“قدرت إله سعادت” هو مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة “فولاذ إيران”، ونجله “مهرداد” مديرها العام. وبما أن الشركة مقرها مدينة “رشت” على شواطئ قزوين، فإن نشاطها الأولي كان تصدير الفولاذ إلى أفغانستان القريبة. لكن دائرة العمل سرعان ما اتسعت إلى دول أخرى، رغم أن تراكم العقوبات حدّ من إمكانات الشركة واحتمالات نموّها.
“كمال الدين مهرداد بزركيان” هو رجل أعمالٍ إيراني أيضاً، ونجل “مهرداد بزركيان”، عضو اتحاد مصدّري الفواكه والخضار والورود الإيرانية. وهو مثل آل سعادت، رجل أعمالٍ أيضاً، لكن في مجال مختلف.
“سيد محمد صادق قائمقامي نجفي، رجل دين ومستشار المركز العالمي للحوار بين الحضارات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ووالده من قياديي الثورة.
ماذا يجمع هذه الأسماء السابقة؟
جميعهم، يُضاف إليهم الإيراني “بهمن رمضان أخوان”، شركاء للإعلامي والنائب السابق ناصر قنديل في شركة Capture central east Offshore (كبتشر سنترال إيست أوفشور ش.م.ل.)، التي ظهرت ضمن سجلات لبنان، وتم تسريبها من خلال وثائق بارادايز التي نشرها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ.
ما هي شركات الأوفشور؟
شركات الأوفشور ينحصر نشاطها خارج لبنان، وبدأ العمل بها في لبنان خلال عهد الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل، بموجب مرسوم اشتراعي رقمه 83/46، بتاريخ 14 حزيران (يونيو) 1973. كان وزير المال في عهد الرئيس الجميّل الأول، عادل حمية، الذي عاد وتبوأ مناصب عدة في حكوماتٍ لاحقة. أمل العهد حينها بتنشيط الاقتصاد، من خلال استقطاب رؤوس أموالٍ لبنانية في الاغتراب، عبر شركات تُدير أعمالها خارج لبنان، ولا ترغب في تسديد الفاتورة الضرائبية المحلية.
لكن مثل هذه الشركات، ونظراً لإعفائها من الضرائب وبُعدها عن أعين الحكومات، سبق أن استُخدمت من دولٍ ومؤسساتٍ كبرى لتمويل عمليات تخدم مصالحها، وللتهرب من العقوبات والضرائب، أحياناً بمبالغ تجاوزت مليارات الدولارات. وفي لبنان، تُسدد هذه الشركات رسماً سنوياً ثابتاً فقط.
شركة “كبتشر سنترال إيست”، جزءٌ من شبكة تجارية وإعلامية، أسسها رجال أعمال ودين إيرانيون خلال العقد الماضي، وأظهرتها تسريبات السجل التجاري اللبناني. ولهذه الشبكة جانبان، أولهما شركات “أوفشور” تضم شخصياتٍ خارج الإطار الرسمي الإيراني، أي رجال أعمالٍ معروفين، ولا علاقة ظاهرة لهم بالسياسة، لكنهم لاعبون أساسيون في قطاعات اقتصادية حيوية، وثانيهما مؤسسات طباعة وإعلام، سُجلت كشركات محلية محدودة المسؤولية، وانتشرت منذ ثمانينات القرن الماضي بهدف توسيع رقعة النشاط الثقافي الخميني.
عام 2010: ما السر؟
تأسست الشركة الآنفة الذكر، بحسب السجل التجاري، في آب (أغسطس) 2010. ولهذا التاريخ دلالةٌ تُسعفنا في فهم خريطة شركات الأوفشور الإيرانية، وعددها كاملةً 23، أربع منها فقط تأسست قبل عام 2010، وهذا تاريخ يُمثل علامةً فارقةً لعالم الأعمال الايراني، نتيجة تصعيد واشنطن وحلفائها العقوبات على طهران.
صحيحٌ أن العقوبات الدولية على طهران بدأت منذ أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية، بعيد الثورة عام 1979. لكن عام 2010، شهد تصعيداً جديداً، تمثل في إقرار الكونغرس الأميركي قانون المحاسبة وسحب الاستثمارات والعقوبات الشاملة على إيران، بالتزامن مع إجراءاتٍ أوروبيةٍ مماثلة. وضع القانون قيوداً على مجمل الصادرات الإيرانية، وبينها قطاعي الغذاء والسجاد، (إلا إذا كانت هدايا شخصية لا تتجاوز قيمتها المئة دولار أميركي). كما شملت العقوبات أيضاً المصرف المركزي الإيراني، وبالتالي ضيّقت مجال التعاملات المالية على رجال الأعمال الإيرانيين.
أحد رجال الأعمال الإيرانيين أكد لـ”درج”، أن العقوبات زادت من متاعب التجار في التعامل مع المصارف الدولية، لذا لجأوا إلى فتح شركات “أوفشور”، لتسهيل التعاملات المالية، خصوصاً الحصول على رسائل اعتماد (Letter of Credit)، بما يتيح إجراء صفقاتٍ مع الخارج.
ووفقاً لمحامي لبناني له خبرة في تأسيس شركات “الأوفشور”، فإن زبائنه وجدوا العملية سهلةً جداً، لاسيما لناحية فتح حسابٍ مصرفي. لكن هذه الإجراءات باتت أخيراً أكثر صعوبةً، نتيجة العقوبات الأميركية، والتدقيق في عمل المصارف ونشاطها وزبائنها.
موالون للأسد مع شركاء إيرانيين
قبل عام 2010، شارك إيرانيون في تأسيس 4 شركات “أوفشور”، واحدة عام 2005، لها علاقة بمجال المقاولات، واثنتان في السنة التالية، وواحدة عام 2008. بين مؤسسي الشركات، شخصيات سياسية ومالية عراقية وسورية مثل “صائب النحاس”، القريب من النظام السوري. عام 2010 وحده، شهد تسجيل سبع شركاتٍ، تلتها ستٌ في العام التالي، ومثلها في السنوات اللاحقة.
لكن لبنان ليس على قائمة الدول التي يقصدها رجال أعمال إيرانيون لافتتاح مثل هذه الشركات، بحسب مصدر في عالم الأعمال الإيراني: “إذ نذهب عادةً إلى سنغافورة وشرق آسيا أو الدول الأوروبية، التي ما زالت خارج اتحاد القارة، وتُسهل مثل هذه الإجراءات. كما أن وجود رجل دينٍ إيراني على ارتباطٍ بالنظام بين الأسماء المسجلة، لا يُشبه المتعارف عليه في تأسيس شركاتٍ خارج إيران، بل داخلها، إذ يُساعد في الحصول على عقودٍ حكوميةٍ وتسهيل الأعمال بشكل عام. داخل إيران “مجالس الإدارة تُمثل خليطاً غريباً عجيباً يُشبه أكثر نُظُم تعامل رجال الأعمال مع ملالي النظام”.
رجل دين إيراني وعائلته
اللافت في الوثائق تقاطع رجال الدين. على سبيل المثال “سيد محمد صادق سيد مهدي قائمقامي نجفي”، شريكٌ لناصر قنديل في شركة “كابتشر إيست”، لكن ندى محمد صالح قائمقامي نجفي شريكةٌ أيضاً لمدير قناة “الميادين” غسان بن جدو في شركة “الميادين ش.م.ل. أوفشور”.
في كل شركات “الأوفشور” الإيرانية تمازجٌ مع لبنانيين وعراقيين وسوريين، إلا واحدة: شركة “الخطوط الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ش.م.ل. أوفشور”، ويملكها 3 إيرانيين.
وفقاً لمصادر على اطلاع بهذا الملف، فإن الشركات الإعلامية الممولة من إيران، إذا كانت “أوفشور” أو محلية، تعمل ضمن إدارة مؤسسةٍ واحدة، تضم مندوبين لها في الشركات، لتُراقب عمل الصحافيين الحلفاء، وتُبقيهم تحت المجهر مالياً. هذه الشهادة، تتطابق مع السجل التجاري المحلي، إذ أن الشركات الإعلامية تمتزج فيها الأسماء الإيرانية واللبنانية، مع حالات تكرارٍ بسيطة.
قبل الحرب.. شراكة مع إيران مختلفة
السجل المحلي هنا، دليل أيضاً على تاريخ العلاقات التجارية مع إيران. قبل عام 1975، لم يكن مالكو غالبية الشركات الإيرانية من مريدي النظام، أو مؤدلجين إسلاميين. فإلى جانب تجار السجاد العجمي والكريستال الإيراني، احتل التجار اليهود الإيرانيون المساحة الاقتصادية الأكبر في ستينات وسبعينات القرن الماضي، حين تحول لبنان إلى مقصدٍ للجاليات اليهودية من المنطقة.
بدلاً من “قائمقامي نجفي”، كان أمثال “زاده ياغوتل الياهو” و”فرنك شارل فرج” و”صبحي مزراحي” و”روفائيل ناتان سمره” و”إيزاك موسى حافظ”، هم من يديرون الشركات الإيرانية في لبنان مع شركاء من الطبقة المالية والتجارية اللبنانية.
لم يعد الوضع كذلك الآن..
[video_player link=””][/video_player]