يُنشر بالتعاون مع “روزنة”
“راتبي لا يكفي لدفع أجرة المواصلات”، هكذا تختصر ميرنا، وهي معلمة لغة عربية في القطاع الرسمي اللبناني، معاناة الأساتذة الذين يواصلون إضرابهم.
وتحذو حذوها نانسي، وهي معلّمة علوم في الدوام المسائي المخصص لتعليم الطلاب السوريين، وتقول: “وعدونا إنو الجهات المانحة بدا تعطينا 130 دولاراً بالشهر و100 ألف ليرة عكل ساعة تعليم، وكل مرة وعد جديد، وبالآخر ما عطونا شي. كل وعود وزارة التربية كذب ومراوغة”.
إلا أن الأمر لم يقف هنا، إذ يبدو أن السلطة تريد تحويل المشكلة إلى مواجهة بين الطلاب السوريين والأساتذة، فقد انتشر فيديو يوثّق طرد أساتذة في الهرمل، في البقاع الشمالي، طلاباً سوريين من أمام المدرسة. “أخبروا الأمم المتحدة ألا تعليم لكم في مدارسنا، لن نقبل أن يبقى أولادنا في المنزل وأنتم تكملون تعليمكم”.. بهذه الكلمات طردت معلمات معتصمات التلاميذ السوريين.
تصرّف المعلمات غير المبرر، جاء بعد إعلان الأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الإضراب العام، رداً على “إهانة” وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، بإعلانه “دعم إنتاج المعلمين بـ 5 دولارات يومياً”، قبل أن يتراجع عن ذلك.
ونتيجة لإعلان الأساتذة في المدارس الرسمية الإضراب العام والشامل إلى حين تحسين أوضاعهم المعيشية، ردّ وزير التربية على خطوة الأساتذة بالإعلان عن توقف التعليم في دوام بعد الظهر لغير اللبنانيين، عملاً بمبدأ المساواة.
مرة أخرى تلجأ السلطات اللبنانية إلى قرارات تعسفية لا تخلو من العنصرية والتمييز بين التلاميذ، وتهديد حقّهم الطبيعي في التعليم، ويدفع الطلاب السوريون الثمن الأكبر، فبدل البحث عن حل حقيقي للمشكلة، يتم اللجوء إلى ممارسات غير إنسانية. وبذلك، فإن معاناة الأساتذة وقرارهم الإضراب في التعليم الرسمي وفي تعليم التلامذة السوريين، تقابلها معاناة أخرى يتكبّدها الطلاب وأهاليهم من ذوي الدخل المحدود أو من اللاجئين الذين يعدون من الأكثر فقراً، فالمدارس مقفلة حتى إشعار آخر، أي حتى رفع الرواتب والمحفزات.
“أخبروا الأمم المتحدة ألا تعليم لكم في مدارسنا، لن نقبل أن يبقى أولادنا في المنزل وأنتم تكملون تعليمكم”
تسرّب مدرسي وأطفال في سوق العمل
تحتضن المدارس الرسمية في لبنان أكثر من 170 ألف لاجئ سوري مسجلّين في نحو 350 مدرسة رسمية في الدوام المسائي، في مقابل 235 ألف طالب لبناني.
نصف الأطفال السوريين، وفق “يونيسف”، خارج المدارس؛ سواء في الداخل السوري أم في بلدان اللجوء. ووفق ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم “مفوضية اللاجئين” في لبنان، 30 في المئة من الأطفال السوريين الموجودين في لبنان لم يذهبوا إلى المدرسة إطلاقاً، وانخفض الالتحاق بالمدارس الابتدائية بنسبة 21 في المئة على الأقل عام 2022 وحده.
كما أظهر تقييم الضعف السنوي للاجئين السوريين، الذي أجرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي و”اليونيسف”، أن عدد الأطفال السوريين اللاجئين الذين يعملون ارتفع أكثر من الضعف بين عامي 2019 و2021، ووصل إلى 82527 طفلاً، غالبيتهم ذكور. وهو تحقيق عملنا عليه في وقت سابق وأظهر حجم مأساة الأطفال السوريين الذين ينغمسون في سوق العمل اللبناني وسط ظروف قاسية، ويتعرضون للعنف والتهميش لتأمين قوتهم وقوت عائلاتهم.
وقد أفاد شركاء “اليونيسف” بأن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة أعوام، يعمل كثر منهم حالياً في الشوارع والمزارع، ما يعرّضهم لخطر الإصابة بحروق خطيرة أو حتى الموت. إلى ذلك، يتعرض هؤلاء الأطفال لتهديدات أخرى، من بينها الإساءة والعنف والاستغلال الجنسي.
وفي جولة على بعض الأهالي السوريين، كانت الإجابة شبه موحدة، وهي أن الأوضاع المعيشية تعيق تعليم أولادهم. ويقول محمد، وهو أب لخمسة أطفال: “المدرسة بعيدة عن المخيم والمواصلات غالية أصلاً. إذا الواحد بدو يشتري قلم ودفتر لإبنو صار عايز ميزانية”. ويتابع: “رغم هالشي كنت عم بتدين لأمّن لأولادي الحد الأدنى، بس هلق سكرت المدارس وسكرت الدني بوجي”. يضيف محمد: “ابني الكبير نابغة وحابب يدرس طبيب… خايف ما اقدر أمنلو طموحو وحققلو أحلامو”.
إقرأوا أيضاً:
خيمة نموذجية للتعليم
“كنت في أحد المخيمات قبل أشهر قليلة، فوجئت بصبي عمره نحو 13 سنة، لم يستطع كتابة اسمه. من هنا قررت جمع تبرعات لبناء خيم نموذجية مع أساتذة من مختلف الاختصاصات، بدأنا في خيمة واحدة والآن أنشأنا خمس خيم في شمال لبنان لتعليم الأطفال، وتسجّل معنا 150 طالباً حتى الآن”، يشرح الناشط السوري خضر الضبي، عن المبادرة التي قام بها لتخفيف حدّة الأمّية وتأمين ما يمكن من التعليم للطلاب السوريين. ويضيف: “أحاول أن أفعل ما في وسعي حتى أساعد هؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم بكل ما يحدث، ومن حقهم أن يتعلموا ويحققوا أحلامهم”، معرباً عن سعادته بأن الطلاب يتطورون ويتعلّمون مهارات ومعارف جديدة.
قصة خضر الذي يعمل أيضاً على تصوير أطفال المخيمات وتوثيق قصصهم وضحكاتهم، حبة أمل صغيرة، وسط هذا القحط الكثير، إلا أن مبادرة فردية ومحلية محدودة جغرافياً ومادياً، لا تكفي لحل الأزمة الممتدة. إذ تحتاج أزمة التعليم إلى حلول عميقة وحقيقية لمنع أشكال التمييز بين الطلاب، حتى تكون المدرسة حقاً طبيعياً لأي طفل…
إقرأوا أيضاً: