“دعني أقدم لك تعريفاً للإنسان، إنه حيوان حكاء. أينما ذهب عليه أن يبتكر حكايات من العلامات، فما دامت هناك قصة تكون الأمور على ما يرام. وحتى في لحظاته الأخيرة، في اللحظة الحاسمة من سقوط مميت، أو حين يكون المرء على وشك الغرق، يرى حياته تمر أمامه سريعاً، كحكاية”.
من رواية أرض المياه، غراهام سويفت.
في كتابه “شروحات الجنون”، يكتب الطبيب جون هاسلم عن حكاية أحد المرضى النفسيين في مستشفى الأمراض العقلية في لندن عام 1796، وهو تلي ماثيوز الذي كان يروي باستمرار أحلاماً عن عصابة من المجرمين تمتلك آلة تتحكم بالدماغ، كان يصفها تلي ماثيوز بدقة ويصف قدراتها. كان يتوهم كثيراً أن العالم واقع تحت تأثير هذه العصابة وأنها أجبرت بريطانيا على الدخول في حرب كارثية مع فرنسا. كما أنها تثير الفتن بين الدول. ولم يكن نشاط العصابة مقتصراً على ماثيوز وحده، لكنه كان الوحيد الذي استطاع كشف المؤامرة، وذلك وفقاً لأوهامه. أفكار تلي ماثيوز وهلوساته أخذت حيزاً ثقافياً في تلك الفترة، حتى أن الفنان البريطاني رود دكنسون أعاد تجسيد آلة التحكم بالدماغ معتمداً على أوصاف ورسوم ماثيوز، الذي كان يعتبر نفسه ملكاً تم اغتصاب سلطته، فوجه رسائل لاذعة إلى الملوك والحكام البريطانيين في تلك الفترة متهماً إياهم باغتصاب السلطة منه.
حين كان ماثيوز في الثلاثين من عمره، قرر دماغه ابتكار قصة معقدة، وأمضى بقية حياته يعيش في تصديقها. يقارب جوناثان غوشتل في كتابه “الحيوان الحكاء” بين التفكير المستمر بالمؤامرة، وبين حالات البارانويا أو الفصام- الشيزوفرينيا في علم النفس: “كلهم يسمعون أصواتاً غربية تهمس في آذانهم، ويؤمنون أن أفعالهم تديرها قوى خارجية، قوى غريبة خارج الحدود، أو آلهة، أو شياطين، أو مؤامرات شريرة. كما أنهم مسكونون بأوهام العظمة، إذ يرون أنهم مهمون للغاية فيستهدفهم الغرباء والشياطين والمتآمرون”.
الفرق بين الحكايات والحقائق
يدعونا جوناثان ميشتل إلى أن نتخيل أن عقلنا يمتلك شرلوك هولمز، أعظم محقق للجرائم في التاريخ الأدبي، يعمل بشكل مستمر ومن دون توقف. دائماً ما يصل شارلوك هولمز إلى اكتشاف الحقائق والجرائم عبر سرد الحكايات، فيلتقط الإشارات من حوله بطريقة مبهرة، ويصنع منها القصص الأكثر ثقة والشروحات الأكثر كمالاً، منطلقاً للتلميحات الأكثر غموضاً. ولكن وعلى رغم أن قصص شارلوك هولمز ممتعة تماماً، إلا أنها مبنية على ترابطات متناقضة وعلى فرضيات سخيفة. وعلى كل منا أن يتخيل أن في ذهنه شرلوك هولمز صغيراً، تعلمنا أن نربي محققاً داخلياً لأن العالم حافل بالحكايات، المكائد، الدسائس، التحالفات، وعلاقات السبب والنتيجة، وهو يساعدنا في كشفها. صحيح، أن العقل الحكاء هو تكيف تطوري مهم، فهو يتيح لنا أن نعيش حياتنا بترابط ونظام وأن يحكمها هدف ما، لكن العقل الحكاء يتأثر بالبارانويا والعشوائية والمصادفة، لأنه مدمن للمعنى. وإن لم يستطع العثور على أنماط ذات مغزى في العالم، فسيحاول فرضها. وباختصار، فإنه ينتج القصص بغض النظر عن كونها حقائق أو أكاذيب. وهكذا على العقل الباحث عن المعرفة ألا يعتمد بشكل أساسي على الحكاية بل على الحقائق والعلوم.
العقل يبحث عن معنى حتى عند تأمل الغيوم فيجد فيها رسومات لحيوانات أو أشخاص، أو علامات دينية. عام 1976، التقطت مركبة فضائية صورة من أحجار المريخ تعرف فيها البعض إلى وجه إنساني. وأكد البعض أن الوجه كان برهاناً على حضارة مريخية، لكن الصور عالية الدقة أظهرت أن الوجه كان مجرد تل مريخي صخري ناتئ. إن الدراسات تظهر أنه إذا أعطيت الناس معلومات عشوائية بلا شكل، فسينسجون منها قصة. وقد قام عالما النفس فريتز هايدر وماريان سمل في منتصف الأربعينات من القرن العشرين، بصناعة فيلم رسوم متحركة قصيرة. فيلم بسيط عن أشكال هندسية تتحرك مثل مربع، مستطيل، ودائرة. في الاختبار مع 114 مشاهداً ومشاهدة للفيلم، ألف 100 منهم قصصاً عن العلاقة بين الأشكال الهندسية وحكاية بين المربع والمستطيل، أو الدائرة والمثلث. ما لم يكن موجوداً طبعاً.
نظرية المؤامرة وحاجتنا إلى الحكاية
نظريات المؤامرة، المبتدعة بانفعال والمحبكة بجنون، هي في الحقيقة حكايات خيالية يميل الناس إلى تصديقها. يجمع مؤلفو نظرية المؤامرة بين حقائق واقعية ومعلومات أو ترابطات متخيلة، يقدمونها سردياً في نسخة متماسكة ومرضية عاطفياً، يكتب ميتشل: “تمارس نظريات المؤامرة سلطة قوية على الخيال البشري. فهي تبهرنا لأنها تبدع حكاية جيدة، وتحافظ على تقاليد المنطق الكلاسيكية، وتفرق بين الأخيار والأشرار بصرامة. كما أنها تقدم حبكات قوية رهيبة، يحولها السرد السهل إلى تسلية ذات شعبية واسعة”، وعلى هذا الأساس تحقق أعمال فنية نجاحات كبيرة مثل روايات “شيفرة دافنشي”، “دان براون”، و”ثلاثية عالم المتحدة السفلي”، جيمس ألروي، وأفلام مثل “ج.ف.ك عن اغتيال كيندي”، والمسلسلات التلفزيونية مثل “24”، أو XFIELS الذي يتحدث عن محققين يعملان في قسم الملفات الغامضة في مكتب التحقيقات الفدرالي FBI.
إقرأوا أيضاً:
نظرية التضليل الإعلامي
يمكن أن تستعمل نظرية المؤامرة بأهداف سياسية، فغالباً ما تتهم السلطات المعارضة بكونها متآمرة مع قوى خارجية، وخصوصاً السلطات الشمولية، وقد رأينا ذلك في خطاب السلطات الحاكمة عن حركات الثورات العربية التي اتهمت كلها بالتآمر، وخصوصاً مع إسرائيل. إن نظرية أن كل ما يحصل أو يظهر على وسائل الاعلام والتواصل، ما هو إلا ميديا مضللة، هي نظرية إلغائية خطورتها أنها قادرة على تكذيب أي معلومة بالإلغاء وقد استعملها دونالد ترامب كثيراً تحت مسمى fake news، أي أخبار مضللة عن كل ما يعارض رأيه. واستعملتها السلطات المصرية والسورية واللبنانية مع الحركات الاحتجاجية باستمرار: “كل شيء كاذب، متآمر، إلا ما أبثه أنا”. وقد بقي دونالد ترامب يستعمل هذه النظرية التي حكمت أفعاله حتى اللحظة الأخيرة: “الانتخابات مزورة، كل شيء مؤامرة”.
نظرية المؤامرة في ظل “كورونا”
نظرية المؤامرة حاضرة دوماً في التاريخ، لكن ربما كانت من أكثر التجارب الإنسانية خطورة في تأثير نظرية المؤامرة، برزت مع انتشار جائحة “كوفيد- 19″، وما عرفته الثقافة الإنسانية من عدد هائل من القراءات المبنية على نظرية المؤامرة، ما جعل الفيلسوف هيراري يعتبرها من الموضوعات الأكثر أهمية في المرحلة الراهنة. وازداد تأثير نظرية المؤامرة في المسيرة الإنسانية أكثر مع ظهور اللقاح الخاص بـ”كوفيد-19”. ويعتبر الطبيب الأميركي أندرو كوفمان من أبرز المروجين لنظرية أن الوباء مبتكر لأجل الوصول إلى حكومة عالمية واحدة، وقوة نظريته أنها مبنية على بعض المعطيات الدقيقة: “تبني الدول لسياسات متماثلة في مواجهة كوفيد-19، يؤكد أن هناك جماعات تتحكم بالحكومات، وهذا يتطابق مع رؤية الحكومة العالمية الواحدة. ستعمل هذه الحكومة الشمولية إلى تخفيض عدد السكان، وتوحيد النظام المالي وتوحيد العملة”، ويؤكد كوفمان أن نظرية الحكومة العالمية الواحدة مذكورة في قرارات منظمة الأمم المتحدة. وبحسب رأيه، لقد أنتج الفايروس كل من بيل غيتس ووزارة الدفاع الأميركية. وكوفمان مؤيد قوي لنظرية شريحة النانو التي ستزرع عبر اللقاحات، وحجته في ذلك: “لقد اعترفت الشركات المصنعة للقاحات بتنافسها لإنتاج اللقاح، وعدم اتباعها إجراءات السلامة البحثية، وكذلك وقعت أوراقاً مع الحكومات تحررها من المسؤولية”.
نظرية المؤامرة حاضرة دوماً في التاريخ، لكن ربما كانت من أكثر التجارب الإنسانية خطورة في تأثير نظرية المؤامرة، برزت مع انتشار جائحة “كوفيد- 19”
تبين الدراسات أن 52 في المئة من الفرنسيين يرفضون أخذ اللقاح، وفي لبنان تصل هذه النسبة إلى 38 في المئة، وإذا نظرنا إلى الأسباب المتعددة لرفضهم ذلك، فإننا نجد أن بينهم نسبة 35 في المئة يرفضون أخذه لتضارب المعلومات حول اللقاح. وكما بيّن فيديو “درج” المخصص لهذه الموضوعة، فإن نسبة كبيرة من رافضي اللقاح يتعلق الأمر لديهم بالمعلومات التي يمتلكونها عن اللقاح.
سردية شريحة النانو في لقاحات “كوفيد-19”
نفهم تفسير غوتشل عن نظرية المؤامرة بكونها رغبة الإنسان في اختلاق الحكاية، أو الحاجة إلى الحكاية، عندما نقرأ النظرية الأكثر انتشاراً في المرحلة الراهنة عن لقاح “كورونا”، وهي نظرية شريحة النانو، يقول الفيديو الترويجي للنظرية: “هي شريحة AD2020، سيحقن بها كل البشر تحت مسمى لقاح، مشروع عملاق تطبخه النخب العالمية، ومنها عائلة روتشليد، تسعى إلى الرقمنة الكاملة لأنشطتنا المجتمعية من التنظيم، إلى التعليم والاقتصاد والصحة. ليصبح هناك رقم هوية موحد عالمي لكل شخص. كورونا فقط لإعطائنا المصل، والذي يحوي شريحة صغيرة تزرع في الجسم تحدد موقع الإنسان والمعلومات البنكية، والتواريخ المرضية عن كل فرد، وهي مربوطة بالأقمار الصناعية. يهدف المشروع بالمستقبل إلى التحكم بأعصاب الناس، ودفعها إلى القيام بأفعال لا إرداية”. ولا يمكن أن ننكر هنا أن نظرية المؤامرة هذه تحاول أن تحمي الناس من الوقوع بيد أسرة نظام شمولي.
تمتلك سرديات نظريات المؤامرة كامل مقومات الحكاية المحبوكة والممتعة تخييلياً. حتى أن أصحاب النظرية يقدمون سردياً بعض المعلومات لتوحي بأنها موّثقة، يتابع الفيديو الترويجي للنظرية: “شريحة النانو هي شريحة ديجتالية إلكترونية مصغرة من حجم حبة الأرز، تم تصنيعها في الثمانينات وجربت على الحيوانات. عام 2004، أصدرت منظمة الغذاء تصريحاً بزرعها في البشر، وأصدرت الولايات المتحدة قانوناً في الرعاية الصحية يجبر الأميركيين على حقنها في حال رغبتهم بالتمتع بنظام الضمان الصحي. وأصبح 10 ملايين من البشر خاضعون لسيطرتها”. تسعى هذه الأفكار إلى إثبات أن المعلومات الواردة فيها موثقة، كما يسعى الروائي في الأدب إلى إيهام القارئ بأن حكايته المتخيلة حقيقية.
تتعلق معظم نظريات المؤامرة بالجماعة السرية التي تحكم العالم، بالماسونية، بعائلة روتشيلد، وبإسرائيل في العالم العربي. أما في الولايات المتحدة فالخوف هو من منظمة الأمم المتحدة. فمنذ عام 1952، اشتهر الكاتب الإنكليزي ديفد آيك بكتابات تنبأ بها بمنظمة الصحة العالمية التي ستسيطر على ما يحدث في العالم. أما الاعلامي ألكسي جونز فقد بنى امبراطوريته التجارية المصغرة بالترويج لقصص عن المؤامرات الشريرة. في فيلمه الوثائقي “نهاية اللعبة: مخطط للعبودية العالمية”، يقدم سيلاً من التلميحات، وقليلاً من الأدلة الحقيقية ليقول إن مجموعة صغيرة من الكيانات العالمية، تنفذ خطة خسيسة للسيطرة على الأرض واستعباد ساكنيها، وأنها وضعت علامات على لافتات الطريق، كي تتمكن جحافل الأمم المتحدة الغازية من التقدم في قلب أميركا. ومن هنا يمكن فهم الشعوبية التي قاد بها دونالد ترامب الأميركيين ضد المنظمات العالمية ومنها منظمة الصحة ومنظمة الأمم المتحدة.
حكايات بلا حقائق
لا يمكن دحض نظريات المؤامرة إلا بالبحث عن الحقيقة. لقد قتلت اسمهان بدس السم من منافستها أم كلثوم، وسمم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ببطء عبر سنوات، وقُتلت مارلين مونرو لعلاقتها السرية بالرئيس كينيدي، بينما قُتلت الأميرة ديانا لأنها تحمل طفلاً عربياً في أحشائها. كما نجد نظريات مؤامرة تطاول أحداث الطبيعة، فأثناء إعصار كاترينا سادت نظرية مؤامرة تقول إن عمال الحكومة فجروا السدود لإغراق أحياء السود، وأصبحت مياه الشرب في فلوريدا وسيلة للسيطرة على العقول، وعلكة مثيرة للشهوة الجنسية تستخدمها إسرائيل لتحول الفتيات الفلسطينيات إلى بغايا، وآثار أبخرة الطائرات النفاثة تطلق كيماويات تحرض على العدوانية في أحياء الأقليات، والهولوكست لم تحدث، والهبوط الإنساني على القمر فيلم مركب في استديوهات هوليوود. كلها حكايات لا نملك معلومات كافية عنها، إلا أن البحث عن الحقيقة يجب أن يستمر.
نظريات المؤامرة تسقط الضحايا
الحرب الكونية على سوريا مؤامرة، والثورة اللبنانية مؤامرة على سلاح “حزب الله”، واغتيال الباحث اللبناني لقمان سليم مؤامرة إسرائيلية لبث الفتنة في لبنان، كلها تبقى في إطار السرديات والسرديات المضادة إلا عند الوصول إلى الحقيقة. وهكذا لنظريات المؤامرة ضحايا، ففي أفريقيا مات كثيرون عند ظهور الإيدز اعتقاداً منهم بأن الأيدز خدعة عنصرية حيكت لتخويف السود، كي يتعففوا ويستخدموا الواقيات الذكورية، لأن الواقي محرم في أفريقيا، هذه النظرية للمؤامرة رفعت من عدد ضحايا الإيدز. الأمر الذي تكرر أيضاً عند انتشار وباء “كورونا”، فما زالت دول أفريقية ترفض الاعتراف بوجود الوباء، أو تروج لنظرية أنه وباء بسيط يمكن التخلص منه بشرب بعض الأعشاب الطبيعية، كما هو الحال في تنزانيا، وطبعاً لا نية لحكومات هذه الدول باستيراد اللقاحات اللازمة، ما يجعل شعوبها في خطر الموت البطيء.
نظرية المؤامرة والثقافات الاجتماعية
نفذ تيموثي مكفي تفجيراً في المبنى الإتحادي في مدينة أوكلاهوما لأنه مؤمن بالعقيدة القائلة بأن الولايات المتحدة بيعت للنظام العالمي الجديد، راح ضحيته عشرات القتلى، وقد طلب مكفي أن يُبث إعدامه على الهواء ولم يتراجع عن معتقداته أو يندم حتى لحظاته الأخيرة. ومثلاً، تظهر استطلاعات الرأي أن 45 في المئة من الجمهوريين الأميركيين يعتقدون بأن أوباما كان شيوعياً وحاول ما استطاع تدمير أميركا، ويود أوباما اتباع النموذج النازي في عقوبات الموت لقتل المسنيين قتلاً رحيماً، وفي استطلاع آخر صادق 24 في المئة من الجمهوريين الأميركيين على اعتبار أوباما عدو المسيح أو المسيح الدجال الذي يرد في إنجيل يوحنا.
في ثقافات تسود إعلامها العرافات والخرافة، فإن التمييز بين نظرية المؤامرة، وهلوسات البارانويا، والحقيقة التي لا يمكن أن يستمر مجتمع من دونها، يبدو أمراً مستحيلاً.
ليست نظريات المؤامرة إذاً، من اختصاص تيار سياسي أو ديني أو فكري، وليست من إنتاج الأغبياء أو الجهلة أو المجانين، بل هي انعكاس للحاجة القهرية للعقل إلى الحكاية، ليستعيض عنها بعملية البحث. فنظريات المؤامرة تقدم إجابات مطلقة وسريعة لأجوبة تبحث الإنسانية سنينَ طويلة لمعرفة حقائقها. فالتسليم مثلاً بأن الماسونية، أو عائلة روتشيلد، أو أي جماعة سرية تحكم العالم، يدفع إلى التقاعس عن النضال السياسي، ويجعل من الحال الراهن واقعاً مفروضاً لا يمكن تغييره عبر النضال السياسي أو الثقافي. كما أن حضور نظرية المؤامرة يختلف بين ثقافة وأخرى أو مجتمع وآخر، وتميل الدراسات إلى اعتبار أن المجتمعات التي تعيش تحت أنظمة شمولية أو قمعية هي أكثر عرضة لتصديق نظريات المؤامرة من تلك المجتمعات التي تعمل فيها الصحافة والأبحاث الحرة على استجلاء الحقيقة رويداً رويداً للمجتمع بكامله، ما يفتقد في الأنظمة القمعية. فمثلاً، أدرك الأميركيون في فترة وجيزة أن إداعاءات ترامب بتزوير الانتخابات غير حقيقية، وذلك من خلال المؤسسات الديموقراطية والقضائية لديهم، بينما يبقى لبنان عالقاً أمام عمليات اغتيال لفقت بنظرية المؤامرة منذ عشرات السنوات، وبتعداد كبير، من دون أن يصل أي منها إلى الحقيقة.
مجتمع الحكاية الخرافية
عام 2014، وفي لقاء تلفزيوني معها قالت الشخصية التلفزيونية المعروفة مريم نور والتي تفتتح صباحات قنوات لبنانية يومياً، إنها قادرة على التواصل مع مخلوقات من العوالم الأخرى، وقالت إنها عاشت معهم في أميركا: “في عالم من المخلوقات، the other side بأميركا وأنا عشت معهم. وكان واحد منون بيحكي عربي لكن راسو على شكل مربع. بيعيشوا معنا في أميركا. وبلبنان، عندي بالبيت في كتير. بس مستحيل تصويرهم. الكلام معهم بالصمت”…
في ثقافات تسود إعلامها العرافات والخرافة، فإن التمييز بين نظرية المؤامرة، وهلوسات البارانويا، والحقيقة التي لا يمكن أن يستمر مجتمع من دونها، يبدو أمراً مستحيلاً.
إقرأوا أيضاً: