fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

شمال شرقي سوريا:
دوائر الأزمات الاقتصادية المصطنعة تسحق حيوات الأهالي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

يمكن بسهولة لحظ حجم السحق الذي أصاب الطبقة الوسطى، بخاصة الانقسام الطبقي للمجتمع في شمال شرقي سوريا إلى ميسورين وأغنياء جدد وفقراء معدمين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تكاد مدن شمال سوريا وشرقها تخرج من أزمات الشتاء من فقدان الغاز المنزلي، وفقدان مازوت التدفئة ووقود المركبات والمواد الغذائية والأدوية، والتي أنهكت أهلها وسط استمرار صعوبات العيش، حتّى تتعثر بأزمات أخرى.

المتجول في شوارع مدن الحسكة، الرقة، دير الزور، يلمس الواقع المأساوي بشكل مباشر، وسط غلاء الأسعار وتدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، اللذين أثرا عميقاً في معيشة الناس.

يرى خبراء اقتصاديون أن قرابة 70 في المئة من أهالي شمال شرقي سوريا يعيشون تحت خط الفقر، فالغاز والمازوت والمواد الاستهلاكية اليومية تتحول إلى مواد كمالية، أو غير متوفرة، والكهرباء والماء إن توفرا فبشكل متقطع وغير كافٍ… ما يجعل حياة الناس أصعب وأقسى.

في دكانه الصغير لبيع أدوات التجميل يقول البائع عدنان لـ”درج”، “أزمات الحياة اليومية لا تنتهي من كهرباء، ومحروقات وخبز وغيرها، وهي جميعها تشكل مجموع دوائر تحاصر حياتنا اليومية، تنقطع الكهرباء بشكل مستمر ما يؤدي إلى إغلاق المحال التجارية، وهو مشهد يتكرر”. 

عدنان واحد من آلاف من السكان الذين تضررت حياتهم مباشرة جراء كلي هذه الأزمات التي تطال الطبقات الوسطى والفقيرة بشكل مباشر، ومثله شيروان العلي سائق الأجرة في مدينة الحسكة الذي تأثر بارتفاع اسعار الوقود “شحّ البنزين يوقف حركة سير سيارات الأجرة، وأن توفر النوع الجيد فهو بسعر مرتفع جداً وصل إلى قرابة الــ4500 ليرة سورية، والبنزين الرخيص يشهد إقبالاً كبيراً ويتسبب ذلك بأزمة كبيرة على محطات الوقود وأحياناً نقضي نصف يوم دون عمل حتّى نحصل على كمية من الوقود، وهو يؤثر على سلامة وحركة المركبات؛ لتسبب رداءة الوقود بالأعطال المتكررة والمزيد من الأعباء الاقتصادية، كل ذلك يؤدي إلى تراجع المداخيل وزيادة الأعباء والفقر، عدا أننا أمضينا أسوأ شتاء دون وقود التدفئة، جلودنا أصبحت تشبه جلود التماسيح”. 

فقدان الغاز المنزلي والوقوف لساعات طويلة أمام “الكومينات- مجالس الأحياء” التابعة للإدارة الذاتية بات حالا يعيشه كثيرون الذين يتخبطون لتأمين الحاجيات الأساسية.  تقول مريم إبراهيم، من أهالي حيّ الهلالية غرب القامشلي “وصلتنا رسالة عبر واتس أب للمجموعة الخاصة بالحيّ، مفادها غداً الساعة الثامنة والنصف صباحاً موعد تبديل جرة الغاز الفارغة، وصلنا الساعة الثامنة صباحاً قالوا لنا، خلص الغاز”.

يشكو بعض الأهالي مما يقولون إنه تحايل من الإدارة الذاتية المحلية التي بحسبهم لجأت إلى نوع جديد من التلاعب عبر إعطاء قوارير غاز منزلي فارغة وبعد شهر أو شهرين يتم تبديلها بأخرى ممتلئة تزن قرابة الـكيلوغرامين مقابل 2500 ليرة، لكن في معظم الأحيان فإن توقيت التسليم غير منتظم، ولا يكفي الجميع. في المقابل، أكدت مصادر خاصة لــ”درج” أن الغاز متوفر وبكثرة في السوق السوداء خاصة في مناطق سيطرة النظام السوري مثل حيّ طيّ وغيرها، ويصل سعر القارورة 35 ألفاً، ولا يتجاوز وزنها 18-19 كيلوغراماً.

من أين يأتي الغاز؟

قضية توافر الغاز في السوق السوداء وفقدانها في الحالة الطبيعية تشغل المجتمع المحلي. وقالت مصادر من الإدارة الذاتية إن القضية تعود الى أن إنتاج معمل غاز السويدية انخفض 30 في المئة نتيجة توقف تصدير النفط إلى إقليم كردستان العراق منذ ما عرف بـ”غزوة الشبيبة الثورية” وهو فصيل مسلح تابع للاتحاد الديمقراطي الكردي المسيطر في المنطقة، الذي نفذ هجوماً على معبر سيمالكا ديسمبر الماضي. بعدها تراجعت كمية أسطوانات الغاز المعبأة يومياً في المعمل من 13 ألف أسطوانة يومياً إلى 10 آلاف أسطوانة فقط”. وتعتمد كمية إنتاج الغاز بشكل رئيسي على عملية استخراج النفط .

بحسب المصدر نفسه فإن “اسطوانات الغاز تنقل إلى تجار تابعين للنظام السوري عبر عربات مغلقة وهو بدوره يقوم بتوزيعها على أحياء وتجار صغار موالين له، وينقل الكمية الأكبر إلى مناطق سيطرته في أجزاء من دير الزور ودمشق والساحل السوري، لتباع الاسطوانة بأسعار كبيرة في السوق السوداء تصل إلى قرابة 200 ألف ليرة سوري”،

واختتم المصدر حديثه “كل عمليات نقص الوقود والغاز والماء والكهرباء، ليست سوى دوائر مصطنعة هدفها إغراق الأهالي في تفاصيل حياتهم اليومية كي لا يفكروا بالقضايا السياسية والأمنية التي تهمهم، وإبعادهم من البحث والاستفسار حول آليات صرف المبالغ المالية الخيالية من حركة المعابر، وبيع الغاز والنفط الخام والقمح للنظام، نحن نعيش مجاعة حقيقية”.

إقرأوا أيضاً:

طبقة وسطى مسحوقة بالكامل

يمكن بسهولة لحظ حجم السحق الذي أصاب الطبقة الوسطى، بخاصة الانقسام الطبقي للمجتمع في شمال شرقي سوريا إلى ميسورين وأغنياء جدد وفقراء معدمين. 

والميسورون الجدد يرتبطون غالباً بالإدارة الذاتية عبر شبكات عمل واستفادة مختلفة سواء تهريب الدخان أو المواد الممنوعة أو احتكار أنواع معينة من التجارة بخاصة الأسمنت والحديد والمواد الغذائية. وبحسب خبراء اقتصاديين فإن هذه النخبة الجديدة معزولة عن واقع الفقر والحاجة التي تجتاح المنطقة لتوفر رأس المال الضخم، وهو بطبيعة الحال يشكل أساس البرجوازية الحزبية التي شكلتها الإدارة الذاتية . في المقابل هناك طبقة الفقراء الذين يعتمدون على مساعدات جمعيات الخيرية التي بالكاد تسد الرمق، أو على ما تتصدق به شبكات الثراء الفاحش. وتبقى الطبقة الأكثر تضرراً هي الطبقة الوسطى فهي مستثناة من دعم الجمعيات الخيرية، وغير مشمولة بالاستفادة المادية من صفقات وتجارة الإدارة الذاتية، وأجور ناسها متدنية. وأمام غلاء أسعار المواد الغذائية، الأدوية ومعاينات الأطباء والمستشفيات وانخفاض متوسط الأجور، فإن المنطقة تتجه بوتيرة عالية نحو المجهول.

وفقاً لمن قابلناهم فإن العائلة الواحدة في شمال شرقي سوريا “تحتاج إلى 6 أضعاف راتب الفرد لتعيش حياة عادية، والعائلة المؤلفة من خمس أشخاص تحتاج إلى نحو 3 ملايين ليرة لتعيش حياة متوسطة. وهو ما يوضح الفرق الشاسع بين المصاريف الأسرية اليومية والمداخيل الاقتصادية الواردة، حيث لا يتجاوز راتب موظفي النظام  20-30 دولاراً وراتب موظفي الإدارة الذاتية قرابة الـــ70 دولاراً. 

الحوالات الخارجية لم تعد تكفي

يعيش معظم الأهالي على ما يردهم من حوالات مالية خارجية، بين 100 و300 دولار كمتوسط عام شهرياً، “ساهمت في تخفيف الأعباء إلى حدٍ ما” وفقاً للخبير الاقتصادي سالم العاني من الرقة والذي أضاف “لكن معادلة التوازن التي كانت الحوالات تحققها اختلفت وأصيب الميزان بالخلل، فهي كانت تكفي حين كان سعر الصرف أقل من 3500 ليرة للدولار الواحد، وأسعار الفاكهة والخضار مقبولة، أما الآن فإن سعر الصرف يرتفع وترتفع معه أسعار المواد، وينخفض سعر صرف الدولار مع تثبيت التجار أسعار المواد المختلفة، وتالياً فإن الأسعار لا تتناسب مع سعر الصرف، وبالعموم فإن النظام هو المتحكم بسعر الصرف عبر شبكات مرتبطة به مباشرة في السوق السوداء والإدارة الذاتية تستفيد منها بكل الوسائل”.

اقتصاد هشّ وخطط معدومة

تشهد منطقة شمال شرقي سوريا أوضاعاً اقتصادية كارثية، بخاصة أن الزراعة تعيش أسوأ حالاتها، فالمنطقة تضم ملايين الهكتارات الصالحة للزراعة، لكن الإدارة الذاتية تستورد الخضار من تركيا وإيران، ما يترك أكثر من إشارة استفهام حول إهمال زراعة الخضار في المنطقة واستيرادها من الخارج، ووفقاً لمصدر زراعي “على الأرجح فإن مواد مهربة ممنوعة يتم تمريرها عبر عملية الاستيراد، وليس مستبعداً أن تكون من نوع المحظورة دولياً”.

 ومع تسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا بارتفاع أسعار الوقود وانعكاس ذلك على أسعار الشحن، فإن أعباء إضافية ترهق كاهل المواطن. يقول المزارع عواد من أهالي دير الزور، “لدينا الكثير من المياه، وأراض زراعية وفيرة، وتمكن زراعة آلاف الهكتارات بالخضار الشتوية والصيفية لبيعها بأسعار مقبولة، لكن يبدو أن ما يحصل تم التخطيط له بعناية، فعدم توفر الكهرباء أضر بالمشاريع الزراعية، وقلة توفر المازوت منعنا من تشغيل الآبار، هذا عدا أسعار البذور والأسمدة المرتفعة جداً، والتي تحصر الإدارة الذاتية استيرادها بيد فئات محسوبة عليها لا غير”.

إقرأوا أيضاً:

"درج"
لبنان
22.05.2022
زمن القراءة: 5 minutes

يمكن بسهولة لحظ حجم السحق الذي أصاب الطبقة الوسطى، بخاصة الانقسام الطبقي للمجتمع في شمال شرقي سوريا إلى ميسورين وأغنياء جدد وفقراء معدمين.

لا تكاد مدن شمال سوريا وشرقها تخرج من أزمات الشتاء من فقدان الغاز المنزلي، وفقدان مازوت التدفئة ووقود المركبات والمواد الغذائية والأدوية، والتي أنهكت أهلها وسط استمرار صعوبات العيش، حتّى تتعثر بأزمات أخرى.

المتجول في شوارع مدن الحسكة، الرقة، دير الزور، يلمس الواقع المأساوي بشكل مباشر، وسط غلاء الأسعار وتدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، اللذين أثرا عميقاً في معيشة الناس.

يرى خبراء اقتصاديون أن قرابة 70 في المئة من أهالي شمال شرقي سوريا يعيشون تحت خط الفقر، فالغاز والمازوت والمواد الاستهلاكية اليومية تتحول إلى مواد كمالية، أو غير متوفرة، والكهرباء والماء إن توفرا فبشكل متقطع وغير كافٍ… ما يجعل حياة الناس أصعب وأقسى.

في دكانه الصغير لبيع أدوات التجميل يقول البائع عدنان لـ”درج”، “أزمات الحياة اليومية لا تنتهي من كهرباء، ومحروقات وخبز وغيرها، وهي جميعها تشكل مجموع دوائر تحاصر حياتنا اليومية، تنقطع الكهرباء بشكل مستمر ما يؤدي إلى إغلاق المحال التجارية، وهو مشهد يتكرر”. 

عدنان واحد من آلاف من السكان الذين تضررت حياتهم مباشرة جراء كلي هذه الأزمات التي تطال الطبقات الوسطى والفقيرة بشكل مباشر، ومثله شيروان العلي سائق الأجرة في مدينة الحسكة الذي تأثر بارتفاع اسعار الوقود “شحّ البنزين يوقف حركة سير سيارات الأجرة، وأن توفر النوع الجيد فهو بسعر مرتفع جداً وصل إلى قرابة الــ4500 ليرة سورية، والبنزين الرخيص يشهد إقبالاً كبيراً ويتسبب ذلك بأزمة كبيرة على محطات الوقود وأحياناً نقضي نصف يوم دون عمل حتّى نحصل على كمية من الوقود، وهو يؤثر على سلامة وحركة المركبات؛ لتسبب رداءة الوقود بالأعطال المتكررة والمزيد من الأعباء الاقتصادية، كل ذلك يؤدي إلى تراجع المداخيل وزيادة الأعباء والفقر، عدا أننا أمضينا أسوأ شتاء دون وقود التدفئة، جلودنا أصبحت تشبه جلود التماسيح”. 

فقدان الغاز المنزلي والوقوف لساعات طويلة أمام “الكومينات- مجالس الأحياء” التابعة للإدارة الذاتية بات حالا يعيشه كثيرون الذين يتخبطون لتأمين الحاجيات الأساسية.  تقول مريم إبراهيم، من أهالي حيّ الهلالية غرب القامشلي “وصلتنا رسالة عبر واتس أب للمجموعة الخاصة بالحيّ، مفادها غداً الساعة الثامنة والنصف صباحاً موعد تبديل جرة الغاز الفارغة، وصلنا الساعة الثامنة صباحاً قالوا لنا، خلص الغاز”.

يشكو بعض الأهالي مما يقولون إنه تحايل من الإدارة الذاتية المحلية التي بحسبهم لجأت إلى نوع جديد من التلاعب عبر إعطاء قوارير غاز منزلي فارغة وبعد شهر أو شهرين يتم تبديلها بأخرى ممتلئة تزن قرابة الـكيلوغرامين مقابل 2500 ليرة، لكن في معظم الأحيان فإن توقيت التسليم غير منتظم، ولا يكفي الجميع. في المقابل، أكدت مصادر خاصة لــ”درج” أن الغاز متوفر وبكثرة في السوق السوداء خاصة في مناطق سيطرة النظام السوري مثل حيّ طيّ وغيرها، ويصل سعر القارورة 35 ألفاً، ولا يتجاوز وزنها 18-19 كيلوغراماً.

من أين يأتي الغاز؟

قضية توافر الغاز في السوق السوداء وفقدانها في الحالة الطبيعية تشغل المجتمع المحلي. وقالت مصادر من الإدارة الذاتية إن القضية تعود الى أن إنتاج معمل غاز السويدية انخفض 30 في المئة نتيجة توقف تصدير النفط إلى إقليم كردستان العراق منذ ما عرف بـ”غزوة الشبيبة الثورية” وهو فصيل مسلح تابع للاتحاد الديمقراطي الكردي المسيطر في المنطقة، الذي نفذ هجوماً على معبر سيمالكا ديسمبر الماضي. بعدها تراجعت كمية أسطوانات الغاز المعبأة يومياً في المعمل من 13 ألف أسطوانة يومياً إلى 10 آلاف أسطوانة فقط”. وتعتمد كمية إنتاج الغاز بشكل رئيسي على عملية استخراج النفط .

بحسب المصدر نفسه فإن “اسطوانات الغاز تنقل إلى تجار تابعين للنظام السوري عبر عربات مغلقة وهو بدوره يقوم بتوزيعها على أحياء وتجار صغار موالين له، وينقل الكمية الأكبر إلى مناطق سيطرته في أجزاء من دير الزور ودمشق والساحل السوري، لتباع الاسطوانة بأسعار كبيرة في السوق السوداء تصل إلى قرابة 200 ألف ليرة سوري”،

واختتم المصدر حديثه “كل عمليات نقص الوقود والغاز والماء والكهرباء، ليست سوى دوائر مصطنعة هدفها إغراق الأهالي في تفاصيل حياتهم اليومية كي لا يفكروا بالقضايا السياسية والأمنية التي تهمهم، وإبعادهم من البحث والاستفسار حول آليات صرف المبالغ المالية الخيالية من حركة المعابر، وبيع الغاز والنفط الخام والقمح للنظام، نحن نعيش مجاعة حقيقية”.

إقرأوا أيضاً:

طبقة وسطى مسحوقة بالكامل

يمكن بسهولة لحظ حجم السحق الذي أصاب الطبقة الوسطى، بخاصة الانقسام الطبقي للمجتمع في شمال شرقي سوريا إلى ميسورين وأغنياء جدد وفقراء معدمين. 

والميسورون الجدد يرتبطون غالباً بالإدارة الذاتية عبر شبكات عمل واستفادة مختلفة سواء تهريب الدخان أو المواد الممنوعة أو احتكار أنواع معينة من التجارة بخاصة الأسمنت والحديد والمواد الغذائية. وبحسب خبراء اقتصاديين فإن هذه النخبة الجديدة معزولة عن واقع الفقر والحاجة التي تجتاح المنطقة لتوفر رأس المال الضخم، وهو بطبيعة الحال يشكل أساس البرجوازية الحزبية التي شكلتها الإدارة الذاتية . في المقابل هناك طبقة الفقراء الذين يعتمدون على مساعدات جمعيات الخيرية التي بالكاد تسد الرمق، أو على ما تتصدق به شبكات الثراء الفاحش. وتبقى الطبقة الأكثر تضرراً هي الطبقة الوسطى فهي مستثناة من دعم الجمعيات الخيرية، وغير مشمولة بالاستفادة المادية من صفقات وتجارة الإدارة الذاتية، وأجور ناسها متدنية. وأمام غلاء أسعار المواد الغذائية، الأدوية ومعاينات الأطباء والمستشفيات وانخفاض متوسط الأجور، فإن المنطقة تتجه بوتيرة عالية نحو المجهول.

وفقاً لمن قابلناهم فإن العائلة الواحدة في شمال شرقي سوريا “تحتاج إلى 6 أضعاف راتب الفرد لتعيش حياة عادية، والعائلة المؤلفة من خمس أشخاص تحتاج إلى نحو 3 ملايين ليرة لتعيش حياة متوسطة. وهو ما يوضح الفرق الشاسع بين المصاريف الأسرية اليومية والمداخيل الاقتصادية الواردة، حيث لا يتجاوز راتب موظفي النظام  20-30 دولاراً وراتب موظفي الإدارة الذاتية قرابة الـــ70 دولاراً. 

الحوالات الخارجية لم تعد تكفي

يعيش معظم الأهالي على ما يردهم من حوالات مالية خارجية، بين 100 و300 دولار كمتوسط عام شهرياً، “ساهمت في تخفيف الأعباء إلى حدٍ ما” وفقاً للخبير الاقتصادي سالم العاني من الرقة والذي أضاف “لكن معادلة التوازن التي كانت الحوالات تحققها اختلفت وأصيب الميزان بالخلل، فهي كانت تكفي حين كان سعر الصرف أقل من 3500 ليرة للدولار الواحد، وأسعار الفاكهة والخضار مقبولة، أما الآن فإن سعر الصرف يرتفع وترتفع معه أسعار المواد، وينخفض سعر صرف الدولار مع تثبيت التجار أسعار المواد المختلفة، وتالياً فإن الأسعار لا تتناسب مع سعر الصرف، وبالعموم فإن النظام هو المتحكم بسعر الصرف عبر شبكات مرتبطة به مباشرة في السوق السوداء والإدارة الذاتية تستفيد منها بكل الوسائل”.

اقتصاد هشّ وخطط معدومة

تشهد منطقة شمال شرقي سوريا أوضاعاً اقتصادية كارثية، بخاصة أن الزراعة تعيش أسوأ حالاتها، فالمنطقة تضم ملايين الهكتارات الصالحة للزراعة، لكن الإدارة الذاتية تستورد الخضار من تركيا وإيران، ما يترك أكثر من إشارة استفهام حول إهمال زراعة الخضار في المنطقة واستيرادها من الخارج، ووفقاً لمصدر زراعي “على الأرجح فإن مواد مهربة ممنوعة يتم تمريرها عبر عملية الاستيراد، وليس مستبعداً أن تكون من نوع المحظورة دولياً”.

 ومع تسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا بارتفاع أسعار الوقود وانعكاس ذلك على أسعار الشحن، فإن أعباء إضافية ترهق كاهل المواطن. يقول المزارع عواد من أهالي دير الزور، “لدينا الكثير من المياه، وأراض زراعية وفيرة، وتمكن زراعة آلاف الهكتارات بالخضار الشتوية والصيفية لبيعها بأسعار مقبولة، لكن يبدو أن ما يحصل تم التخطيط له بعناية، فعدم توفر الكهرباء أضر بالمشاريع الزراعية، وقلة توفر المازوت منعنا من تشغيل الآبار، هذا عدا أسعار البذور والأسمدة المرتفعة جداً، والتي تحصر الإدارة الذاتية استيرادها بيد فئات محسوبة عليها لا غير”.

إقرأوا أيضاً: