fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

شبه إبادة لجيلٍ كاملٍ من صحافيي غزة… من سيبقى ليروي الحكاية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في ظل استمرار قتل الصحافيين، تبدو إسرائيل على مشارف إبادة جيلٍ كاملٍ من إعلاميي غزة — إلى الحد الذي قد لا يبقى فيه أحد ليروي الحكاية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.

لا تزال الصدمة تسيطر علينا نحن الصحافيين في قطاع غزة، بعد الجريمة المروّعة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي باستهدافه المباشر لخيام الزملاء الصحافيين المقامة أمام مجمّع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، يوم الإثنين 7 نيسان/ أبريل الجاري، ما أسفر عن استشهاد اثنين منهم، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة.

عزّزت هذه الحادثة المأساوية يقيننا بأننا لم نعد مجرّد ناقلي حقيقة، بل أصبحنا أهدافاً مباشرة ضمن مشروع إبادة جماعية مستمرة لا تتوقف.

كان الزملاء يعيشون لحظات راحة نادرة، في حالة من السكون، بعد يومٍ شاق وطويل من التغطية الميدانية لأحداث الحرب، حين باغتهم صاروخ إسرائيلي مباغت، حوّل خيمتهم إلى كتلة من النيران، والتهم أجسادهم بلا رحمة.

واحدة من أبشع الصور التي خرجت إلى العالم كانت مشهد الزميل أحمد منصور وهو يحترق أثناء مزاولته عمله الصحافي داخل الخيمة — صورة مؤلمة، تكشف وحشية العدوان، وتفضح استهداف إسرائيل الممنهج للصحافيين.

وعلى رغم فظاعة الحادثة، مرّ اليوم التالي وكأنه يوم عادي، ولم نشهد أي رد فعل دولي حاسم، ولا حتى تضامناً ملموساً من معظم الزملاء الصحافيين حول العالم، وكأن دماءنا أرخص من أن تثير الرأي العام أو تستدعي موقفاً حقيقياً.

نشعر، نحن صحافيي غزة، بأننا تُركنا وحدنا تماماً، كما تُرك أبناء شعبنا في العراء، بلا حماية، بلا تضامن حقيقي. نواجه الموت في كل لحظة، وهذا التجاهل الدولي المتكرر يشجّع الاحتلال على الاستمرار في استهدافنا وقتلنا، الواحد تلو الآخر.

شهادة مؤلمة

الصحافي الجريح والناجي من المجزرة، عبد الله العطار، يروي تفاصيل تلك الليلة الدامية لـ”درج”، قائلاً: “كان الوقت يقارب الثانية عشرة إلا قليلاً، كنا نستعد للانطلاق مجدداً نحو موقع استهداف عائلة النفار في وسط خان يونس، حيث استُشهد نحو عشرة أشخاص، من بينهم أطفال، وبعضهم لا يزال تحت الركام. عدتُ إلى خيمتنا لشحن هاتفي استعداداً للخروج صباحاً لتغطية الانتشار الميداني، ثم تناولنا العشاء أنا والزملاء”.

يضيف العطار: “كنّا خمسة صحافيين داخل الخيمة، وفجأة سمعنا انفجاراً أشبه بزلزال. لم يكن صاروخاً عادياً، شعرت وكأن الانفجار داخل جسدي. لم أرَ شيئاً لبضع ثوانٍ، ثم شاهدت الزملاء وهم يسحبونني. صرخت: ‘أنا مصاب’، وخرجنا وسط ألسنة اللهب، وكان موقع الانفجار لا يبعد عنا سوى خمسة أمتار”.

نزف عبد الله وهو يزحف إلى الخارج، مردداً: “أنا مصاب”، حتى شاهده أحد الزملاء، فسارعوا إلى نقله إلى قسم الطوارئ في مجمّع ناصر. هناك أُغمي عليه، ولم يكن يدري ما الذي حصل بعد ذلك، أو ما الذي فعله الأطباء لإنقاذه.

أظهرت نتائج الفحوصات الأولية، ومنها التصوير المقطعي (CT)، أن حالته مستقرة بنسبة 70 في المئة، لكنه لا يزال بحاجة إلى فحوصات إضافية للاطمئنان الكامل على صحته.

طاول الاستهداف الخيمة المجاورة التي كانت تضم الزميل حسن اصليح، الذي تعرض لإصابات متعددة وبُترت بعض أصابعه، بالإضافة إلى استشهاد الزميلين أحمد منصور، الذي احترق أمام أعين زملائه، وحلمي الفقعاوي.

يؤكد العطار أن الاستهداف كان مباشراً ومقصوداً، بخاصة أنها ليست المرة الأولى، ولا الثانية، ولا حتى الثالثة أو الرابعة؛ إذ قُتل أكثر من 250 صحافياً خلال هذه الحرب بشكل مباشر، وهذا الرقم يكشف بوضوح نية الاحتلال في إسكات الكلمة وإطفاء الصورة الخارجة من غزة.

ويضيف: “على رغم ذلك كله، نقول للاحتلال: بإذن الله سنتعافى ونعود، وسننقل الحقيقة للعالم. لن تتوقف رسالتنا، وسنستمر في حمل الكاميرا والهاتف حتى آخر نفس. وحتى لو استُشهدنا، ستبقى الصورة حية”.

رسالة لا تنكسر

في الاستهداف ذاته، أُصيب الزميل هاني البرديني، الذي كان يبعد قرابة ثلاثين متراً عن الخيمة، بشظية أصابت رأسه وخرجت من عينه. وهو الآن داخل العناية المركزة يصارع الموت.

أما الصحافي عبد الرؤوف شعث، فكان من الشهود الأحياء على المجزرة، وظهر في فيديو مؤلم وهو يحاول إنقاذ الزميل أحمد منصور من وسط النار.

يقول شعث لـ”درج”: “استُهدفت خيمة تابعة لوكالة فلسطين اليوم، ما أدى إلى استشهاد الزميلين حلمي الفقعاوي وأحمد منصور، بالإضافة إلى عدد من الإصابات”.

يصف شعث المشهد بأنه “مأساوي بكل المقاييس”، ويضيف: “رأيت منصور يحترق أمام عيني، واندفعت تلقائياً لمحاولة إنقاذه”.

ويتابع: “حاولت سحبه من ساقه في المرة الأولى، لكن النار كانت مشتعلة بقوة، فاضطررت للانسحاب، ثم عدت من زاوية أخرى لمحاولة سحبه مجدداً. أحضر الزملاء زجاجة ماء لإخماد النار، وتمكّنا أخيراً من إخراجه، لكنه كان قد احترق بشدة. وفي تلك اللحظة، فقدت وعيي وتعرضت لإصابات في أصابعي”.

يشير شعث إلى أن المشهد لا يُحتمل: “تخيل أن ترى زميلك يحترق أمامك، وتشعر أنك قد تكون الضحية التالية. صرنا نودّع بعضنا يومياً، ونعيش كل لحظة وكأنها الأخيرة”.

يرى شعث أن ما حدث هو “جريمة متكاملة الأركان”، ويحمّل المجتمع الدولي مسؤولية صمته المخزي، ويضيف: “الصحافيون ليسوا طرفاً في النزاع، بل هم شهود الحقيقة، وناقلو الصوت والصورة والمعاناة”، مطالباً بحماية دولية فورية للصحافيين في غزة، وبتعامل العالم معنا كما يتعامل مع الصحافيين في مناطق النزاع الأخرى.

مجزرة موثّقة

من جهتها، أكدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، في بيان صادر عن لجنة الحريات، أن ما حدث أمام مجمع ناصر الطبي هو مجزرة مروّعة بحق الصحافيين، إذ استُهدفوا وهم في خيامهم بوضوح تام.

وأشارت النقابة إلى أن عدد ضحايا الأسرة الصحافية ارتفع إلى 208 منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو رقم مرشّح للارتفاع مع استمرار الهجمات.

في ظل استمرار قتل الصحافيين، تبدو إسرائيل على مشارف إبادة جيلٍ كاملٍ من إعلاميي غزة — إلى الحد الذي قد لا يبقى فيه أحد ليروي الحكاية.

14.04.2025
زمن القراءة: 4 minutes

في ظل استمرار قتل الصحافيين، تبدو إسرائيل على مشارف إبادة جيلٍ كاملٍ من إعلاميي غزة — إلى الحد الذي قد لا يبقى فيه أحد ليروي الحكاية.

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.

لا تزال الصدمة تسيطر علينا نحن الصحافيين في قطاع غزة، بعد الجريمة المروّعة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي باستهدافه المباشر لخيام الزملاء الصحافيين المقامة أمام مجمّع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، يوم الإثنين 7 نيسان/ أبريل الجاري، ما أسفر عن استشهاد اثنين منهم، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة.

عزّزت هذه الحادثة المأساوية يقيننا بأننا لم نعد مجرّد ناقلي حقيقة، بل أصبحنا أهدافاً مباشرة ضمن مشروع إبادة جماعية مستمرة لا تتوقف.

كان الزملاء يعيشون لحظات راحة نادرة، في حالة من السكون، بعد يومٍ شاق وطويل من التغطية الميدانية لأحداث الحرب، حين باغتهم صاروخ إسرائيلي مباغت، حوّل خيمتهم إلى كتلة من النيران، والتهم أجسادهم بلا رحمة.

واحدة من أبشع الصور التي خرجت إلى العالم كانت مشهد الزميل أحمد منصور وهو يحترق أثناء مزاولته عمله الصحافي داخل الخيمة — صورة مؤلمة، تكشف وحشية العدوان، وتفضح استهداف إسرائيل الممنهج للصحافيين.

وعلى رغم فظاعة الحادثة، مرّ اليوم التالي وكأنه يوم عادي، ولم نشهد أي رد فعل دولي حاسم، ولا حتى تضامناً ملموساً من معظم الزملاء الصحافيين حول العالم، وكأن دماءنا أرخص من أن تثير الرأي العام أو تستدعي موقفاً حقيقياً.

نشعر، نحن صحافيي غزة، بأننا تُركنا وحدنا تماماً، كما تُرك أبناء شعبنا في العراء، بلا حماية، بلا تضامن حقيقي. نواجه الموت في كل لحظة، وهذا التجاهل الدولي المتكرر يشجّع الاحتلال على الاستمرار في استهدافنا وقتلنا، الواحد تلو الآخر.

شهادة مؤلمة

الصحافي الجريح والناجي من المجزرة، عبد الله العطار، يروي تفاصيل تلك الليلة الدامية لـ”درج”، قائلاً: “كان الوقت يقارب الثانية عشرة إلا قليلاً، كنا نستعد للانطلاق مجدداً نحو موقع استهداف عائلة النفار في وسط خان يونس، حيث استُشهد نحو عشرة أشخاص، من بينهم أطفال، وبعضهم لا يزال تحت الركام. عدتُ إلى خيمتنا لشحن هاتفي استعداداً للخروج صباحاً لتغطية الانتشار الميداني، ثم تناولنا العشاء أنا والزملاء”.

يضيف العطار: “كنّا خمسة صحافيين داخل الخيمة، وفجأة سمعنا انفجاراً أشبه بزلزال. لم يكن صاروخاً عادياً، شعرت وكأن الانفجار داخل جسدي. لم أرَ شيئاً لبضع ثوانٍ، ثم شاهدت الزملاء وهم يسحبونني. صرخت: ‘أنا مصاب’، وخرجنا وسط ألسنة اللهب، وكان موقع الانفجار لا يبعد عنا سوى خمسة أمتار”.

نزف عبد الله وهو يزحف إلى الخارج، مردداً: “أنا مصاب”، حتى شاهده أحد الزملاء، فسارعوا إلى نقله إلى قسم الطوارئ في مجمّع ناصر. هناك أُغمي عليه، ولم يكن يدري ما الذي حصل بعد ذلك، أو ما الذي فعله الأطباء لإنقاذه.

أظهرت نتائج الفحوصات الأولية، ومنها التصوير المقطعي (CT)، أن حالته مستقرة بنسبة 70 في المئة، لكنه لا يزال بحاجة إلى فحوصات إضافية للاطمئنان الكامل على صحته.

طاول الاستهداف الخيمة المجاورة التي كانت تضم الزميل حسن اصليح، الذي تعرض لإصابات متعددة وبُترت بعض أصابعه، بالإضافة إلى استشهاد الزميلين أحمد منصور، الذي احترق أمام أعين زملائه، وحلمي الفقعاوي.

يؤكد العطار أن الاستهداف كان مباشراً ومقصوداً، بخاصة أنها ليست المرة الأولى، ولا الثانية، ولا حتى الثالثة أو الرابعة؛ إذ قُتل أكثر من 250 صحافياً خلال هذه الحرب بشكل مباشر، وهذا الرقم يكشف بوضوح نية الاحتلال في إسكات الكلمة وإطفاء الصورة الخارجة من غزة.

ويضيف: “على رغم ذلك كله، نقول للاحتلال: بإذن الله سنتعافى ونعود، وسننقل الحقيقة للعالم. لن تتوقف رسالتنا، وسنستمر في حمل الكاميرا والهاتف حتى آخر نفس. وحتى لو استُشهدنا، ستبقى الصورة حية”.

رسالة لا تنكسر

في الاستهداف ذاته، أُصيب الزميل هاني البرديني، الذي كان يبعد قرابة ثلاثين متراً عن الخيمة، بشظية أصابت رأسه وخرجت من عينه. وهو الآن داخل العناية المركزة يصارع الموت.

أما الصحافي عبد الرؤوف شعث، فكان من الشهود الأحياء على المجزرة، وظهر في فيديو مؤلم وهو يحاول إنقاذ الزميل أحمد منصور من وسط النار.

يقول شعث لـ”درج”: “استُهدفت خيمة تابعة لوكالة فلسطين اليوم، ما أدى إلى استشهاد الزميلين حلمي الفقعاوي وأحمد منصور، بالإضافة إلى عدد من الإصابات”.

يصف شعث المشهد بأنه “مأساوي بكل المقاييس”، ويضيف: “رأيت منصور يحترق أمام عيني، واندفعت تلقائياً لمحاولة إنقاذه”.

ويتابع: “حاولت سحبه من ساقه في المرة الأولى، لكن النار كانت مشتعلة بقوة، فاضطررت للانسحاب، ثم عدت من زاوية أخرى لمحاولة سحبه مجدداً. أحضر الزملاء زجاجة ماء لإخماد النار، وتمكّنا أخيراً من إخراجه، لكنه كان قد احترق بشدة. وفي تلك اللحظة، فقدت وعيي وتعرضت لإصابات في أصابعي”.

يشير شعث إلى أن المشهد لا يُحتمل: “تخيل أن ترى زميلك يحترق أمامك، وتشعر أنك قد تكون الضحية التالية. صرنا نودّع بعضنا يومياً، ونعيش كل لحظة وكأنها الأخيرة”.

يرى شعث أن ما حدث هو “جريمة متكاملة الأركان”، ويحمّل المجتمع الدولي مسؤولية صمته المخزي، ويضيف: “الصحافيون ليسوا طرفاً في النزاع، بل هم شهود الحقيقة، وناقلو الصوت والصورة والمعاناة”، مطالباً بحماية دولية فورية للصحافيين في غزة، وبتعامل العالم معنا كما يتعامل مع الصحافيين في مناطق النزاع الأخرى.

مجزرة موثّقة

من جهتها، أكدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، في بيان صادر عن لجنة الحريات، أن ما حدث أمام مجمع ناصر الطبي هو مجزرة مروّعة بحق الصحافيين، إذ استُهدفوا وهم في خيامهم بوضوح تام.

وأشارت النقابة إلى أن عدد ضحايا الأسرة الصحافية ارتفع إلى 208 منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو رقم مرشّح للارتفاع مع استمرار الهجمات.

في ظل استمرار قتل الصحافيين، تبدو إسرائيل على مشارف إبادة جيلٍ كاملٍ من إعلاميي غزة — إلى الحد الذي قد لا يبقى فيه أحد ليروي الحكاية.

14.04.2025
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية