fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سوريا وفرصة سردية عربية جديدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

برغم الإجماع الظاهري على دعم خيارات الشعب السوري، يكشف تحليل التغطية الإعلامية للقنوات العربية الرئيسية، “الجزيرة” القطرية، و”الحدث” السعودية، و”سكاي نيوز عربية” الإماراتية، المرتبطة بحكوماتها التي تملك حصصاً فيها، عن سرديات متباينة. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المادة مترجمة عن موقع “أورينت لوجور”

La Syrie et l’opportunité d’un nouveau récit arabe – L’Orient-Le Jour

السقوط المذهل وغير المتوقع لنظام الأسد وسيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، يفتحان آفاقاً جديدة للمنطقة، إذ يبدو أن الرأي العام العربي يحتفل برحيل من كان اسمه مرتبطاً بالوحشية، وتجارة المخدرات، والتواطؤ مع إيران، ومع ذلك، تختلف ردود فعل الحكومات العربية تجاه هذا التطور.

برغم الإجماع الظاهري على دعم خيارات الشعب السوري، يكشف تحليل التغطية الإعلامية للقنوات العربية الرئيسية، “الجزيرة” القطرية، و”الحدث” السعودية، و”سكاي نيوز عربية” الإماراتية، المرتبطة بحكوماتها التي تملك حصصاً فيها، عن سرديات متباينة. 

لقد أثبتت هذه القنوات دورها المركزي كأدوات تأثير ودبلوماسية لصالح حكومات الخليج، لا سيما منذ أحداث الربيع العربي. ومع ذلك، فإن حجم التحولات في سوريا وعدم القدرة على التنبؤ بها، يشكّلان تحدياً للسرديات الأيديولوجية الموروثة من عقد 2010، التي كانت مبنية حول الانقسام العمودي بين معسكر إسلامي/ ثوري تقوده الدوحة وأنقرة من جهة، ومعسكر عسكري مناهض للإسلاميين تقوده الرياض وأبوظبي من جهة أخرى. بينما تبدو هذه السرديات غير ملائمة للوضع الحالي، حيث يُعاد تشكيل المصالح الجيوسياسية بسرعة، يتبين أن القنوات الثلاثة لم تتوصل إلى استنتاجات متطابقة بشأن التطورات.

تحليل الأخبار العاجلة المنشورة من قبل القنوات الثلاثة على مواقعها وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى نشراتها الإخبارية والبرامج المخصصة لسوريا بين 24 كانون الأول/ ديسمبر و1 كانون الثاني/ يناير، يؤكد هذه الملاحظة. خلال هذه الفترة، ركز اهتمام الرأي العام السوري والدوائر الدبلوماسية الغربية بشكل خاص، على موضوعين رئيسيين: قضية الأقليات من جهة، والاشتباكات بين تركيا والقوات الكردية في شمال شرق سوريا من جهة أخرى.

حفلات عيد الميلاد كأول اختبار  

بينما تسعى “هيئة تحرير الشام” إلى جعل نهجها التصالحي تجاه الأقليات وسيلة لكسب الشرعية الداخلية والدولية للإدارة الجديدة، حظيت الحوادث الأولى منذ تحرير دمشق، التي شملت المجتمعات المسيحية والعلوية، بمتابعة دقيقة من القنوات الثلاثة، وقد ساهمت هذه التغطية في تشكيل تصوّر جمهور كل منها عن المجموعة.

في ليلة 23-24 كانون الأول/ ديسمبر، أقدم مسلحون على إحراق شجرة عيد الميلاد في قرية السقيلبية المسيحية بالقرب من حماة. ووفقاً ل”المرصد السوري لحقوق الإنسان” فإن هؤلاء المسلحين من أصول أوزبكية، وينتمون إلى جماعة “أنصار التوحيد” المرتبطة بالتحالف، الذي استولى على السلطة في دمشق في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وعلى الرغم من أن “هيئة تحرير الشام” سارعت إلى إرسال مسؤولين إلى الموقع لاحتواء الحادثة، فقد أثارت  مظاهرات في الأحياء المسيحية في دمشق، وأحدثت عاصفة من التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي.  

كما أن مقطع فيديو آخر يُظهر إحراق ضريح رجل دين علوي في حلب أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، قد أجّج التوترات مرة أخرى في 24 و25 كانون الأول/ ديسمبر، مما أدى إلى مظاهرات في المناطق العلوية مثل طرطوس وحمص واللاذقية.

قامت قناة “سكاي نيوز” منذ 24 كانون الأول/ ديسمبر، بتغطية واسعة لهذه الحوادث، حيث بثت عدداً من التقارير، ونشرت أكثر من خمس برقيات خلال يومين. ومن خلال هذه الحوادث  المعزولة نسبياً، نسجت القناة رواية شاملة حول التهديد الذي يواجه الأقليات في سوريا. على سبيل المثال، بثت تقريراً عن بلدة معلولا في 24 كانون الأول/ ديسمبر، وهي قرية مسيحية سيطرت عليها “جبهة النصرة” في عام 2013، مما سلط الضوء على الماضي الجهادي ل”هيئة تحرير الشام” وموقفها العدائي تجاه الأقليات.  

وعلى عكس قناتي “الجزيرة” و”الحدث”، استمرت “سكاي نيوز” في الإشارة إلى زعيم “هيئة تحرير الشام” باسمه الحركي “أبو محمد الجولاني”، رافضة الاعتراف بالتحول الذي يدّعيه، حيث بات يُعرف الآن بأحمد الشرع، ويقوم بخطوات عدة تهدف إلى تهدئة التوترات مع الأقليات.

من جهتها، تجاهلت قناة “الجزيرة” حادثة إحراق شجرة عيد الميلاد تماماً، واكتفت بنقل تصريحات ممثل الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية على حسابها في “تويتر”، الذي انتقد المتظاهرين. وعلى العكس، غطت “الجزيرة” بشكل واسع احتفالات عيد الميلاد في 25 كانون الأول/ ديسمبر، مقدّمة صورة إيجابية عن أوضاع المسيحيين في سوريا ما بعد الأسد.  

وفيما يتعلق بالمظاهرات العلوية، فضلت القناة التركيز على الاشتباكات المسلحة وأعمال التخريب، التي نُسبت إلى مؤيدي النظام السابق، وفقاً للتصريحات الرسمية لوزارة الداخلية. كما تبنت “الجزيرة” رواية الشرطة في حلب التي اتهمت عناصر موالية للأسد بإحراق الضريح العلوي خلال تحرير المدينة. بشكل عام، قد توحي تغطية “الجزيرة” بعدم رغبتها في إحراج الإدارة الجديدة في دمشق.

اعتمدت قناة “الحدث” موقفاً أكثر توازناً. فقد غطت المظاهرات العلوية مع الإشارة إلى محاولات مزعومة لزعزعة الاستقرار، تقف وراءها عناصر من النظام السابق وإيران. كما تناولت القناة حادثة إحراق شجرة عيد الميلاد والمظاهرات في الأحياء المسيحية، لكنها نقلت أيضاً تصريحات مطمئنة لمسؤولين دينيين، قللوا من تأثير هذه الحوادث، واستبعدوا مسؤولية الإدارة الجديدة عنها. وبرغم تغطيتها للحوادث، امتنعت القناة عن التكّهن بمدلولاتها السياسية أو الأمنية.

القضية الكردية 

تلعب القضية الكردية دوراً رئيسياً في تشكيل التصورات حول المجموعة، خاصة لدى الرأي العام الغربي، الذي تم توعيته حول مصير الكرد، ودورهم في محاربة تنظيم “داعش”. لذا، فإن تغطية القنوات الثلاثة للمعارك في شمال شرق سوريا بين القوات الكردية والقوات الموالية لتركيا، تتأثر بمواقف عواصمها تجاه الإدارة السورية الجديدة وتجاه أنقرة.

بالتزامن مع هجوم “هيئة تحرير الشام” انطلاقاً من إدلب في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، شن “الجيش الوطني السوري” المؤلف من فصائل موالية لتركيا، هجوماً على المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تهيمن عليها مجموعات كردية مسلحة مثل “وحدات حماية الشعب” وعناصر من “حزب العمال” الكردستاني، الذي تصنّفه الولايات المتحدة وتركيا كمنظمة إرهابية. 

قدّمت قناة “سكاي نيوز” تغطية واسعة لهذه المواجهات، وصورت “قوات سوريا الديمقراطية” في موقف دفاعي أمام “الجيش الوطني السوري”، واعتمدت القناة الإماراتية على سردية تحذر من النفوذ التركي في سوريا، مستشهدة بتصريحات الأطراف الكردية. فعلى سبيل المثال، ترفض القناة استخدام الاسم الرسمي للقوات الموالية لتركيا، وبدلاً من ذلك تصفها بـ”الفصائل المسلحة الموالية لتركيا”.  

أما “الجزيرة” فقد أولت القليل من الاهتمام لهذه الحوادث، وتبنت وجهة نظر مؤيدة لأنقرة، حيث نقلت تصريحات المسؤولين الأتراك، بمن فيهم الرئيس أردوغان، مشيدة بـ”دورهم التاريخي” ومساعدتهم الشعب السوري. وركزت القناة على المعارك بين “الجيش الوطني السوري” و”حزب العمال” الكردستاني، بما يتماشى مع الرواية الرسمية التركية، مع تقليل الإشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تحظى باعتراف دولي لدورها في محاربة تنظيم “داعش”، جنباً إلى جنب مع التحالف الدولي.

من جهتها، قدمت قناة “الحدث” سرداً أكثر توازناً، حيث عكست تطلعات الكرد المدنية في سوريا الجديدة، إلى جانب المخاوف الأمنية التركية المرتبطة بوجود عناصر من “حزب العمال” الكردستاني على حدودها الجنوبية.

تمنح القناة منصة للمسؤولين الكرد من خلال استضافتهم بانتظام في برامجها، ومن خلال مراسلها في القامشلي، لكنها تتجنب انتقاد أنقرة بشكل مباشر. وعلى الرغم من هذا التوازن النسبي، يشير سرد “الحدث” إلى “قوات سوريا الديمقراطية” عند الحديث عن القوات الكردية، لكنها تمتنع عن استخدام اسم “الجيش الوطني السوري” للإشارة إلى القوات الموالية لتركيا.

الأيديولوجيا مقابل البراغماتية: نحو تجاوز السرديات الانقسامية؟

تواصل قناتا “سكاي نيوز” و”الجزيرة” اعتماد سرديتين متناقضتين، تستندان إلى الانقسام العمودي للعالم العربي الذي سبق الإشارة إليه. تتبنى “سكاي نيوز” موقفاً نقدياً، محذرة من تصاعد نفوذ الإسلاميين في دمشق، ومن النفوذ التركي الذي تعتبره تهديداً. يعكس هذا الموقف حالة مستمرة من الشك الأيديولوجي تجاه الحركات الإسلامية.  

أما “الجزيرة” فتتماشى مع سردية محور أنقرة/ الدوحة، حيث تتشارك تقارباً أيديولوجياً مع التيار الإسلامي. ومع ذلك، وأمام تعقيد الوضع السوري، تفضّل القناة إعادة توجيه تغطيتها نحو غزة، حيث يحظى سردها المؤيد للفلسطينيين بإجماع أوسع في العالم العربي.

على النقيض، تتميز قناة “الحدث” بنهجها البراغماتي. ترى القناة في سقوط نظام الأسد فرصة استراتيجية لتقليص النفوذ الإيراني وتعزيز الاستقرار الإقليمي، ويبدو أنها تتبنى نهجاً أقل أيديولوجية، تراهن فيه على إمكانية إعادة تأهيل قيادة “هيئة تحرير الشام”.

في 30 كانون الأول/ ديسمبر، عكست المقابلة الحصرية التي أجرتها قناة “العربية”؛ الشبكة الأم ل”الحدث”، مع أحمد الشرع هذا التوجه. هذه المقابلة، التي تُعدّ الأولى له مع قناة عربية، تمثل انفتاحاً سياسياً مهماً تجاه الرياض، ولحظة بارزة في تجاوز السرديات الجامدة والانقسامية التي قسّمت العالم العربي خلال العقد الماضي.

كما تتيح هذه المقابلة إمكانية بروز خطاب جديد يركز على الاستقرار والازدهار الإقليميين، بما يتماشى مع التحول في السياسة الذي تبنته الرياض خلال العامين الماضيين.

بقلم ناجي أبو خليل  

مؤسس شركة “مسار” للاستشارات ومديرها، وهي شركة متخصصة في الاتصال السياسي والاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لا ترتبط “مسار” بأي علاقات تجارية مع الجهات المذكورة في المقال، ولا مع أي جهات تابعة لها.

رائد بو حمدان | 31.01.2025

17 تشرين: المساحة الحاضنة التي نسجها اللبنانيون لحماية بلدهم

تبني 17 تشرين (بمن فيها من نواب وقوى وناشطين/ات وإعلاميين/ات وغيره) لوصول جوزيف عون الى الرئاسة، وصناعة خيار نواف سلام، ليس فعل قطف أو تسلّق، بل هو خدمة للبنان ومصلحة لكل اللبنانيين، ومصدر طمأنينة للعيش المشترك بمنع غلبة فريق لبناني على آخر.
27.01.2025
زمن القراءة: 6 minutes

برغم الإجماع الظاهري على دعم خيارات الشعب السوري، يكشف تحليل التغطية الإعلامية للقنوات العربية الرئيسية، “الجزيرة” القطرية، و”الحدث” السعودية، و”سكاي نيوز عربية” الإماراتية، المرتبطة بحكوماتها التي تملك حصصاً فيها، عن سرديات متباينة. 

المادة مترجمة عن موقع “أورينت لوجور”

La Syrie et l’opportunité d’un nouveau récit arabe – L’Orient-Le Jour

السقوط المذهل وغير المتوقع لنظام الأسد وسيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، يفتحان آفاقاً جديدة للمنطقة، إذ يبدو أن الرأي العام العربي يحتفل برحيل من كان اسمه مرتبطاً بالوحشية، وتجارة المخدرات، والتواطؤ مع إيران، ومع ذلك، تختلف ردود فعل الحكومات العربية تجاه هذا التطور.

برغم الإجماع الظاهري على دعم خيارات الشعب السوري، يكشف تحليل التغطية الإعلامية للقنوات العربية الرئيسية، “الجزيرة” القطرية، و”الحدث” السعودية، و”سكاي نيوز عربية” الإماراتية، المرتبطة بحكوماتها التي تملك حصصاً فيها، عن سرديات متباينة. 

لقد أثبتت هذه القنوات دورها المركزي كأدوات تأثير ودبلوماسية لصالح حكومات الخليج، لا سيما منذ أحداث الربيع العربي. ومع ذلك، فإن حجم التحولات في سوريا وعدم القدرة على التنبؤ بها، يشكّلان تحدياً للسرديات الأيديولوجية الموروثة من عقد 2010، التي كانت مبنية حول الانقسام العمودي بين معسكر إسلامي/ ثوري تقوده الدوحة وأنقرة من جهة، ومعسكر عسكري مناهض للإسلاميين تقوده الرياض وأبوظبي من جهة أخرى. بينما تبدو هذه السرديات غير ملائمة للوضع الحالي، حيث يُعاد تشكيل المصالح الجيوسياسية بسرعة، يتبين أن القنوات الثلاثة لم تتوصل إلى استنتاجات متطابقة بشأن التطورات.

تحليل الأخبار العاجلة المنشورة من قبل القنوات الثلاثة على مواقعها وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى نشراتها الإخبارية والبرامج المخصصة لسوريا بين 24 كانون الأول/ ديسمبر و1 كانون الثاني/ يناير، يؤكد هذه الملاحظة. خلال هذه الفترة، ركز اهتمام الرأي العام السوري والدوائر الدبلوماسية الغربية بشكل خاص، على موضوعين رئيسيين: قضية الأقليات من جهة، والاشتباكات بين تركيا والقوات الكردية في شمال شرق سوريا من جهة أخرى.

حفلات عيد الميلاد كأول اختبار  

بينما تسعى “هيئة تحرير الشام” إلى جعل نهجها التصالحي تجاه الأقليات وسيلة لكسب الشرعية الداخلية والدولية للإدارة الجديدة، حظيت الحوادث الأولى منذ تحرير دمشق، التي شملت المجتمعات المسيحية والعلوية، بمتابعة دقيقة من القنوات الثلاثة، وقد ساهمت هذه التغطية في تشكيل تصوّر جمهور كل منها عن المجموعة.

في ليلة 23-24 كانون الأول/ ديسمبر، أقدم مسلحون على إحراق شجرة عيد الميلاد في قرية السقيلبية المسيحية بالقرب من حماة. ووفقاً ل”المرصد السوري لحقوق الإنسان” فإن هؤلاء المسلحين من أصول أوزبكية، وينتمون إلى جماعة “أنصار التوحيد” المرتبطة بالتحالف، الذي استولى على السلطة في دمشق في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وعلى الرغم من أن “هيئة تحرير الشام” سارعت إلى إرسال مسؤولين إلى الموقع لاحتواء الحادثة، فقد أثارت  مظاهرات في الأحياء المسيحية في دمشق، وأحدثت عاصفة من التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي.  

كما أن مقطع فيديو آخر يُظهر إحراق ضريح رجل دين علوي في حلب أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، قد أجّج التوترات مرة أخرى في 24 و25 كانون الأول/ ديسمبر، مما أدى إلى مظاهرات في المناطق العلوية مثل طرطوس وحمص واللاذقية.

قامت قناة “سكاي نيوز” منذ 24 كانون الأول/ ديسمبر، بتغطية واسعة لهذه الحوادث، حيث بثت عدداً من التقارير، ونشرت أكثر من خمس برقيات خلال يومين. ومن خلال هذه الحوادث  المعزولة نسبياً، نسجت القناة رواية شاملة حول التهديد الذي يواجه الأقليات في سوريا. على سبيل المثال، بثت تقريراً عن بلدة معلولا في 24 كانون الأول/ ديسمبر، وهي قرية مسيحية سيطرت عليها “جبهة النصرة” في عام 2013، مما سلط الضوء على الماضي الجهادي ل”هيئة تحرير الشام” وموقفها العدائي تجاه الأقليات.  

وعلى عكس قناتي “الجزيرة” و”الحدث”، استمرت “سكاي نيوز” في الإشارة إلى زعيم “هيئة تحرير الشام” باسمه الحركي “أبو محمد الجولاني”، رافضة الاعتراف بالتحول الذي يدّعيه، حيث بات يُعرف الآن بأحمد الشرع، ويقوم بخطوات عدة تهدف إلى تهدئة التوترات مع الأقليات.

من جهتها، تجاهلت قناة “الجزيرة” حادثة إحراق شجرة عيد الميلاد تماماً، واكتفت بنقل تصريحات ممثل الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية على حسابها في “تويتر”، الذي انتقد المتظاهرين. وعلى العكس، غطت “الجزيرة” بشكل واسع احتفالات عيد الميلاد في 25 كانون الأول/ ديسمبر، مقدّمة صورة إيجابية عن أوضاع المسيحيين في سوريا ما بعد الأسد.  

وفيما يتعلق بالمظاهرات العلوية، فضلت القناة التركيز على الاشتباكات المسلحة وأعمال التخريب، التي نُسبت إلى مؤيدي النظام السابق، وفقاً للتصريحات الرسمية لوزارة الداخلية. كما تبنت “الجزيرة” رواية الشرطة في حلب التي اتهمت عناصر موالية للأسد بإحراق الضريح العلوي خلال تحرير المدينة. بشكل عام، قد توحي تغطية “الجزيرة” بعدم رغبتها في إحراج الإدارة الجديدة في دمشق.

اعتمدت قناة “الحدث” موقفاً أكثر توازناً. فقد غطت المظاهرات العلوية مع الإشارة إلى محاولات مزعومة لزعزعة الاستقرار، تقف وراءها عناصر من النظام السابق وإيران. كما تناولت القناة حادثة إحراق شجرة عيد الميلاد والمظاهرات في الأحياء المسيحية، لكنها نقلت أيضاً تصريحات مطمئنة لمسؤولين دينيين، قللوا من تأثير هذه الحوادث، واستبعدوا مسؤولية الإدارة الجديدة عنها. وبرغم تغطيتها للحوادث، امتنعت القناة عن التكّهن بمدلولاتها السياسية أو الأمنية.

القضية الكردية 

تلعب القضية الكردية دوراً رئيسياً في تشكيل التصورات حول المجموعة، خاصة لدى الرأي العام الغربي، الذي تم توعيته حول مصير الكرد، ودورهم في محاربة تنظيم “داعش”. لذا، فإن تغطية القنوات الثلاثة للمعارك في شمال شرق سوريا بين القوات الكردية والقوات الموالية لتركيا، تتأثر بمواقف عواصمها تجاه الإدارة السورية الجديدة وتجاه أنقرة.

بالتزامن مع هجوم “هيئة تحرير الشام” انطلاقاً من إدلب في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، شن “الجيش الوطني السوري” المؤلف من فصائل موالية لتركيا، هجوماً على المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تهيمن عليها مجموعات كردية مسلحة مثل “وحدات حماية الشعب” وعناصر من “حزب العمال” الكردستاني، الذي تصنّفه الولايات المتحدة وتركيا كمنظمة إرهابية. 

قدّمت قناة “سكاي نيوز” تغطية واسعة لهذه المواجهات، وصورت “قوات سوريا الديمقراطية” في موقف دفاعي أمام “الجيش الوطني السوري”، واعتمدت القناة الإماراتية على سردية تحذر من النفوذ التركي في سوريا، مستشهدة بتصريحات الأطراف الكردية. فعلى سبيل المثال، ترفض القناة استخدام الاسم الرسمي للقوات الموالية لتركيا، وبدلاً من ذلك تصفها بـ”الفصائل المسلحة الموالية لتركيا”.  

أما “الجزيرة” فقد أولت القليل من الاهتمام لهذه الحوادث، وتبنت وجهة نظر مؤيدة لأنقرة، حيث نقلت تصريحات المسؤولين الأتراك، بمن فيهم الرئيس أردوغان، مشيدة بـ”دورهم التاريخي” ومساعدتهم الشعب السوري. وركزت القناة على المعارك بين “الجيش الوطني السوري” و”حزب العمال” الكردستاني، بما يتماشى مع الرواية الرسمية التركية، مع تقليل الإشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تحظى باعتراف دولي لدورها في محاربة تنظيم “داعش”، جنباً إلى جنب مع التحالف الدولي.

من جهتها، قدمت قناة “الحدث” سرداً أكثر توازناً، حيث عكست تطلعات الكرد المدنية في سوريا الجديدة، إلى جانب المخاوف الأمنية التركية المرتبطة بوجود عناصر من “حزب العمال” الكردستاني على حدودها الجنوبية.

تمنح القناة منصة للمسؤولين الكرد من خلال استضافتهم بانتظام في برامجها، ومن خلال مراسلها في القامشلي، لكنها تتجنب انتقاد أنقرة بشكل مباشر. وعلى الرغم من هذا التوازن النسبي، يشير سرد “الحدث” إلى “قوات سوريا الديمقراطية” عند الحديث عن القوات الكردية، لكنها تمتنع عن استخدام اسم “الجيش الوطني السوري” للإشارة إلى القوات الموالية لتركيا.

الأيديولوجيا مقابل البراغماتية: نحو تجاوز السرديات الانقسامية؟

تواصل قناتا “سكاي نيوز” و”الجزيرة” اعتماد سرديتين متناقضتين، تستندان إلى الانقسام العمودي للعالم العربي الذي سبق الإشارة إليه. تتبنى “سكاي نيوز” موقفاً نقدياً، محذرة من تصاعد نفوذ الإسلاميين في دمشق، ومن النفوذ التركي الذي تعتبره تهديداً. يعكس هذا الموقف حالة مستمرة من الشك الأيديولوجي تجاه الحركات الإسلامية.  

أما “الجزيرة” فتتماشى مع سردية محور أنقرة/ الدوحة، حيث تتشارك تقارباً أيديولوجياً مع التيار الإسلامي. ومع ذلك، وأمام تعقيد الوضع السوري، تفضّل القناة إعادة توجيه تغطيتها نحو غزة، حيث يحظى سردها المؤيد للفلسطينيين بإجماع أوسع في العالم العربي.

على النقيض، تتميز قناة “الحدث” بنهجها البراغماتي. ترى القناة في سقوط نظام الأسد فرصة استراتيجية لتقليص النفوذ الإيراني وتعزيز الاستقرار الإقليمي، ويبدو أنها تتبنى نهجاً أقل أيديولوجية، تراهن فيه على إمكانية إعادة تأهيل قيادة “هيئة تحرير الشام”.

في 30 كانون الأول/ ديسمبر، عكست المقابلة الحصرية التي أجرتها قناة “العربية”؛ الشبكة الأم ل”الحدث”، مع أحمد الشرع هذا التوجه. هذه المقابلة، التي تُعدّ الأولى له مع قناة عربية، تمثل انفتاحاً سياسياً مهماً تجاه الرياض، ولحظة بارزة في تجاوز السرديات الجامدة والانقسامية التي قسّمت العالم العربي خلال العقد الماضي.

كما تتيح هذه المقابلة إمكانية بروز خطاب جديد يركز على الاستقرار والازدهار الإقليميين، بما يتماشى مع التحول في السياسة الذي تبنته الرياض خلال العامين الماضيين.

بقلم ناجي أبو خليل  

مؤسس شركة “مسار” للاستشارات ومديرها، وهي شركة متخصصة في الاتصال السياسي والاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لا ترتبط “مسار” بأي علاقات تجارية مع الجهات المذكورة في المقال، ولا مع أي جهات تابعة لها.

27.01.2025
زمن القراءة: 6 minutes
|
آخر القصص
“دمقرطة” صناعة الأبطال
ديانا عيتاوي - مدوّنة في التواصل والتصميم | 31.01.2025
المواجهة مع منطق “البعث” في لبنان يجب أن تستمر 
كريم صفي الدين وعزت زهر الدين | 30.01.2025

اشترك بنشرتنا البريدية