fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

عباءات الانتهاكات بحق الأطفال والطفلات… وتواطؤنا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

10 مستشفيات وعيادات في فرنسا، جعل منها لو سكوارنيك مساحة مشرّعة لتنفيذ انتهاكاته على مدار 25 عاماً، من دون أن يتنبه له أحد، ومن دون أن تلتقطه أية كاميرا، أو تلحظه عين من أعين المساعدين والمساعدات والطواقم الطبية والإدارية، التي غالباً ما تكون هذه المؤسسات متخمة بها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.

“إن الضرر الذي تسببت فيه لا يمكن إصلاحه”، هذا ما قاله جويل لو سكوارنيك في افتتاح محاكمته في فرنسا، وهو جرّاح جهاز هضمي متقاعد، ومتّهم بارتكاب سلسلة من الانتهاكات بحقّ أطفال وطفلات، كان مسؤولاً عن توفير العلاج لهم/ ن. 

يواجه الجرّاح (74 عاماً)، تهماً بالاغتصاب والاعتداء الجنسي ضد 299 ضحية، معظمهم من الأطفال والطفلات، في قضية تتخطّى فرنسا وواقع الرعاية الصحية فيها، لتفتح باباً من الأسئلة العميقة المتعلّقة بأنماط السلطة المتعددة، التي تجنح إلى شكل من أشكال التملّك، والسيطرة، والإساءة، وإن جاءت تحت غطاء رعاية أو علاج.

10 مستشفيات وعيادات في فرنسا، جعل منها لو سكوارنيك مساحة مشرّعة لتنفيذ انتهاكاته على مدار 25 عاماً، من دون أن يتنبه له أحد، ومن دون أن تلتقطه أية كاميرا، أو تلحظه عين من أعين المساعدين والمساعدات والطواقم الطبية والإدارية، التي غالباً ما تكون هذه المؤسسات متخمة بها.

وكان المعتدي عينه، وبالرغم من إدانته في عام 2005 بتهمة حيازة صور مسيئة للأطفال، قد استمرّ في مزاولة مهنة الجراحة، متمكناً عبرها من متابعة اعتداءاته المتكررة والمنظّمة على شكل “ملامسات جنسية، وكذلك عمليات اختراق بحقّ بعض مرضاه، بخاصة الأطفال”، كما جاء في كلامه خلال التحقيق. 

إلا أن المجرم لم يتذكّر حادثة بعينها، أو طفلاً بعينه، وكأن ضحاياه لا أسماء لهم ولا شخصيات ولا كيانات، كأنهم امتداد للصور المسيئة التي كانت في حوزته، هكذا عبر هذا المجرم الصورة إلى حقيقة إجرامه، متكئاً على حصانة “الحكيم” الممنوحة له.

وهكذا استفرد المجرم الجرّاح بضحاياه، إذ ارتكب بين عامي 1986 و2014، جرائم اغتصاب وإساءة معاملة بحقّ مرضى في المستشفى، تتراوح أعمارهم بين عامين وبداية سن الرشد، وذلك في منطقة بريتاني في فرنسا، وهو بالإضافة إلى هذه المحاكمة، فقد أُدين في عام 2020، بالاعتداء على بنات أخيه وإحدى الجارات خارج المستشفى، وسعى أكثر من عشرة من مرضاه الى الانضمام للقضية الحالية ضدّه، لكن القانون الفرنسي منعهم بسبب انقضاء فترة التقادم البالغة 30 عاماً.  

ويواجه لو سكوارنيك عقوبة بالسجن تصل إلى 20 عاماً في حالة إدانته، تُضاف إلى 15 عاماً، يمضيها بالفعل بعد إدانته في عام 2020 باغتصاب أطفال والاعتداء جنسياً عليهم.

بدأت القضية في عام 2017، عندما قالت طفلة عمرها 6 سنوات، تعيش في جوار لو سكوارنيك، إنه تحرّش بها عبر السياج الذي يفصل بين منزليهما، ومن ثم كرّت سبحة التهم والاعترافات، التي لا تغسل إثم المجرم، ولكنها ربما تبرّد قلوب الضحايا، على رغم الأثر الجسيم الذي تتركه جريمة كهذه في أرواحهم/ ن.

هي مأساة بحقّ الأطفال والطفلات، تندرج في سياق سلسلة من الفضائح في المؤسسات الدينية والاجتماعية والصحية، كان الأكثر ضعفاً فيها عرضة لانتهاكات تحدث في ظلّ عباءة المعرفة السلطوية، مدعمّة بهياكل مؤسساتية تكتم الأصوات. ولا تزال قضية الأب بيار الكاهن الكاثوليكي الفرنسي الراحل، مؤسس منظّمة “إيماوس” الخيرية لمكافحة الفقر، تتفاعل، إذ أكّدت شهادات نساء، أن رجل الدين الذي كاد أن يلبس رداء القداسة، قد استغلّ عمل المنظّمة في عمليات اغتصاب وتحرّش جنسي، والكاهن الذي توفي في عام 2007 عن عمر 94 عاماً، كان يظهر بانتظام في استطلاعات الرأي، كواحد من أكثر الشخصيات شعبية في فرنسا الحديثة، بسبب جهوده الدؤوبة لمساعدة الفقراء والمشردين.

أَوَلم تكن فرنسا تحديداً، مسرحاً لاغتصابات منصور لبكي رجل الدين اللبناني، الذي على رغم إدانته من القضاء الفرنسي وإصدار حُرم كنسيّ بحقّه من روما، ما زال يعيش حريته في لبنان، وربما يرتكب انتهاكات إضافية؟

وعلى رغم الضجّة المُثارة حول محاكمة لو سكوارنيك، وبأنها ستشكّل مفصلاً أساسياً في نظام الرعاية الصحية المُثقل في فرنسا، لكنها بالفعل تأتي كتوصية إضافية بضرورة فتح ملف أشكال الرعاية المتعددة، صحية كانت، أم اجتماعية، أم دينية، حيث الباب مشرّع ومنذ زمن طويل، على شتّى أشكال الانتهاكات التي تلبس قناع المعرفة الغيبية، أو العلمية، أو المقنّعة بعمل الخير.

المقلق فعلياً في قضية الجرّاح المجرم، أنه على رغم إدانته لحيازته صوراً مسيئة للأطفال، لم يشكّل هذا للرقابة الطبية مؤشراً إلى خطورته، وكأن الخيط الرفيع الفاصل بين الحياة الشخصية والعمل المهني، لا يمكن عبوره عندما تتوافر الظروف الملائمة لذلك. ما قام به الجرّاح المجرم هو استباحة هذه الخيوط، كتأكيد أن موقفنا على المستوى الأخلاقي والقيمي في الحياة الخاصة، مرآة لما نحن عليه في المهنة، فإذا كان الجرّاح يُتيح صور الأطفال في الخاص، فماذا يردعه عن استباحة هذه الأجساد في المهنة، طالما أن حياته استمرّت على حالها، وشبكة علاقاته لم تتأثّر، وسلطته لم تقلّ؟ 

الحقيقة أن هناك تواطؤاً ضمنياً في كل ما نقوم به في حيواتنا، يُتيح للمجرم القابع في الظل، أن يتظهّر عندما تكون الظروف مؤاتية. وهنا أستعيد نقاشاً دار بيني وبين أحد الصحافيين يوماً، حين عبّرت له عن استهجاني لمناصرته الأب منصور لبكي على رغم كل ما أُدين به من تحرّش واعتداء على طفلات وفتيات. قال لي حينها الصحافي: “هلأ إذا زلمي اغتصب طفلة منبطّل نسلّم عليه إذا شفناه”. قرف يعتريني وأنا أكتب هذه السطور، وأتخيّل يد الصحافي تلمس اليد عينها التي استباحت أجساد الأطفال والطفلات. فكم من الأيدي امتدّت على أجساد الأطفال والطفلات والنساء، وما زال هناك أناس قادرون على مصافحتها تحت حجّة عدم التدخّل في الحياة الشخصية وما شابه.

أحمد حاج حمدو - - أحمد حاج بكري (سراج) مصعب الياسين - عمّار المأمون (درج) | 22.03.2025

سوريا: وثائق تكشف القصة الكاملة وراء إشراف نهلة عيسى على أفلام  وثائقية طلبتها المخابرات الجوّية

عام 2013، وبينما المظاهرات في سوريا تعمّ الشوارع، قررت "المخابرات الجوّية" إنتاج مجموعة أفلام وثائقيّة بناء على اعترافات معتقلين كانوا في عهدتها، واقتُرح إشراك مجموعة من الأساتذة الجامعيين في عملية صناعة الأفلام، على رأسهم الأستاذة في كلية الإعلام الدكتورة نهلة عيسى التي رُشحت لـ"إخراج" أحد الأفلام من "الناحية المنهجية".
13.03.2025
زمن القراءة: 4 minutes

10 مستشفيات وعيادات في فرنسا، جعل منها لو سكوارنيك مساحة مشرّعة لتنفيذ انتهاكاته على مدار 25 عاماً، من دون أن يتنبه له أحد، ومن دون أن تلتقطه أية كاميرا، أو تلحظه عين من أعين المساعدين والمساعدات والطواقم الطبية والإدارية، التي غالباً ما تكون هذه المؤسسات متخمة بها.

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.

“إن الضرر الذي تسببت فيه لا يمكن إصلاحه”، هذا ما قاله جويل لو سكوارنيك في افتتاح محاكمته في فرنسا، وهو جرّاح جهاز هضمي متقاعد، ومتّهم بارتكاب سلسلة من الانتهاكات بحقّ أطفال وطفلات، كان مسؤولاً عن توفير العلاج لهم/ ن. 

يواجه الجرّاح (74 عاماً)، تهماً بالاغتصاب والاعتداء الجنسي ضد 299 ضحية، معظمهم من الأطفال والطفلات، في قضية تتخطّى فرنسا وواقع الرعاية الصحية فيها، لتفتح باباً من الأسئلة العميقة المتعلّقة بأنماط السلطة المتعددة، التي تجنح إلى شكل من أشكال التملّك، والسيطرة، والإساءة، وإن جاءت تحت غطاء رعاية أو علاج.

10 مستشفيات وعيادات في فرنسا، جعل منها لو سكوارنيك مساحة مشرّعة لتنفيذ انتهاكاته على مدار 25 عاماً، من دون أن يتنبه له أحد، ومن دون أن تلتقطه أية كاميرا، أو تلحظه عين من أعين المساعدين والمساعدات والطواقم الطبية والإدارية، التي غالباً ما تكون هذه المؤسسات متخمة بها.

وكان المعتدي عينه، وبالرغم من إدانته في عام 2005 بتهمة حيازة صور مسيئة للأطفال، قد استمرّ في مزاولة مهنة الجراحة، متمكناً عبرها من متابعة اعتداءاته المتكررة والمنظّمة على شكل “ملامسات جنسية، وكذلك عمليات اختراق بحقّ بعض مرضاه، بخاصة الأطفال”، كما جاء في كلامه خلال التحقيق. 

إلا أن المجرم لم يتذكّر حادثة بعينها، أو طفلاً بعينه، وكأن ضحاياه لا أسماء لهم ولا شخصيات ولا كيانات، كأنهم امتداد للصور المسيئة التي كانت في حوزته، هكذا عبر هذا المجرم الصورة إلى حقيقة إجرامه، متكئاً على حصانة “الحكيم” الممنوحة له.

وهكذا استفرد المجرم الجرّاح بضحاياه، إذ ارتكب بين عامي 1986 و2014، جرائم اغتصاب وإساءة معاملة بحقّ مرضى في المستشفى، تتراوح أعمارهم بين عامين وبداية سن الرشد، وذلك في منطقة بريتاني في فرنسا، وهو بالإضافة إلى هذه المحاكمة، فقد أُدين في عام 2020، بالاعتداء على بنات أخيه وإحدى الجارات خارج المستشفى، وسعى أكثر من عشرة من مرضاه الى الانضمام للقضية الحالية ضدّه، لكن القانون الفرنسي منعهم بسبب انقضاء فترة التقادم البالغة 30 عاماً.  

ويواجه لو سكوارنيك عقوبة بالسجن تصل إلى 20 عاماً في حالة إدانته، تُضاف إلى 15 عاماً، يمضيها بالفعل بعد إدانته في عام 2020 باغتصاب أطفال والاعتداء جنسياً عليهم.

بدأت القضية في عام 2017، عندما قالت طفلة عمرها 6 سنوات، تعيش في جوار لو سكوارنيك، إنه تحرّش بها عبر السياج الذي يفصل بين منزليهما، ومن ثم كرّت سبحة التهم والاعترافات، التي لا تغسل إثم المجرم، ولكنها ربما تبرّد قلوب الضحايا، على رغم الأثر الجسيم الذي تتركه جريمة كهذه في أرواحهم/ ن.

هي مأساة بحقّ الأطفال والطفلات، تندرج في سياق سلسلة من الفضائح في المؤسسات الدينية والاجتماعية والصحية، كان الأكثر ضعفاً فيها عرضة لانتهاكات تحدث في ظلّ عباءة المعرفة السلطوية، مدعمّة بهياكل مؤسساتية تكتم الأصوات. ولا تزال قضية الأب بيار الكاهن الكاثوليكي الفرنسي الراحل، مؤسس منظّمة “إيماوس” الخيرية لمكافحة الفقر، تتفاعل، إذ أكّدت شهادات نساء، أن رجل الدين الذي كاد أن يلبس رداء القداسة، قد استغلّ عمل المنظّمة في عمليات اغتصاب وتحرّش جنسي، والكاهن الذي توفي في عام 2007 عن عمر 94 عاماً، كان يظهر بانتظام في استطلاعات الرأي، كواحد من أكثر الشخصيات شعبية في فرنسا الحديثة، بسبب جهوده الدؤوبة لمساعدة الفقراء والمشردين.

أَوَلم تكن فرنسا تحديداً، مسرحاً لاغتصابات منصور لبكي رجل الدين اللبناني، الذي على رغم إدانته من القضاء الفرنسي وإصدار حُرم كنسيّ بحقّه من روما، ما زال يعيش حريته في لبنان، وربما يرتكب انتهاكات إضافية؟

وعلى رغم الضجّة المُثارة حول محاكمة لو سكوارنيك، وبأنها ستشكّل مفصلاً أساسياً في نظام الرعاية الصحية المُثقل في فرنسا، لكنها بالفعل تأتي كتوصية إضافية بضرورة فتح ملف أشكال الرعاية المتعددة، صحية كانت، أم اجتماعية، أم دينية، حيث الباب مشرّع ومنذ زمن طويل، على شتّى أشكال الانتهاكات التي تلبس قناع المعرفة الغيبية، أو العلمية، أو المقنّعة بعمل الخير.

المقلق فعلياً في قضية الجرّاح المجرم، أنه على رغم إدانته لحيازته صوراً مسيئة للأطفال، لم يشكّل هذا للرقابة الطبية مؤشراً إلى خطورته، وكأن الخيط الرفيع الفاصل بين الحياة الشخصية والعمل المهني، لا يمكن عبوره عندما تتوافر الظروف الملائمة لذلك. ما قام به الجرّاح المجرم هو استباحة هذه الخيوط، كتأكيد أن موقفنا على المستوى الأخلاقي والقيمي في الحياة الخاصة، مرآة لما نحن عليه في المهنة، فإذا كان الجرّاح يُتيح صور الأطفال في الخاص، فماذا يردعه عن استباحة هذه الأجساد في المهنة، طالما أن حياته استمرّت على حالها، وشبكة علاقاته لم تتأثّر، وسلطته لم تقلّ؟ 

الحقيقة أن هناك تواطؤاً ضمنياً في كل ما نقوم به في حيواتنا، يُتيح للمجرم القابع في الظل، أن يتظهّر عندما تكون الظروف مؤاتية. وهنا أستعيد نقاشاً دار بيني وبين أحد الصحافيين يوماً، حين عبّرت له عن استهجاني لمناصرته الأب منصور لبكي على رغم كل ما أُدين به من تحرّش واعتداء على طفلات وفتيات. قال لي حينها الصحافي: “هلأ إذا زلمي اغتصب طفلة منبطّل نسلّم عليه إذا شفناه”. قرف يعتريني وأنا أكتب هذه السطور، وأتخيّل يد الصحافي تلمس اليد عينها التي استباحت أجساد الأطفال والطفلات. فكم من الأيدي امتدّت على أجساد الأطفال والطفلات والنساء، وما زال هناك أناس قادرون على مصافحتها تحت حجّة عدم التدخّل في الحياة الشخصية وما شابه.

13.03.2025
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية