fbpx

“شقراء”… وجه مارلين مونرو الآخر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في “شقراء”، استطاعت مارلين أن تدفن “نورما جين” (اسمها الحقيقي) الطفلة المنبوذة، والمراهقة الخجولة، والصبية القلقة، والمرأة التي حلمت بالأمومة ولم تنَلها، ولكنها أخفقت أحياناً فعرّت ما وراء نجاح النجمة الهوليوودية. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أنهيت مشاهدة فيلم “شقراء” والأمر أشبه بإتمام “ماراتون” طويل وشاق. 

منذ الموت الغامض للنجمة الأشهر في العالم في نهاية الستينيات، لم يتوقف سيل الأفلام والكتب والشهادات التي حاولت سبر أغوار الحياة القصيرة والمثيرة والنهاية الحزينة لمارلين مونرو.

كنت أعرف ابتسامة مارلين مونرو الهوليوودية، وقوامها الفائض أنوثة، وضحكتها الممهورة بالدلع، لكنني لم أُدرك ما خبّأته تلك الابتسامة من انهيارات وهزائم إلا بعد مشاهدة هذا الفيلم. 

في “شقراء”، استطاعت مارلين أن تدفن “نورما جين” (اسمها الحقيقي) الطفلة المنبوذة، والمراهقة الخجولة، والصبية القلقة، والمرأة التي حلمت بالأمومة ولم تنَلها، ولكنها أخفقت أحياناً فعرّت ما وراء نجاح النجمة الهوليوودية. 

“شقراء” أو “Blonde”، عرضته “نتفلكس” في أواخر أيلول/ سبتمبر الفائت، وهو مقتبس من رواية تحمل العنوان نفسه للكاتبة جويس كارول أوتس الصادرة عام 2000، وأخرجه الأسترالي أندرو دومينيك، الذي قال في أحد تصريحاته، “أردت أن أروي حكاية نورما جين، الطفلة اليتيمة التائهة في غابات هوليوود والتي استنزفتها أيقونة مارلين مونرو”. 

منذ الموت الغامض للنجمة الأشهر في العالم في نهاية الستينيات، لم يتوقف سيل الأفلام والكتب والشهادات التي حاولت سبر أغوار الحياة القصيرة والمثيرة والنهاية الحزينة لمارلين مونرو.

مارلين في الفيلم، وهي الممثلة الكوبية آنا دي آرماس، لم تكن تلك التي نعرفها إلا في دقائق قليلة من أصل ساعتين و46 دقيقة متواصلة من مُحاولة سرد حياتها. وعلى رغم أن “شقراء”، الفيلم كما الرواية، ليس سيرةً ذاتية واقعية بالكامل، وإنما أحداث استندت إلى بعض الوقائع ثم طورتها ورسمتها الكاتبة في مخيلتها، وهي وإن لم تتطابق مع الواقع إلا أن المؤكد أن حياة مارلين، التي لم تُر إلا كأيقونة جنسية وشقراء ساذجة، لم تختلف كثيراً عما شاهدناه في الفيلم.

يبدأ الفيلم بعرض العلاقة المضطربة بين نورما جين الطفلة ووالدتها غير السوية نفسياً. عانت نورما من طفولة صعبة، بين والدٍ لا تعرفه هجر والدتها عندما علم بحملها، وأم مضطربة حاولت قتل طفلتها أكثر من مرة “لأنها سبب هجر حبيبها لها”. 

عقب مُحاولة خنق الوالدة لنورما، تهرب الطفلة من المنزل مستنجدةً بجيرانها، وحينها تُنقل إلى دار أيتام فتعيش طفولة غير مستقرة، تليها مراهقة مُتعبة تتعرّض فيها لاعتداءات جنسية عدة. تقرّر نورما جين دخول عالم السينما بأي ثمن، وهناك تبدأ الرحلة الشاقة لتعمّق مأساتها. إذ ليس من السهل الشفاء من طفولة مبتورة السعادة، بانتظارُ والدٍ لا يعود. لقد حقّقت مارلين نجاحاً باهراً وأصبحت أيقونة جيلها وصفّق لها الجميع، لكن الوالد المجهول والأم المصابة بأمراضٍ نفسية وعصبية، لم يكونا من بين المصفقين لها. 

مذ كانت طفلة مشردة بين دور الأيتام والعائلات الحاضنة، ملأت نورما جين الفراغ بالسينما وعرفت باكراً أنها ستصبح ممثلة. لطالما كرّرت أن بعض العائلات التي احتضنتها كانت ترسلها إلى دور السينما لتتخلص منها، فتجلس نورما الصغيرة أمام الشاشة من الصباح حتى المساء، متخيّلة مستقبلها، لكنها لم تكن تتخيّل أن تصبح لعبةً جميلة بأيدي المنتجين والمخرجين، الذين لم يروا فيها إلا “الشقراء المثيرة” على رغم محاولتها إظهار قدراتها التمثيلية، طامحةً إلى أن يرى المنتجون أبعد من شعرها الأشقر وشامة خدها ومؤخرتها الممتلئة، في أحد المشاهد تخرج مارلين من تجربة أداء، فيقف أحد المخرجين بجانب باب الاستديو مُراقباً مارلين أثناء عبورها بسروالها القماشي المحبوك، فتخرج من فمه كلمات الإعجاب الفاحش: “يا يسوع الحلو، انظر إلى مؤخرة هذه الفتاة الصغيرة”. 

كان الفيلم رحلةً شاقة حقاً. هناك تُجهض مارلين مرّتين. الأولى عمداً، في مشهدٍ يعمد فيه المخرج إلى الولوج بالكاميرا داخل فرجها في مشهد فيه الكثير من انتهاك خصوصية جسدها. نذهب مع مارلين إلى طاولة العمليات، حيث يقوم الأطباء بإجراء عملية إجهاض لم توافق عليها. تتوسل مارلين: “أرجوك، هل يمكن أن تصغي إلي؟ لقد غيرت رأيي”، بينما يقوم الطبيب بإدخال منظار في أحشائها، حيث يتم تصوير هذه الخطوة عن قرب بشكل مثير للرعب. وفي مرة أخرى، تقع “الشقراء” أرضاً وتنزف، بعدما ناجت جنينها في مشهدٍ ووعدته بألا تجهضه هذه المرة، وهو ما اعتبره نشطاء انتهاكاً لحق المرأة باختيار ما يتعلّق بجسدها، لا سيما بعد إلغاء الحق الدستوري للنساء بالإجهاض في أميركا. 

في الفيلم أيضاً، تتعرّض مارلين للاعتداء الجنسي وتُجبر على ممارسة الجنس أكثر من مرّة. في إحدى هذه المرات، تُستدعى مارلين إلى غرفة الرئيس الأميركي جون كينيدي (كاسبار فيليبسون) لتستمنيه وهو مستلقٍ ويُجري مكالمة هاتفية على سريره. يُفكّك ذلك المشهد القدسية التي تقيمها أميركا لرئيسها، كما يُعرّض مونرو، أكثر النساء المرغوبات، للذلّ مجدّداً. لا يغوص الفيلم في العلاقة بين مونرو وكينيدي، علماً أن الأخير حاوطته شُبهات بالتورّط بمقتل مارلين.  

ليس مستغرباً إذاً، أن يوضع الفيلم في خانة الـNC – 17 ، أي أنه ممنوع لمَن هم دون الـ18 عاماً، في سابقة هي الأولى في تاريخ أفلام “نتفليكس” الأصلية. وقد اتُخذ القرار ليس بسبب المحتوى الجنسي فحسب، بل نظراً للمادة المثيرة للجدل والغامضة التي أحاطت بحياة مارلين. مارلين مونرو في فيلم “شقراء”، لم تكن سوى فتاة مُغرية تائهة تُحاول إمساك طرف خيطٍ يفضي إلى هويتها وذاتها. في أحد المشاهد تنظر مارلين إلى صورتها المبتسمة المغرية على غلاف مجلةٍ، فتقول، “هذه ليست أنا”… في آخرٍ، تصمت وسط هول التصفيق وتُناجي نفسها، “أمن أجل هذا أجهضت طفلي؟”.  

“شقراء” إذاً، هو رحلة معقّدة وصادمة تسبر أغوار حياة مونرو. فيه نرى كيف يتهاوى النجاح ويتلاشى صوت التصفيق عندما يسكن الفراغ القلب، وكيف عامل منتجون نجمات هوليوود في زمنٍ لم تجرؤ فيه النساء على فضح التحرش والابتزازات الجنسية. في الفيلم حاولت مارلين أن تُرمّم تصدعاتها الداخلية بزيجاتٍ لم تعمر، وبعقاقير مهدئة كانت السبب المباشر في إنهاء حياتها بعمر الـ36. مارلين لم تكن سوى امرأة جميلة بندوب كثيرة، في هالةٍ ذكورية نهشتها ولم ترَ فيها سوى جسد فاتن. 

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
13.10.2022
زمن القراءة: 4 minutes

في “شقراء”، استطاعت مارلين أن تدفن “نورما جين” (اسمها الحقيقي) الطفلة المنبوذة، والمراهقة الخجولة، والصبية القلقة، والمرأة التي حلمت بالأمومة ولم تنَلها، ولكنها أخفقت أحياناً فعرّت ما وراء نجاح النجمة الهوليوودية. 

أنهيت مشاهدة فيلم “شقراء” والأمر أشبه بإتمام “ماراتون” طويل وشاق. 

منذ الموت الغامض للنجمة الأشهر في العالم في نهاية الستينيات، لم يتوقف سيل الأفلام والكتب والشهادات التي حاولت سبر أغوار الحياة القصيرة والمثيرة والنهاية الحزينة لمارلين مونرو.

كنت أعرف ابتسامة مارلين مونرو الهوليوودية، وقوامها الفائض أنوثة، وضحكتها الممهورة بالدلع، لكنني لم أُدرك ما خبّأته تلك الابتسامة من انهيارات وهزائم إلا بعد مشاهدة هذا الفيلم. 

في “شقراء”، استطاعت مارلين أن تدفن “نورما جين” (اسمها الحقيقي) الطفلة المنبوذة، والمراهقة الخجولة، والصبية القلقة، والمرأة التي حلمت بالأمومة ولم تنَلها، ولكنها أخفقت أحياناً فعرّت ما وراء نجاح النجمة الهوليوودية. 

“شقراء” أو “Blonde”، عرضته “نتفلكس” في أواخر أيلول/ سبتمبر الفائت، وهو مقتبس من رواية تحمل العنوان نفسه للكاتبة جويس كارول أوتس الصادرة عام 2000، وأخرجه الأسترالي أندرو دومينيك، الذي قال في أحد تصريحاته، “أردت أن أروي حكاية نورما جين، الطفلة اليتيمة التائهة في غابات هوليوود والتي استنزفتها أيقونة مارلين مونرو”. 

منذ الموت الغامض للنجمة الأشهر في العالم في نهاية الستينيات، لم يتوقف سيل الأفلام والكتب والشهادات التي حاولت سبر أغوار الحياة القصيرة والمثيرة والنهاية الحزينة لمارلين مونرو.

مارلين في الفيلم، وهي الممثلة الكوبية آنا دي آرماس، لم تكن تلك التي نعرفها إلا في دقائق قليلة من أصل ساعتين و46 دقيقة متواصلة من مُحاولة سرد حياتها. وعلى رغم أن “شقراء”، الفيلم كما الرواية، ليس سيرةً ذاتية واقعية بالكامل، وإنما أحداث استندت إلى بعض الوقائع ثم طورتها ورسمتها الكاتبة في مخيلتها، وهي وإن لم تتطابق مع الواقع إلا أن المؤكد أن حياة مارلين، التي لم تُر إلا كأيقونة جنسية وشقراء ساذجة، لم تختلف كثيراً عما شاهدناه في الفيلم.

يبدأ الفيلم بعرض العلاقة المضطربة بين نورما جين الطفلة ووالدتها غير السوية نفسياً. عانت نورما من طفولة صعبة، بين والدٍ لا تعرفه هجر والدتها عندما علم بحملها، وأم مضطربة حاولت قتل طفلتها أكثر من مرة “لأنها سبب هجر حبيبها لها”. 

عقب مُحاولة خنق الوالدة لنورما، تهرب الطفلة من المنزل مستنجدةً بجيرانها، وحينها تُنقل إلى دار أيتام فتعيش طفولة غير مستقرة، تليها مراهقة مُتعبة تتعرّض فيها لاعتداءات جنسية عدة. تقرّر نورما جين دخول عالم السينما بأي ثمن، وهناك تبدأ الرحلة الشاقة لتعمّق مأساتها. إذ ليس من السهل الشفاء من طفولة مبتورة السعادة، بانتظارُ والدٍ لا يعود. لقد حقّقت مارلين نجاحاً باهراً وأصبحت أيقونة جيلها وصفّق لها الجميع، لكن الوالد المجهول والأم المصابة بأمراضٍ نفسية وعصبية، لم يكونا من بين المصفقين لها. 

مذ كانت طفلة مشردة بين دور الأيتام والعائلات الحاضنة، ملأت نورما جين الفراغ بالسينما وعرفت باكراً أنها ستصبح ممثلة. لطالما كرّرت أن بعض العائلات التي احتضنتها كانت ترسلها إلى دور السينما لتتخلص منها، فتجلس نورما الصغيرة أمام الشاشة من الصباح حتى المساء، متخيّلة مستقبلها، لكنها لم تكن تتخيّل أن تصبح لعبةً جميلة بأيدي المنتجين والمخرجين، الذين لم يروا فيها إلا “الشقراء المثيرة” على رغم محاولتها إظهار قدراتها التمثيلية، طامحةً إلى أن يرى المنتجون أبعد من شعرها الأشقر وشامة خدها ومؤخرتها الممتلئة، في أحد المشاهد تخرج مارلين من تجربة أداء، فيقف أحد المخرجين بجانب باب الاستديو مُراقباً مارلين أثناء عبورها بسروالها القماشي المحبوك، فتخرج من فمه كلمات الإعجاب الفاحش: “يا يسوع الحلو، انظر إلى مؤخرة هذه الفتاة الصغيرة”. 

كان الفيلم رحلةً شاقة حقاً. هناك تُجهض مارلين مرّتين. الأولى عمداً، في مشهدٍ يعمد فيه المخرج إلى الولوج بالكاميرا داخل فرجها في مشهد فيه الكثير من انتهاك خصوصية جسدها. نذهب مع مارلين إلى طاولة العمليات، حيث يقوم الأطباء بإجراء عملية إجهاض لم توافق عليها. تتوسل مارلين: “أرجوك، هل يمكن أن تصغي إلي؟ لقد غيرت رأيي”، بينما يقوم الطبيب بإدخال منظار في أحشائها، حيث يتم تصوير هذه الخطوة عن قرب بشكل مثير للرعب. وفي مرة أخرى، تقع “الشقراء” أرضاً وتنزف، بعدما ناجت جنينها في مشهدٍ ووعدته بألا تجهضه هذه المرة، وهو ما اعتبره نشطاء انتهاكاً لحق المرأة باختيار ما يتعلّق بجسدها، لا سيما بعد إلغاء الحق الدستوري للنساء بالإجهاض في أميركا. 

في الفيلم أيضاً، تتعرّض مارلين للاعتداء الجنسي وتُجبر على ممارسة الجنس أكثر من مرّة. في إحدى هذه المرات، تُستدعى مارلين إلى غرفة الرئيس الأميركي جون كينيدي (كاسبار فيليبسون) لتستمنيه وهو مستلقٍ ويُجري مكالمة هاتفية على سريره. يُفكّك ذلك المشهد القدسية التي تقيمها أميركا لرئيسها، كما يُعرّض مونرو، أكثر النساء المرغوبات، للذلّ مجدّداً. لا يغوص الفيلم في العلاقة بين مونرو وكينيدي، علماً أن الأخير حاوطته شُبهات بالتورّط بمقتل مارلين.  

ليس مستغرباً إذاً، أن يوضع الفيلم في خانة الـNC – 17 ، أي أنه ممنوع لمَن هم دون الـ18 عاماً، في سابقة هي الأولى في تاريخ أفلام “نتفليكس” الأصلية. وقد اتُخذ القرار ليس بسبب المحتوى الجنسي فحسب، بل نظراً للمادة المثيرة للجدل والغامضة التي أحاطت بحياة مارلين. مارلين مونرو في فيلم “شقراء”، لم تكن سوى فتاة مُغرية تائهة تُحاول إمساك طرف خيطٍ يفضي إلى هويتها وذاتها. في أحد المشاهد تنظر مارلين إلى صورتها المبتسمة المغرية على غلاف مجلةٍ، فتقول، “هذه ليست أنا”… في آخرٍ، تصمت وسط هول التصفيق وتُناجي نفسها، “أمن أجل هذا أجهضت طفلي؟”.  

“شقراء” إذاً، هو رحلة معقّدة وصادمة تسبر أغوار حياة مونرو. فيه نرى كيف يتهاوى النجاح ويتلاشى صوت التصفيق عندما يسكن الفراغ القلب، وكيف عامل منتجون نجمات هوليوود في زمنٍ لم تجرؤ فيه النساء على فضح التحرش والابتزازات الجنسية. في الفيلم حاولت مارلين أن تُرمّم تصدعاتها الداخلية بزيجاتٍ لم تعمر، وبعقاقير مهدئة كانت السبب المباشر في إنهاء حياتها بعمر الـ36. مارلين لم تكن سوى امرأة جميلة بندوب كثيرة، في هالةٍ ذكورية نهشتها ولم ترَ فيها سوى جسد فاتن.