fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

عراقية ترمي طفليها في نهر دجلة: مفتاحان لسرّ مقفل!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يصعب الوقوف عند دوافع الأم. يصعب تصوّر قدرة أم على قتل طفلين بسبب خلاف على حضانتها مع زوجها. كما يصعب فهم التركيبة النفسية للأم في معمعة الصراع على الحضانة، والذهاب إلى حد خسارة طفليها نهائياً على ان تخسرهما لصالح زوجها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في “قصة الله”يبدأ مورغان فريمان السلسلة (تعرضها شبكة نيتفليكس) وهو واقف على جسر وتحته نهر في المكان الذي ترعرع فيه. خلفه في الخلفية، شاب صغير، هو نفسه فريمان في شبابه، يقف هناك على الجسر وفي يده أغصان خشبية يرميها من أعلى الجسر لتسقط في الماء، بينما يخبرنا فريمان عن اختباره الموت في تلك الفترة من شبابه: موت جدته وموت شقيقه. لم يجد مخرج السلسلة أفضل من جسر مرتفع يمرّ من تحته نهر دافق ليصوّر اسقاطاً للموت.

تذكرتُ المشهد فور مشاهدتي فيديو صادم من بغداد لسيدة تمشي على الجسر مع ولديها، ثم تتوقف فجأة وترمي بهما واحداً تلو الآخر من أعلى الجسر إلى نهر دجلة. تماماً كما يرمي فريمان الشاب أغصان الأشجار ليجرفها السيل. ترمي السيدة غصنيها في النهر، وتكمل طريقها على الجسر. للوهلة الاولى لا يبدو المشهد حقيقياً. شيء ما يجعلك تفكّر في أن المسألة لا تعدو كونها مزحة أو خدعة بصرية. تتذكر مراسل قناة “الغدير” العراقية الذي صور مشهداً اثار سخرية وضحك رواد مواقع التواصل الإجتماعي، حينما صوّر نفسه في نهاية تقرير له عن الإنتحار وهو يقنع “كومبارس” بالعدول عن رمي نفسه من أعلى الجسر. ألا يمكن ان يكون مشهد السيدة جزءاً من تقرير “تمثيلي” لسعد الموسوي؟ 

السيدة رمت بطفليها، هكذا من دون تردد من أعلى الجسر، وتركتهما يغرقان وكأنهما حجران.

ليس مشهداً استعاراضياً، تكتشف بعد ان تدقق وتدخل لتبحث عن تأكيدات للفيديو، وتفاصيل تفسّر ما حدث. ليس تمثيلاً. ولا خدعة بصرية. السيدة رمت بطفليها، هكذا من دون تردد من أعلى الجسر، وتركتهما يغرقان وكأنهما حجران. فارقا الحياة، كما تؤكد مصادر الشرطة العراقية، ووالدهما ظهر مفجوعاً في تقرير تلفزيوني، والسبب: خلاف على الحضانة. الشرطة ألقت القبض على الأم، ولا تزال عمليات البحث جارية عن جثتيّ الطفلين في النهر. ابتلعهما دجلة. احتضنهما كأمّ، ولن يتركهما بسهولة. لن يعيدهما إلى حضانة أحد. الحضانة للنهر. 

يصعب الوقوف عند دوافع الأم. يصعب تصوّر قدرة أم على قتل طفلين بسبب خلاف على حضانتها مع زوجها. كما يصعب فهم التركيبة النفسية للأم في معمعة الصراع على الحضانة، والذهاب إلى حد خسارة طفليها نهائياً على ان تخسرهما لصالح زوجها. وكيف؟ برميهما من أعلى الجسر. هل اخطرتهما بما تنوي فعله؟ هل فهمت ابنتها معصومة أن الأم حينما رفعتها انما ترميها إلى الموت؟ هل فهم حرّ، وهو اسم الابن، ان امه تسلبه حرية العيش وتحكم عليه بالإعدام غرقاً؟ يصعب الفهم، ويصعب التصديق. لكن الأمر حدث، ووثقته الكاميرات. لم يكن حكاية من “قصص الأنبياء”. لم يكن طفلاً تخلصت منه امه في النهر كحكاية النبي موسى، ثم انقذته جواري فرعون وكبر وصار نبياً يشق البحر بعصاه. لم يكن في الفيديو أي معجزة. لم تكن أماً تمسك ابنها من عِقبه، كما فعلت أم أخيل، وتغطّسه في الماء فيخرج عصياً على الموت، إلا مكان اصابعها على عقبه الذي يصير موضع ضعفه، ومقتله، كما في الأسطورة. لم يكن في الفيديو أية أسطورة. ولا حتى أنانية تشبه نرسيس الذي قتلته صورته في النهر، بل أنانية من نوع آخر، تطرد الإنعكاس بأن تقتله وتبقى حيّة ترزق. لا ولم يكن في الفيديو مسيح ولا يوحنا معمدان. ولا سكين ابراهيم على عنق اسماعيل. كان شيئاً أبعد من المعجزة، اعقد من الاسطورة. 

لم ترم هذه الأمّ، على غرار مظفّر النواب مفاتيحها في دجلة “أيام الوجد”، لكنها مثله، في غربتها الداخلية، ما عاد هناك مفتاح يفتحها. ستبقى مغلقة ومفتاحيها ابتلعهما النهر. 

19.10.2020
زمن القراءة: 3 minutes

يصعب الوقوف عند دوافع الأم. يصعب تصوّر قدرة أم على قتل طفلين بسبب خلاف على حضانتها مع زوجها. كما يصعب فهم التركيبة النفسية للأم في معمعة الصراع على الحضانة، والذهاب إلى حد خسارة طفليها نهائياً على ان تخسرهما لصالح زوجها.

في “قصة الله”يبدأ مورغان فريمان السلسلة (تعرضها شبكة نيتفليكس) وهو واقف على جسر وتحته نهر في المكان الذي ترعرع فيه. خلفه في الخلفية، شاب صغير، هو نفسه فريمان في شبابه، يقف هناك على الجسر وفي يده أغصان خشبية يرميها من أعلى الجسر لتسقط في الماء، بينما يخبرنا فريمان عن اختباره الموت في تلك الفترة من شبابه: موت جدته وموت شقيقه. لم يجد مخرج السلسلة أفضل من جسر مرتفع يمرّ من تحته نهر دافق ليصوّر اسقاطاً للموت.

تذكرتُ المشهد فور مشاهدتي فيديو صادم من بغداد لسيدة تمشي على الجسر مع ولديها، ثم تتوقف فجأة وترمي بهما واحداً تلو الآخر من أعلى الجسر إلى نهر دجلة. تماماً كما يرمي فريمان الشاب أغصان الأشجار ليجرفها السيل. ترمي السيدة غصنيها في النهر، وتكمل طريقها على الجسر. للوهلة الاولى لا يبدو المشهد حقيقياً. شيء ما يجعلك تفكّر في أن المسألة لا تعدو كونها مزحة أو خدعة بصرية. تتذكر مراسل قناة “الغدير” العراقية الذي صور مشهداً اثار سخرية وضحك رواد مواقع التواصل الإجتماعي، حينما صوّر نفسه في نهاية تقرير له عن الإنتحار وهو يقنع “كومبارس” بالعدول عن رمي نفسه من أعلى الجسر. ألا يمكن ان يكون مشهد السيدة جزءاً من تقرير “تمثيلي” لسعد الموسوي؟ 

السيدة رمت بطفليها، هكذا من دون تردد من أعلى الجسر، وتركتهما يغرقان وكأنهما حجران.

ليس مشهداً استعاراضياً، تكتشف بعد ان تدقق وتدخل لتبحث عن تأكيدات للفيديو، وتفاصيل تفسّر ما حدث. ليس تمثيلاً. ولا خدعة بصرية. السيدة رمت بطفليها، هكذا من دون تردد من أعلى الجسر، وتركتهما يغرقان وكأنهما حجران. فارقا الحياة، كما تؤكد مصادر الشرطة العراقية، ووالدهما ظهر مفجوعاً في تقرير تلفزيوني، والسبب: خلاف على الحضانة. الشرطة ألقت القبض على الأم، ولا تزال عمليات البحث جارية عن جثتيّ الطفلين في النهر. ابتلعهما دجلة. احتضنهما كأمّ، ولن يتركهما بسهولة. لن يعيدهما إلى حضانة أحد. الحضانة للنهر. 

يصعب الوقوف عند دوافع الأم. يصعب تصوّر قدرة أم على قتل طفلين بسبب خلاف على حضانتها مع زوجها. كما يصعب فهم التركيبة النفسية للأم في معمعة الصراع على الحضانة، والذهاب إلى حد خسارة طفليها نهائياً على ان تخسرهما لصالح زوجها. وكيف؟ برميهما من أعلى الجسر. هل اخطرتهما بما تنوي فعله؟ هل فهمت ابنتها معصومة أن الأم حينما رفعتها انما ترميها إلى الموت؟ هل فهم حرّ، وهو اسم الابن، ان امه تسلبه حرية العيش وتحكم عليه بالإعدام غرقاً؟ يصعب الفهم، ويصعب التصديق. لكن الأمر حدث، ووثقته الكاميرات. لم يكن حكاية من “قصص الأنبياء”. لم يكن طفلاً تخلصت منه امه في النهر كحكاية النبي موسى، ثم انقذته جواري فرعون وكبر وصار نبياً يشق البحر بعصاه. لم يكن في الفيديو أي معجزة. لم تكن أماً تمسك ابنها من عِقبه، كما فعلت أم أخيل، وتغطّسه في الماء فيخرج عصياً على الموت، إلا مكان اصابعها على عقبه الذي يصير موضع ضعفه، ومقتله، كما في الأسطورة. لم يكن في الفيديو أية أسطورة. ولا حتى أنانية تشبه نرسيس الذي قتلته صورته في النهر، بل أنانية من نوع آخر، تطرد الإنعكاس بأن تقتله وتبقى حيّة ترزق. لا ولم يكن في الفيديو مسيح ولا يوحنا معمدان. ولا سكين ابراهيم على عنق اسماعيل. كان شيئاً أبعد من المعجزة، اعقد من الاسطورة. 

لم ترم هذه الأمّ، على غرار مظفّر النواب مفاتيحها في دجلة “أيام الوجد”، لكنها مثله، في غربتها الداخلية، ما عاد هناك مفتاح يفتحها. ستبقى مغلقة ومفتاحيها ابتلعهما النهر.