fbpx

شكراً بيلا حديد… لكن هؤلاء هم الذين جعلوا النضال الفلسطيني رائجاً!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل حديد هي التي جعلت النضال الفلسطيني مُثيراً ويُمثل أيضاً التيار السائد؟ هل فيولا ديفيس وسوزان ساراندون ومارك رافالو وزين مالك، هم الذين ألقوا أيضاً بثقلهم واستخدموا صيتهم لدعم النضال الفلسطيني؟ الإجابة “نعم” و”لا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أنتم أيها الإسرائيليون تُحبون الصمت، أليس كذلك؟ وتُحبون عالماً يبقى فيه الفلسطينيون صامتين تماماً. أنتم أفضل مَن يُخرس أصوات الأطفال، خصوصاً الأطفال الفلسطينيين. فقد تم إخماد أصوات الـ67 طفلاً الذين لقوا حتفهم جراء المجزرة التي نفذتها نخبة القوات الجوية الإسرائيلية، والذين دُفنَت جثثهم تحت الثرى في غزة، بضغطة زر واحدة من بعيد، وأصبحوا مجرد أضرار جانبية.

غير أن المقابر الـ67 الجديدة لم تُفضِ إلى الإقرار بحدوث مذبحة مُروّعة. على العكس، فجميع المُحتلين الذين يُسيطرون على الرأي العام الإسرائيلي قد تخلوا عن خطاب التوافق بين القوى اليهودية والفلسطينية، ومن ثمّ أصبحت المذبحة شرعية. وبدلاً من وجود صرخات سود وعويل بكل اللغات يخترق سماء تل أبيب حتى يُستدعى قتلة الأطفال ويَمثلوا أمام العدالة، سمعنا في الأساس أسئلة من قبيل، “كيف تجرّأ محرر الأخبار في صحيفة (هآرتس) على نشر صور الأطفال الفلسطينيين المذبوحين في الصفحة الأولى؟ أين هم الضحايا اليهود؟”.

لكنكم لا تحبون الصمت فحسب، بل أنتم بارعون أيضاً في استحداث وسائل وحشية مؤثرة لتوليد الصمت وممارسة الاضطهاد. وهذه المرة، عملت آلة الإسكات العاملة تحت رعاية الديبلوماسية العامة الإسرائيلية بلا توقف، لأنه لا يزال من الصعب إسكات قبور الأطفال الفلسطينيين الـ67. ووفقاً لعقيدة آلة الاستخبارات الإسرائيلية العنيفة، يفترض أن يموت الفلسطينيون بهدوء، تماماً مثلما يُفترض أن تختفي الأضرار الجانبية سريعاً، من دون أي أثر أو ذكريات وحزن.

علاوة على ذلك، لم تنخرط آلة الإسكات التابعة للديبلوماسية الإسرائيلية في أي خطاب مُعقد. وبدلاً من ذلك، تراجعت مجدداً عن الادعاءات القديمة المتوقعة حول معاداة السّاميّة. بيد أنها كانت متسقة ومباشرة ودقيقة حقاً. لقد أحرزت ضربة مباشرة، ولكن هذه المرة فقط، على عكس ما كان يحدث سابقاً، ولكن لم يتراجع “الهدف” لمواقعه كما كان متوقعاً. فاتجهت الآلة لتتبع شخصيات سياسية وثقافية، ومشاهير كُثُر، في محاولة لإخماد أصواتهم بالقوة.

عارضة الأزياء بيلا حديد في تظاهرة داعمة لفلسطين

ومن بين هؤلاء عارضة الأزياء الأميركية ذات الأصول الفلسطينية-الهولندية بيلا حديد، التي اضطهدتها الدبلوماسية الإسرائيلية العامة عقب حضورها مظاهرة تضامن مع الفلسطينيين في نيويورك. اتُّهِمَت حديد -التي تبلغ من العمر 24 سنة، وهي من مواليد لوس أنجلوس، ومنحدرة من عائلة فلسطينية لاجئة تم ترحيلها عام 1948- بالدعوة إلى القضاء على دولة إسرائيل لأنها صاحت “فلسطين ستكون حرة من النهر إلى البحر!”.

غردت إسرائيل على حساب الدولة الرسمي على “تويتر” رداً على ذلك: “عندما يدعو مشاهير مثل بيلا حديد @BellaHadid إلى إلقاء اليهود في البحر، فإنهم يدعون إلى القضاء على الدولة اليهودية. لا ينبغي أن تكون هذه قضية إسرائيلية فلسطينية. يجب أن تكون قضية إنسانية. عارٌ عليكم”.

عليّ الإقرار بأنني لم أستوعب الخطأ الذي جاء في عبارة حديد. إذا كان تحرير فلسطين يعني تفكيك نظام الحكم القائم على التمييز العنصري، فهذا أمر عظيم.

بيد أن محاولات الانقسام والمضايقات والإسكات لم تتوقف عند هذا الحد. فقد تم نشر إعلان ضخم في صحيفة “نيويورك تايمز” في 22 أيار/ مايو، بتمويل من منظمة “شبكة القيم العالمية”، بقيادة الحاخام شمولى بوتيش، مع نشر صور للأختين حديد مع المطربة دوا ليبا فوق عبارة: “حماس تدعو إلى هولوكوست ثانية، على الجميع إدانتهم الآن“.

طاولت هذه المضايقات أيضاً بيت الأزياء “ديور”، الذي ألغى عقداً ضخماً مع بيلا حديد وفقاً للكثير من المصادر. أثارت هذه الشائعات غضب عشرات الآلاف من متابعي حديد، الذين دعوا إلى مقاطعة منتجات “ديور”، لأن بيت الأزياء يحاول انتهاك حق حديد في حرية التعبير. من ناحيته، لم يعلق “ديور” على هذا الأمر، وأصر بيت الأزياء العالمي على أن هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة. لم تتراجع حديد، التي اتهمت بمعاداة السامية، وكتبت على حسابها على موقع “إنستغرام”: “هذا [حديثي] عن الاستعمار الإسرائيلي والتطهير العرقي والاحتلال العسكري والتمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني المستمر لسنوات!”

هل حديد هي التي جعلت النضال الفلسطيني مُثيراً ويُمثل أيضاً التيار السائد؟ هل فيولا ديفيس وسوزان ساراندون ومارك رافالو وزين مالك، هم الذين ألقوا أيضاً بثقلهم واستخدموا صيتهم لدعم النضال الفلسطيني؟ الإجابة “نعم” و”لا”. فمن ناحية، من الواضح أنه بمجرد أن يُعبر أحد المشاهير مثل حديد أو رافالو عن دعم النضال الفلسطيني ضد نظام الحكم القائم على الفصل العنصري وضد التطهير العرقي، فالرسالة التي تصل هي أن الأمر المحرَّم ذِكره في الخطاب السياسي الاجتماعي الغربي لم يعد له وجود. ويتضح أيضاً للعالم أجمع أن المرء يمكن أن يعارض الاضطهاد الإسرائيلي وسياسة الإسكات، بل ينجح في ذلك.

أنتم أيها الإسرائيليون تُحبون الصمت، أليس كذلك؟

ومن ناحية أخرى، لم يكن ليجرؤ أيٌّ من حديد أو رافالو على خرق هذا الأمر المحظور من دون العمل الميداني الجاد للحركات المدنية مثل حركة “صن رايز” (الشروق) وحركة “سُود من أجل فلسطين” وحركة “التضامن الأسود- الفلسطيني” وحركة “حياة السود مهمة”.

لم يقتصر أثر هذه الحركات على اختراق الوعي الأميركي، الذي ظل لسنوات قريبة منيعاً على الفلسطينيين، ولكنها نجحت أيضاً نجاحاً باهراً في ربط النضال الفلسطيني بنضالات السود، الجماعة العرقية التي تُستبعَد ويتم إسكاتها في الولايات المتحدة؛ فقدمت تلك الحركات مصطلحات أشمل من دون التضحية بالخطاب الفلسطيني والظروف الفلسطينية. نشأت حديد ونظيراتها في ظل خطاب يرى المساواة والعدالة لجميع البشر، لا السادة فقط، وحيث لا مبرِّر للقوميات القمعية التي تمحو الآخر. بهذا المعنى جرى تمهيد المسرح؛ ودخلت السردية الفلسطينية بجميع وجوهها وجوانبها في الخطاب والوعي الأميركي في اللحظة المناسبة تماماً.

بيلا حديد ترتدي الكوفية الفلسطينية

وقد فشلت آلة التعمية بشكلٍ مزرٍ، لا في الخارج فحسب بل في الداخل أيضاً. فالجيل الفلسطيني الجديد -الذي وُلِد للمفارقة في العام 2000 وهو العام الذي احترق فيه الوعي الفلسطيني دماً وناراً- لم يضطر إلى هدم أية حدود -سواء حدود في الوعي أو حدود مادية- من أجل الوصول إلى حي الشيخ جراح.

فقد تجاوزَ هذا الجيل، على عكس جميع التحليلات المعقدة، مسألة الهوية الإسرائيلية [التي يحملها] كما لو كانت لا شيء. ولم يعترف وعيه بالحدود والانقسامات الفلسطينية الداخلية الفارغة والهرمية المسببة للشقاق، ولذا توافدوا بالآلاف إلى القدس الشرقية للاحتجاج على محاولات التطهير العرقي في حي الشيخ جراح؛ لأنهم يعرفون جيداً مذاق القمع والاضطهاد وتأكيد القتل. وقد حول الجيل الفلسطيني الهوية الفلسطينية المهزومة والمضطهدة والخاضعة إلى هوية نضالية. وكان الذهاب إلى حي الشيخ جراح بالنسبة إليهم إعلاناً أنهم يختارون النضال لا الهزيمة.

استطاع هذا الجيل الفلسطيني الجديد، على رغم نشأته في ظل خطاب الهزيمة والتضحية والخسارة، التأثير في هوية ترسيخ التضحيات وتغييرها، ويرجع هذا أساساً إلى أنه لم يتعرض بشكل مباشر وممنهَج للعنصرية والعنف المؤسسي الإسرائيلي. من ثَمّ، لم يتلف وعيه الوطني والسياسي نتيجة القمع السياسي والمؤسسي الذي يشمل الاعتقالات والتعذيب وتحقيقات جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شين بيت).

بالكاد أنهى هؤلاء الشباب المرحلة الثانوية، ولم يدخلوا بعد إلى سوق العمل أو الدراسة الأكاديمية. وعلى عكس آبائهم وأجدادهم، فهم يطالبون بتصحيح الظلم التاريخي انطلاقاً من حِسٍّ وطني فلسطيني جديد يقوم على الفخر، لا من هوية إسرائيلية زائفة. يتشبّث هذا الجيل بفلسطينيته لا كهوية ماضوية بالية، بل كوعي متجذّر في النضال. لكن هذا الوعي يتعرض اليوم لهجوم عنيف من إسرائيل ووكلائها، يشمل الاعتقالات والتحقيقات والعنف الجسدي والنفسي، بشكل صُمّم لخلق وعي مصاب بالصدمة من شأنه تشويه الوعي المتنامي بالنضال والثورة. وبالتالي فإن هذا العقاب الوحشي والغضب الإسرائيلي الواسع تجاه انتفاضة الجيل الفلسطيني الجديد يظهران لا وسط تقويض للحكم الإسرائيلي وحسب، بل أساساً نتيجة رفض الفلسطينيين قبولَ الوعي الوطني الانهزامي واستيعابه.

كان هذا الجيل الجديد من الفلسطينيين، الذي بدا رقيقاً وجذّاباً في وسائل الإعلام، يرتدي الملابس الغربية من شركات “نايكي” و”أديداس” و”برادا”، بل يشبهون نظراءهم الغربيين. وهذا هو ما جعل الهوية الفلسطينية والنضال الفلسطيني ومطالب الشعب الفلسطيني، شيئاً جذاباً بل بدا توجهاً سائداً، لا عند شباب العالم العربي فقط، بل أيضاً لدى نظرائهم في الغرب بشكل أساسي.

بالطبع لست هنا أقول إن “الموضة الفلسطينية” هي التي أنجزت هذا الفعل السياسي، وإنما أقول إنها دعمت وعززت الصورة الإنسانية للفلسطينيين، وأعادت لهم طبيعتهم وأسمعَت صوتهم، خصوصاً للشباب الغربي. ففي ذروة فخره وبهائه، التقى هذا الجيل الفلسطيني الجديد بالجيل الغربي الشاب، الذي رأى فيه جيلاً فتيّاً بطلاً يقاوم من أجل حياته وأرضه ووطنه، ويواجه منفرداً قوى الشر المتمثلة في الدولة الإسرائيلية؛ ولذا كان الاتصال بين الجيلين فورياً.

وبفضل هذه الهالة البطولية، استطاع هذا الجيل الفلسطيني الجديد لا مجرد إقناع الشباب الغربي وحثهم على مشاركة مقاطع فيديو داعمة للقضية الفلسطينية، بل أيضاً دفعهم أخيراً لاتخاذ موقف والانحياز إلى أحد الجانبين والتعبير عن موقف حازم تجاه نظام الفصل العنصري والتطهير العرقي، ومعارضة السياسات الخارجية لبلادهم نفسها، بل وتحمل المسؤولية عنها.

ولكن قبل أي شيء، قام الجيل الفلسطيني الشاب، الذي نزل إلى الشوارع من دون خوف، بتحرير شباب الغرب من مخاوفهم الخاصة، وخصوصاً الخوف من الاتهامات بمعاداة السامية، ودفعهم إلى رفع أصواتهم ضد إسرائيل بحدة وقسوة وبشكل نقدي. حرّر هذا الجيلُ الجديد القويّ من الفلسطينيين شباب الغرب من قيود الابتزاز العاطفي ومن الشعور التاريخي بالذنب النابع من أحداث الهولوكوست؛ الأمر الذي أدى إلى انطلاق حوار سياسي جذري.

لن يحدث تراجع، ولن يكون هناك رضوخ لمحاولات الإسكات. فبإمكان إسرائيل أن تواصل الدفاع عن نفسها وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين من دون تمييز، ولكنها لن تهزم الجيل الفلسطيني الجديد ولن تُخرِس صوت شباب الغرب الذين كسروا حواجز الخوف.

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا  الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

10.06.2021
زمن القراءة: 7 minutes

هل حديد هي التي جعلت النضال الفلسطيني مُثيراً ويُمثل أيضاً التيار السائد؟ هل فيولا ديفيس وسوزان ساراندون ومارك رافالو وزين مالك، هم الذين ألقوا أيضاً بثقلهم واستخدموا صيتهم لدعم النضال الفلسطيني؟ الإجابة “نعم” و”لا”.

أنتم أيها الإسرائيليون تُحبون الصمت، أليس كذلك؟ وتُحبون عالماً يبقى فيه الفلسطينيون صامتين تماماً. أنتم أفضل مَن يُخرس أصوات الأطفال، خصوصاً الأطفال الفلسطينيين. فقد تم إخماد أصوات الـ67 طفلاً الذين لقوا حتفهم جراء المجزرة التي نفذتها نخبة القوات الجوية الإسرائيلية، والذين دُفنَت جثثهم تحت الثرى في غزة، بضغطة زر واحدة من بعيد، وأصبحوا مجرد أضرار جانبية.

غير أن المقابر الـ67 الجديدة لم تُفضِ إلى الإقرار بحدوث مذبحة مُروّعة. على العكس، فجميع المُحتلين الذين يُسيطرون على الرأي العام الإسرائيلي قد تخلوا عن خطاب التوافق بين القوى اليهودية والفلسطينية، ومن ثمّ أصبحت المذبحة شرعية. وبدلاً من وجود صرخات سود وعويل بكل اللغات يخترق سماء تل أبيب حتى يُستدعى قتلة الأطفال ويَمثلوا أمام العدالة، سمعنا في الأساس أسئلة من قبيل، “كيف تجرّأ محرر الأخبار في صحيفة (هآرتس) على نشر صور الأطفال الفلسطينيين المذبوحين في الصفحة الأولى؟ أين هم الضحايا اليهود؟”.

لكنكم لا تحبون الصمت فحسب، بل أنتم بارعون أيضاً في استحداث وسائل وحشية مؤثرة لتوليد الصمت وممارسة الاضطهاد. وهذه المرة، عملت آلة الإسكات العاملة تحت رعاية الديبلوماسية العامة الإسرائيلية بلا توقف، لأنه لا يزال من الصعب إسكات قبور الأطفال الفلسطينيين الـ67. ووفقاً لعقيدة آلة الاستخبارات الإسرائيلية العنيفة، يفترض أن يموت الفلسطينيون بهدوء، تماماً مثلما يُفترض أن تختفي الأضرار الجانبية سريعاً، من دون أي أثر أو ذكريات وحزن.

علاوة على ذلك، لم تنخرط آلة الإسكات التابعة للديبلوماسية الإسرائيلية في أي خطاب مُعقد. وبدلاً من ذلك، تراجعت مجدداً عن الادعاءات القديمة المتوقعة حول معاداة السّاميّة. بيد أنها كانت متسقة ومباشرة ودقيقة حقاً. لقد أحرزت ضربة مباشرة، ولكن هذه المرة فقط، على عكس ما كان يحدث سابقاً، ولكن لم يتراجع “الهدف” لمواقعه كما كان متوقعاً. فاتجهت الآلة لتتبع شخصيات سياسية وثقافية، ومشاهير كُثُر، في محاولة لإخماد أصواتهم بالقوة.

عارضة الأزياء بيلا حديد في تظاهرة داعمة لفلسطين

ومن بين هؤلاء عارضة الأزياء الأميركية ذات الأصول الفلسطينية-الهولندية بيلا حديد، التي اضطهدتها الدبلوماسية الإسرائيلية العامة عقب حضورها مظاهرة تضامن مع الفلسطينيين في نيويورك. اتُّهِمَت حديد -التي تبلغ من العمر 24 سنة، وهي من مواليد لوس أنجلوس، ومنحدرة من عائلة فلسطينية لاجئة تم ترحيلها عام 1948- بالدعوة إلى القضاء على دولة إسرائيل لأنها صاحت “فلسطين ستكون حرة من النهر إلى البحر!”.

غردت إسرائيل على حساب الدولة الرسمي على “تويتر” رداً على ذلك: “عندما يدعو مشاهير مثل بيلا حديد @BellaHadid إلى إلقاء اليهود في البحر، فإنهم يدعون إلى القضاء على الدولة اليهودية. لا ينبغي أن تكون هذه قضية إسرائيلية فلسطينية. يجب أن تكون قضية إنسانية. عارٌ عليكم”.

عليّ الإقرار بأنني لم أستوعب الخطأ الذي جاء في عبارة حديد. إذا كان تحرير فلسطين يعني تفكيك نظام الحكم القائم على التمييز العنصري، فهذا أمر عظيم.

بيد أن محاولات الانقسام والمضايقات والإسكات لم تتوقف عند هذا الحد. فقد تم نشر إعلان ضخم في صحيفة “نيويورك تايمز” في 22 أيار/ مايو، بتمويل من منظمة “شبكة القيم العالمية”، بقيادة الحاخام شمولى بوتيش، مع نشر صور للأختين حديد مع المطربة دوا ليبا فوق عبارة: “حماس تدعو إلى هولوكوست ثانية، على الجميع إدانتهم الآن“.

طاولت هذه المضايقات أيضاً بيت الأزياء “ديور”، الذي ألغى عقداً ضخماً مع بيلا حديد وفقاً للكثير من المصادر. أثارت هذه الشائعات غضب عشرات الآلاف من متابعي حديد، الذين دعوا إلى مقاطعة منتجات “ديور”، لأن بيت الأزياء يحاول انتهاك حق حديد في حرية التعبير. من ناحيته، لم يعلق “ديور” على هذا الأمر، وأصر بيت الأزياء العالمي على أن هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة. لم تتراجع حديد، التي اتهمت بمعاداة السامية، وكتبت على حسابها على موقع “إنستغرام”: “هذا [حديثي] عن الاستعمار الإسرائيلي والتطهير العرقي والاحتلال العسكري والتمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني المستمر لسنوات!”

هل حديد هي التي جعلت النضال الفلسطيني مُثيراً ويُمثل أيضاً التيار السائد؟ هل فيولا ديفيس وسوزان ساراندون ومارك رافالو وزين مالك، هم الذين ألقوا أيضاً بثقلهم واستخدموا صيتهم لدعم النضال الفلسطيني؟ الإجابة “نعم” و”لا”. فمن ناحية، من الواضح أنه بمجرد أن يُعبر أحد المشاهير مثل حديد أو رافالو عن دعم النضال الفلسطيني ضد نظام الحكم القائم على الفصل العنصري وضد التطهير العرقي، فالرسالة التي تصل هي أن الأمر المحرَّم ذِكره في الخطاب السياسي الاجتماعي الغربي لم يعد له وجود. ويتضح أيضاً للعالم أجمع أن المرء يمكن أن يعارض الاضطهاد الإسرائيلي وسياسة الإسكات، بل ينجح في ذلك.

أنتم أيها الإسرائيليون تُحبون الصمت، أليس كذلك؟

ومن ناحية أخرى، لم يكن ليجرؤ أيٌّ من حديد أو رافالو على خرق هذا الأمر المحظور من دون العمل الميداني الجاد للحركات المدنية مثل حركة “صن رايز” (الشروق) وحركة “سُود من أجل فلسطين” وحركة “التضامن الأسود- الفلسطيني” وحركة “حياة السود مهمة”.

لم يقتصر أثر هذه الحركات على اختراق الوعي الأميركي، الذي ظل لسنوات قريبة منيعاً على الفلسطينيين، ولكنها نجحت أيضاً نجاحاً باهراً في ربط النضال الفلسطيني بنضالات السود، الجماعة العرقية التي تُستبعَد ويتم إسكاتها في الولايات المتحدة؛ فقدمت تلك الحركات مصطلحات أشمل من دون التضحية بالخطاب الفلسطيني والظروف الفلسطينية. نشأت حديد ونظيراتها في ظل خطاب يرى المساواة والعدالة لجميع البشر، لا السادة فقط، وحيث لا مبرِّر للقوميات القمعية التي تمحو الآخر. بهذا المعنى جرى تمهيد المسرح؛ ودخلت السردية الفلسطينية بجميع وجوهها وجوانبها في الخطاب والوعي الأميركي في اللحظة المناسبة تماماً.

بيلا حديد ترتدي الكوفية الفلسطينية

وقد فشلت آلة التعمية بشكلٍ مزرٍ، لا في الخارج فحسب بل في الداخل أيضاً. فالجيل الفلسطيني الجديد -الذي وُلِد للمفارقة في العام 2000 وهو العام الذي احترق فيه الوعي الفلسطيني دماً وناراً- لم يضطر إلى هدم أية حدود -سواء حدود في الوعي أو حدود مادية- من أجل الوصول إلى حي الشيخ جراح.

فقد تجاوزَ هذا الجيل، على عكس جميع التحليلات المعقدة، مسألة الهوية الإسرائيلية [التي يحملها] كما لو كانت لا شيء. ولم يعترف وعيه بالحدود والانقسامات الفلسطينية الداخلية الفارغة والهرمية المسببة للشقاق، ولذا توافدوا بالآلاف إلى القدس الشرقية للاحتجاج على محاولات التطهير العرقي في حي الشيخ جراح؛ لأنهم يعرفون جيداً مذاق القمع والاضطهاد وتأكيد القتل. وقد حول الجيل الفلسطيني الهوية الفلسطينية المهزومة والمضطهدة والخاضعة إلى هوية نضالية. وكان الذهاب إلى حي الشيخ جراح بالنسبة إليهم إعلاناً أنهم يختارون النضال لا الهزيمة.

استطاع هذا الجيل الفلسطيني الجديد، على رغم نشأته في ظل خطاب الهزيمة والتضحية والخسارة، التأثير في هوية ترسيخ التضحيات وتغييرها، ويرجع هذا أساساً إلى أنه لم يتعرض بشكل مباشر وممنهَج للعنصرية والعنف المؤسسي الإسرائيلي. من ثَمّ، لم يتلف وعيه الوطني والسياسي نتيجة القمع السياسي والمؤسسي الذي يشمل الاعتقالات والتعذيب وتحقيقات جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شين بيت).

بالكاد أنهى هؤلاء الشباب المرحلة الثانوية، ولم يدخلوا بعد إلى سوق العمل أو الدراسة الأكاديمية. وعلى عكس آبائهم وأجدادهم، فهم يطالبون بتصحيح الظلم التاريخي انطلاقاً من حِسٍّ وطني فلسطيني جديد يقوم على الفخر، لا من هوية إسرائيلية زائفة. يتشبّث هذا الجيل بفلسطينيته لا كهوية ماضوية بالية، بل كوعي متجذّر في النضال. لكن هذا الوعي يتعرض اليوم لهجوم عنيف من إسرائيل ووكلائها، يشمل الاعتقالات والتحقيقات والعنف الجسدي والنفسي، بشكل صُمّم لخلق وعي مصاب بالصدمة من شأنه تشويه الوعي المتنامي بالنضال والثورة. وبالتالي فإن هذا العقاب الوحشي والغضب الإسرائيلي الواسع تجاه انتفاضة الجيل الفلسطيني الجديد يظهران لا وسط تقويض للحكم الإسرائيلي وحسب، بل أساساً نتيجة رفض الفلسطينيين قبولَ الوعي الوطني الانهزامي واستيعابه.

كان هذا الجيل الجديد من الفلسطينيين، الذي بدا رقيقاً وجذّاباً في وسائل الإعلام، يرتدي الملابس الغربية من شركات “نايكي” و”أديداس” و”برادا”، بل يشبهون نظراءهم الغربيين. وهذا هو ما جعل الهوية الفلسطينية والنضال الفلسطيني ومطالب الشعب الفلسطيني، شيئاً جذاباً بل بدا توجهاً سائداً، لا عند شباب العالم العربي فقط، بل أيضاً لدى نظرائهم في الغرب بشكل أساسي.

بالطبع لست هنا أقول إن “الموضة الفلسطينية” هي التي أنجزت هذا الفعل السياسي، وإنما أقول إنها دعمت وعززت الصورة الإنسانية للفلسطينيين، وأعادت لهم طبيعتهم وأسمعَت صوتهم، خصوصاً للشباب الغربي. ففي ذروة فخره وبهائه، التقى هذا الجيل الفلسطيني الجديد بالجيل الغربي الشاب، الذي رأى فيه جيلاً فتيّاً بطلاً يقاوم من أجل حياته وأرضه ووطنه، ويواجه منفرداً قوى الشر المتمثلة في الدولة الإسرائيلية؛ ولذا كان الاتصال بين الجيلين فورياً.

وبفضل هذه الهالة البطولية، استطاع هذا الجيل الفلسطيني الجديد لا مجرد إقناع الشباب الغربي وحثهم على مشاركة مقاطع فيديو داعمة للقضية الفلسطينية، بل أيضاً دفعهم أخيراً لاتخاذ موقف والانحياز إلى أحد الجانبين والتعبير عن موقف حازم تجاه نظام الفصل العنصري والتطهير العرقي، ومعارضة السياسات الخارجية لبلادهم نفسها، بل وتحمل المسؤولية عنها.

ولكن قبل أي شيء، قام الجيل الفلسطيني الشاب، الذي نزل إلى الشوارع من دون خوف، بتحرير شباب الغرب من مخاوفهم الخاصة، وخصوصاً الخوف من الاتهامات بمعاداة السامية، ودفعهم إلى رفع أصواتهم ضد إسرائيل بحدة وقسوة وبشكل نقدي. حرّر هذا الجيلُ الجديد القويّ من الفلسطينيين شباب الغرب من قيود الابتزاز العاطفي ومن الشعور التاريخي بالذنب النابع من أحداث الهولوكوست؛ الأمر الذي أدى إلى انطلاق حوار سياسي جذري.

لن يحدث تراجع، ولن يكون هناك رضوخ لمحاولات الإسكات. فبإمكان إسرائيل أن تواصل الدفاع عن نفسها وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين من دون تمييز، ولكنها لن تهزم الجيل الفلسطيني الجديد ولن تُخرِس صوت شباب الغرب الذين كسروا حواجز الخوف.

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا  الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

10.06.2021
زمن القراءة: 7 minutes
|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية