fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

طائر اللقلق: نحبّه في وارسو ونقتله في عكار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يُعتبَر طائر اللقلق رمزاً وطنياً في بولندا، يعتبره البولنديون جالباً للحظ ودليلاً على الحياة العائلية، ويشكل جزءاً من التراث الشعبي، أما في لبنان فيطلق النار عليها حين تمر فوق سهل عكار الذي يقع على خطّ هجرة هذه الطيور.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وصل إلى بريدي الإلكتروني رسالة من بلدية المنطقة التي أسكن فيها في بولندا، بالقرب من العاصمة وارسو، تُفيد بأن البلدية في صدد تنفيذ مشروع لتركيب كاميرات عالية الدقّة على أعشاش طائر اللقلق الموجود بكثرة في هذه المنطقة، وذلك بهدف تمكين سكان البلدة الراغبين، وخاصّة الأطفال، من مراقبة حياة هذه الطيور. ختموا الرسالة بجملة: “إنها مبادرة مثيرة للاهتمام ومنخفضة التكلفة ستقرّبنا من حياة الطيور، التي نعتقد أننا جميعاً نحبّها”. 

البارحة، شاهدت فيديو لعملية إطلاق النار على أسراب من تلك الطيور في منطقة العريضة في عكار، القريبة من بلدتي التي ولدت وترعرعت فيها. هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها، بل تتكرّر في كلّ سنة، وخصوصاً في منطقة سهل عكار التي تقع على خطّ هجرة هذه الطيور، ويستمرّ هذا الواقع على الرغم من محاولات وزارة البيئة والجمعيات المتخصّصة حماية الطيور لوقف هذه الممارسة. 

خلال الفترة نفسها من العام الماضي، دخل أحد زملائي في العمل إلى المكتب ليُريني فيديو مشابه تمّ التقاطه في منطقة الشيخ زناد في عكار، حيث تمّ إطلاق النار بكثافة أيضاً على تلك الطيور. كان هناك نصّ فوق الفيديو مكتوب باللغة البولندية، وشرح لي أن من قام بنشر هذا الفيديو صفحة معروفة بانتمائها إلى اليمين المتطرّف هنا، وتقوم بنشر مقاطع تعزّز الكراهية تجاه اللاجئين والعرب، وقد قاموا بنشر الفيديو مع نصّ يتّهم من يقتلون تلك الطيور بأنهم “همج وبرابرة”. نظرت إلى زميلي وقلت له: “إنها المرة الوحيدة التي أوافق فيها على شيء يقوله اليمين المتطرّف”.

يُعتبَر طائر اللقلق رمزاً وطنياً في بولندا، وتشير التقديرات إلى وجود ما يقارب الخمسين ألف طائر لقلق، مما يجعلها الدولة الأكثر استضافة لهذا الطائر. يعتبره البولنديون جالباً للحظ ودليلاً على الحياة العائلية، ويشكل جزءاً من التراث الشعبي، حيث تُروى عنه الحكايات والأساطير، فمن هنا انطلقت في القرن السادس عشر أسطورة أن هذا الطائر هو الذي يحمل الأطفال حديثي الولادة إلى عائلاتهم، ولهذا يُعتبَر هذا الطائر رمزاً للخصوبة. حتى أن بعض الباحثين الأوروبيين في الفولكلور والأساطير الشعبية، يربطون بين البجع واللقلق بالكاثوليكية والبعث وتربية الأطفال، بالإضافة إلى ارتباطه بالتقاليد الوثنية التي كانت تقوم على فكرة أن موسم الزواج كان يتم خلال الانقلاب الصيفي، بالتزامن مع هجرة اللقلق السنوية من أوروبا نحو إفريقيا، حيث تعود هذه الطيور بعد ذلك في الربيع التالي، أي بعد تسعة أشهر، لوضع صغارها في الوقت نفسه تقريباً الذي يولد فيه الكثير من الأطفال.

على الصعيد البيئي، يلعب اللقلق دوراً كبيراً في النظام البيئي في بلد زراعي كبولندا، حيث يقتات هذا الطائر على الديدان والحشرات والقوارض، الأمر الذي يحافظ على التوازن البيئي. يُعتبَر منظر أعشاش هذه الطيور المبنية على أسطح المنازل أو العواميد أو الأشجار العالية، منظراً مألوفاً في الريف البولندي.

A screenshot of a computer Description automatically generated
طريق هجرة طائر اللقلق فوق لبنان

يُهاجر اللقلق تاركاً بولندا مع بداية فصل الشتاء، ويتّجه إلى البلاد الدافئة في إفريقيا، سالكاً مسارات هجرة محدّدة، حيث يتجنب الطيران فوق المسطحات المائية الكبيرة، وذلك لاعتماده على التيارات الحرارية الدافئة. لذلك يفضّل دائماً المسارات البرية. وهناك مساران لهجرته: مسار يمر عبر مضيق جبل طارق، ومسار آخر يمر عبر تركيا وبلاد الشام وصولاً إلى شرق إفريقيا، حيث تقطع هذه الطيور قرابة العشرة آلاف كيلومتر لتستقرّ في البلاد الدافئة، متجنّبة مناطق إفريقيا الشديدة الحرارة. خلال رحلته الطويلة، يعتمد على الطيران النهاري ليستفيد من التيارات الهوائية الدافئة التي ترفعه، ويرتاح ليلاً عندما يبرد الهواء بعد أن يكون قد أنهكه التعب، لذلك يصبح هدفاً سهلاً للصيادين.

يُشير المتخصّصون في حركة الطيور المهاجرة إلى أن لطائر اللقلق ذاكرة تجعله، وعلى مرّ السنين، يتجنّب المناطق التي يتعرّض فيها لإطلاق النار. وأيضاً أشارت تلك الدراسات إلى أنه في رحلة الهجرة السنوية، يسبق الذكر الأنثى بأربعة أيام، يتفقّد فيها حال العشّ، ويقوم بترميمه وإصلاحه، وجعله جاهزاً لاستقبال الأنثى، ثم يُجريان طقوس التزاوج، حيث تضع الأنثى بين 3 إلى 5 بيضات، وتستغرق عملية الاحتضان قرابة الشهر ليخرج الصغار إلى الحياة، وبعد بضعة شهور تصبح جاهزة للانطلاق في رحلتها السنوية من أواسط شهر آب. يهتمّ عدد كبير من البولنديين بتّتبع مسارات الهجرة هذه، حيث يقومون بتركيب أجهزة تتبّع عبر الأقمار الصناعية على بعض الطيور لمراقبة رحلاتها الطويلة.

في لبنان، وبحسب موقع Wild Lebanon، تجتاز هذه الطيور خطّ طيران يمرّ فوق المناطق الساحلية والداخلية، متوجّهة نحو الأراضي الفلسطينية لتتابع من هناك مسارها، فتقطع مناطق عكار والضنيّة بشكل أساسي، وصولاً إلى مناطق المتن، ومن ثم الشوف والجنوب اللبناني، بالإضافة إلى مسار آخر يمرّ بالقرب من نهر الليطاني، مروراً بمستنقعات عمّيق وسدّ القرعون، وتسلك تقريباً المسار نفسه في طريق عودتها. بحسب منظمة BirdLife، وهي منظمة أوروبية مركزها في بروكسل تسعى للحفاظ على الطيور والتنوع البيولوجي، يحتل لبنان المرتبة الثانية من حيث الأهمية بالنسبة للطيور المهاجرة أثناء سفرها بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا. إلا أن لبنان يُعتبَر نقطة سوداء على مسارات الهجرة، لأن سماءه مكان خطر للطيران، حيث يتمّ إسقاط ملايين الطيور في كلّ عام.

تحاول بعض السفارات الأوروبية، وخصوصاً السفارة البولندية، العمل على حماية مسارات الهجرة، وذلك عبر دعمها جهود بعض الجمعيات المحلّية، التي تعمل على حماية هذه الطيور وإنقاذها معالجتها، أو عبر زيارات ممثّليها بعض البلديات أو المحافظات، واللقاءات التي يعقدونها مع ممثّلي السلطات المحلّية، لحثّهم على بذل جهود أكبر في حماية هذه الطيور ومعاقبة الفاعلين. بالإضافة إلى الضغط على السلطات الأمنية لحمايتها، خصوصاً أن القانون اللبناني يمنع الصيد الجائر، وطائر اللقلق محميّ بموجب معاهدات ومواثيق دولية.

كانت السفارة البولندية قد نشرت العديد من الصور والمناشير التحذيرية على صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، داعية اللبنانيين إلى عدم إطلاق النار على هذه الطيور، وداعية الدولة إلى اتخاذ إجراءات لحمايتها. لا يوجد مبرّر لقتل طيور اللقلق، فلا استفادة تُرجى منها، فهي غير صالحة للأكل، إن كان ذلك مبرّراً للبعض لقتلها. إنه إجرام فقط من أشخاص لن يردعهم إلا القانون والعقوبات ليتوقّفوا عن القيام بتلك الممارسات المشينة.

10.04.2025
زمن القراءة: 4 minutes

يُعتبَر طائر اللقلق رمزاً وطنياً في بولندا، يعتبره البولنديون جالباً للحظ ودليلاً على الحياة العائلية، ويشكل جزءاً من التراث الشعبي، أما في لبنان فيطلق النار عليها حين تمر فوق سهل عكار الذي يقع على خطّ هجرة هذه الطيور.

وصل إلى بريدي الإلكتروني رسالة من بلدية المنطقة التي أسكن فيها في بولندا، بالقرب من العاصمة وارسو، تُفيد بأن البلدية في صدد تنفيذ مشروع لتركيب كاميرات عالية الدقّة على أعشاش طائر اللقلق الموجود بكثرة في هذه المنطقة، وذلك بهدف تمكين سكان البلدة الراغبين، وخاصّة الأطفال، من مراقبة حياة هذه الطيور. ختموا الرسالة بجملة: “إنها مبادرة مثيرة للاهتمام ومنخفضة التكلفة ستقرّبنا من حياة الطيور، التي نعتقد أننا جميعاً نحبّها”. 

البارحة، شاهدت فيديو لعملية إطلاق النار على أسراب من تلك الطيور في منطقة العريضة في عكار، القريبة من بلدتي التي ولدت وترعرعت فيها. هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها، بل تتكرّر في كلّ سنة، وخصوصاً في منطقة سهل عكار التي تقع على خطّ هجرة هذه الطيور، ويستمرّ هذا الواقع على الرغم من محاولات وزارة البيئة والجمعيات المتخصّصة حماية الطيور لوقف هذه الممارسة. 

خلال الفترة نفسها من العام الماضي، دخل أحد زملائي في العمل إلى المكتب ليُريني فيديو مشابه تمّ التقاطه في منطقة الشيخ زناد في عكار، حيث تمّ إطلاق النار بكثافة أيضاً على تلك الطيور. كان هناك نصّ فوق الفيديو مكتوب باللغة البولندية، وشرح لي أن من قام بنشر هذا الفيديو صفحة معروفة بانتمائها إلى اليمين المتطرّف هنا، وتقوم بنشر مقاطع تعزّز الكراهية تجاه اللاجئين والعرب، وقد قاموا بنشر الفيديو مع نصّ يتّهم من يقتلون تلك الطيور بأنهم “همج وبرابرة”. نظرت إلى زميلي وقلت له: “إنها المرة الوحيدة التي أوافق فيها على شيء يقوله اليمين المتطرّف”.

يُعتبَر طائر اللقلق رمزاً وطنياً في بولندا، وتشير التقديرات إلى وجود ما يقارب الخمسين ألف طائر لقلق، مما يجعلها الدولة الأكثر استضافة لهذا الطائر. يعتبره البولنديون جالباً للحظ ودليلاً على الحياة العائلية، ويشكل جزءاً من التراث الشعبي، حيث تُروى عنه الحكايات والأساطير، فمن هنا انطلقت في القرن السادس عشر أسطورة أن هذا الطائر هو الذي يحمل الأطفال حديثي الولادة إلى عائلاتهم، ولهذا يُعتبَر هذا الطائر رمزاً للخصوبة. حتى أن بعض الباحثين الأوروبيين في الفولكلور والأساطير الشعبية، يربطون بين البجع واللقلق بالكاثوليكية والبعث وتربية الأطفال، بالإضافة إلى ارتباطه بالتقاليد الوثنية التي كانت تقوم على فكرة أن موسم الزواج كان يتم خلال الانقلاب الصيفي، بالتزامن مع هجرة اللقلق السنوية من أوروبا نحو إفريقيا، حيث تعود هذه الطيور بعد ذلك في الربيع التالي، أي بعد تسعة أشهر، لوضع صغارها في الوقت نفسه تقريباً الذي يولد فيه الكثير من الأطفال.

على الصعيد البيئي، يلعب اللقلق دوراً كبيراً في النظام البيئي في بلد زراعي كبولندا، حيث يقتات هذا الطائر على الديدان والحشرات والقوارض، الأمر الذي يحافظ على التوازن البيئي. يُعتبَر منظر أعشاش هذه الطيور المبنية على أسطح المنازل أو العواميد أو الأشجار العالية، منظراً مألوفاً في الريف البولندي.

A screenshot of a computer Description automatically generated
طريق هجرة طائر اللقلق فوق لبنان

يُهاجر اللقلق تاركاً بولندا مع بداية فصل الشتاء، ويتّجه إلى البلاد الدافئة في إفريقيا، سالكاً مسارات هجرة محدّدة، حيث يتجنب الطيران فوق المسطحات المائية الكبيرة، وذلك لاعتماده على التيارات الحرارية الدافئة. لذلك يفضّل دائماً المسارات البرية. وهناك مساران لهجرته: مسار يمر عبر مضيق جبل طارق، ومسار آخر يمر عبر تركيا وبلاد الشام وصولاً إلى شرق إفريقيا، حيث تقطع هذه الطيور قرابة العشرة آلاف كيلومتر لتستقرّ في البلاد الدافئة، متجنّبة مناطق إفريقيا الشديدة الحرارة. خلال رحلته الطويلة، يعتمد على الطيران النهاري ليستفيد من التيارات الهوائية الدافئة التي ترفعه، ويرتاح ليلاً عندما يبرد الهواء بعد أن يكون قد أنهكه التعب، لذلك يصبح هدفاً سهلاً للصيادين.

يُشير المتخصّصون في حركة الطيور المهاجرة إلى أن لطائر اللقلق ذاكرة تجعله، وعلى مرّ السنين، يتجنّب المناطق التي يتعرّض فيها لإطلاق النار. وأيضاً أشارت تلك الدراسات إلى أنه في رحلة الهجرة السنوية، يسبق الذكر الأنثى بأربعة أيام، يتفقّد فيها حال العشّ، ويقوم بترميمه وإصلاحه، وجعله جاهزاً لاستقبال الأنثى، ثم يُجريان طقوس التزاوج، حيث تضع الأنثى بين 3 إلى 5 بيضات، وتستغرق عملية الاحتضان قرابة الشهر ليخرج الصغار إلى الحياة، وبعد بضعة شهور تصبح جاهزة للانطلاق في رحلتها السنوية من أواسط شهر آب. يهتمّ عدد كبير من البولنديين بتّتبع مسارات الهجرة هذه، حيث يقومون بتركيب أجهزة تتبّع عبر الأقمار الصناعية على بعض الطيور لمراقبة رحلاتها الطويلة.

في لبنان، وبحسب موقع Wild Lebanon، تجتاز هذه الطيور خطّ طيران يمرّ فوق المناطق الساحلية والداخلية، متوجّهة نحو الأراضي الفلسطينية لتتابع من هناك مسارها، فتقطع مناطق عكار والضنيّة بشكل أساسي، وصولاً إلى مناطق المتن، ومن ثم الشوف والجنوب اللبناني، بالإضافة إلى مسار آخر يمرّ بالقرب من نهر الليطاني، مروراً بمستنقعات عمّيق وسدّ القرعون، وتسلك تقريباً المسار نفسه في طريق عودتها. بحسب منظمة BirdLife، وهي منظمة أوروبية مركزها في بروكسل تسعى للحفاظ على الطيور والتنوع البيولوجي، يحتل لبنان المرتبة الثانية من حيث الأهمية بالنسبة للطيور المهاجرة أثناء سفرها بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا. إلا أن لبنان يُعتبَر نقطة سوداء على مسارات الهجرة، لأن سماءه مكان خطر للطيران، حيث يتمّ إسقاط ملايين الطيور في كلّ عام.

تحاول بعض السفارات الأوروبية، وخصوصاً السفارة البولندية، العمل على حماية مسارات الهجرة، وذلك عبر دعمها جهود بعض الجمعيات المحلّية، التي تعمل على حماية هذه الطيور وإنقاذها معالجتها، أو عبر زيارات ممثّليها بعض البلديات أو المحافظات، واللقاءات التي يعقدونها مع ممثّلي السلطات المحلّية، لحثّهم على بذل جهود أكبر في حماية هذه الطيور ومعاقبة الفاعلين. بالإضافة إلى الضغط على السلطات الأمنية لحمايتها، خصوصاً أن القانون اللبناني يمنع الصيد الجائر، وطائر اللقلق محميّ بموجب معاهدات ومواثيق دولية.

كانت السفارة البولندية قد نشرت العديد من الصور والمناشير التحذيرية على صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، داعية اللبنانيين إلى عدم إطلاق النار على هذه الطيور، وداعية الدولة إلى اتخاذ إجراءات لحمايتها. لا يوجد مبرّر لقتل طيور اللقلق، فلا استفادة تُرجى منها، فهي غير صالحة للأكل، إن كان ذلك مبرّراً للبعض لقتلها. إنه إجرام فقط من أشخاص لن يردعهم إلا القانون والعقوبات ليتوقّفوا عن القيام بتلك الممارسات المشينة.

10.04.2025
زمن القراءة: 4 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية