“كنت على وشك أن أُقتل اليوم لأنني أرتدي هذه الكنزة”، يقول الشاب جو فرحات في فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث فيه عن اعتداء تعرض له في بيروت بسبب لباسه وشكله. يتابع فرحات في الفيديو قائلاً: “من المرعب أن أتعرض للتحرش اللفظي والسخرية المؤذية والملاحقة بسبب ما أرتديه”.
تفاصيل المطاردة
يروي فرحات لـ”درج” تفاصيل الاعتداء عليه: “كنت في طريقي إلى سيارتي ليلاً بعدما أنهيت عملي كراقص في حفلة في الجميزة، فمر بجانبي 4 شبان على دراجتين ناريتين، قاموا بملاحقتي وتمكنت من سماعهم وهم يصفونني بعبارات مسيئة لها علاقة بالهوية الجنسية، وبلباسي وشكلي”.
ويضيف: “تابعت سيري مسرعاً لأنني كنت في مكان مظلم، ولم يكن من أناس حولي، ولإدراكي بأنني لن أستطيع مواجهة الأربعة في حال قرروا الاعتداء علي جسدياً، إلا أنهم واصلوا ملاحقتي وسمعت أحدهم يقول لرفاقه: خلونا ندقوا قتلة”.
حاول فرحات الهرب منهم، ودخل إلى أحد المباني المجاورة حيث انتظر قليلاً حتى تأكد من أنهم هربوا، فخرج مسرعاً وتمكن من العودة إلى منزله بأمان.
ليست المرة الأولى
يؤكد فرحات لـ”درج”، أنه اعتاد دائماً التعرض للتحرش اللفظي والمضايقات في الشارع، وكان غالباً ما يختار مواجهة المعتدين وصدّهم. ويذكر كيف اعتدى عليه رجل بالضرب حين كان يحتفل بعيد ميلاد صديقته. سبب الاعتداء حينها كان أن الرجل لم تعجبه ملامح وجه جو، التي اعتبرها “ناعمة” فاستفزّته.
لكن هذه المرة، قرر جو نشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لأنه غالباً ما يسمع قصصاً عن تعرض أصدقائه والمحيطين به لحوادث مماثلة، إنما يفضلون دائماً عدم البوح بها أو مشاركتها مع الآخرين. “يخافون ربما من نشر تفاصيل قصصهم أمام مجتمع قد لا يدعمهم أو يتضامن معهم كما يجب”، ويمكن في كثير من الأحيان أن يُلقى اللوم عليهم لتعرضهم لاعتداءات على قاعدة “ليش هيك لابسين؟ وليش هيك عم تتصرفوا؟”.
يضيف فرحات أن “مواقع التواصل الاجتماعي سمحت في كثير من الأحيان لبعض المستخدمين، بأن يقوموا بتحوير قصص الناجين/ات من التحرش اللفظي والجسدي، وتحويلهم إلى جناة بدلاً من ضحايا، بسبب الأعراف التقليدية السائدة في المجتمع، كلوم الضحايا وتعميق إحساسهم بالذنب وترهيبهم بهدف إسكاتهم، وهو ما يثير خوف غيرهم من الناجين/ات ويمنعهم من مشاركة قصصهم مستقبلاً”.
“هدفي الأساسي من مشاركة الفيديو كان نشر الوعي وتحذير الأشخاص من اعتداءات محتملة قد يتعرضون لها”، يقول جو. “خصوصاً أننا نعيش في بلد لا تزال فئات كثيرة من الناس فيه لا تحترم الحريات الشخصية، وتسمح لنفسها بترهيب كل من هو مختلف، ويمر الأمر من دون أي محاسبة”.
بعد نشر قصته، تلقى فرحات عدداً كبيراً من التعليقات المسيئة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصلته أيضاً رسائل تهديد بالقتل، وشتائم طاولت أهله وأصدقاءه.
خوف مستمر وضرر نفسي
لا يخفي فرحات تأثير حوادث مماثلة على صحته النفسية. “عندما وصلت إلى منزلي ليلتها، تساءلت عما كان سيحل بي لو أنني لم أدخل إلى ذلك المبنى، وماذا لو كنت قررت حينها أن أواجههم، هل كنت سأتعرض للضرب أو حتى للقتل؟”.
كلها فرضيات قد يطرحها أي شخص معرض لاعتداءات مشابهة، وهي دليل على الخوف المستمر الذي تولده تلك الحوادث في نفوس الأشخاص لكونهم غير قادرين على توقعها أو منع حدوثها أو تجنبها.
لوم الذات كان من التداعيات النفسية التي اختبرها فرحات أيضاً. “سألت نفسي إن كنت أنا المذنب لأنني أحاول أن أعيش بحرية، وأن أرتدي ما يحلو لي”، يقول فرحات مؤكداً أن تلك الأسئلة تُدخله في صراع داخلي دائم يُضطر إلى مواجهته وحيداً، فإلى جانب التعامل المجتمعي المجحف بحق الضحايا، لا آليات للمحاسبة أو لملاحقة جدية للمعتدين في ظل الانهيار الشامل الذي تعيشه البلاد، والتجاهل الرسمي المزمن لهذه الحالات باعتبار أنها ليست أولوية.
اعتداءات على الحريات الشخصية
الاعتداء على فرحات يقع ضمن سياق اعتداءات متفرقة على الحريات الشخصية يشهدها لبنان أخيراً. الأسبوع الماضي، تعرضت السيدة ميسا حنوني وزوجها لاعتداء من شيخ و15 شخصاً فيما كانا على شاطئ صيدا، وذلك بسبب ارتداء حنوني ثياب سباحة. لاحق الشيخ ومرافقوه ميسا وزوجها وقاموا برمي قناني مياه ملأوها بالرمال عليهما حتى اضطرا إلى مغادرة المكان للحفاظ على سلامتهما.
رغم تداول القصة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، ورغم الكشف عن هوية الشيخ المعتدي، لم تتحرك الأجهزة الأمنية حتى الآن للتحقيق معه.
وحديثاً أيضاً، أفادت تقارير صحافية باعتداءات ومضايقات وسرقات يتعرض لها أفراد من مجتمع الميم/ عين في لبنان على خلفية هويتهم الجنسية، ولباسهم وشكلهم.
في تقرير لها بعنوان “كل هذا الرعب بسبب صورة”، وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قيام جهات تابعة للدولة اللبنانية وأفراد عاديين بتصيد أفراد من مجتمع الميم/ عين على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة، وابتزازهم ومضايقتهم على الإنترنت، وبكشف توجههم الجنسي أو هويتهم الجندرية من دون موافقتهم، في انتهاك صارخ للحق في الخصوصية، وغيره من حقوق الإنسان.
كشف التقرير كيف تؤثر تلك الانتهاكات في حياة الأشخاص خارج الإنترنت، وتمتد إلى جوانب حياة الأشخاص كافة، كتعرضهم للعنف الأسري، بما في ذلك الإيذاء الجسدي، والتهديدات لحياتهم، ما يضطرهم أحياناً إلى تغيير أماكن إقامتهم وأرقام هواتفهم، وحذف حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والفرار من البلد هرباً من الاضطهاد، والمعاناة من عواقب صحية ونفسية وخيمة.
وطالبت المنظمة السلطات اللبنانية بإصدار تشريع شامل يكافح التمييز، بما في ذلك على الإنترنت، على أساس الجنس، والنوع الاجتماعي، والهوية الجندرية، والتوجه الجنسي، ويتضمن تدابير فعالة لتحديد مثل هذا التمييز ومعالجته.
بدلاً من تأمين الحماية للأفراد على اختلافهم، تشارك السلطات اللبنانية والأجهزة الأمنية في القمع الممنهج ضد أي شخص مختلف، الأمر الذي ينعكس استسهالاً لدى المعتدين لتنفيذ اعتداءاتهم من دون عقاب، وفي تغذية خطاب الكراهية ضد هؤلاء الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي وخارجها.
بين سعي ديني أبوي للوصاية على النساء وأجسادهن، وسعي مجتمعي للتضييق على الحق في الاختلاف، كلها محاولات مستمرة لمصادرة حقوق الأفراد في الأماكن العامة، وحقهم في حرية اللباس والتصرف والمعتقد في ظل تقاعس رسمي وأمني عن محاسبة المرتكبين، وضمان حماية الحريات الشخصية على تنوعها.