التعدي على قيم الأسرة المصرية، خدش الحياء العام، وأحياناً الإتجار بالبشر والدعارة… هي بعض من التهم التي توجَّه الى المؤثرين وصانعي المحتوى على تطبيق تيك توك، التطبيق المفضل للشباب العشريني أصبح مرتبداً بالسجون وبناء أمن الدولة العليا. حنين، ومودة، وهدير وغيرهن هن فتيات لم يفعلن سوى نشر فيديوهات ساخرة، ينتشر مثلها الكثير على الموقع ذاته، لكن النيابة العامة وجهت لهن تهم هدم قيم الأسرة المصرية وخدش الحياء العام. هذه التهم التي أصبحت تلاحق النساء في الفضاء الإلكتروني محلياً وإقليمياً.
التهمة الأحدث ضد بعض صانعات المحتوى على تيك توك هي الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، والمتهم بها “سوزي الأردنية” على الرغم من عدم تقديمها محتوى “سياسياً” على الإطلاق. “انضمام ونشر” هي تهمة معتادة ضد المعارضين في مصر، لكن بتصفح حساب سوزي لا يبدو أنها معارضة سياسية لا من قريب ولا من بعيد.
سوزي الأردنية فتاة من حي المطرية (19 عاماً)، تشارك منشورات حزينة على موقع إنستغرام بعد إخلاء سبيلها. لا تعرف سوزي لماذا وجهت لها تهم الإرهاب، وتعتقد أنها محسودة. النيابة العامة أخلت سبيل “سوزي الأردنية” أو مريم الدسوقي، بعد حبسها أربعة أيام على ذمة التحقيق في القضية 925 لسنة 2025، لاتهامها بالانضمام الى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. وذلك بعد استدعائها على خلفية تقديمها إعلاناً لشركة إلحاق عمالة بالخارج.
هذه ليست المرة الأولى التي تتهم فيها سوزي، فقد قضت محكمة جنح المطرية، في الدرجة الأولى بحبسها عامين، ودفع غرامة 300 ألف جنيه وكفالة 100 ألف، بعدما تقدم ضدها أحد المحامين ببلاغ لظهورها في فيديو “تخدش” فيه الحياء العام.
اشتهرت سوزي بإيفيه “الشارع اللي وراه” واستخدمه كثير من الممثلين والممثلات، على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض المسلسلات، وظهرت سوزي حديثاً في لقطة بمسلسل “80 ىباكو”، من بطولة هدى المفتي، في اليوم ذاته الذي شهد القبض عليها، فيما لم يعلق أي من صانعي المسلسل على حبس سوزي أو يتضامنوا معها بأي شكل.
المثير للسخرية أنه لم يُتهم أحد من هؤلاء الذين استخدموا إفيهات سوزي بخدش الحياء العام، أو هدم قيم الأسرة، لا نعرف أيضاً ما هي حيثيات اتهام سوزي بالانضمام الى جماعة إرهابية، إذ إن هذه التهمة مبنية على تحريات الأمن الوطني التي لا أحد يستطيع الاطلاع عليها بالضرورة.
نبيه الجنادي المحامي الحقوقي ومحامي “سوزي الأردنية” يقول لـ”درج”: “وُجهت لمريم الدسوقي الشهيرة بسوزي الأردنية تهم الانضمام الى جماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة، والمختص بهما الأمن الوطني، ولم توجه لها تهمة هدم قيم الأسرة المصرية في هذه القضية”. أما عن تهمة هدم قيم الأسرة المصرية التي عُوقب بموجبها أكثر من صانعة محتوى على موقع تيك توك، فيقول الجنادي: “عندما تم تشريع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 ذكرت المادة 25 تهمة هدم قيم الأسرة المصرية، لكنها لم توضح مفهوم هذه القيم تحديداً، ما دفع المحامين الى اعتبار هذه المادة غير دستورية، كون الدستور يشترط وضوح العبارات التي تنص عليها القوانين”. ويضيف الجنادي أن القانون قد صدر في البداية من دون لائحة تنفيذية، والتي صدرت بعد عام كامل، لكنها لم تذكر المادة 25.
يقول الجنادي: “المادة دي متسابة لأي حد مش عاجبنا، ولأي حد بيخالف العادات والتقاليد” (من وجهة نظر السلطات)، ولذلك فهناك قضايا تُنظر أمام قاضٍ، وتُلغى أمام قاضٍ آخر وذلك لأنها تهمة غير واضحة من الأساس”. ويرى أن سبب تعقب هذا الكم من صانعات المحتوى والمؤثرات على مواقع التواصل، ليس إلا إرضاء للرأي العام، فالنيابة تحمي الهوية المصرية والأخلاق والدين، والتقاليد المترسخة في المجتمع، والذي هي جزء منه أيضاً.
تنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على أنه: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز المائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين من دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات من دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص من دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة”.
وفي مذكرة إيضاحية نشرها مركز “مسار” المعني بالحقوق القانونية والرقمية، ذُكر أن الصياغة الملتبسة لنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ساهمت في التوسع في توجيه الاتهامات لمستخدمي ومستخدمات التطبيقات الترفيهية ومواقع التواصل الاجتماعي.
إقرأوا أيضاً:
بماذا يعاقَب المؤثرون من الرجال؟
كروان مشاكل، صانع محتوى مشهور على تيك توك، وممثل يمتلك رصيداً فنياً عبارة عن مشهد واحد في مسلسل “بطن الحوت”، ويستخدم كثير من الممثلين إيفيهاته ويقومون بمحاكاتها، عوقب بالحبس 6 أشهر بتهمة “خدش الحياء العام” بسبب فيديو نشره على تطبيق “تيك توك”، في حين لم يسلم من يقدم “محتوى جاداً” من المؤثرين من الحبس، إذ سُجن أحمد أبو زيد صاحب قناة “دروس أونلاين”، والتي تعرض محتوى تعليمياً، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بتهمة حيازة العملة الأجنبية، والتعامل بها خارج السوق المصرفية، وهي أرباح قناته على موقع يوتيوب، وصفها بعد إخلاء سبيله بأنها “شقى عمره”.
وتقول المحامية بالاستئناف والمستشارة القانونية هالة دومة لـ “درج”: “إن التعدي على قيم الأسرة المصرية مثل أي مادة قانونية يمكن أن توجه للنساء والرجال، لكن معظم من توجه لهم التهمة هم نساء”.
وعن اختلاف قضية سوزي عن قضية حسام حنين ومودة الأدهم، فتقول دومة: “تختلف تهمة الإتجار بالبشر، وهي التهمة التي وجهت لحنين حسام ومودة الأدهم، بأنها من الجرائم التي لها ركن مادي ومعنوي، ويستطيع المحامون الإمساك بها وتقديم مرافعات بها”، لكن “قيم الأسرة مفيهاش أركان واضحة”.
وسوزي ليست الفتاة الأولى من صانعات المحتوى التي تُتهم بالانضمام الى جماعة إرهابية، فهالة قد حضرت سابقاً كمحامية في نيابة أمن الدولة في تحقيقات مع فتيات “ملهاش علاقة بالسياسة”، كان وُجهت لهن تهم الانضمام الى جماعة إرهابية.
وتضيف أن استهداف صانعي المحتوى على تيك توك يرجع إلى أن السياق القانوني في مصر لا ينفصل عن السياق الاجتماعي، الذي لا يتقبل تحكم النساء في أجسادهن، وهو ما ينعكس على منفّذي القانون. بالإضافة إلى أن السلطات تمتلك وحدات رصد، ترصد الفتيات اللواتي خرجن عن المألوف على ساحات الإنترنت، في حين تتباطأ في حماية الفتيات اللواتي يتعرضن للتشهير أو حتى التهديد بالقتل. وتختم هالة كلامها بأنه لا بد من ألا نغفل وجود محامين الحسبة ذوي الفكر المتشدد، والذين يحركون بعض هذه القضايا للظهور في الإعلام أو لكسب الشهرة.
أزمة سوزي والمؤثرات والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي لا تنفصل عن أزمة تراجع الحريات العامة في مصر بشكل حاد، هذه الحريات التي لا تذكرها السلطات المصرية سوى في تقاريرها الوطنية التي تقدمها في المؤتمرات الدولية، واستسهال الزج بالمواطنين في السجون لسنوات وسنوات بلا تهم، وعدم إطلاق سراحهم حتى بعد تنفيذهم كامل عقوبتهم. وعلى الرغم من أن الآداب العامة والحياء العام هي معايير فضفاضة وغير واضحة تختلف من شخص الى شخص ومن طبقة الى طبقة، ومن محافظة الى محافظة، لكن السلطات المصرية تهتم كثيراً بالحفاظ عليها، وتحمّل النساء العبء الأكبر في مسيرة الحفاظ على الآداب العامة، من دون أن تبذل مجهوداً في تحديدها وتحديد معايير الخروج عنها، لأنها تتلخص في أجساد النساء وسلوكهن وما يجب أن يكن عليه.