ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

سوق المياه السرّي: حكم الدولة أم حكم “آل صهريج”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليس العطش قضاءً وقدراً، بل نتيجة منظومة تُدير المياه بين باطن الأرض وخزّانات المنازل، فتحوّل المياه من حقّ إلى صفقة تجارية مربحة بمباركة الدولة التي تحجب المعلومات كما تحجب المياه.  

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بكل لبنان، بالدكوانة، بالجديدة، بالسبتية، بالكرنتينا، عالبدوي، بالنبعة، بالتحويطة، بفرن الشباك… صار في مية ناعورة، صاروا النواعير كتار”… بهذه الكلمات يلخّص أحد أصحاب الصهاريج كيف تمدّدت شبكة “النواعير”؛ وهو المصطلح الذي يطلقه وزملاؤه على محطّات تعبئة المياه الخاصّة، التي أصبحت العمود الفقري لقطاع يروي جفاف صنابير العاصمة.

تجوب الصهاريج شوارع بيروت كما سيّارات الأجرة، ناقلةً المياه بدلاً من الصنابير، وتُدار المياه التي يُفترض أن تكون حقّاً لكلّ مواطن، كسلعة ثمينة تتحكّم بها شبكة خفيّة من التجّار. وفي غياب الدولة وشفافيتها، يُطرح السؤال نفسه: من يملك فعلياً “صنبور” بيروت؟ ومن أين يأتي أصحاب الصهاريج بالمياه؟

مع الانقطاع المتكرّر للمياه من مصادرها الرسمية، تبدّل وجه الخدمة التي كانت يوماً من مهامّ الدولة، لتصبح اشتراكاً خاصّاً يُدار عبر الهاتف. يروي أحد سكّان مدينة بيروت لـ “درج” أنّه بات لديهم في المبنى ما يُعرف بـ “اشتراك صهريج”: “منعبّي بنهار محدّد كل جمعة، حتى من دون ما نتصل بصاحب الصهريج، بيجي لحالو… يعني متل اشتراك الموتور”، ويؤكّد سكّان آخرون أنهم يعتمدون بالكامل على مياه الصهاريج، بعد أن تخلّوا عن اشتراكهم في مياه مؤسّسة بيروت وجبل لبنان. 

وأجمع كلّ من تحدّث إليهم موقع “درج” على جهلهم بمصدر مياه الصهاريج. تقول إحدى المقيمات في بيروت: “ما عم تجي المي، منعبي من الصهريج، بس ما منعرف من وين بيجيبها”، ثم تضيف “اسألوا الناطور… هو بيعرف يمكن”.

بشعار “طلبني ع المي بلبيك”،  الذي كُتب على أحد الصهاريج، يملأ هذا القطاع الموازي، الفجوة بين العرض والطلب على المياه  القادمة من محطّة ضبيّة وآبار الدامور، لكنّه يبقى محكوماً بمصالح فردية وشبكات نفوذ يصعب اختراقها، ورغم أن “النواعير” باتت جزءاً أساسياً من الحياة اليومية لسكّان بيروت وضواحيها، فإن هذا القطاع يعمل في ظلّ غياب تامّ لمعايير الشفافية، ما يجعله محاطاً بالسرّية والغموض. حتى أصحاب الصهاريج الذين يتعاملون يومياً مع هذه الآبار، يقرّون بصعوبة الحصول على أيّ معلومة دقيقة من أصحابها، يقول أحدهم: “ما حدا رح يحكيلك شي، كلو بخاف على مصلحته”،  أما أصحاب “النواعير” أنفسهم، فيعتبرون أيّ سؤال  حولها “سلوكأً غير أخلاقي”.

تتنوّع مصادر المياه التي تعبّأ منها الصهاريج: منها ما يُستخرج من الآبار المحفورة القريبة من البحر، فيما يأتي بعضها الآخر من ينابيع طبيعية تقع في الأعالي بعيداً عن الساحل… وفي هذا السياق، شرح أحد أصحاب الآبار في مقابلة مع “درج” الفرق قائلاً: “المنطقة الممتدّة من نهر الموت وصولاً إلى جلّ الديب والزلقا والنبعة وحتى الدامور، قريبة جدّاً من خطّ البحر وليست مياه جارية، بل مياه جوفية”، وقال: “بسبب قربها من البحر والإفراط في حفر الآبار، اختلطت تدريجياً بالمياه المالحة”، وتابع “نحن ما منعبّي منها، عنّا نبع خاص فينا. كل ما تحفري بالأعلى بتكون المي من الينابيع”، لكن ما إن طُرحت عليه أسئلة إضافية حول المواقع التي يملأ منها صهاريجه، حتى أنهى الحوار بحدّة قائلاً: “أنا عطيتك كل اللي عندي، أكثر من هيك بتكوني عم تحققي معي وعم تسأليني أسئلة غير أخلاقية. شو إنت وزارة الطاقة لتسأليني؟ بعتذر، بس اللي قلته هو كل شي عندي”.

المياه “ملك عامّ”… لكنّ بياناتها “سرّ” الدولة

تنصّ المادّة الثامنة من القانون رقم 192/2020 المعدّل لقانون المياه 77/2018 على أن المياه “ملك عامّ وغير قابلة للاستحواذ أو للملك أو للتصرّف بها بأي شكل من الأشكال”، وتتضمّن المياه العمومية المياه الجوفية، ومن ضمنها ينابيع المياه العذبة المتفجرّة في عرض البحر قبالة الشواطئ اللبنانية، إضافة إلى الينابيع والآبار، والتنقيبات والمساقي والعيون، وغيرها من مصادر المياه المخصّصة للعامّ. 

وبموجب المرسوم رقم 14438 الصادر في 2 أيّار/ مايو 1970، منحت وزارة الطاقة والمياه الحقّ الحصري بمنح إيصالات “العلم والخبر” لحفر واستثمار الآبار الارتوازية، رغم ذلك، تُظهر بيانات البنك الدولي، وجود نحو 60000 بئر غير قانونية في منطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان، وفي حزيران/ يونيو 2025، وجّه وزير الطاقة والمياه جو صدّي  كتاباً إلى المديرية العامّة للشؤون العقارية في وزارة المال، مرفقاً بلائحة تضمّ 2503 بئراً مخالفة على الأراضي اللبنانية، طالباً وضع إشارات على الصحف العقارية للعقارات المعنيّة.

تقدّم موقع “درج” في 9 أيلول/ سبتمبر 2025، بطلب رسمي للحصول على معلومات تتعلّق بالآبار المرخّصة وغير المرخّصة في مختلف المناطق اللبنانية، سُجّل برقم 2215/2025.

طلب حصول على المعلومات من وزارة الطاقة والمياه – رقم 2215/ 2025

وعلى مدى أسابيع، سعى “درج” لمراجعة الطلب، إلّا أن التواصل مع الوزارة كان صعباً، في تجاهل لمبدأ الشفافية وحقّ الإطلاع على بيانات يفترض أن تكون متاحة للجمهور، وبالرغم من انقضاء المهلة القانونية المحدّدة بـ30 يوماً لاتّخاذ قرار بالاستجابة أو الرفض المُعلَّل، لم يحصل “درج” حتى اليوم على أيّ من المعلومات المطلوبة، في مخالفة صريحة لأحكام قانون حقّ الوصول إلى المعلومات رقم 28/2017 والمعدَّل بالقانون رقم 233/2021.

وحتى تاريخ نشر هذا التحقيق، أظهرت مراجعة مواقع مؤسّسات المياه الأربعة تفاوتاً في مستوى الشفافية والإفصاح عن المعلومات. نشرت مؤسّسة مياه البقاع على موقعها الإلكتروني أن عدد الآبار المرخّصة ضمن نطاقها يبلغ نحو 250 بئراً، في المقابل، علّقت مؤسّسة مياه لبنان الجنوبي العمل بموقعها الإلكتروني، ما يحول دون الاطّلاع على أيّ بيانات مماثلة، أما مؤسّسة مياه لبنان الشمالي فأعلنت عبر موقعها أن عدد الآبار المرخّصة في نطاقها يصل إلى 120 بئراً، بينما لا تتوفّر أيّ معلومة مشابهة على موقع مؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان. 

الصهاريج: مفتاح سرّ “النواعير”

 في غياب أيّ خريطة رسمية تحدّد مواقع الآبار الجوفية، أو أيّ لافتة تشير إلى أماكنها، أصبحت الصهاريج الشاهد الوحيد على وجودها، فحركتها اليومية تكشف شبكة موازية وغير رسمية لتوزيع المياه، وتملك فعلياً المياه الموجودة في باطن الأرض بينما تجفّ الصنابير في المنازل. 

قرب إحدى النواعير في منطقة الجديدة شمال العاصمة بيروت، يصطفّ 14 صهريجاً كبيراً كأنها تشهد على حقيقة مغايرة لما يُقال عن الجفاف. يفضح هذا المشهد اليومي، الذي تتكرّر ملامحه في مختلف أحياء العاصمة وضواحيها، الخلل الحقيقي في إدارة المياه. فالمشكلة لا تكمن في “ندرة الموارد” كما يُشاع، بل في سوء الإدارة واحتكار التوزيع وقيام شبكة تعمل خارج سلطة الدولة. فالمياه متوافرة في باطن الأرض وتُستخرج بكثرة، لكنّها تسلك طريقاً معاكساً للشبكة العامّة، نحو السوق السوداء، حيث تُباع كسلعة خاصّة لا كحقّ عامّ. في هذا السياق، يقول أحد أصحاب الصهاريج في حديث إلى “درج”: “أقل ناعورة بتنتج يومياً بين 100-120 نقلة، يعني تقريباً مليون لتر باليوم”. 

في أحد أحياء بيروت، تكرّر المشهد ذاته: أربعة صهاريج تصطفّ أمام “ناعورة” المياه، في انتظار أن يأتي دورها. عندما حاولنا الاستفسار عن أصحاب الأرض، جاء الردّ بلهجة حذرة: “مين إنتوا؟ عندكن سيترنات وبدكن تعبّوا؟ هيدا رقم صاحب الأرض حكوا معو”، فبادرنا بسؤال مقتضب: “شو المطلوب؟”، قبل أن يضيف: “عندي نبعة بالورشة، وما بيجوا سيترنات يعبّوا من عندي”، وعندما واجهناه بأنّ أحد السائقين أعطانا رقمه مباشرة، اكتفى بالقول: “من وقت لوقت بعبّوا… ما بعرف كل قدي. بدي اسأل النواطير عندي”.

خريطة تُظهر مواقع بعض النواعير
 التي تمكّن موقع “درج” توثيقها ميدانياً في بيروت وضواحيها.
 يمكنكم مشاهدة المواقع والصور التي التقطتها “درج” عبر هذا الرابط أو هذا الرابط.

لم يتمكّن “درج” من التحقّق من الوضع القانوني للآبار المذكورة، بسبب امتناع وزارة الطاقة والمياه عن تزويده بالبيانات المطلوبة ضمن المهلة القانونية.

ميراث المياه

يعكس ملفّ المياه  بنية النظام اللبناني، القائم على تحالف العائلات والسلطة المحلّية وتقاسم النفوذ على الموارد،  فكما تقاسمت العائلات والزعامات البلديات، يتقاسم أصحاب الصهاريج والنواعير المياه ويوزعونها كلّ واحد في مناطق نفوذه. ويعكس تقاعس الدولة وتسليمها مسؤوليّاتها إلى السوق السوداء شكلاً آخر من الزبائنية، إذ  يحدّد أصحاب النواعير والصهاريج معاً متى توزَع المياه، وبأيّ سعر، ولمن تمنَح الأولوية  خلال التوزيع. 

يقول موظّف في إحدى “النواعير” إنه لا يبيع المياه إلّا لزبائن محدّدين من أصحاب الصهاريج، موضحاً: “بتعرفي، شغلنا أكتر بالصيف. بالشتا بيخف، فاللي بلبّينا بالشتا منلبّيه بالصيف”، ويشرح آلية التشغيل: “أنا عالساعة 7 بسكّر الناعورة. في مي أو ما في مي، بسكّر كرمال ما تنشف”.

وفي ظلّ غياب الرقابة والمساءلة، باتت المياه تحت حكم “آل صهريج”، فتحوّلت من حقّ أساسي إلى امتياز يخضع للنفوذ، ومن ملك عامّ إلى إرث تتقاسمه العائلات ضمن شبكات محلّية، وصارت الصهاريج تُعرف بأسماء العائلات:  طقّوش، بستاني، صفير، نصر، أمهز، المولى، أندراوس، رشقيدي، المرّ…

 تصطفّ هذه الصهاريج على جوانب الطرقات أو في ساحات ضيّقة، بعضها يحمل أسماء شركات وأرقام هواتف، وأخرى بلا أيّ علامة تدلّ على مصدرها، بانتظار اتّصال جديد لتوصيل “ديليفيري” المياه الجوفية، بينما تراكم الدولة مشاريع السدود التي لا تمتلئ. 

منطقة لكلّ ناعورة وناعورة لكلّ “نفوذ”

يُجمع أصحاب الصهاريج على أن عدد “النواعير” شهد ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، فتوزّعت بين أنطلياس والدكوانة والجديدة شمال العاصمة، والحازمية وفرن الشباك والتحويطة شرقها، والكرنتينا ومار مخايل والأشرفية وجسر الباشا في قلبها، وصولاً إلى الشويفات جنوباً، وكفرشيما في جنوبها الشرقي.

يقول أحد أصحاب الصهاريج  في مدينة بيروت لـ “درج”: “بشارع الدكوانة في شي ١٢  ناعورة وبالجديدة في شي ١٠ نواعير وبفرن الشباك إنت ورايحة من سوق الأحد على ملعب البلدية- جامعة الحكمة هونيك في ناعورتين حد ملعب البلدية، بالتحويطة في ٣-٤ نواعير، وبالكرنتينا على مفرق سوق السمك في ناعورة وبوجه شركة البورش في ناعورة”. ويقول صاحب صهريح آخر: ” بالدكوانة بالمدينة الصناعية في ناعورة كبيرة، وحد شاركوتية عون بوج المحطة في وحدة، وفي بأنطلياس نبع الفوار هيدي أكبر ناعورة بلبنان”. 

هذه الآبار تعرَف بأسماء مالكيها، فتحوّلت إلى ما يشبه “علامات تجارية” داخل سوق المياه الموازي. وتكثر الأسماء المتداولة بين العاملين في القطاع، إذ يقول أحد أصحاب الصهاريج عند سؤاله عن أبرز “النواعير” المنتشرة: “أغلبية الصهاريج لديها ناعورة خاصة فيها”، في توصيف يكشف شبكة نفوذ محلّية متداخلة تُدار وفق منطق الحصص والمناطق.

وعلى خلاف الفوضى الظاهرية التي تسم القطاع الذي ينشط خارج الأطر القانونية، فإن العلاقة بين أصحاب النواعير وسائقي الصهاريج محكومة بنظام غير معلن. فكلّ ناعورة تخدم منطقة محدّدة وزبائن معيّنين. ويشرح أحد سائقي الصهاريج لـ”درج” هذه القاعدة: “في كذا مصدر بس ما بيعبّوا. كل شخص بعبي لزبائنه. اللي بعبي من الجديدة ما بعبّولوا جماعة الدكوانة، بيقلّولو إنت مش زبونا”، ويقول: “أنا زبون ناعورة بدفع 17 دولار عالنقلة. إذا مش زبون… 25 أو 30 دولار. وبالأزمة وصلت لـ40 دولار”.

يكشف هذا التوزيع “الجغرافي ـ الزبائني” وجود تنظيم داخلي موازٍ للدولة، تُحدّد فيه الأسعار والخدمات بناءً على النفوذ والمحسوبيات، ومع ذلك، يبقى هذا التنظيم غير رسمي وغير خاضع للرقابة الحكومية، مما يساهم في استمرار الفوضى في هذا قطاع المياه.

دراسة الأثر البيئي: قانون مُعطَّل في أدراج الوزارات

يُحدّد الملحق رقم 2 من المرسوم رقم 8633/2012 فئات المشاريع التي تستوجب إعداد تقرير بيئي مبدئي،  فيما يُبيّن الملحق رقم 8 المشاريع التي تتطلّب إجراء دراسة تقييم أثر بيئي كاملة، بما في ذلك مشاريع مياه الصرف الصحّي، والريّ، ومياه الشفة.

لكن وفقاً لآلية دراسة طلبات التراخيص الصادرة في عام 2020 والمتعلّقة بإيصالات العلم والخبر للتنقيب عن المياه واستعمالها، يقتصر شرط ترخيص حفر الآبار على تقرير تقني صادر عن إحدى شركات المراقبة والتدقيق المعتمدة لدى وزارة الطاقة والمياه، وقد خصّصت الوزارة ثلاثة مكاتب لدراسة طلبات الترخيص: المكتب الفني للإنماء BTD، الأرض للتنمية المتطوّرة للموارد ELARD، وشركة APAVE لبنان.

تُقسّم طلبات الترخيص المتعلّقة بآبار غير متفجّرة يتجاوز عمقها 150 متراً إلى فئات: زراعي، سكني، صناعي، سياحي ومختلف، إلّا أن هذه الطلبات لا تتطلّب أيّ معطيات مرتبطة بتقييم الأثر البيئي، مما يجعل الآبار تُرخّص وتُستثمر من دون أي رقابة على تأثيرها في المياه الجوفية أو في الصحّة العامّة. 

وقد أكّد وزير البيئة السابق ناصر ياسين لموقع “درج” أنّه خلال فترة تولّيه الوزارة، لم يتقدّم أي طرف بطلب لإجراء تقييم الأثر البيئي، كشرط للحصول على رخصة حفر بئر من وزارة الطاقة والمياه”، رغم وجود نصوص قانونية واضحة تفرض ذلك.

قال نقيب أصحاب الصهاريج السابق رئيس مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان لـ”درج” إن المصلحة تُبدي استعدادها للتعاون في حال كُشف لها عن مصادر تعبئة الصهاريج: “نحن نتعاون مع المواطنين ومع الأجهزة. إذا بتعطونا عناوين، أنا بكون ممنونك، ونحن مناخد الإجراءات اللازمة”، لكنه تابع بالقول إن المصلحة تتحرّك فقط في حال كُشف لها أن مصدر تعبئة الصهاريج هي المياه التابعة لها فقط: “إذا صهريج مي عم ياخد من عنا، يعني عم يسرق. ولو ظلّت المي عنا، بتوصل لعندك”. 

ليس العطش قضاءً وقدراً، بل نتيجة منظومة تُدير المياه بين باطن الأرض وخزّانات المنازل، فتحوّل المياه من حقّ إلى صفقة تجارية مربحة بمباركة الدولة التي تحجب المعلومات كما تحجب المياه.  

جنى بركات - صحافية لبنانية | 14.11.2025

“ستارلينك” لبنان: ما علاقتها بوزير الاتّصالات وبالشبهات المرتبطة بمعاقَب أميركياً؟ 

مع دخول "ستارلينك" إلى لبنان، برزت إشكالية حول مساعي الشركة الأميركية للتعاقد مع "Connect Services Liberia" كموزّع لخدمات "ستارلينك" في لبنان، من دون فتح باب المنافسة بين الشركات الأخرى، وهي الشركة التي سبق أن ترأّسها وزير الاتّصالات الحالي شارل الحاج. 
04.11.2025
زمن القراءة: 9 minutes

ليس العطش قضاءً وقدراً، بل نتيجة منظومة تُدير المياه بين باطن الأرض وخزّانات المنازل، فتحوّل المياه من حقّ إلى صفقة تجارية مربحة بمباركة الدولة التي تحجب المعلومات كما تحجب المياه.  

“بكل لبنان، بالدكوانة، بالجديدة، بالسبتية، بالكرنتينا، عالبدوي، بالنبعة، بالتحويطة، بفرن الشباك… صار في مية ناعورة، صاروا النواعير كتار”… بهذه الكلمات يلخّص أحد أصحاب الصهاريج كيف تمدّدت شبكة “النواعير”؛ وهو المصطلح الذي يطلقه وزملاؤه على محطّات تعبئة المياه الخاصّة، التي أصبحت العمود الفقري لقطاع يروي جفاف صنابير العاصمة.

تجوب الصهاريج شوارع بيروت كما سيّارات الأجرة، ناقلةً المياه بدلاً من الصنابير، وتُدار المياه التي يُفترض أن تكون حقّاً لكلّ مواطن، كسلعة ثمينة تتحكّم بها شبكة خفيّة من التجّار. وفي غياب الدولة وشفافيتها، يُطرح السؤال نفسه: من يملك فعلياً “صنبور” بيروت؟ ومن أين يأتي أصحاب الصهاريج بالمياه؟

مع الانقطاع المتكرّر للمياه من مصادرها الرسمية، تبدّل وجه الخدمة التي كانت يوماً من مهامّ الدولة، لتصبح اشتراكاً خاصّاً يُدار عبر الهاتف. يروي أحد سكّان مدينة بيروت لـ “درج” أنّه بات لديهم في المبنى ما يُعرف بـ “اشتراك صهريج”: “منعبّي بنهار محدّد كل جمعة، حتى من دون ما نتصل بصاحب الصهريج، بيجي لحالو… يعني متل اشتراك الموتور”، ويؤكّد سكّان آخرون أنهم يعتمدون بالكامل على مياه الصهاريج، بعد أن تخلّوا عن اشتراكهم في مياه مؤسّسة بيروت وجبل لبنان. 

وأجمع كلّ من تحدّث إليهم موقع “درج” على جهلهم بمصدر مياه الصهاريج. تقول إحدى المقيمات في بيروت: “ما عم تجي المي، منعبي من الصهريج، بس ما منعرف من وين بيجيبها”، ثم تضيف “اسألوا الناطور… هو بيعرف يمكن”.

بشعار “طلبني ع المي بلبيك”،  الذي كُتب على أحد الصهاريج، يملأ هذا القطاع الموازي، الفجوة بين العرض والطلب على المياه  القادمة من محطّة ضبيّة وآبار الدامور، لكنّه يبقى محكوماً بمصالح فردية وشبكات نفوذ يصعب اختراقها، ورغم أن “النواعير” باتت جزءاً أساسياً من الحياة اليومية لسكّان بيروت وضواحيها، فإن هذا القطاع يعمل في ظلّ غياب تامّ لمعايير الشفافية، ما يجعله محاطاً بالسرّية والغموض. حتى أصحاب الصهاريج الذين يتعاملون يومياً مع هذه الآبار، يقرّون بصعوبة الحصول على أيّ معلومة دقيقة من أصحابها، يقول أحدهم: “ما حدا رح يحكيلك شي، كلو بخاف على مصلحته”،  أما أصحاب “النواعير” أنفسهم، فيعتبرون أيّ سؤال  حولها “سلوكأً غير أخلاقي”.

تتنوّع مصادر المياه التي تعبّأ منها الصهاريج: منها ما يُستخرج من الآبار المحفورة القريبة من البحر، فيما يأتي بعضها الآخر من ينابيع طبيعية تقع في الأعالي بعيداً عن الساحل… وفي هذا السياق، شرح أحد أصحاب الآبار في مقابلة مع “درج” الفرق قائلاً: “المنطقة الممتدّة من نهر الموت وصولاً إلى جلّ الديب والزلقا والنبعة وحتى الدامور، قريبة جدّاً من خطّ البحر وليست مياه جارية، بل مياه جوفية”، وقال: “بسبب قربها من البحر والإفراط في حفر الآبار، اختلطت تدريجياً بالمياه المالحة”، وتابع “نحن ما منعبّي منها، عنّا نبع خاص فينا. كل ما تحفري بالأعلى بتكون المي من الينابيع”، لكن ما إن طُرحت عليه أسئلة إضافية حول المواقع التي يملأ منها صهاريجه، حتى أنهى الحوار بحدّة قائلاً: “أنا عطيتك كل اللي عندي، أكثر من هيك بتكوني عم تحققي معي وعم تسأليني أسئلة غير أخلاقية. شو إنت وزارة الطاقة لتسأليني؟ بعتذر، بس اللي قلته هو كل شي عندي”.

المياه “ملك عامّ”… لكنّ بياناتها “سرّ” الدولة

تنصّ المادّة الثامنة من القانون رقم 192/2020 المعدّل لقانون المياه 77/2018 على أن المياه “ملك عامّ وغير قابلة للاستحواذ أو للملك أو للتصرّف بها بأي شكل من الأشكال”، وتتضمّن المياه العمومية المياه الجوفية، ومن ضمنها ينابيع المياه العذبة المتفجرّة في عرض البحر قبالة الشواطئ اللبنانية، إضافة إلى الينابيع والآبار، والتنقيبات والمساقي والعيون، وغيرها من مصادر المياه المخصّصة للعامّ. 

وبموجب المرسوم رقم 14438 الصادر في 2 أيّار/ مايو 1970، منحت وزارة الطاقة والمياه الحقّ الحصري بمنح إيصالات “العلم والخبر” لحفر واستثمار الآبار الارتوازية، رغم ذلك، تُظهر بيانات البنك الدولي، وجود نحو 60000 بئر غير قانونية في منطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان، وفي حزيران/ يونيو 2025، وجّه وزير الطاقة والمياه جو صدّي  كتاباً إلى المديرية العامّة للشؤون العقارية في وزارة المال، مرفقاً بلائحة تضمّ 2503 بئراً مخالفة على الأراضي اللبنانية، طالباً وضع إشارات على الصحف العقارية للعقارات المعنيّة.

تقدّم موقع “درج” في 9 أيلول/ سبتمبر 2025، بطلب رسمي للحصول على معلومات تتعلّق بالآبار المرخّصة وغير المرخّصة في مختلف المناطق اللبنانية، سُجّل برقم 2215/2025.

طلب حصول على المعلومات من وزارة الطاقة والمياه – رقم 2215/ 2025

وعلى مدى أسابيع، سعى “درج” لمراجعة الطلب، إلّا أن التواصل مع الوزارة كان صعباً، في تجاهل لمبدأ الشفافية وحقّ الإطلاع على بيانات يفترض أن تكون متاحة للجمهور، وبالرغم من انقضاء المهلة القانونية المحدّدة بـ30 يوماً لاتّخاذ قرار بالاستجابة أو الرفض المُعلَّل، لم يحصل “درج” حتى اليوم على أيّ من المعلومات المطلوبة، في مخالفة صريحة لأحكام قانون حقّ الوصول إلى المعلومات رقم 28/2017 والمعدَّل بالقانون رقم 233/2021.

وحتى تاريخ نشر هذا التحقيق، أظهرت مراجعة مواقع مؤسّسات المياه الأربعة تفاوتاً في مستوى الشفافية والإفصاح عن المعلومات. نشرت مؤسّسة مياه البقاع على موقعها الإلكتروني أن عدد الآبار المرخّصة ضمن نطاقها يبلغ نحو 250 بئراً، في المقابل، علّقت مؤسّسة مياه لبنان الجنوبي العمل بموقعها الإلكتروني، ما يحول دون الاطّلاع على أيّ بيانات مماثلة، أما مؤسّسة مياه لبنان الشمالي فأعلنت عبر موقعها أن عدد الآبار المرخّصة في نطاقها يصل إلى 120 بئراً، بينما لا تتوفّر أيّ معلومة مشابهة على موقع مؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان. 

الصهاريج: مفتاح سرّ “النواعير”

 في غياب أيّ خريطة رسمية تحدّد مواقع الآبار الجوفية، أو أيّ لافتة تشير إلى أماكنها، أصبحت الصهاريج الشاهد الوحيد على وجودها، فحركتها اليومية تكشف شبكة موازية وغير رسمية لتوزيع المياه، وتملك فعلياً المياه الموجودة في باطن الأرض بينما تجفّ الصنابير في المنازل. 

قرب إحدى النواعير في منطقة الجديدة شمال العاصمة بيروت، يصطفّ 14 صهريجاً كبيراً كأنها تشهد على حقيقة مغايرة لما يُقال عن الجفاف. يفضح هذا المشهد اليومي، الذي تتكرّر ملامحه في مختلف أحياء العاصمة وضواحيها، الخلل الحقيقي في إدارة المياه. فالمشكلة لا تكمن في “ندرة الموارد” كما يُشاع، بل في سوء الإدارة واحتكار التوزيع وقيام شبكة تعمل خارج سلطة الدولة. فالمياه متوافرة في باطن الأرض وتُستخرج بكثرة، لكنّها تسلك طريقاً معاكساً للشبكة العامّة، نحو السوق السوداء، حيث تُباع كسلعة خاصّة لا كحقّ عامّ. في هذا السياق، يقول أحد أصحاب الصهاريج في حديث إلى “درج”: “أقل ناعورة بتنتج يومياً بين 100-120 نقلة، يعني تقريباً مليون لتر باليوم”. 

في أحد أحياء بيروت، تكرّر المشهد ذاته: أربعة صهاريج تصطفّ أمام “ناعورة” المياه، في انتظار أن يأتي دورها. عندما حاولنا الاستفسار عن أصحاب الأرض، جاء الردّ بلهجة حذرة: “مين إنتوا؟ عندكن سيترنات وبدكن تعبّوا؟ هيدا رقم صاحب الأرض حكوا معو”، فبادرنا بسؤال مقتضب: “شو المطلوب؟”، قبل أن يضيف: “عندي نبعة بالورشة، وما بيجوا سيترنات يعبّوا من عندي”، وعندما واجهناه بأنّ أحد السائقين أعطانا رقمه مباشرة، اكتفى بالقول: “من وقت لوقت بعبّوا… ما بعرف كل قدي. بدي اسأل النواطير عندي”.

خريطة تُظهر مواقع بعض النواعير
 التي تمكّن موقع “درج” توثيقها ميدانياً في بيروت وضواحيها.
 يمكنكم مشاهدة المواقع والصور التي التقطتها “درج” عبر هذا الرابط أو هذا الرابط.

لم يتمكّن “درج” من التحقّق من الوضع القانوني للآبار المذكورة، بسبب امتناع وزارة الطاقة والمياه عن تزويده بالبيانات المطلوبة ضمن المهلة القانونية.

ميراث المياه

يعكس ملفّ المياه  بنية النظام اللبناني، القائم على تحالف العائلات والسلطة المحلّية وتقاسم النفوذ على الموارد،  فكما تقاسمت العائلات والزعامات البلديات، يتقاسم أصحاب الصهاريج والنواعير المياه ويوزعونها كلّ واحد في مناطق نفوذه. ويعكس تقاعس الدولة وتسليمها مسؤوليّاتها إلى السوق السوداء شكلاً آخر من الزبائنية، إذ  يحدّد أصحاب النواعير والصهاريج معاً متى توزَع المياه، وبأيّ سعر، ولمن تمنَح الأولوية  خلال التوزيع. 

يقول موظّف في إحدى “النواعير” إنه لا يبيع المياه إلّا لزبائن محدّدين من أصحاب الصهاريج، موضحاً: “بتعرفي، شغلنا أكتر بالصيف. بالشتا بيخف، فاللي بلبّينا بالشتا منلبّيه بالصيف”، ويشرح آلية التشغيل: “أنا عالساعة 7 بسكّر الناعورة. في مي أو ما في مي، بسكّر كرمال ما تنشف”.

وفي ظلّ غياب الرقابة والمساءلة، باتت المياه تحت حكم “آل صهريج”، فتحوّلت من حقّ أساسي إلى امتياز يخضع للنفوذ، ومن ملك عامّ إلى إرث تتقاسمه العائلات ضمن شبكات محلّية، وصارت الصهاريج تُعرف بأسماء العائلات:  طقّوش، بستاني، صفير، نصر، أمهز، المولى، أندراوس، رشقيدي، المرّ…

 تصطفّ هذه الصهاريج على جوانب الطرقات أو في ساحات ضيّقة، بعضها يحمل أسماء شركات وأرقام هواتف، وأخرى بلا أيّ علامة تدلّ على مصدرها، بانتظار اتّصال جديد لتوصيل “ديليفيري” المياه الجوفية، بينما تراكم الدولة مشاريع السدود التي لا تمتلئ. 

منطقة لكلّ ناعورة وناعورة لكلّ “نفوذ”

يُجمع أصحاب الصهاريج على أن عدد “النواعير” شهد ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، فتوزّعت بين أنطلياس والدكوانة والجديدة شمال العاصمة، والحازمية وفرن الشباك والتحويطة شرقها، والكرنتينا ومار مخايل والأشرفية وجسر الباشا في قلبها، وصولاً إلى الشويفات جنوباً، وكفرشيما في جنوبها الشرقي.

يقول أحد أصحاب الصهاريج  في مدينة بيروت لـ “درج”: “بشارع الدكوانة في شي ١٢  ناعورة وبالجديدة في شي ١٠ نواعير وبفرن الشباك إنت ورايحة من سوق الأحد على ملعب البلدية- جامعة الحكمة هونيك في ناعورتين حد ملعب البلدية، بالتحويطة في ٣-٤ نواعير، وبالكرنتينا على مفرق سوق السمك في ناعورة وبوجه شركة البورش في ناعورة”. ويقول صاحب صهريح آخر: ” بالدكوانة بالمدينة الصناعية في ناعورة كبيرة، وحد شاركوتية عون بوج المحطة في وحدة، وفي بأنطلياس نبع الفوار هيدي أكبر ناعورة بلبنان”. 

هذه الآبار تعرَف بأسماء مالكيها، فتحوّلت إلى ما يشبه “علامات تجارية” داخل سوق المياه الموازي. وتكثر الأسماء المتداولة بين العاملين في القطاع، إذ يقول أحد أصحاب الصهاريج عند سؤاله عن أبرز “النواعير” المنتشرة: “أغلبية الصهاريج لديها ناعورة خاصة فيها”، في توصيف يكشف شبكة نفوذ محلّية متداخلة تُدار وفق منطق الحصص والمناطق.

وعلى خلاف الفوضى الظاهرية التي تسم القطاع الذي ينشط خارج الأطر القانونية، فإن العلاقة بين أصحاب النواعير وسائقي الصهاريج محكومة بنظام غير معلن. فكلّ ناعورة تخدم منطقة محدّدة وزبائن معيّنين. ويشرح أحد سائقي الصهاريج لـ”درج” هذه القاعدة: “في كذا مصدر بس ما بيعبّوا. كل شخص بعبي لزبائنه. اللي بعبي من الجديدة ما بعبّولوا جماعة الدكوانة، بيقلّولو إنت مش زبونا”، ويقول: “أنا زبون ناعورة بدفع 17 دولار عالنقلة. إذا مش زبون… 25 أو 30 دولار. وبالأزمة وصلت لـ40 دولار”.

يكشف هذا التوزيع “الجغرافي ـ الزبائني” وجود تنظيم داخلي موازٍ للدولة، تُحدّد فيه الأسعار والخدمات بناءً على النفوذ والمحسوبيات، ومع ذلك، يبقى هذا التنظيم غير رسمي وغير خاضع للرقابة الحكومية، مما يساهم في استمرار الفوضى في هذا قطاع المياه.

دراسة الأثر البيئي: قانون مُعطَّل في أدراج الوزارات

يُحدّد الملحق رقم 2 من المرسوم رقم 8633/2012 فئات المشاريع التي تستوجب إعداد تقرير بيئي مبدئي،  فيما يُبيّن الملحق رقم 8 المشاريع التي تتطلّب إجراء دراسة تقييم أثر بيئي كاملة، بما في ذلك مشاريع مياه الصرف الصحّي، والريّ، ومياه الشفة.

لكن وفقاً لآلية دراسة طلبات التراخيص الصادرة في عام 2020 والمتعلّقة بإيصالات العلم والخبر للتنقيب عن المياه واستعمالها، يقتصر شرط ترخيص حفر الآبار على تقرير تقني صادر عن إحدى شركات المراقبة والتدقيق المعتمدة لدى وزارة الطاقة والمياه، وقد خصّصت الوزارة ثلاثة مكاتب لدراسة طلبات الترخيص: المكتب الفني للإنماء BTD، الأرض للتنمية المتطوّرة للموارد ELARD، وشركة APAVE لبنان.

تُقسّم طلبات الترخيص المتعلّقة بآبار غير متفجّرة يتجاوز عمقها 150 متراً إلى فئات: زراعي، سكني، صناعي، سياحي ومختلف، إلّا أن هذه الطلبات لا تتطلّب أيّ معطيات مرتبطة بتقييم الأثر البيئي، مما يجعل الآبار تُرخّص وتُستثمر من دون أي رقابة على تأثيرها في المياه الجوفية أو في الصحّة العامّة. 

وقد أكّد وزير البيئة السابق ناصر ياسين لموقع “درج” أنّه خلال فترة تولّيه الوزارة، لم يتقدّم أي طرف بطلب لإجراء تقييم الأثر البيئي، كشرط للحصول على رخصة حفر بئر من وزارة الطاقة والمياه”، رغم وجود نصوص قانونية واضحة تفرض ذلك.

قال نقيب أصحاب الصهاريج السابق رئيس مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان لـ”درج” إن المصلحة تُبدي استعدادها للتعاون في حال كُشف لها عن مصادر تعبئة الصهاريج: “نحن نتعاون مع المواطنين ومع الأجهزة. إذا بتعطونا عناوين، أنا بكون ممنونك، ونحن مناخد الإجراءات اللازمة”، لكنه تابع بالقول إن المصلحة تتحرّك فقط في حال كُشف لها أن مصدر تعبئة الصهاريج هي المياه التابعة لها فقط: “إذا صهريج مي عم ياخد من عنا، يعني عم يسرق. ولو ظلّت المي عنا، بتوصل لعندك”. 

ليس العطش قضاءً وقدراً، بل نتيجة منظومة تُدير المياه بين باطن الأرض وخزّانات المنازل، فتحوّل المياه من حقّ إلى صفقة تجارية مربحة بمباركة الدولة التي تحجب المعلومات كما تحجب المياه.  

04.11.2025
زمن القراءة: 9 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية