fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

صاروخ يفجّر هويّة مجدل شمس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

آخر ما سمعه أولئك الأطفال كان زمور إنذار، لم يمهلهم أكثر من بضع ثوانٍ قبل الانفجار، ولم يسمح لهم بإعادة اكتشاف أن مجدل شمس تخلو من ملاجئ تقيهم. إذ لم يكن لهؤلاء، ولا ذويهم، ثأر مع أي طرف، على رغم سكنهم قرب أكثر الجبهات العسكرية سخونة في العالم منذ خمسة عقود.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“يوم 28 تموز/ يوليو، لم تنجح أنظمة الدفاع الجوية الإسرائيلية، إن كانت قبة حديدة أو مقلاع داود، في اعتراض صاروخ فلق-1، إيراني الصنع، محملاً بـ52 كيلوغراماً من المتفجرات، قبل أن ينفجر في بلدة مجدل شمس في هضبة الجولان السورية المحتلة”. هذا ما تقوله الرواية الإسرائيلية، في حين نفى حزب الله أن يكون هو من أطلق الصاروخ. 

الصاروخ استهدف ملعب كرة قدم، فقتل 12 طفلاً دون السادسة عشرة، وأصيب العشرات غيرهم بجروح خطيرة. الأطفال كانوا يركلون الكرة بعد ظهيرة ذلك اليوم الحار، من دون أن تقلقهم مخاوف وقوعهم ضحية اشتباك إقليمي. 

آخر ما سمعه أولئك الأطفال كان زمور إنذار، لم يمهلهم أكثر من بضع ثوانٍ قبل الانفجار، ولم يسمح لهم بإعادة اكتشاف أن مجدل شمس تخلو من ملاجئ تقيهم. إذ لم يكن لهؤلاء، ولا ذويهم، ثأر مع أي طرف، على رغم سكنهم قرب أكثر الجبهات العسكرية سخونة في العالم منذ خمسة عقود.

هوية الجولانيين و”الوثيقة الوطنيّة”

في حرب الأيام الستة عام 1967، ترك الجيش السوري مواقعه في الجولان والقنيطرة، وانسحب اعتباطياً إلى العاصمة دمشق. ومذاك، وسكان قرى هضبة الجولان الأربع؛  مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قنيا، وهم من السوريين الدروز، باتوا ضمن حدود الدولة الإسرائيلية. 

حينها، لم يدفعهم أحد الى الرحيل والنزوح، لكن أحداً لم يساعدهم على البقاء. ولذا، وكما فعلوا في محطات كثيرة خلال تاريخهم الحديث، تمسك الدروز بأرضهم في الجولان، واستكملوا زراعتها وفلاحتها، مهما تعاقب عليهم من دول وممالك. 

في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1981، صوّت الكنيست الإسرائيلي على قانون مرتفعات الجولان، الذي يطبق القوانين الإسرائيلية على المنطقة، وهو الأمر الذي رفضه مجلس الأمن في قراره الرقم 497 المتخذ في 17 كانون الأول 1981، وكذلك عشرة آلاف شخص هم سكان القرى الأربع، الذي أصروا على انتمائهم السوري، وأصدروا ما سمّوه حينها “الوثيقة الوطنيّة” كبرنامج عمل لهم، ودخلوا بعدها إضراباً عامّاً لستة أشهر، فيما طبّق الجيش الإسرائيلي على تجمعاتهم السكانية حظراً للتجوال شلّ الحركة بين القرى.

في وادي الصراخ، الذي يفصل بلدة عين التينة السورية عن مجدل شمس، لطالما تبادل الأخوة الحديث عبر الحدود بمكبرات الصوت. وطيلة سنين طويلة، رُفعَ العلم السوري في مجدل شمس وجيرانها، في ذكرى الاستقلال السوري في 17 نيسان/ إبريل، وسط عصيانات مدنية متواصلة. 

رفض دروز الجولان الهوية الإسرائيلية بشكل جماعي، ونبذوا من بينهم مَن أغرته وسعى إليها. لكن، مع الوقت، وازدياد عدد السكان، والتحديات المجتمعية والاقتصادية، تراجع هذا الحاجز النفسي، وباتت المبررات أكثر منطقية، في ظل هوية سورية لا تنفع صاحبها في التنقل، ولا التجارة ولا الدراسة، ولا السفر. 

آخر ما سمعه أولئك الأطفال كان زمور إنذار، لم يمهلهم أكثر من بضع ثوانٍ قبل الانفجار، ولم يسمح لهم بإعادة اكتشاف أن مجدل شمس تخلو من ملاجئ تقيهم.

الثورة في سوريا و”التوازن الصفري”

في العام 2011، انقلب المزاج العام في الجولان على وقع الحرب التي شنّتها قوات النظام ضد السوريين المنتفضين، وأمام رهاب الحرب الأهلية المتنقلة، شاهد الجولانيون الحريق السوري عن كثب، بعدما اقترب كثيراً منهم، وطاول بلدة حضر الدرزية في الجانب السوري من الحدود، والتي حاصرتها فصائل المعارضة، بعدما تحصنت فيها ميليشيا الدفاع الوطني المحلية المدعومة من حزب التوحيد العربي للنائب اللبناني الدرزي وئام وهاب الموالي للنظام السوري. 

الجولانيون تعاضدوا وجمعوا التبرعات، مستفيدين من ظروفهم الاقتصادية الجيدة التي عززتها تسهيلات إسرائيلية، لدعم دروز السويداء السورية، الذين انحطت بهم الأحوال، وتركهم النظام في مواجهة التنظيمات الإرهابية، من “داعش” شرقاً و”النصرة” غرباً. 

ذلك كله غيّر المزاج الجولاني، وباتت الهوية الإسرائيلية أكثر قبولاً. اليوم، أكثر من خمسة آلاف شخص من أصل 25 ألفاً، حاصلون على الجنسية الإسرائيلية، ومعظمهم من الأجيال الجديدة. إذ مع الوقت، بات ثلثا الجولانيين من مواليد الدولة الإسرائيلية، بعد العام 1967.

 هذا الأمر لم ينعكس على التجنيد في جيش الدفاع الإسرائيلي، إذ ينطبق على دروز الجولان المجنسين إسرائيلياً ما ينطبق على دروز الـ48، والخدمة في الجيش تطوعية لا إلزامية. وعلى عكس دروز الـ48، الأكثر التصاقاً بالدولة الإسرائيلية ومؤسساتها، قلة قليلة جداً من دروز الجولان خدمت في الجيش الإسرائيلي.

قضية رئيسية أخرى في هضبة الجولان، أن الدروز فيها لم يتمكنوا من إنتاج زعامة دينية، على غرار لبنان وسوريا، ودروز فلسطين أو عرب الـ48 في إسرائيل. في الجولان، هيئة دينية محلية في كل من القرى الأربع، تنسق وتتشاور، وتتخذ قراراتها بالإجماع، لكن لا مشيخة عقل فيها، ولا أي مرتبة دينية عليا أخرى. 

غياب شيخ للعقل ساهم في بقاء دروز الجولان على تخوم كل المناطق والصراعات في المنطقة. فإذا مال جزء منهم سياسياً إلى النظام السوري، عادلهم جزء يميل إلى المعارضة السورية، وإذا مال منهم جزء دينياً الى دروز لبنان، وازنهم جزء يميل الى دروز الـ48. وإذا حابى بعضهم موقف شيخ العقل يوسف جربوع، المعتبر موالياً للنظام في السويداء، انتصر بعضهم للموقف المعارض للشيخ حكمت الهجري. هذا الأمر نفسه، ينطبق على مواقف الجولانيين وانطباعاتهم تجاه هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما تلاه من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

هذا التوازن الصفري جعل من الجولان أشبه بمنطقة محايدة، تكاد همومها تنحصر  في مشاكلها اليومية، وأخبارها تكاد تكون مثلها مثل تلك الأخبار الآتية من بلدان العالم المتحضّر، كالخلاف على مواقع توربينات الهواء وأثرها البيئي والسكاني. 

لكن، في هذه المنطقة من العالم، لا أحد يمكنه البقاء وحيداً حتى لو أراد. إذ إن النظام السوري عاد إلى سياسة التصعيد والعنف مع دروز السويداء منذ انتفاضة آب 2023 وحراك الكرامة المعارض له. النظام، عبر مؤثّريه في السوشيال ميديا، لا يتوقف عن اتهام حراك السويداء بأنه مشروع انفصالي مرتبط بأجندة إسرائيلية. دروز الـ48، باتوا من الأهداف المفضّلة لمحور المقاومة والممانعة، عبر تضخيم دورهم في الحرب على غزة. “هدهد” حزب الله، طار مراراً فوق الجولان السوري المحتل، وصور مراراً ما وصفه بمواقع عسكرية إسرائيلية، يعتبرها أهدافاً مشروعة له. 

الجولان بعد 7 أكتوبر

خلال الأسابيع الماضية، سقطت رشقات صاروخية متعدّدة في محيط المناطق المأهولة في الجولان، في إطار القصف الذي ينفذه حزب الله على الشمال الإسرائيلي. وفي 28 تموز/ يوليو، انفجر صاروخ في مجدل شمس، ما أوقع 12 طفلاً قتيلاً. 

هوية أولئك الأطفال محيرّة؛ سوريون أم إسرائيلون، أو دروز، أو مجرد أطفال بلا أي هوية مركبة ولا بسيطة. وسائل الإعلام الغربية نقلت الخبر الرئيسي بمقتل 12 طفلاً إسرائيلياً، وفي التفاصيل أنهم دروز في هضبة الجولان السورية المحتلة. بينما الإعلام العربي والإسرائيلي، سرعان ما تلقّف الخبر بحرفيته ومهنيته، ليعمل فيه تحريفاً، دفاعاً عن هوية القاتل أو القتيل. البعض وجد في وصف القتلى كإسرائيليين مبرراً سياسياً لتصعيد عسكري، والبعض سخر من الدروز بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية لا يستحق مقتلهم رداً مهيباً. 

الجولانيون بدورهم، وقعوا تحت الصدمة، ولم يجدوا لديهم ما يتيح لهم تفسير ما حدث. وعلى رغم أن شريحة من الجولانيين يعتقدون أن حزب الله هو المسؤول عن هذه المقتلة، إلا أنهم رفضوا أن يكون مقتل أبنائهم مبرراً لقتل أطفال لبنانيين، في أي رد إسرائيلي محتمل على حزب الله. وخلال تشييع القتلى، طرد بعضهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهتف بعضهم الآخر صائحاً واصفاً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالقاتل. 

وحدهم أولئك الأطفال في ملعب كرة القدم، لم يفكروا بذلك كله. كانوا منشغلين بركل الكرة، في ذلك اليوم التموزي الحار، عندما أصابهم الصاروخ. أولئك الأطفال، كانوا محايدين، كذويهم، ولم يفكروا أصلاً بأنهم في حاجة الى بناء ملاجئ في هذه المنطقة المكتظّة بالأسلحة والعنف، والتفريق على الهوية،  وهذه هي خطيئتهم الأصلية.  

30.07.2024
زمن القراءة: 5 minutes

آخر ما سمعه أولئك الأطفال كان زمور إنذار، لم يمهلهم أكثر من بضع ثوانٍ قبل الانفجار، ولم يسمح لهم بإعادة اكتشاف أن مجدل شمس تخلو من ملاجئ تقيهم. إذ لم يكن لهؤلاء، ولا ذويهم، ثأر مع أي طرف، على رغم سكنهم قرب أكثر الجبهات العسكرية سخونة في العالم منذ خمسة عقود.

“يوم 28 تموز/ يوليو، لم تنجح أنظمة الدفاع الجوية الإسرائيلية، إن كانت قبة حديدة أو مقلاع داود، في اعتراض صاروخ فلق-1، إيراني الصنع، محملاً بـ52 كيلوغراماً من المتفجرات، قبل أن ينفجر في بلدة مجدل شمس في هضبة الجولان السورية المحتلة”. هذا ما تقوله الرواية الإسرائيلية، في حين نفى حزب الله أن يكون هو من أطلق الصاروخ. 

الصاروخ استهدف ملعب كرة قدم، فقتل 12 طفلاً دون السادسة عشرة، وأصيب العشرات غيرهم بجروح خطيرة. الأطفال كانوا يركلون الكرة بعد ظهيرة ذلك اليوم الحار، من دون أن تقلقهم مخاوف وقوعهم ضحية اشتباك إقليمي. 

آخر ما سمعه أولئك الأطفال كان زمور إنذار، لم يمهلهم أكثر من بضع ثوانٍ قبل الانفجار، ولم يسمح لهم بإعادة اكتشاف أن مجدل شمس تخلو من ملاجئ تقيهم. إذ لم يكن لهؤلاء، ولا ذويهم، ثأر مع أي طرف، على رغم سكنهم قرب أكثر الجبهات العسكرية سخونة في العالم منذ خمسة عقود.

هوية الجولانيين و”الوثيقة الوطنيّة”

في حرب الأيام الستة عام 1967، ترك الجيش السوري مواقعه في الجولان والقنيطرة، وانسحب اعتباطياً إلى العاصمة دمشق. ومذاك، وسكان قرى هضبة الجولان الأربع؛  مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قنيا، وهم من السوريين الدروز، باتوا ضمن حدود الدولة الإسرائيلية. 

حينها، لم يدفعهم أحد الى الرحيل والنزوح، لكن أحداً لم يساعدهم على البقاء. ولذا، وكما فعلوا في محطات كثيرة خلال تاريخهم الحديث، تمسك الدروز بأرضهم في الجولان، واستكملوا زراعتها وفلاحتها، مهما تعاقب عليهم من دول وممالك. 

في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1981، صوّت الكنيست الإسرائيلي على قانون مرتفعات الجولان، الذي يطبق القوانين الإسرائيلية على المنطقة، وهو الأمر الذي رفضه مجلس الأمن في قراره الرقم 497 المتخذ في 17 كانون الأول 1981، وكذلك عشرة آلاف شخص هم سكان القرى الأربع، الذي أصروا على انتمائهم السوري، وأصدروا ما سمّوه حينها “الوثيقة الوطنيّة” كبرنامج عمل لهم، ودخلوا بعدها إضراباً عامّاً لستة أشهر، فيما طبّق الجيش الإسرائيلي على تجمعاتهم السكانية حظراً للتجوال شلّ الحركة بين القرى.

في وادي الصراخ، الذي يفصل بلدة عين التينة السورية عن مجدل شمس، لطالما تبادل الأخوة الحديث عبر الحدود بمكبرات الصوت. وطيلة سنين طويلة، رُفعَ العلم السوري في مجدل شمس وجيرانها، في ذكرى الاستقلال السوري في 17 نيسان/ إبريل، وسط عصيانات مدنية متواصلة. 

رفض دروز الجولان الهوية الإسرائيلية بشكل جماعي، ونبذوا من بينهم مَن أغرته وسعى إليها. لكن، مع الوقت، وازدياد عدد السكان، والتحديات المجتمعية والاقتصادية، تراجع هذا الحاجز النفسي، وباتت المبررات أكثر منطقية، في ظل هوية سورية لا تنفع صاحبها في التنقل، ولا التجارة ولا الدراسة، ولا السفر. 

آخر ما سمعه أولئك الأطفال كان زمور إنذار، لم يمهلهم أكثر من بضع ثوانٍ قبل الانفجار، ولم يسمح لهم بإعادة اكتشاف أن مجدل شمس تخلو من ملاجئ تقيهم.

الثورة في سوريا و”التوازن الصفري”

في العام 2011، انقلب المزاج العام في الجولان على وقع الحرب التي شنّتها قوات النظام ضد السوريين المنتفضين، وأمام رهاب الحرب الأهلية المتنقلة، شاهد الجولانيون الحريق السوري عن كثب، بعدما اقترب كثيراً منهم، وطاول بلدة حضر الدرزية في الجانب السوري من الحدود، والتي حاصرتها فصائل المعارضة، بعدما تحصنت فيها ميليشيا الدفاع الوطني المحلية المدعومة من حزب التوحيد العربي للنائب اللبناني الدرزي وئام وهاب الموالي للنظام السوري. 

الجولانيون تعاضدوا وجمعوا التبرعات، مستفيدين من ظروفهم الاقتصادية الجيدة التي عززتها تسهيلات إسرائيلية، لدعم دروز السويداء السورية، الذين انحطت بهم الأحوال، وتركهم النظام في مواجهة التنظيمات الإرهابية، من “داعش” شرقاً و”النصرة” غرباً. 

ذلك كله غيّر المزاج الجولاني، وباتت الهوية الإسرائيلية أكثر قبولاً. اليوم، أكثر من خمسة آلاف شخص من أصل 25 ألفاً، حاصلون على الجنسية الإسرائيلية، ومعظمهم من الأجيال الجديدة. إذ مع الوقت، بات ثلثا الجولانيين من مواليد الدولة الإسرائيلية، بعد العام 1967.

 هذا الأمر لم ينعكس على التجنيد في جيش الدفاع الإسرائيلي، إذ ينطبق على دروز الجولان المجنسين إسرائيلياً ما ينطبق على دروز الـ48، والخدمة في الجيش تطوعية لا إلزامية. وعلى عكس دروز الـ48، الأكثر التصاقاً بالدولة الإسرائيلية ومؤسساتها، قلة قليلة جداً من دروز الجولان خدمت في الجيش الإسرائيلي.

قضية رئيسية أخرى في هضبة الجولان، أن الدروز فيها لم يتمكنوا من إنتاج زعامة دينية، على غرار لبنان وسوريا، ودروز فلسطين أو عرب الـ48 في إسرائيل. في الجولان، هيئة دينية محلية في كل من القرى الأربع، تنسق وتتشاور، وتتخذ قراراتها بالإجماع، لكن لا مشيخة عقل فيها، ولا أي مرتبة دينية عليا أخرى. 

غياب شيخ للعقل ساهم في بقاء دروز الجولان على تخوم كل المناطق والصراعات في المنطقة. فإذا مال جزء منهم سياسياً إلى النظام السوري، عادلهم جزء يميل إلى المعارضة السورية، وإذا مال منهم جزء دينياً الى دروز لبنان، وازنهم جزء يميل الى دروز الـ48. وإذا حابى بعضهم موقف شيخ العقل يوسف جربوع، المعتبر موالياً للنظام في السويداء، انتصر بعضهم للموقف المعارض للشيخ حكمت الهجري. هذا الأمر نفسه، ينطبق على مواقف الجولانيين وانطباعاتهم تجاه هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما تلاه من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

هذا التوازن الصفري جعل من الجولان أشبه بمنطقة محايدة، تكاد همومها تنحصر  في مشاكلها اليومية، وأخبارها تكاد تكون مثلها مثل تلك الأخبار الآتية من بلدان العالم المتحضّر، كالخلاف على مواقع توربينات الهواء وأثرها البيئي والسكاني. 

لكن، في هذه المنطقة من العالم، لا أحد يمكنه البقاء وحيداً حتى لو أراد. إذ إن النظام السوري عاد إلى سياسة التصعيد والعنف مع دروز السويداء منذ انتفاضة آب 2023 وحراك الكرامة المعارض له. النظام، عبر مؤثّريه في السوشيال ميديا، لا يتوقف عن اتهام حراك السويداء بأنه مشروع انفصالي مرتبط بأجندة إسرائيلية. دروز الـ48، باتوا من الأهداف المفضّلة لمحور المقاومة والممانعة، عبر تضخيم دورهم في الحرب على غزة. “هدهد” حزب الله، طار مراراً فوق الجولان السوري المحتل، وصور مراراً ما وصفه بمواقع عسكرية إسرائيلية، يعتبرها أهدافاً مشروعة له. 

الجولان بعد 7 أكتوبر

خلال الأسابيع الماضية، سقطت رشقات صاروخية متعدّدة في محيط المناطق المأهولة في الجولان، في إطار القصف الذي ينفذه حزب الله على الشمال الإسرائيلي. وفي 28 تموز/ يوليو، انفجر صاروخ في مجدل شمس، ما أوقع 12 طفلاً قتيلاً. 

هوية أولئك الأطفال محيرّة؛ سوريون أم إسرائيلون، أو دروز، أو مجرد أطفال بلا أي هوية مركبة ولا بسيطة. وسائل الإعلام الغربية نقلت الخبر الرئيسي بمقتل 12 طفلاً إسرائيلياً، وفي التفاصيل أنهم دروز في هضبة الجولان السورية المحتلة. بينما الإعلام العربي والإسرائيلي، سرعان ما تلقّف الخبر بحرفيته ومهنيته، ليعمل فيه تحريفاً، دفاعاً عن هوية القاتل أو القتيل. البعض وجد في وصف القتلى كإسرائيليين مبرراً سياسياً لتصعيد عسكري، والبعض سخر من الدروز بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية لا يستحق مقتلهم رداً مهيباً. 

الجولانيون بدورهم، وقعوا تحت الصدمة، ولم يجدوا لديهم ما يتيح لهم تفسير ما حدث. وعلى رغم أن شريحة من الجولانيين يعتقدون أن حزب الله هو المسؤول عن هذه المقتلة، إلا أنهم رفضوا أن يكون مقتل أبنائهم مبرراً لقتل أطفال لبنانيين، في أي رد إسرائيلي محتمل على حزب الله. وخلال تشييع القتلى، طرد بعضهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهتف بعضهم الآخر صائحاً واصفاً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالقاتل. 

وحدهم أولئك الأطفال في ملعب كرة القدم، لم يفكروا بذلك كله. كانوا منشغلين بركل الكرة، في ذلك اليوم التموزي الحار، عندما أصابهم الصاروخ. أولئك الأطفال، كانوا محايدين، كذويهم، ولم يفكروا أصلاً بأنهم في حاجة الى بناء ملاجئ في هذه المنطقة المكتظّة بالأسلحة والعنف، والتفريق على الهوية،  وهذه هي خطيئتهم الأصلية.