fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

عشر سنوات على التدخل السعودي العسكري في اليمن: ماذا تحقق؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن كل شيء بدأ بتلك الكلمات الشهيرة المنسوبة إلى الملك عبد العزيز آل سعود: “اجعلوا اليمن ضعيفاً بما يكفي لئلا يصبح تهديداً، قوياً بما يكفي ليبقى بعيداً عن الفوضى”، هذا هو المبدأ الذي حكم السياسة السعودية في اليمن طوال عقود، ولكن، هل تحقّق ذلك؟ هل نجحت السعودية في إرساء هذا التوازن؟ هل نجحت في سحق اليمن بما يتناسب مع حساباتها؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ عشر سنوات، غاصت السعودية في مستنقع اليمن، وقامت بتدخّل عسكري مع عدد من الدول المحسوبة على “التحالف”، مدفوعة بحسابات سياسية واستراتيجية واضحة في البداية. الكل كان يتوقّع أن تُحسم المعركة في أسابيع، ما لبث أن تحوّل هذا التدخّل إلى حرب لا نهاية لها، إذ صار اليمن حقل تجارب للسياسات والمصالح. وبينما يحاول العالم تجاهل الحقيقة، يبقى اليمن محطّ الأنظار، يعبث بمصير جيرانه ودول العالم الكبرى.

السبب الجوهري وراء التدخّل السعودي، لم يكن سوى وهم قديم يرتدي قناعاً جديداً؛ رؤية الحوثيين كدمية إيرانية، كأداة شرّيرة تحرّكها طهران بخيوط غير مرئية، هكذا رأوا الخطر يقترب من أبوابهم، وهكذا اندفعوا إلى مستنقع لم يعرفوا كيف يخرجون منه.

لكن الحقيقة، كما هو الحال دائماً، أكثر تعقيداً من الرواية التي يريدون تصديقها. نعم، إيران كانت هناك، تهمس في آذان الحوثيين، تُلقي عليهم ببعض النصائح الاستراتيجية، ببعض الرؤى السياسية، ولكن هل كانت تُسيطر عليهم بالكامل؟ بالكاد.

 الحوثيون لم يكونوا مجرّد بيادق على رقعة شطرنج إيرانية، بل أبناء معركة محلّية، صنيعة تحالفات محلّية وقبلية، ونتاج ديناميكيات أكثر تعقيداً مما قد تستوعبه العقول، التي تظنّ أن كل شيء في هذا العالم يخضع لأوامر تصدر من العواصم الكبرى.

ومع ذلك، استمرّت السعودية في اجترار السردية نفسها، تكرارها كتعويذة، كأنها لو قالتها بما فيه الكفاية، فستصبح حقيقة. المشكلة أن هذا العداء الذي تمّ تسويقه كحرب على النفوذ الإيراني، لم يؤدِ إلى إضعاف إيران، بل إلى تعزيز نفوذها أكثر. كلما ضُيّق الخناق على الحوثيين، كلما اندفعوا أكثر إلى حضن طهران، ليس حباً، ولكن لأنهم لم يملكوا خياراً آخر. السعودية، من دون أن تُدرك، صنعت بيديها ما كانت تخشاه؛ حوثيون أكثر ارتباطاً بطهران، أكثر تسليحاً، وأكثر قدرة على البقاء، كأنها تحفر قبرها بأظافرها، وهي تبتسم.

يبدو أن كل شيء بدأ بتلك الكلمات الشهيرة المنسوبة إلى الملك عبد العزيز آل سعود: “اجعلوا اليمن ضعيفاً بما يكفي لئلا يصبح تهديداً، قوياً بما يكفي ليبقى بعيداً عن الفوضى”، هذا هو المبدأ الذي حكم السياسة السعودية في اليمن طوال عقود، ولكن، هل تحقّق ذلك؟ هل نجحت السعودية في إرساء هذا التوازن؟ هل نجحت في سحق اليمن بما يتناسب مع حساباتها؟ 

من البداية، كان الأمر زائفاً

لنكن صريحين، من اللحظة التي سيطر فيها الحوثيون على صنعاء في 2014، بدأت لعبة الشطرنج الإقليمية تتّخذ منحى غير متوقّع، السعودية التي حلمت بدخول سريع (في ستة أسابيع كما صرّحت) إلى “ساحة المعركة”، كانت تظنّ أنها ستتمكّن من فرض سيطرتها بسهولة، كما لو أن اليمن مجرّد رقعة على الخريطة، لكن هذا البلد الصغير، المتواري خلف الجبال، ليس كغيره،  هناك شيء غريب في هواء اليمن، حيث لا تسير الأمور كما هو متوقّع، وحيث التدخّلات الخارجية، مهما كانت أهدافها، تؤدّي غالباً إلى نتائج كارثية وغير محسوبة. 

الحرب لم تكن بسيطة، كان هناك شيء آخر يحدث، لم تكن الأطراف المتصارعة مجرّد جيوش، بل كانت أيديولوجيات متصارعة، السعودية تنظر إلى نفسها على أنها زعيمة العالم السُنّي، وتتبنّى نموذج الدولة المركزية المدعومة من الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة. الحوثيون، من جهتهم، يتبنّون خطاباً معادياً للسعودية والغرب، ويقدّمون أنفسهم كحركة “مقاومة” ضد الهيمنة السعودية والأميركية. كل طرف كان يحمل شعاراً مختلفاً، الحوثيون، متمسّكون بموقفهم، يدافعون عن أنفسهم، كأنهم الوحيدون الذين يعرفون معنى الحقيقة في هذا العالم المنهار، لكن السعودية، التي كانت تحمل هذه الراية السامية لنشر الاستقرار، وجدت نفسها عالقة في وحل لا نهاية له.

لا أحد يستطيع أن يُنكر صفحات حيوات اليمنيين القديمة التي احترقت في عقد من الحرب، لا أحد يستطيع أن يتجاهل الحقيقة القاسية: عشر سنوات من الحرب جعلت من كل شيء هزيلاً وممزقاً، كل طرف، من الحوثيين إلى التحالف السعودي، إلى الحلفاء الغربيين، همّه الوحيد هو إبقاء رأسه فوق الماء، من دون قدرة على تحقيق أهدافه الكبرى، أو تحقيق نصر واضح.

الفشل ليس مجرّد عسكري، لا، الفشل هو عندما يُضحّي الجميع ولا يحقّقون شيئاً. السعودية دخلت في صراع مع الحوثيين، ثم وجدوا أنفسهم في مواجهة مع أنفسهم، كل معركة كانت تعني خسارة، سواء كانت عسكرية أو سياسية. أولئك الذين كانوا يحلمون بحسم سريع، اكتشفوا أن اليمن ليس مجرّد ساحة حرب، بل هو مرآة لكل العيوب والقصور في استراتيجياتهم.

الحرب لا تقتصر على الدمار فقط 

إنها حرب على الروح، اليمن الذي أصبح غير قادر على الوقوف على قدميه، هذا التحالف العسكري الذي كان يُفترض أن يكون قوّة موحّدة ضدّ الحوثيين، تحوّل إلى  حرب ضد اليمن نفسه، حتى الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً، أوهنها الفساد والمحسوبية وعدم المسؤولية، غرقها في مشاكلها الداخلية أثّر على قدرتها في تحقيق الاستقرار وإدارة شؤون البلاد، كلما حاولت المملكة توحيد صفوفها، زادت الانقسامات، ومع طول الحرب، زاد عدد الجماعات المسلّحة. تحطّمت التحالفات التي كانت ضدّ الحوثيين، لتتحوّل إلى مراكز قوّة متنافسة، كثير منها مدعوم إما من السعودية وإما الإمارات. الإمارات، على وجه الخصوص، أنشأت العديد من القوّات الوكيلة، التي تعمل خارج سيطرة الحكومة اليمنية، بعيدة عن أي تنظيم أو قيادة موحّدة. الحرب تتشظّى، والجميع يركض خلف مصالحه الخاصة. 

لا نصر لأي طرف في نزاع اليمن، الجميع فقط يتخبّط في رمال متحرّكة، فشلهم العسكري كان نتيجة لتقديرات خاطئة، كان لديهم الأمل بأن الصواريخ والطائرات ستحسم المعركة، لكنهم أغفلوا حقيقة بسيطة: الحرب لا تُكسب بالطائرات فقط، بل بالأرواح.

دبلوماسية: ماذا بعد؟

هنا يكمن الصراع الأكبر، السعودية، التي كانت تملك كل القوّة العسكرية، أدركت أخيراً أن هذه القوّة لا تجلب الاستقرار. الحرب ليست لعبة لرفع رايات النصر، بل هي كابوس طويل بلا نهاية. هناك تحوّل ملحوظ، في 2023، وبسبب ضغوط اقتصادية ودبلوماسية، بدأ السعوديون بالتفكير في طريقة أخرى، كيف يمكنهم أن يُصلحوا ما أفسدوه؟ هل يحاربون الحوثيين إلى الأبد؟ أم يُجرون مفاوضات؟

في نيسان/ أبريل 2023، التقى السفير السعودي في صنعاء بالحوثيين. نعم، السفير السعودي، الذي كان يُفترض أن يكون في قتال مع الحوثيين، يجلس الآن معهم في الغرفة نفسها، تحوّلت المعركة من حرب طاحنة إلى حوار سياسي، توقّعنا أن يكون ذلك بداية النهاية، ولكنها كانت أيضاً بداية شيء آخر.

لكن اليمن، هل يمكن إصلاحه؟ الجواب هو لا، لا يمكن إصلاحه. الحرب التي استمرّت لعشر سنوات أظهرت أن لا شيء يمكن أن يصلح بعد هذا الدمار، لكن السعودية ليست وحدها في الخطر، الجميع في هذا المستنقع يغطس معاً. سيبقى اليمن مسرحاً لهذا الصراع حتى إن استمرّت السياسة والدبلوماسية في تغيير المسار، الحقيقة القاسية هي أن التحالف السعودي قد فشل في فهم اليمن كما هو، لم يفهموا الروح التي تعيش فيه، وكل يوم يمرّ، تصبح الصورة أكثر ضبابية.

ضربات جماعة الحوثيين على شحنات البحر الأحمر، والسفن الأميركية، والأهداف الإسرائيلية تضامناً مع غزة، تؤكّد أن الجماعة اتّخذت دوراً إقليمياً جديداً يُثير الفزع، عدا كل تلك الأخطاء التي ارتكبها التحالف السعودي التي قوّت من شوكة الجماعة، ومع تزايد قوّتهم، أصبح الحوثيون قوّة صلبة في هذا المشهد الإقليمي. تأتي الضربات الجوّية الأميركية الأخيرة محاولة أخيرة لإصلاح ما أفسده التدخّل السعودي العسكري على مر العقد الماضي، الأميركيون في محاولاتهم لتغيير المعادلة، لا يفهمون حقيقة أن هذا الصراع لا يُحل بالقوّة وحدها. 

عشر سنوات من الحرب تعني أن اليمن أصبح أكثر من مجرّد صراع عسكري؛ أصبح رمزاً لفشل استراتيجيات الأمم الكبرى. اليمن، الجرح النازف الذي يعكس فشل الجميع. وفي النهاية، هناك سؤال واحد: هل ما زال هناك طريق للسلام، أم أن الرمال المتحركة التي غرق فيها الجميع ستظلّ هي الواقع الأوحد؟ 

سلطان الحسيني - كاتب لبناني | 13.06.2025

حرب السرديّات في لبنان: بين هيمنة حزب الله وإشكاليّة الهويّة الوطنيّة

لم يكن خيار الحرب مجرد خطوة ميدانية عسكرية لها آثارها المباشرة، بل كان أيضاً فعلًا رمزيًا بامتياز، يعيد رفع البنية المعرفية التي تنسج بها الأحزاب حضورها السياسي والثقافي في لبنان، ليصبح مادةً سجاليةً شديدة التوتر، تُظهر بوضوح طبيعة الصراع الذي يُدار في البلاد منذ عقود.

يبدو أن كل شيء بدأ بتلك الكلمات الشهيرة المنسوبة إلى الملك عبد العزيز آل سعود: “اجعلوا اليمن ضعيفاً بما يكفي لئلا يصبح تهديداً، قوياً بما يكفي ليبقى بعيداً عن الفوضى”، هذا هو المبدأ الذي حكم السياسة السعودية في اليمن طوال عقود، ولكن، هل تحقّق ذلك؟ هل نجحت السعودية في إرساء هذا التوازن؟ هل نجحت في سحق اليمن بما يتناسب مع حساباتها؟

منذ عشر سنوات، غاصت السعودية في مستنقع اليمن، وقامت بتدخّل عسكري مع عدد من الدول المحسوبة على “التحالف”، مدفوعة بحسابات سياسية واستراتيجية واضحة في البداية. الكل كان يتوقّع أن تُحسم المعركة في أسابيع، ما لبث أن تحوّل هذا التدخّل إلى حرب لا نهاية لها، إذ صار اليمن حقل تجارب للسياسات والمصالح. وبينما يحاول العالم تجاهل الحقيقة، يبقى اليمن محطّ الأنظار، يعبث بمصير جيرانه ودول العالم الكبرى.

السبب الجوهري وراء التدخّل السعودي، لم يكن سوى وهم قديم يرتدي قناعاً جديداً؛ رؤية الحوثيين كدمية إيرانية، كأداة شرّيرة تحرّكها طهران بخيوط غير مرئية، هكذا رأوا الخطر يقترب من أبوابهم، وهكذا اندفعوا إلى مستنقع لم يعرفوا كيف يخرجون منه.

لكن الحقيقة، كما هو الحال دائماً، أكثر تعقيداً من الرواية التي يريدون تصديقها. نعم، إيران كانت هناك، تهمس في آذان الحوثيين، تُلقي عليهم ببعض النصائح الاستراتيجية، ببعض الرؤى السياسية، ولكن هل كانت تُسيطر عليهم بالكامل؟ بالكاد.

 الحوثيون لم يكونوا مجرّد بيادق على رقعة شطرنج إيرانية، بل أبناء معركة محلّية، صنيعة تحالفات محلّية وقبلية، ونتاج ديناميكيات أكثر تعقيداً مما قد تستوعبه العقول، التي تظنّ أن كل شيء في هذا العالم يخضع لأوامر تصدر من العواصم الكبرى.

ومع ذلك، استمرّت السعودية في اجترار السردية نفسها، تكرارها كتعويذة، كأنها لو قالتها بما فيه الكفاية، فستصبح حقيقة. المشكلة أن هذا العداء الذي تمّ تسويقه كحرب على النفوذ الإيراني، لم يؤدِ إلى إضعاف إيران، بل إلى تعزيز نفوذها أكثر. كلما ضُيّق الخناق على الحوثيين، كلما اندفعوا أكثر إلى حضن طهران، ليس حباً، ولكن لأنهم لم يملكوا خياراً آخر. السعودية، من دون أن تُدرك، صنعت بيديها ما كانت تخشاه؛ حوثيون أكثر ارتباطاً بطهران، أكثر تسليحاً، وأكثر قدرة على البقاء، كأنها تحفر قبرها بأظافرها، وهي تبتسم.

يبدو أن كل شيء بدأ بتلك الكلمات الشهيرة المنسوبة إلى الملك عبد العزيز آل سعود: “اجعلوا اليمن ضعيفاً بما يكفي لئلا يصبح تهديداً، قوياً بما يكفي ليبقى بعيداً عن الفوضى”، هذا هو المبدأ الذي حكم السياسة السعودية في اليمن طوال عقود، ولكن، هل تحقّق ذلك؟ هل نجحت السعودية في إرساء هذا التوازن؟ هل نجحت في سحق اليمن بما يتناسب مع حساباتها؟ 

من البداية، كان الأمر زائفاً

لنكن صريحين، من اللحظة التي سيطر فيها الحوثيون على صنعاء في 2014، بدأت لعبة الشطرنج الإقليمية تتّخذ منحى غير متوقّع، السعودية التي حلمت بدخول سريع (في ستة أسابيع كما صرّحت) إلى “ساحة المعركة”، كانت تظنّ أنها ستتمكّن من فرض سيطرتها بسهولة، كما لو أن اليمن مجرّد رقعة على الخريطة، لكن هذا البلد الصغير، المتواري خلف الجبال، ليس كغيره،  هناك شيء غريب في هواء اليمن، حيث لا تسير الأمور كما هو متوقّع، وحيث التدخّلات الخارجية، مهما كانت أهدافها، تؤدّي غالباً إلى نتائج كارثية وغير محسوبة. 

الحرب لم تكن بسيطة، كان هناك شيء آخر يحدث، لم تكن الأطراف المتصارعة مجرّد جيوش، بل كانت أيديولوجيات متصارعة، السعودية تنظر إلى نفسها على أنها زعيمة العالم السُنّي، وتتبنّى نموذج الدولة المركزية المدعومة من الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة. الحوثيون، من جهتهم، يتبنّون خطاباً معادياً للسعودية والغرب، ويقدّمون أنفسهم كحركة “مقاومة” ضد الهيمنة السعودية والأميركية. كل طرف كان يحمل شعاراً مختلفاً، الحوثيون، متمسّكون بموقفهم، يدافعون عن أنفسهم، كأنهم الوحيدون الذين يعرفون معنى الحقيقة في هذا العالم المنهار، لكن السعودية، التي كانت تحمل هذه الراية السامية لنشر الاستقرار، وجدت نفسها عالقة في وحل لا نهاية له.

لا أحد يستطيع أن يُنكر صفحات حيوات اليمنيين القديمة التي احترقت في عقد من الحرب، لا أحد يستطيع أن يتجاهل الحقيقة القاسية: عشر سنوات من الحرب جعلت من كل شيء هزيلاً وممزقاً، كل طرف، من الحوثيين إلى التحالف السعودي، إلى الحلفاء الغربيين، همّه الوحيد هو إبقاء رأسه فوق الماء، من دون قدرة على تحقيق أهدافه الكبرى، أو تحقيق نصر واضح.

الفشل ليس مجرّد عسكري، لا، الفشل هو عندما يُضحّي الجميع ولا يحقّقون شيئاً. السعودية دخلت في صراع مع الحوثيين، ثم وجدوا أنفسهم في مواجهة مع أنفسهم، كل معركة كانت تعني خسارة، سواء كانت عسكرية أو سياسية. أولئك الذين كانوا يحلمون بحسم سريع، اكتشفوا أن اليمن ليس مجرّد ساحة حرب، بل هو مرآة لكل العيوب والقصور في استراتيجياتهم.

الحرب لا تقتصر على الدمار فقط 

إنها حرب على الروح، اليمن الذي أصبح غير قادر على الوقوف على قدميه، هذا التحالف العسكري الذي كان يُفترض أن يكون قوّة موحّدة ضدّ الحوثيين، تحوّل إلى  حرب ضد اليمن نفسه، حتى الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً، أوهنها الفساد والمحسوبية وعدم المسؤولية، غرقها في مشاكلها الداخلية أثّر على قدرتها في تحقيق الاستقرار وإدارة شؤون البلاد، كلما حاولت المملكة توحيد صفوفها، زادت الانقسامات، ومع طول الحرب، زاد عدد الجماعات المسلّحة. تحطّمت التحالفات التي كانت ضدّ الحوثيين، لتتحوّل إلى مراكز قوّة متنافسة، كثير منها مدعوم إما من السعودية وإما الإمارات. الإمارات، على وجه الخصوص، أنشأت العديد من القوّات الوكيلة، التي تعمل خارج سيطرة الحكومة اليمنية، بعيدة عن أي تنظيم أو قيادة موحّدة. الحرب تتشظّى، والجميع يركض خلف مصالحه الخاصة. 

لا نصر لأي طرف في نزاع اليمن، الجميع فقط يتخبّط في رمال متحرّكة، فشلهم العسكري كان نتيجة لتقديرات خاطئة، كان لديهم الأمل بأن الصواريخ والطائرات ستحسم المعركة، لكنهم أغفلوا حقيقة بسيطة: الحرب لا تُكسب بالطائرات فقط، بل بالأرواح.

دبلوماسية: ماذا بعد؟

هنا يكمن الصراع الأكبر، السعودية، التي كانت تملك كل القوّة العسكرية، أدركت أخيراً أن هذه القوّة لا تجلب الاستقرار. الحرب ليست لعبة لرفع رايات النصر، بل هي كابوس طويل بلا نهاية. هناك تحوّل ملحوظ، في 2023، وبسبب ضغوط اقتصادية ودبلوماسية، بدأ السعوديون بالتفكير في طريقة أخرى، كيف يمكنهم أن يُصلحوا ما أفسدوه؟ هل يحاربون الحوثيين إلى الأبد؟ أم يُجرون مفاوضات؟

في نيسان/ أبريل 2023، التقى السفير السعودي في صنعاء بالحوثيين. نعم، السفير السعودي، الذي كان يُفترض أن يكون في قتال مع الحوثيين، يجلس الآن معهم في الغرفة نفسها، تحوّلت المعركة من حرب طاحنة إلى حوار سياسي، توقّعنا أن يكون ذلك بداية النهاية، ولكنها كانت أيضاً بداية شيء آخر.

لكن اليمن، هل يمكن إصلاحه؟ الجواب هو لا، لا يمكن إصلاحه. الحرب التي استمرّت لعشر سنوات أظهرت أن لا شيء يمكن أن يصلح بعد هذا الدمار، لكن السعودية ليست وحدها في الخطر، الجميع في هذا المستنقع يغطس معاً. سيبقى اليمن مسرحاً لهذا الصراع حتى إن استمرّت السياسة والدبلوماسية في تغيير المسار، الحقيقة القاسية هي أن التحالف السعودي قد فشل في فهم اليمن كما هو، لم يفهموا الروح التي تعيش فيه، وكل يوم يمرّ، تصبح الصورة أكثر ضبابية.

ضربات جماعة الحوثيين على شحنات البحر الأحمر، والسفن الأميركية، والأهداف الإسرائيلية تضامناً مع غزة، تؤكّد أن الجماعة اتّخذت دوراً إقليمياً جديداً يُثير الفزع، عدا كل تلك الأخطاء التي ارتكبها التحالف السعودي التي قوّت من شوكة الجماعة، ومع تزايد قوّتهم، أصبح الحوثيون قوّة صلبة في هذا المشهد الإقليمي. تأتي الضربات الجوّية الأميركية الأخيرة محاولة أخيرة لإصلاح ما أفسده التدخّل السعودي العسكري على مر العقد الماضي، الأميركيون في محاولاتهم لتغيير المعادلة، لا يفهمون حقيقة أن هذا الصراع لا يُحل بالقوّة وحدها. 

عشر سنوات من الحرب تعني أن اليمن أصبح أكثر من مجرّد صراع عسكري؛ أصبح رمزاً لفشل استراتيجيات الأمم الكبرى. اليمن، الجرح النازف الذي يعكس فشل الجميع. وفي النهاية، هناك سؤال واحد: هل ما زال هناك طريق للسلام، أم أن الرمال المتحركة التي غرق فيها الجميع ستظلّ هي الواقع الأوحد؟