أحمد نذير
لا تزال مناطق شمالي سوريا، لدى سوريين كثر، ملجأً آمناً من العمليات العسكرية، والأرض التي ستجمع ملايين السوريين من لاجئين ونازحين ومهجّرين غير أن الحسابات السياسية والاقتصادية لدول المنطقة ربّما تغيّر خارطة النفوذ وتمركز القوى.
إلى أي مدى من الممكن أن تكون المناطق المعروفة بـ “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، الواقعة في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، مكاناً آمناً، وأرضاً يمكن أن يبني عليها السوريون النازحون، والمهجّرون، إضافة إلى اللاجئين العائدين، حياةً جديدة، بخاصة أن الأيام الأخيرة شهدت تحركاً مفاجئاً للعمليات العسكرية بريف حلب، انطلاقاً من إدلب، التي تعد معقلاً لـ “هيئة تحرير الشام”، وما تبع ذلك من استهداف الطيران الحربي الروسي مناطق هناك، باعتبار أنها باتت تحت سيطرة “تحرير الشام”، التي تشكل “فتح الشام، جبهة النصرة” مكوّنها الرئيسي.
فرص العمل الهمُّ الأول لقاطني المنطقة
أبو حمزة، مهجرٌ من جنوب دمشق، قال “نحن هنا ليس وفق خيارنا، بل لأننا لا نملك فعل شيء… الخدمات غير متوفرة بشكل جيد من الكهرباء إلى الماء، ونظافة الأماكن العامة وغير ذلك، فيما تتواجد خدمات صحية وتعليمية توفرها تركيا”.
وأضاف أن “الشكوى الأهم هي عدم توفر فرص عمل في المنطقة بهدف تأمين متطلبات العيش”، لافتاً إلى أن “المنطقة تفتقد إلى حد كبير حركة العمل، والمشاريع بالأساس”.
خالد الرفاعي، مهجر من ريف دمشق، قال إن “اللجوء إلى دول ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان هو الخيار الأنسب للسوريين، والعيش في هذه المناطق أفضل من البقاء تحت سيطرة النظام السوري”.
وأضاف “هنا الخدمات ليست سيئة لكنها غير كافية ولا تلبي احتياجات الأهالي فخدمتي الكهرباء، والماء أسعارهما مرتفعة مقارنة مع دخل الأسرة، ونسبة البطالة الموجودة طبعاً، وأكثر ما يحتاجه الناس اليوم هو الأمن وهذا الأمر غير محقق هنا بنسبة 40% لذلك لا اعتقد إن هذه المناطق صالحة لاستقرار السوريين حالياً”.
ولا يخفي أبو أيهم، مهجرٌ من ريف دمشق، أنه حاول أكثر من مرة عبور الحدود إلى تركيا، وقال إن المنطقة شمال حلب “غير صالحة حالياً لاستقرار السوريين”.
علي الحسن، يقيم شمالي حلب، قال إن “ما يبقيني وأسرتي في هذه المنطقة هو عدم وجود قصف وعمليات عسكرية، أما إذا عاد القصف فسأضطر للنزوح مجدداً حفاظاً على الأرواح”.
وعن الشأن الصحي وعمل الأطباء والصيادلة، قال الدكتور أبو عيسى، (صيدلاني في عفرين)، إن “هناك مكتباً صحياً ونقابة صيادلة في عفرين وتمارس رقابة محدودة نوعا ما”، على حد تعبيره.
علي الحوراني، صيدلاني في عفرين، قال “حالياً يتم العمل على تفعيل مكتب الصحة والنقابة، ولا يوجد إلى الآن مراقبة لعمل الصيدليات سواء لضبط الأسعار أو للتأكد من أهلية العامل في الصيدلية لممارسة المهنة”.
أبو حمزة، طبيب أسنان مقيم شمالي سوريا، قال “حقيقة لا يوجد معايير وضوابط واضحة للعمل الصحي، لأنه ليس هناك جهة معتبرة تضع هذه المعايير، وتشرف على تطبيقها أو قد تكون موجودة لكن دورها ضامر ومحدود جداً”.
وأوضح أن “العرف يحكم العمل الصحي شمالي سوريا، إذ بدأت تظهر عيادات جراحية تمريضية لا يديرها أو يؤسسها أطباء، بل ممرضون، أي مساعدو أطباء”.
تركيا تدعم المنطقة خدمياً وسياسياً وعسكرياً
تدعم تركيا “الجيش الوطني السوري”، الذي أعلنت الحكومة المؤقتة المعارضة عن تشكيله في الثلاثين من كانون الأول 2017، ويضم فصائل من الجيش السوري الحر، تتتشر في ريفي حلب الشمالي والشرقي.
وتم تسليم المعابر الحدودية مع تركيا في ريف حلب، إلى إدارات مدنية تابعة للحكومة السورية المؤقتة، وهي معابر باب السلامة، والراعي وجرابلس، بعد أن كانت تحت سيطرة فصائل معارضة.
كما تدعم تركيا قوات “الشرطة الوطنية” في شمالي حلب، إذ يتم تدريب العناصر داخل تركيا، ويقدم لهم الدعم العسكري واللوجستي، ثم إرسالهم للخدمة في شمالي حلب ضمن المنطقتين المعروفتين إعلامياً بـ “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.
ونفَّذت فصائل معارضة بدعم تركي، في شهر تشرين الثاني 2018، عملية أمنية في ريف حلب، لمكافحة أعمال السرقة والخطف والتهريب، وغيرها من الجرائم.
وساهمت تركياً في إعادة تأهيل المدارس وبناء مدارس جديدة، وتأهيل المعلمين، إضافة على المساهمة بتأمين الكتب المدرسية، بالتعاون مع الحكومة المؤقتة.
كما قامت وزارة التربية التركية بتعيين 3 آلاف و316 معلمًا في مدارس مدن “درع الفرات”، في 2017، ويبلغ عدد المدارس العاملة شمالي حلب 170 مدرسة، وتعمل الحكومة التركية على إنشاء 123 مدرسة أخرى، وفق (ترك برس).
ويتم تدريس التلاميذ، والطلبة في المدارس شمالي حلب، مناهج تعليمية سورية معدَّلة تضم 5 ساعات أسبوعياً للغة التركية بشكل اختياري.
وبما يخص التعليم العالي، افتتحت جامعات تركية فروعاً لها شمالي حلب، منها جامعة حرّان، التي افتتحت فروعاً لها في مدينة الباب، وفرع لجامعة باشاك شهير التركية في مدينة الباب، كما قررت جامعة غازي عينتاب افتتاح كلية مهنية تتبع لها في مدينة جرابلس.
وفي قطاع الصحة، أنشأت تركيا ثلاثة مستشفيات في مدينة الباب، والراعي، ومارع، كما تم ترميم مراكز صحية ووضع مستشفيات في الخدمة في المدن الكبرى مثل مشفى الحكمة في الباب، ومشفى الأهلي في اعزاز، ومشفى جرابلس وتأمين كوادر طبية سورية وتركية.
في وقت، تواصل المجالس المحلية المعارضة، بدعم تركي، في ريف حلب الشمالي، ومنطقة عفرين، إصدار بطاقات تعريف شخصية، مزدوجة اللغة (تركية- عربية) للسكان المقيمين فيها.
وقال رئيس المجلس المحلي في مدينة اعزاز محمد الحاج علي، لـ “روزنة” إن الدعم التركي موجود بشكل عام بعدة وسائل، عبر الدعم اللوجستي بتقديم البطاقات الممغنطة والمشفرة مع طابعات رسمية ذات دقة عالية وتشفير، إضافة إلى ربطها بنظام إلكتروني موحد بين المناطق الأخرى من مدن وبلدات الشمال السوري.
وعن عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى شمالي حلب، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أواخر العام الماضي، أن نحو 260 ألف سوري إلى منطقة “درع الفرات”، نتيجة أعمال البنية التحتية، والأمن والاستقرار، الذي حققته القوات المسلحة التركية هناك.
وكانت القوات التركية بمشاركة فصائل معارضة، نفذت عملية “درع الفرات” العسكرية، بين 24 آب 2016 و23 آذار 2017، وتم بموجبها السيطرة على مناطق في ريفي حلب الشمالي والشرقي، كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش”، وأبرز تلك المناطق جرابلس والباب والراعي، بمساحة تتجاوز ألفي كيلومتر مربع.
كما أطلقت القوات التركية بمشاركة فصائل معارضة عملية “غصن الزيتون” العسكرية في الـ 20 من كانون الثاني 2018، ضد “وحدات حماية الشعب”، في عفرين شمالي حلب، وأعلنت في 18 آذار 2018، السيطرة على كامل منطقة
عفرين.
القوى العسكرية شمالي حلب
تشكَّل “الجيش الوطني” التابع للحكومة المؤقتة، من اندماج فصائل “الجيش السوري الحر”، في ريف حلب الشمالي، ويتكوّن من ثلاثة فيالق، شاركت في الأعمال العسكرية في عفرين، وبين الفصائل التي شكلت الجيش الوطني، الجبهة الشامية، وفرقة الحمزة وفرقة السلطان مراد.
وقال رئيس الحكومة المؤقتة ووزير الدفاع، جواد أبو حطب، إن أولويات الجيش الوطني ستكون الحفاظ على المناطق المحرّرة في إطار عملية درع الفرات، والدفاع عن الشعب السوري ضد النظام والتنظيمات الإرهابية، مشيراً إلى أن
عدد أفراده سيكون 22 ألف مقاتل.
ويتبع للجيش الوطني ثلاث كليات عسكرية، هي كلية “عبد القادر الصالح”، التي كانت تابعة للجبهة الشامية، وكلية عسكرية في مدينة الباب كانت تحت سيطرة فرقة الحمزة، وكلية كان لواء المعتصم يعمل على إنشائها في أواخر 2017.
وتضم المنطقة التي يعمل فيها الجيش الوطني، ثلاثة معابر مع تركيا، هي معبر باب السلامة، ومعبر جرابلس، إضافة إلى معبر الراعي.
هل يفتح طريق عينتاب -دمشق قريباً؟
قال الباحث في مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية سعد الشارع لـ “روزنة” إن “تركيا دخلت منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون بموجب تفاهمات مع روسيا وبرضىً تام من الجانب الأمريكي، ومن المستبعد أن يحصل تبدلاً أو تغييراً في التفاهمات حول المنطقتين على المدى المنظور”.
هذا التحقيق مأخوذ من موقع راديو روزنة وللاطّلاع على التحقيق الأصلي زوروا الرابط التالي