، والواقع أن إيران تتولى تسليح مقاتلي جيش “القبائل والعشائر العربية” وتجهيزهم، كما تدفع الأموال للهفل لصرف تعويضات مالية لهؤلاء المقاتلين.

خامساً، خلال العمليات العسكرية السابقة وحتى العملية العسكرية الأخيرة، يلاحظ مشاركة الكثير من قادة الميليشيات الموالية لإيران في قيادة تلك العمليات، ففي هجوم الثلاثاء الماضي نُشر فيديو من مقاتلي “القبائل والعشائر”، يظهر أن الهجوم يقوده هاشم مسعود السطام، وهو متزعم ميليشيا “أسود العقيدات” الموالية لإيران، وهذه ليست المرة الأولى التي يقود فيها الهجمات، كما أن مصادر على اتصال بها، أكدت “أن هجوم أمس (الثلاثاء) كان يقوده فعلياً حاج أسد، قائد قوات حزب الله في مناطق شرق سوريا، بشكل شخصي”.

سادساً، إذا كان الهفل يريد أن يحرر مناطق شرق الفرات من “الإدارة الذاتية” وجناحها العسكري “قسد”، ويمنع مشروعها الانفصالي ويعطي ثروات المنطقة لأبنائها، لماذا لا يسعى إلى تحرير مناطق غرب الفرات أيضاً، التي تقطنها مكونات قبيلة العقيدات، والتي باتت مرتعاً للميليشيات الإيرانية، التي تسعى إلى التغيير الاجتماعي والديني والديمغرافي، والتي أغرقت المنطقة بالمخدرات؟!

مصلحة إيران استراتيجية في هذه المعركة التي تدعم الهفل فيها، وتتمثل في هزيمة واشنطن من خلال ميليشياتها وبكلفة منخفضة مادياً وبشرياً، فالأسلحة المستخدمة تكاد تكون بلا قيمة، والأموال التي تُنفق يتم الحصول على الجزء الأكبر منها من صناعة المخدرات وتجارتها المزدهرة. أما المقاتلون والضحايا، فهم إما سكان محليون وإما ميليشيات من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، وما على الإيرانيين من ضباط الحرس الثوري، سوى قيادة الصراع وإدارته من غرف عملياتهم وتنفيذ قرار قيادتهم بالقتال بهذا الإيقاع اليومي، الذي لا يهدأ حتى يصل الطرف الآخر إلى نقطة الانهيار والانسحاب من المواجهة.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 13.09.2024

انتخابات الأردن: “الإخوان” هم الإجابة الهاشميّة عن الترانسفير 

وصول "الإخوان المسلمين"، الذين تصنفهم دول خليجية كجماعة إرهابية، إلى البرلمان، يكشف أيضاً عن طبيعة التوتر الصامت بين عمان وبين دول اتفاقات "إبراهام"، التي زادت من مخاوف الأردن الديموغرافية، بفعل عدم ربطها بين السلام وبين حق الفلسطينيين بدولة في الضفة الغربية والقدس. ولا بد والحال هذه من تذكير الدول الإبراهيمية باحتمالات السلام المجاني، و"الإخوان المسلمين"…
08.08.2024
زمن القراءة: 6 minutes

هجوم قوات “القبائل العشائر” على مناطق سيطرة قوات “قسد”، أعاد حالة السجال حول تبعية هذه القوات. إذ يرى فيها معارضو الإدارة الذاتية ومشروعها قوات عربية تسعى إلى تحرير مناطقها من هيمنة حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” PKK، ويحاول أصحاب هذا الرأي نفي أي علاقة لها مع إيران أو النظام السوري، بينما يرى مؤيدون للإدارة الذاتية، أنها مشروع إيراني يسعى إلى تدمير المنطقة.

هاجمت “قوات القبائل والعشائر” التي يتزعّمها إبراهيم الهفل، شيخ قبيلة العقيدات، ليلة الثلاثاء 6 آب/ أغسطس، مناطق ريف دير الزور الشرقي الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”. وهو يُعتبر الهجوم الأقوى من نوعه منذ حالة التمرّد التي قادها الهفل على “قسد” في آب من العام الماضي.

انطلق هجوم مقاتلي القبائل من مناطق سيطرة النظام في الضفة الغربية لنهر الفرات، وتمكّنوا من السيطرة على قرى ومواقع عسكرية عدة لقوات “قسد”، قبل أن تنقل الأخيرة تعزيزات عسكرية من محافظتي الرقة والحسكة إلى ريف دير الزور، انتهت بسيطرتها على المنطقة وانسحاب القوات المهاجمة إلى نقاط تمركزها غرب نهر الفرات.

هجوم قوات “القبائل العشائر” على مناطق سيطرة قوات “قسد”، أعاد حالة السجال حول تبعية هذه القوات. إذ يرى فيها معارضو الإدارة الذاتية ومشروعها قوات عربية تسعى إلى تحرير مناطقها من هيمنة حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” PKK، ويحاول أصحاب هذا الرأي نفي أي علاقة لها مع إيران أو النظام السوري، بينما يرى مؤيدون للإدارة الذاتية، أنها مشروع إيراني يسعى إلى تدمير المنطقة.

تعود بداية تشكُّل قوات “القبائل والعشائر”، إلى شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2023، حين أعلن إبراهيم الهفل تشكيلها بهدف محاربة قوات “قسد” وتحرير مناطق العشائر شرق الفرات. وجاء إعلان الهفل بعد انخراطه مع مقاتلين من عشائر المنطقة، في حادثة التمرد التي قادها بعض عناصر مجلس دير الزور العسكرية من عشيرة البكير، أحد مكونات قبيلة العقيدات، على خلفية اعتقال أحمد الخبيل أبو خالة، قائد مجلس دير الزور العسكري في آب/ أغسطس 2023.

دخول الهفل والعشائر في حالة التمرد الأولى، لم يأتِ دعماً لأحمد الخبيل، فالهفل كان بحالة عداء مع الخبيل، كما أن العشائر والقبائل تختلف مع الأخير، نتيجة ما ارتكبه من مجازر بحق مدنيين من تلك القبائل، لكن انخراطها في التمرد جاء لقناعتها بأن هدف “الإدارة الذاتية” هو القضاء على مجلس دير الزور العسكري، الذي شكل لسنوات طوق حماية للمنطقة وعشائرها من هيمنة القوى الكردية التي تدير “قسد”.

فالمجتمع القبلي العشائري في دير الزور رأى لسنوات، أن امتلاك استقلالية نسبية في المحافظة أمر جيد له على عكس محافظتي الحسكة والرقة، وأن ما قامت به “قسد”، خطوة للقضاء على هذه الاستقلالية النسبية في المنطقة،  لإخضاع المنطقة وتهجينها كما في بقية مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا.

أما السبب الثاني لدخول الهفل والعشائر العربية في الصراع، فهو احتجاز قوات “قسد” عائلات بعض أبناء دير الزور، بينهم قادة المجلس المقيمون في محافظة الحسكة، وقتلها مدنيين خلال عملياتها العسكرية، ما آثار غضب تلك القبائل ودفعها إلى حمل السلاح.

في المرحلة الأولى من إعلان الهفل دخوله المعركة ضد قوات “قسد”، كان يعتمد في حالة الصراع على مقاتلي القبائل والعشائر وما يملكونه من قدرات عسكرية، بخاصة المرحلة الأولى التي شهدت تفوق قوات العشائر وسيطرتها على مساحات جغرافية واسعة من المنطقة، لكن ترتيب “قسد” صفوفها وشنها هجوماً مضاداً في تلك الفترة وبدء تقدّمها، ذلك كله دفع الهفل إلى البحث عن خطوط دعم تساهم في تحسين موقفه. إذ وجد في العميد جهاد الزعل، رئيس فرع المخابرات الجوية بدير الزور آنذاك، ضالته، إذ ساهم الأخير في دعم الهفل عسكرياً، من خلال تقديم الذخائر والسماح بنقل مقاتلي الدفاع الوطني من مناطق النظام غرب الفرات، للقتال إلى جانب الهفل ومن معه، شرقه.

في تلك المرحلة، كانت علاقة الهفل بإيران غير موجودة، على رغم نمو تلك العلاقة مع النظام السوري، لكن إيران كانت داخلة بالصراع من دون أي ترتيب مع الهفل، عبر دفع عناصر ميليشياتها من خلفيات عشائرية إلى المشاركة في العمليات العسكرية تحت مسمى “قوات عشائرية”. كما أرسلت إيران الأسلحة والذخائر إلى مقاتلي العشائر عبر ذراعها نواف البشير، شيخ قبيلة البقارة. كما تدخل عناصر من الحرس الثوري الإيراني في المعركة من محور جديد عكيدات وذيبان، لتأمين نقاط وجود قرب قاعدتي حقل العمر وقلعدة معمل غاز “كونيكو”، لاستهداف تلك القواعد بهجمات صاروخية، وتصوير الأمر بأن قوى عشائرية منخرطة في الصراع ضد “قسد”، هي من قامت بتلك العمليات.

بعد هزيمة الهفل ومقاتلي القبائل والعشائر، وسقوط بلدة ذيبان مقر مشيخة العقيدات ومسقط رأس الهفل، في شهر أيلول/ سبتمبر، ولجوئه ومن معه من مقاتلين إلى مناطق النظام السوري، بدأت إيران برسم علاقتها معه، بعدما رأت فيه بديلاً جيداً يمكن أن تعتمد عليه في مشروعها، بعد فشل استثمارها في نواف البشير، شيخ قبيلة البقارة.

علاقة الهفل بإيران بدأت بعد نقله إلى العاصمة دمشق، حيث التقى بقادة إيرانيين منهم عسكريون في الحرس الثوري الإيراني وآخرون دبلوماسيون من السفارة الإيرانية، إذ اتفق الطرفان على دعم إيران للهفل عسكرياً ومالياً في جهوده لمحاربة قوات “قسد”، وكانت توصيات الإيرانيين تتضمن عدم إظهار تبعية قوات “جيش العشائر” لها أو للنظام لأسباب كثيرة، أولها جذب أكبر عدد من المنتمين الى تلك القوات، إضافة إلى بقاء الموقف الأميركي منها على أنها قوات عشائرية متمرّدة تطالب بحقوقها في إدارة مناطقها.

بعد الاتفاق بين إيران والهفل، بدأ الهفل تحركاته لجمع أكبر قدر من الشخصيات العشائرية إلى جانبه، بخاصة الموالية لإيران، لحشد جهودها في مواجهة “الإدارة الذاتية”، إذ التقى خلال تلك الفترة بكل من فرحان المرسومي شيخ المراسمة، ونواف البشير شيخ البقارة، وقادة عسكريين من خلفيات عشائرية يعملون مع إيران، بخاصة في منطقة شرق سوريا، وباتت علاقة استراتيجية تربط الطرفين، وأصبح الهفل ومن معه إحدى أهم أدوات إيران في الصراع شرق سوريا، ويمكن توضيح هذه العلاقة للمشككين من خلال نقاط عدة.

أولاً، لا يُعرف للهفل منذ عام 2011 حتى اليوم أي موقف سياسي من النظام السوري أو إيران، كما أنه لم يكن لديه أي موقف من الثورة السورية، إذ يمكن أن نقول إنه شخص محسوب على التيار الرمادي، على الرغم من مطالبات الجميع له بتوضيح موقفه، بخاصة من النظام وإيران بعد حالة التمرد، إلا أن الهفل تجاهل تلك الدعوات كلها، وحصر موقفه بأنه طرف مناهض “للإدارة الذاتية” ومشروعها فقط.

ثانياً، يعيش الهفل منذ انتقاله إلى مناطق غرب الفرات الخاضعة للنظام السوري في مدينة الميادين، أهم معاقل سيطرة إيران في دير الزور بعد مدينة البوكمال وبوابتها الحدودية، ويتمركز ومن معه في مقرات ومعسكرات ضمن مناطق مزارع الميادين، وتتولى حمايتها إلى جانب قوات القبائل والعشائر ميليشيات الحرس الثوري الإيراني.

ثالثاً، جميع العمليات العسكرية التي يقوم بها الهفل وقوات القبائل العشائر العربية، تنطلق من مدينة الميادين إضافة إلى المنطقة الممتدة منها وحتى مدينة البوكمال، وهذه المناطق هي المعقل الرئيسي للميليشيات الإيرانية في شرق سوريا، وهذا لن يكون ممكناً لولا العلاقة التي تربط الهفل مع إيران وميليشياتها بسوريا.

رابعاً، كيف للهفل وجيش مقاتلي القبائل العشائر العربية تأمين السلاح والذخيرة في مناطق وجودهما، من دون علاقة مع النظام أو إيران، والواقع أن إيران تتولى تسليح مقاتلي جيش “القبائل والعشائر العربية” وتجهيزهم، كما تدفع الأموال للهفل لصرف تعويضات مالية لهؤلاء المقاتلين.

خامساً، خلال العمليات العسكرية السابقة وحتى العملية العسكرية الأخيرة، يلاحظ مشاركة الكثير من قادة الميليشيات الموالية لإيران في قيادة تلك العمليات، ففي هجوم الثلاثاء الماضي نُشر فيديو من مقاتلي “القبائل والعشائر”، يظهر أن الهجوم يقوده هاشم مسعود السطام، وهو متزعم ميليشيا “أسود العقيدات” الموالية لإيران، وهذه ليست المرة الأولى التي يقود فيها الهجمات، كما أن مصادر على اتصال بها، أكدت “أن هجوم أمس (الثلاثاء) كان يقوده فعلياً حاج أسد، قائد قوات حزب الله في مناطق شرق سوريا، بشكل شخصي”.

سادساً، إذا كان الهفل يريد أن يحرر مناطق شرق الفرات من “الإدارة الذاتية” وجناحها العسكري “قسد”، ويمنع مشروعها الانفصالي ويعطي ثروات المنطقة لأبنائها، لماذا لا يسعى إلى تحرير مناطق غرب الفرات أيضاً، التي تقطنها مكونات قبيلة العقيدات، والتي باتت مرتعاً للميليشيات الإيرانية، التي تسعى إلى التغيير الاجتماعي والديني والديمغرافي، والتي أغرقت المنطقة بالمخدرات؟!

مصلحة إيران استراتيجية في هذه المعركة التي تدعم الهفل فيها، وتتمثل في هزيمة واشنطن من خلال ميليشياتها وبكلفة منخفضة مادياً وبشرياً، فالأسلحة المستخدمة تكاد تكون بلا قيمة، والأموال التي تُنفق يتم الحصول على الجزء الأكبر منها من صناعة المخدرات وتجارتها المزدهرة. أما المقاتلون والضحايا، فهم إما سكان محليون وإما ميليشيات من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، وما على الإيرانيين من ضباط الحرس الثوري، سوى قيادة الصراع وإدارته من غرف عملياتهم وتنفيذ قرار قيادتهم بالقتال بهذا الإيقاع اليومي، الذي لا يهدأ حتى يصل الطرف الآخر إلى نقطة الانهيار والانسحاب من المواجهة.