ادّخرت صديقتي ثمن سيارة صغيرة جدّاً على مدى سنوات وظيفتها الرسمية واشترتها قبل تقاعدها بسنتين، وهي سيارة مستعملة موديل 2010. كانت ترنو إلى تقاعد برجوازي بسيط في دمشق مع إمكانية الخروج من البيت مرة أو مرتين في الأسبوع، للتسكع خارج حيّها. لكنّها اليوم وبسبب السيارة “الحديثة” التي تمتلكها استبعدت من الدعم الحكومي. ليس في مادة البنزين الخاصة بالسيارة وحسب، إنّما بكل ما توفّره البطاقة أي وقود التدفئة وغاز المطبخ والمواد الأساسية من سكر وأرز وخبز.
لقد حُرمت مبلغ 100 ألف ليرة سورية كانت توفره كل شهر في الاستفادة من الدعم على وقود سيارتها وهو المبلغ الذي يفوق راتبها التقاعدي، عدا أن رفع الدعم عن المواد الأخرى سوف يرهق ميزانيتها المتواضعة أصلاً.
حكاية صديقتي هي حكاية كثيرين استبعدوا من الدعم، في قرار بوشر تطبيقه في أول شهر شباط/ فبراير بعد تمهيدات وتصريحات إعلامية متضاربة. هكذا سقط القرار على رؤوس المساكين وأصحاب الدخل المحدود، بعدما اعتادوا على سياسة الدعم الحكومي لعقود كبديل منطقي لانخفاض الأجور والرواتب الحكومية.
ولامتصاص حالة الهلع التي أصابت الناس، سُمح لهم بتقديم اعتراضات، في حال حصول خطأ ما، كأن استبعد كثيرون لأنهم خارج البلد فيما لا يملكون جواز سفر في الحقيقة! وترف تقديم الاعتراض على طريقة النظام السوري، ليس سوى رحلة جديدة من الذل والانتظار.
بكل بساطة، قرر النظام الانتقام من شرائح كثيرة، عبر تطبيق عقوبة جائرة ثم السماح بالاعتراض عليها، بلا أي اعتبار لكرامة الناس ومعايير الإنسانية في بلد يعاني من العقوبات والفقر والحرب، ويعيش كثيرون من أبنائه على هذه المساعدات الحكومية، ملتزمين بالقانون، متحايلين على الرواتب القليلة والعيشة الذليلة.
ربما آن لنا أن نعترف بأننا في نظر حكومتنا مجرّد ضيوف، وقد انتهت فترة استضافتنا وتوجب إخراجنا من المعادلة لأن الميزانية لا تسمح. نحن – الطبقة الوسطى المندثرة-. الطبقة التي يعوّل عليها في البناء وإدارة عجلة الاقتصاد. الطبقة التي يشدّد الخناق عليها كل يوم للقضاء عليها بغباء إذا أحسنّا النية وعن قصد إذا حمّلنا كل مسؤول مسؤولياته.
يقول عصام حسن على صفحته “فايسبوك”:
” دولة اشتراكية. يحكمها مجموعة من الرأسماليين بعقول إقطاعية”.
هل كانت تلك الأفكار الاشتراكية محاولة لتسليتنا على مدى عقود؟
كم كان ترفيهاً سخيفاً!
دفعنا عمرنا ثمنه لتكون جائزتنا الانتصار على العصابات الإرهابية والتقاعد على أطلال وطن يداعب أبناؤه حلماً برغيف خبز.
إقرأوا أيضاً: