دخلت فلسطين في عام 2006 مرحلة جديدة اتّسمت بأزمات داخلية وخارجية وصراع على الحكم، إضافة إلى توتّرات أمنية في قطاع غزّة. فقد شهد القطاع أحداثاً دموية في أيلول/ سبتمبر 2006، عقب فوز حركة “حماس” في الانتخابات التشريعية، حيث قامت “القوّة التنفيذية” التابعة لها بالانقلاب على السلطة الفلسطينية، والسيطرة على القطاع بقوّة السلاح، مما أدّى إلى سقوط مئات الضحايا بين عناصر السلطة والمواطنين، فضلاً عن وقوع إصابات عديدة.
امتدّت هذه الأحداث حتى حزيران/ يونيو 2007، وأسفرت عن سيطرة كاملة لـ”حماس” على القطاع، مما أدخل فلسطين في مرحلة انقسام سياسي ما زالت قائمة حتى اليوم. ومنذ ذلك الحين، خضع قطاع غزّة لحكم “حماس”، وسط استمرار التوتّر الأمني مع إسرائيل، وتعرّض القطاع لخمس حروب دامية بين 2008 و2025، أودت بحياة آلاف الضحايا وألحقت دماراً شبه كامل بالبنية التحتية.
تحمّل المواطنون في غزّة وحدهم تبعات تلك الأوضاع، في ظلّ الحصار الخانق، وارتفاع معدّلات البطالة، وتراجع مستوى المعيشة بسبب السياسات التي انتهجتها “حماس”، وأدّى هذا إلى موجات من الغضب الشعبي، خرجت على إثرها مظاهرات في آذار/ مارس 2019، رفضاً للواقع القائم، وانتقاداً لحكم الحركة، وقد قوبلت هذه المظاهرات بالقمع العنيف، حيث أظهرت تسجيلات مصوّرة قوّات الأمن وهي تعتدي على المتظاهرين بالرصاص الحيّ والضرب والتنكيل، إضافة إلى اعتقال العشرات، بينهم ناشطون وصحافيون وعاملون في مجال حقوق الإنسان.
صوت المواطن
في خضم الحرب الدموية الحالية، دفعت الظروف المأساوية المواطنين إلى تنظيم تجمّعات احتجاجية، ففي 25 آذار/ مارس الماضي، خرج عشرات المواطنين قرب مخيّم للنازحين في بيت لاهيا شمال القطاع، مردّدين شعارات أبرزها “حماس برّا برّا”، وفقاً لمقاطع مصوّرة تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تمتدّ المظاهرات إلى مناطق أخرى.
هذه الاحتجاجات لم تكن الأولى؛ ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، خرجت مظاهرات مماثلة تحت شعار “بدنا كرامة”، وهو وسم انتشر عبر منصّات التواصل الاجتماعي في غزّة، للتعبير عن الغضب الشعبي بعد دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. وكما في الاحتجاجات السابقة، قوبلت هذه المظاهرات بالقمع وانتهت سريعاً.
رغم تزايد حجم الدمار والجوع والنزوح، لم تتغيّر سياسات “حماس”، إذ أقدمت أجهزتها الأمنية على قمع المتظاهرين وقتل عدد من الناشطين، بعضهم قضى تحت التعذيب أو عبر الإعدام الميداني، بحسب ما أظهرت مقاطع مصوّرة، وأدّت هذه الانتهاكات إلى تصاعد الغضب الشعبي، حيث أقدمت بعض العائلات على تصفية عناصر من “حماس” رداً على ممارساتها.
يقول المتظاهر سمير حسنية لموقع “درج”:
“مطالبنا واضحة؛ نحن الشعب الذي يدفع الثمن، يكفي حرباً ودماراً… نطالب حماس بالتنحّي عن الحكم، فقدنا كلّ شيء، حتى مستقبل أولادنا”.
أما ياسر حمادة، فقال:
“البرد والجوع أكلانا، والحياة لم تعد موجودة في غزّة. لا نريد هجرة أو نزوحاً أو حرباً، نريد حياة كريمة”.
إقرأوا أيضاً:
قلق من اندلاع حرب أهلية
حذّر الدكتور فادي نصّار الأكاديمي والباحث الفلسطيني، في حديثه لـ”درج”، من أن “حماس منذ انقلابها في عام 2007 تحاول فرض نفسها بديلاً عن منظّمة التحرير الفلسطينية، مما أحدث تغييرات اجتماعية وسياسية خطيرة داخل القطاع، أبرزها إراقة الدماء”، ورأى نصّار أن “استمرار التوتّر الداخلي ورفض حماس الاستماع للأصوات المعارضة، قد يقود إلى اندلاع حرب أهلية تُغرق القطاع في صراع داخلي جديد بعد الحرب الإسرائيلية”.
وفي السياق ذاته، عبّر عدد من القيادات الفلسطينية عن قلقهم إزاء تصاعد التوتّرات الداخلية، وسط اشتباكات متكرّرة بين العائلات والأجهزة الأمنية، محذّرين من خطورة المرحلة الراهنة في ظلّ الانفلات الأمني وغياب السلم المجتمعي.
ودعوا “حماس” إلى تصحيح مسارها، والعمل بروح وطنية تحقن الدماء، وتمنع تفاقم الفتنة الداخلية التي تصبّ في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي.
دعوات للحراك رفضاً لسياسات “حماس”
رمزي حرز الله الناشط السياسي وأحد المنشقّين عن “حماس”، أوضح لـ”درج” أن “المظاهرات الحالية خرجت بشكل عفوي، بعيداً عن أي تنظيم سياسي، وتمثّل صوت الشعب الفلسطيني وحده”، مؤكّداً أن “أي دعم من الفصائل الوطنية لصوت الشارع لا يُعدّ خيانة، بل تعزيز للوحدة الوطنية”.
وأشار حرز الله إلى أن “الإعلام الرسمي لا ينقل صوت المتظاهرين بشكل كافٍ، لذلك يعتمد الناشطون على نشر المقاطع المصوّرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، وأوضح أن “الحراك الأخير يختلف عن مظاهرات “بدنا كرامة” التي نُظّمت بداية العام، إذ إنه نشأ من تلقاء نفسه من دون تنسيق مسبق”، متوقعاً “استمرار خروج المواطنين للمطالبة بوقف الحرب وإنهاء حكم حماس”.
موقف “حماس”
امتنعت قيادات “حماس” عن التعليق على عمليات قمع المظاهرات وقتل المتظاهرين، إلا أن الحركة أصدرت بياناً رسمياً اعتبرت فيه أن الشعارات المعارضة لها “عفوية ولا تعكس الموقف الوطني العامّ”، مشيرة إلى أن “الضغوط التي يتعرّض لها سكّان القطاع، ومحاولات الاحتلال زرع الفتنة وراء هذه الاحتجاجات”.
في المقابل، دانت شخصيات وقيادات فلسطينية موقف “حماس”، واعتبر المتحدّث باسم حركة “فتح” في غزّة منذر الحايك، أن “على حماس أن تستمع إلى صوت المواطن الذي ضحّى بكلّ شيء من أجل الوطن، وأن تتوقّف عن قمع أبناء الشعب الفلسطيني”.
إقرأوا أيضاً: