دعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ، في ختام كلمته التلفزيونية الأخيرة، “شعب المقاومة” إلى تجاهل مضمون البيان الصادر عن الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب الذي يسمُ الحزب بالإرهاب. وحض نصر الله مؤيديه على متابعة “المسيرة نحو الانتصارات التاريخية.
في العادة، لا يدقق السياسيون اللبنانيون بمعاني كلماتهم وسياقاتها ومصادرها. فالهمّ البلاغي والخطابي عندهم يغلب على مضمون المصطلح أو المفهوم الذي يشيرون إليه. قد يُبررُ ذلك بأنهم ليسوا أكاديميين في محاضرة أمام جمهور متخصص، بل ان كلامهم موجه إلى “الشعب” (وهذا مصطلح آخر ينتظر من يدرجه في سياقه)، بالتالي، تُملي عليهم الصورة المكوَّنة في أذهانهم “للشعب” مستوى الكلام ونوعه. عليه، يكثر أن تلتبس المواقف والآراء على قدر التباس الكلمات والمصطلحات المستخدمة في التصريحات والخطابات. واختيارنا كلام نصر الله لا يعني أن غلبة البلاغة على الدّقة تنحصر فيه. على العكس، بل لأنه الأفصح والأكفأ بين السياسيين اللبنانيين في استخدام اللغة والأكثر ظهوراً على الشاشات في خطابات وإطلالات” موجهة إلى العامة من أمثالنا.
لنبدأ بعبارة “شعب المقاومة”. استورد أحدهم في تسعينات القرن الماضي عبارة “شعب اليسار” من فرنسا واستخدمها أثناء التظاهرات التي شهدها لبنان احتجاجاً على السياسة الاقتصادية- الاجتماعية التي اعتمدتها حكومات رفيق الحريري في منتصف ذلك العقد. لا مجال هنا لتفصيل خلفيات تلك التظاهرات التي كانت مكوناً من مكونات صراع سياسي أوسع من المسألة الاجتماعية. ما يعنينا هنا أن المصطلح الذي يشير في العادة إلى الجمهور الذي يصوّت إلى جانب قوى اليسار في فرنسا والمنطوي على بعد طبقي واضح، وجد طريقه في لبنان ليتحول إلى “شعب المقاومة” أي الكتلة البشرية التي تؤيد المقاومة التي يقودها حزب الله وتلتزم بخياراته السياسية العامة.
بيد أن تعرية “شعب اليسار” من مضمونه الطبقي ودفعه إلى منظومة المصطلحات ذات البعد الهوياتي خصوصا أن “المقاومة” في لبنان لم تعد موضع إجماع عام أو “شعبي” منذ تحرير الجنوب والانسحاب الاسرائيلي سنة 2000 على الأقل، (بل إن مؤيدي الحزب يجادلون في أنها لم تكن يوماً موضع إجماع وأن هذا الإجماع غير لازم لها)، يحمل “الشعب” إلى محمل الطائفة ورؤيتها لنفسها وتفسيرها الخاص للأحداث الجارية حولها، مع إضافة هوامش من الطوائف الأخرى التي ترى رأي الطائفة المقاوِمة.
في سبعينات القرن الماضي ظهر في أدبيات اليسار اللبناني مصطلح “الطائفة – الطبقة” الذي يُعين طائفة محددة كحامل لتوجه طبقي عام. واقتُرح يومها أن الطائفة الشيعية هي الأكثر قرباً من تمثيل مصالح الطبقة العاملة مقابل تمثيل الموارنة المسيحيين للبرجوازية. أنكر جميع كتاب اليسار أبوة “الطائفة – الطبقة” بعدما تبينت فداحة الخطأ النظري والعملي الذي صاغه. “شعب المقاومة” يتضمن خطأً مشابها بعزله أنصار المقاومة وأكثريتهم الساحقة من طائفة واحدة عن باقي اللبنانيين، على العكس تماما من “شعب اليسار” الذي يحدد فئة طبقية واضحة من فئات الشعب بكافة طبقاته ومكوناته.
“شعب المقاومة” مدعو إلى المضي في مسيرته “نحو الانتصارات التاريخية”. يجدر النظر هنا في معنى التاريخ عندما يتناوله رجل دين معمم. ثمة مشكلة كبيرة في السرد الإسلامي للتاريخ الذي تتداخل فيه الوقائع الموضوعية مع الحدث الديني. لا يخلو حادث تاريخي منذ ظهور الدعوة المحمدية من أبعادٍ دينية خصوصاً في القرنين الأولين للهجرة النبوية. من هنا يحق للمستمع المسلم، قبل غيره، التساؤل عما إذا كانت الدعوة إلى الانتصارات التاريخية تشمل بعداً دينياً ما، وماهية البعد هذا. هل يؤخذ التاريخ هنا بصفته استمرار للصراع السني –الشيعي، على ما أشار مسؤولون عراقيون قبل أشهر على سبيل المثال؟ أي هل هي حرب توابين (تلك التي شنت في العراق بعد واقعة كربلاء للتكفير عن عدم نصرة الحسين في يومه) جديدة؟ ومن هو العدو الذي ينبغي الانتصار عليه؟
إذا كان “شعب المقاومة” هو فئة من اللبنانيين ستكون انتصاراتهم التاريخية على فئة مقابلة لهم إذا اكتفى المعنى بالساحة المحلية، وستكون على العالم أجمع اذا شمل الساحات التي يقاتل الحزب عليها حيث تتشابك القوى الإقليمية والدولية في صراعات شديدة التعقيد لا بد من التفوق عليها جميعها لوصف النصر بالتاريخي. قد لا يصح ما تقدم من رأي، لكن عدم صحته تعود إلى الطبيعة المرسلة للكلام، ككل كلام سياسي لبناني، لا تشكل الدقة هاجسا فيه.
[video_player link=””][/video_player]
شعب المقاومة وانتصاراته التاريخية
دعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ، في ختام كلمته التلفزيونية الأخيرة، “شعب المقاومة” إلى تجاهل مضمون البيان الصادر عن الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب الذي يسمُ الحزب بالإرهاب. وحض نصر الله مؤيديه على متابعة “المسيرة نحو الانتصارات التاريخية.
“إشعال السماء”: التناقض البيئي الإماراتي من قيادة قمّة المناخ إلى انتهاك معايير حرق الغاز!
محاولات الصمود والخروج من الجحيم
“إشعال السماء”: ماذا خلف ألسنة اللهب السامة التي تسمح بها شركات النفط العملاقة ؟
دعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ، في ختام كلمته التلفزيونية الأخيرة، “شعب المقاومة” إلى تجاهل مضمون البيان الصادر عن الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب الذي يسمُ الحزب بالإرهاب. وحض نصر الله مؤيديه على متابعة “المسيرة نحو الانتصارات التاريخية.
دعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ، في ختام كلمته التلفزيونية الأخيرة، “شعب المقاومة” إلى تجاهل مضمون البيان الصادر عن الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب الذي يسمُ الحزب بالإرهاب. وحض نصر الله مؤيديه على متابعة “المسيرة نحو الانتصارات التاريخية.
في العادة، لا يدقق السياسيون اللبنانيون بمعاني كلماتهم وسياقاتها ومصادرها. فالهمّ البلاغي والخطابي عندهم يغلب على مضمون المصطلح أو المفهوم الذي يشيرون إليه. قد يُبررُ ذلك بأنهم ليسوا أكاديميين في محاضرة أمام جمهور متخصص، بل ان كلامهم موجه إلى “الشعب” (وهذا مصطلح آخر ينتظر من يدرجه في سياقه)، بالتالي، تُملي عليهم الصورة المكوَّنة في أذهانهم “للشعب” مستوى الكلام ونوعه. عليه، يكثر أن تلتبس المواقف والآراء على قدر التباس الكلمات والمصطلحات المستخدمة في التصريحات والخطابات. واختيارنا كلام نصر الله لا يعني أن غلبة البلاغة على الدّقة تنحصر فيه. على العكس، بل لأنه الأفصح والأكفأ بين السياسيين اللبنانيين في استخدام اللغة والأكثر ظهوراً على الشاشات في خطابات وإطلالات” موجهة إلى العامة من أمثالنا.
لنبدأ بعبارة “شعب المقاومة”. استورد أحدهم في تسعينات القرن الماضي عبارة “شعب اليسار” من فرنسا واستخدمها أثناء التظاهرات التي شهدها لبنان احتجاجاً على السياسة الاقتصادية- الاجتماعية التي اعتمدتها حكومات رفيق الحريري في منتصف ذلك العقد. لا مجال هنا لتفصيل خلفيات تلك التظاهرات التي كانت مكوناً من مكونات صراع سياسي أوسع من المسألة الاجتماعية. ما يعنينا هنا أن المصطلح الذي يشير في العادة إلى الجمهور الذي يصوّت إلى جانب قوى اليسار في فرنسا والمنطوي على بعد طبقي واضح، وجد طريقه في لبنان ليتحول إلى “شعب المقاومة” أي الكتلة البشرية التي تؤيد المقاومة التي يقودها حزب الله وتلتزم بخياراته السياسية العامة.
بيد أن تعرية “شعب اليسار” من مضمونه الطبقي ودفعه إلى منظومة المصطلحات ذات البعد الهوياتي خصوصا أن “المقاومة” في لبنان لم تعد موضع إجماع عام أو “شعبي” منذ تحرير الجنوب والانسحاب الاسرائيلي سنة 2000 على الأقل، (بل إن مؤيدي الحزب يجادلون في أنها لم تكن يوماً موضع إجماع وأن هذا الإجماع غير لازم لها)، يحمل “الشعب” إلى محمل الطائفة ورؤيتها لنفسها وتفسيرها الخاص للأحداث الجارية حولها، مع إضافة هوامش من الطوائف الأخرى التي ترى رأي الطائفة المقاوِمة.
في سبعينات القرن الماضي ظهر في أدبيات اليسار اللبناني مصطلح “الطائفة – الطبقة” الذي يُعين طائفة محددة كحامل لتوجه طبقي عام. واقتُرح يومها أن الطائفة الشيعية هي الأكثر قرباً من تمثيل مصالح الطبقة العاملة مقابل تمثيل الموارنة المسيحيين للبرجوازية. أنكر جميع كتاب اليسار أبوة “الطائفة – الطبقة” بعدما تبينت فداحة الخطأ النظري والعملي الذي صاغه. “شعب المقاومة” يتضمن خطأً مشابها بعزله أنصار المقاومة وأكثريتهم الساحقة من طائفة واحدة عن باقي اللبنانيين، على العكس تماما من “شعب اليسار” الذي يحدد فئة طبقية واضحة من فئات الشعب بكافة طبقاته ومكوناته.
“شعب المقاومة” مدعو إلى المضي في مسيرته “نحو الانتصارات التاريخية”. يجدر النظر هنا في معنى التاريخ عندما يتناوله رجل دين معمم. ثمة مشكلة كبيرة في السرد الإسلامي للتاريخ الذي تتداخل فيه الوقائع الموضوعية مع الحدث الديني. لا يخلو حادث تاريخي منذ ظهور الدعوة المحمدية من أبعادٍ دينية خصوصاً في القرنين الأولين للهجرة النبوية. من هنا يحق للمستمع المسلم، قبل غيره، التساؤل عما إذا كانت الدعوة إلى الانتصارات التاريخية تشمل بعداً دينياً ما، وماهية البعد هذا. هل يؤخذ التاريخ هنا بصفته استمرار للصراع السني –الشيعي، على ما أشار مسؤولون عراقيون قبل أشهر على سبيل المثال؟ أي هل هي حرب توابين (تلك التي شنت في العراق بعد واقعة كربلاء للتكفير عن عدم نصرة الحسين في يومه) جديدة؟ ومن هو العدو الذي ينبغي الانتصار عليه؟
إذا كان “شعب المقاومة” هو فئة من اللبنانيين ستكون انتصاراتهم التاريخية على فئة مقابلة لهم إذا اكتفى المعنى بالساحة المحلية، وستكون على العالم أجمع اذا شمل الساحات التي يقاتل الحزب عليها حيث تتشابك القوى الإقليمية والدولية في صراعات شديدة التعقيد لا بد من التفوق عليها جميعها لوصف النصر بالتاريخي. قد لا يصح ما تقدم من رأي، لكن عدم صحته تعود إلى الطبيعة المرسلة للكلام، ككل كلام سياسي لبناني، لا تشكل الدقة هاجسا فيه.
[video_player link=””][/video_player]