لا تخفي سهى جواد إعلان دعمها الكلي لثورة الشعب الايراني ضد ظلم وقمع الملالي الممتد على عقود طويلة. سهى كانت قد خسرت شقيقها في الحرب العراقية-الايرانية، عام 1985، وبدأت فعلياً مذ ذلك الوقت كراهيتها لهذه “الجارة” بالمطلق، مصرحة بصوت عال ٍ: “كومة حجار ولا هالجار”، إلا أنها اليوم، بدأت تميّز: “كومة حجار ولا نظام هالجار”. ما يحدث في إيران أظهر لها ما لم تكن تلحظه أو ما كان غضبها قد أغفلها عن رؤيته وهو حقيقة وجود شعب إيراني حرّ كانت تقمعه سطوة النظام الحاكم.
“كان أخي يبلغ من العمر 23 عاماً فقط، حينما قتل، ما زالت صورته معلقة في البيت، ولم يمض على التحاقه للجبهة سوى يوم واحد، قبل أن تقرر الحرب أخذه، لم أفكر مذ ذلك الوقت بما يحدث في إيران، ولم اتخيل زيارتها، او معرفة شيء عنها، وما رسّخ الحقد داخلي كان بعد 2003، حينما توغلت إيران في الطين العراقي”.
التضامن “الانتقامي”
التضامن مع الثورة في إيران، يعني التضامن مع حرية العراق واطلاق سراحه من السجن الإيراني السياسي، بحسب سهى: “يجب أن نعلن تضامننا مع شعبها، والاعتراف بأن إيران الخمينية ليست مجرد بلد يقمع شعبه اليوم، بل قمع الشعب العراقي وتدخل في مصير شعوب كثيرة في المنطقة. لذا فإن موقفنا من النظام الإيراني ليس موقفاً إنسانياً محضاً، بل هو أيضا، جزء من الانتقام والتشفي من هذا النظام”، تعلن سهى بلا تردد.
توضح سهى، أن إيران التي تفرض حياة القرون الوسطى ونهج داعش بطريقة شيعية، استطاعت كذلك، مد نفوذها وتوسيعها، للمنطقة كلها، وبالتأكيد فإن العراق في المركز الأول لأسباب عديدة أولها الجيرة: “ما الذي نتخيله من الحكومة الإيرانية أو نتوقعه تجاه شعبها اليوم؟ وهي التي مسبقا قتلت متظاهري تشرين العراقيين بواسطة اتباعها وهم في بقعة جغرافية مختلفة؟ فقط لانها شعرت بالتهديد؟ إيران لا تتعامل بغير القمع”.
“يجب أن نعلن تضامننا مع شعبها، والاعتراف بأن إيران الخمينية ليست مجرد بلد يقمع شعبه اليوم، بل قمع الشعب العراقي وتدخل في مصير شعوب كثيرة في المنطقة”.
ايران التي تقتل متظاهري العراق
تظاهر الشعب العراقي ضد إيران وتدخلاتها في السياسة العراقية منذ عام 2011، عند أول التظاهرات المناهضة للحكومة العراقي بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتم قمعها بعد اعتقال عشرات المتظاهرين والناشطين، وعادت عام 2015 وايضاً تعرضت للقمع، لكن في عام 2019، كان التهديد الحقيقي لإيران، في الحقيقة لم يتظاهر العراقيين ضد سياسيين عراقيين، بل ضد سياسيين سلموا العراق على طبق من ذهب للجارة الاسلامية، فكان رد فعل الحرس الثوري وميليشياته عنيفاً فقتلوا أكثر من 600 من المتظاهرين والناشطين وجرحوا الآلاف.
تقول مروى الخالدي (33 عاماً) لـ”درج”: “لطالما كنت لا احب الايرانيين، ولا اتقبلهم، ولا اتقبل رؤيتهم في الشوارع العراقية دون سبب، بل لعله السبب الكبير الذي آذانا ولكنه لا يخرج لنا بصورة واضحة فيبدو وكأنه كرهاً عاماً، لكني اليوم أشعر بندم، كيف كنت امنحهم وأمنح نفسي ذلك الشعور؟ اتمنى ان يصحح جميع العراقيين فكرتهم عن الإيرانيين، لانها فكرة واحدة مطلقة وبدون تفكير، متوارثة نمطياً عبر الأجيال منذ الحرب الإيرانية العراقية، كان التلفزيون العراقي ينقل إلينا مشاهد من المعركة ويظهر الجنود الإيرانيين على انهم مرتزقة، فنسينا، اننا ايضا، قدمنا لهم ما يكفي من الموت في المعارك لدرجة انها كانت متساوية في الخراب”.
لكن المعركة واحدة اليوم، تتابع مروى، رغم تشعب الجبهات في أماكن عديدة، الا انها ضد عدو واحد، لا يريد سوى الاذى لجميع الدول التي يتدخل فيها. العراقيون يدركون حجم الدمار الذي سببه نظام الملالي في إيران: “قد يرى العالم أن الحرب مع الحكومة الايرانية هي حرب ضد حجاب، لكن الإيرانيين اليوم انفجروا بعد صبر طويل من حبس الحياة في قفص العمامة الخمينية، لقد منعوا عنهم الغناء والموسيقى والفن، يجبرون نسائهم على ارتداء الحجاب حتى في الافلام، ومنعوا الموسيقى غير الدينية، وإصدار الكتب بما يناسب أفكارهم”.
ايران وحلم الامبراطورية الاسلامية
يوضح الباحث العراقي مسلم الركابي، ان إيران “كادت أن تنجح بفرض سلطتها الدينية والسياسية على العراق عام 1991 في الانتفاضة ضد صدام حسين، ذلك أن أغلب مؤسسي الانتفاضة كانوا من منظمي حزب الدعوة التابع لإيران، وتوكّل النظام الإيراني تموليهم: “حلم ايران انتعش قبل الحرب في مطلع الثمانينات، وانكسر، وعاد في الانتفاضة الشعبانية، حيث تم قمعها من قبل صدام، وتم قتل أفراد خرجوا ضد صدام وطغيانه فقط، ولم يكونوا على علم بنوايا إيران أو حقيقة ما تريد فعله”.
بحسب الركابي، فان ايران، بعد الحرب على داعش، تعتبر نفسها قريبة جداً من تحقيق حلمها في العراق ولا يمكنها ابداً التنازل عنه، لذا فإنها ستضغط أكثر على رجال الدولة العراقية لضمان بقاء سطوتها.
“قد يظن البعض أن إيران ستنهمك بمواجهة الثائرات والثائرين ضدها، وتنسى قليلاً العراق او الدول الاخرى، لكن هذا الامر غير صحيح، ستحاول ايران الإبقاء على آليات القمع التي تمتلكها في الدول الأخرى التي تسيطر عليها”.
إقرأوا أيضاً:
هل تشعر بقيمة حريتك؟
“يا الهي انهم يحلمون بحياة مثل الآخرين، نعم قد لا نكون مهيئين للحديث عن الحياة، نحن الذين لم نر منها سوى الحروب، لكننا نحلم أحلامهم، ونطمح إلى نيل الحرية للعيش، فنفهم جيداً وتماما، ما يحتاجونه ويستحقّونه، جميعنا نريد أن نبدأ فعل الاشياء التي فعلها قبلنا العالم بمئة عام، أن نشعر بالهواء وهو يدغدغ شعورنا، ان نرقص في الشوارع ونغني دون عناء الخوف من الاعتقال، او التهديد، ارى النساء المقتولات في ايران بصورهن الجميلة والوان شعرهن الرائعة وكأنهن يعشن الحياة الحقيقية، لكن من تحت حجاب اجباري”. الكلمات لسجى أحمد، سيدة عراقية ترى في ما تفعله النساء الإيرانيات تحريراً لجميع النساء في العالم: “تحدث الثورات في كل مكان بالعالم، لكن هذه الثورة مؤثرة كثيرا، فلا يريد صناعها سوى ان يكونوا على طبيعتهم بأبسط الأمور، تلك التي يفعلها سكان الحدود الاخرى دون ان ينتبهوا لقيمتها، ان يكون شعرك هو ملك لك، قيمة ونعمة لا يشعر بها إلا من تُسلب منه”.
ضد ايران ومع الحجاب!
الحالة العراقية التي تبدو “غريبة” في تماسها مع ما يحدث في إيران، هي حالة التيار الصدري، الذي يقف في السياسة اليوم ضد إيران ويهتف أنصاره في التظاهرات ضدها: “التيار الصدري بقاعدته الشعبية الجماهيرية الكبيرة يقف مناصروه ضد أيِ تبعية ايرانية ولن يخضعوا لأي حالة ازدواج ونفاق وطني يمارسها من في السلطة ضد المواطنين اياً كانت انتماءاتهم وميولهم العقائدية والمدنية طالما أن الاصلاح هدفنا أولاً واخيراً”، يقول محمد الساعدي، احد اتباع التيار الصدري ومسؤول إحدى مكاتبه في العاصمة بغداد.
لكن الغريب والمريب أيضاً، في تفاعل الصدريين مع الحدث الإيراني الأخير، هو ارتباكهم ما بين الوقوف ضد النظام الإيراني سياسياً، وعدم قدرتهم على الوقوف ضده دينياً، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة الحجاب: “للقاعدة الصدرية ثوابتها وأركانها الدينية التي كانت ولازالت وستظل جزءاً لا يتجزأ من الطابع الإسلامي”، بحسب الساعدي، “نحن نتبع النهج الإسلامي الذي نعتقد بضرورة إشاعته في المجتمع وقطعاً هذا الطابع لن يتغير ولن يسمح بإدخال القيّم الغربية التخريبية كالحريات التي تضم بداخلها الشذوذ والعلاقات المحرمة والخلاعة التي تجرد المرأة عن حشمتها وحجابها واتزانها إلى مجتمعنا”، ليتحول حديث الصدريين في معرض معارضة النظام الإيراني ليبدو كأنه نسخة كربونية عن أدبيات الحرس الثوري، لا يختلف عنه بشيء، فيما يتعلق بالحريات العامة وحرية المرأة وهو أمر يقلق العراقيات والعراقيين الذين يتوقون إلى الحرية.
إقرأوا أيضاً: