“أحد الأطفال الضحايا تجرأ على الكلام، فانكشفت الشبكة”، هذا ما قاله لـ”درج” مصدر قضائي لبناني في وصف لقصة العصابة التي”تستدرج الأطفال والقصر عبر تيك توك وبـ”هدف اغتصابهم وابتزاز ذويهم”.
التحقيق في القضية لا يزال في مراحله الأولى، وأكد مصدر قضائي بارز لـ”درج” أن التحقيقات لا تزال جارية، وأن التوقيفات لم تنته بعد. وبحسب المصدر فـ”إن عدداً من الضحايا كانوا يُستدرجون إلي عدد من الشقق السكنية، أبرزها في بلدة زكريت في جبل لبنان”، وأشار المصدر إلى أن أحد القصر “تعرض للاغتصاب لمدة سبع سنوات، أثناء عمله لدى أحد المحامين”.
باتت القضية مادة النقاش العام شبه الوحيد في لبنان، فالتسريبات كشفت عن شبكة تشمل عدداً من المتورطين بجرائم اغتصاب وابتزاز قُصر، عن طريق استدراجهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً عبر تطبيق “تيك توك” حيث ينشط عدد من المتهمين.
وتشير المعلومات المتداولة أن الشبكة كانت تعمل ضمن إطار ممنهج، حيث يتولى البعض مهمة اختيار واستدراج القُصر، وآخرون وكّل إليهم تأمين الشاليهات والفنادق حيث يتم الاعتداء، بينما يقوم آخرون بتصوير وتوثيق العملية، أما المعتدون فهم من “الداعمين” الكبار لهؤلاء “التيكتوكيرز”.
أشار البيان الصادر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أن القوى الأمنية بدأت بمتابعة القضية منذ قرابة شهر، بعد أن أقدم عدد من الضحايا على الادعاء لدى النيابة العامة بخصوص “تعرضهم لاعتداءات جنسية، وتصوير من قبل أفراد العصابة المنظمة، بالإضافة لإجبارهم على تعاطي المخدرات”.
تمكنت القوى الأمنية من القبض على 6 من أفراد هذه العصابة، في حين أشارت معلومات حول توقيف متهم جديد وهو (م.ش.د)، وأكد مصدر أمني لـ”درج” خبر التوقيف، ولكن دون تحديد هوية الموقوف، وأضاف “أن العمل جاري على إيقاف المزيد من المشتبه بتورطهم في الجريمة، والذي يرجح أن عددهم يفوق الثلاثين إلى أربعين متورطاً.”
بيان قوى الأمن جاء بعدما انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خبر توقيف المتهم السادس، مزين الشعر (ج.م) صاحب صالون “hair zone” في منطقة السبتية، الذي لعب (ج.م) دوراً بارزاً في هذه العصابة بحسب المعلومات المتداولة.
تولى عدد من الصحفيين والناشطين مهمة متابعة التفاصيل المتعلقة بالقضية، ونشر ما تبقى من أسماء الموقوفين، ومن بينهم وبحسب القوى الأمنية 3 قُصر من جنسيات متعددة، لبنانية وسورية وتركية.
سُربت أيضاً تفاصيل كيفية استدراج الضحايا عبر أسماء وهمية أو إغرائهم بوجبات طعام أو “ملابس”، ودعوتهم إلى حفلات في شاليهات؛ من ثم تخديرهم وإجبارهم على القيام بأفعال جنسية، وتصويرهم وتهديدهم بفضحهم ونشر الفيديوهات في حال عدم استجابتهم لمطالب العصابة، أو في حال تبليغ أي جهة بما يحدث.
كشفت التسريبات أيضاً عن إرسال بعض الضحايا إلى خارج لبنان بطلب من المعتدين، كما أشارت وسائل إعلام محلية أن (ج.م) أثناء التحقيق معه، اعترف بتورطه في القضية، بالتالي لم يعد مشتبهاً به بل مُتهماً.
أكد المصدر الأمني الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ “درج”، صحة المعلومات المتداولة حول قيام القاضية غادة عون بإصدار مذكرة تكلف الضابطة العدلية بالقيام بالتواصل بصورة رسمية مع شركة “تيك توك” لإيقاف حسابات جميع المتورطين في القضية، سواء من تم القبض عليهم أو المتوارون عن الأنظار.
“أحد الأطفال الضحايا تجرأ على الكلام، فانكشفت الشبكة”، هذا ما قاله لـ”درج” مصدر قضائي لبناني في وصف لقصة العصابة التي”تستدرج الأطفال والقصر عبر تيك توك وبـ”هدف اغتصابهم وابتزاز ذويهم”.
حماية الضحايا أولوية
ما تزال التحقيقات جارية، وحصيلة الضحايا غير معلنة، وهي بالتأكيد لن تكون مكتملة، فهناك الكثير ممن يمتنعون عن الإدعاء أو الإفصاح عن وقوعهم ضحية هذه الشبكة.
في هذا السياق، أشارت أميرة سكر، رئيسة جمعية الاتحاد لحماية الأحداث، في حديثها مع “درج” أن “العمل جار على متابعة القُصر من الناحية النفسية، والوصول إلى الضحايا الذين تم اكتشافهم أثناء التحقيقات، ومن خلال تحليل الأدلة، وممن هم خارج الملف في سياقه القانوني، وتأمين الرعاية اللازمة لهم”.
استهدفت العصابة الضحايا من عمر 14 إلى 17، بينما نفى المصدر الأمني أن يكون بينهم أطفال في التاسعة كما أشيع، وتعد هذه المرحلة العمرية، بداية خروج المراهقين (لا سيما الذكور) من الرقابة الأسرية، سواء عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أو على صعيد الحياة الاجتماعية.
تقول الاختصاصية في الحماية الأسرية رنا غناوي في حديثها مع “درج” أن مسؤولية الأهل فيما يخص الحالات المشابهة هي في مراقبة المحتوى الذي يشاهده أبناؤهم، ومتابعة مع من يقومون بالتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتوعية الطفل عن معاني الاعتداء والاستدراج والابتزاز، وعن العالم الافتراضي الذي لا تعد فيه العلاقات موثوقة وحقيقية.
تضيف غناوي “على المراهق أن يدرك أن دعوةً من غريب لشاليه أو فندق أو سهرة، أو وجود اهتمام غير مفهوم من بالغ هو أمر مثير للريبة، وهو ما يساعد في حماية الطفل من الوقوع ضحية لعملية استدراج شبيهة”.
“تيك توك” ليس إلا وسيلة، فمن المسؤول؟
عقب انتشار الخبر بدأت المطالب عبر مواقع التواصل الاجتماعي بحجب تطبيق “تيك توك” في لبنان، وأعلنت نقابة المحامين في بيان لها أنها تهيب بالزملاء والزميلات في النقابة استخدام موقع تيك توك “لمخالفته أحكام قانون تنظيم المهنة ونظام آداب المهنة ومناقب المحامين” وذلك تحت طائلة الملاحقة المسلكية.
في هذا السياق يرى عبد قطايا، مدير المحتوى في منصة “سمكس”، في حديثه لـ “درج ” أن “حجب التطبيق ليس الحل، ولكن ما تقدمه المنصة من خاصيات لحماية القصر غير كافية، وعليها أن تضاعف جهودها في مراقبة المحتوى الذي يتم تداوله، ومتابعة الأنماط المريبة من التحديات و”الترندات” ومحاولة التصدي لعمليات الاستدراج”.
أضاف قطايا أن عصابات المتاجرة بالبشر لا تستخدم هذه الوسيلة فقط لاستدراج الضحايا، فهناك أيضاً استغلال للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، بالتالي يتم الاستدراج “عبر إعلانات عن وظائف وهمية وفرص للسفر والعمل خارجاً برواتب مغرية أو لتأمين التنقل عبر الحدود اللبنانية -السورية، وهذا يحدث من خلال منصات عديدة للأسف”.
تكمن خطورة “تيك توك” دوناً عن غيره من المنصات، بكونه المنصة الأكثر شيوعاً بين المراهقين، ناهيك بأنه يؤمن مردوداً مالياً مقابل المحتوى وعدد المشاهدات، ما يجعله بيئة خصبة لاستدراج و”الاتجار بالبشر”، إلا أن عمليات التحرش والاغتصاب والابتزاز الجنسي، كانت وما زالت موجودة خارج إطار هذا التطبيق.
المحاكمة الافتراضية
عقب انتشار الخبر وعدد من التسريبات المستندة إلى مصادر أمنية، تداول مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي عدد من أسماء “الفيكتوري” على أنهم مشتبه بهم، ولكن سرعان ما تبين عدم وجود أي علاقة لهم بالجريمة أو بالعصابة المسؤولة، إلا أن أسماءهم ظلت قيد التداول، في حين لم تعلن بعد أي جهة رسمية معنية عن أسماء المتورطين، والواضح أن الأجهزة الأمنية تسعى للتحفظ عن مجريات التحقيق وملابسات القضية.
تطرح هذه القضية معضلة الأزمات الاجتماعية التي تتفاقم في لبنان جراء الأزمات والانهيارات الاقتصادية، وتحلل الدولة وأجهزتها، إذ تسبب تقصير القوى الأمنية في التعامل مع حالات السرقة والمخالفات الأمنية الأخرى، إلى تحويل مواقع التواصل الاجتماعي إلى محاكم افتراضية، حيث يسهل تداول المعلومات المغلوطة، وإطلاق الأحكام.
هذا الدور المستحدث لمواقع التواصل الاجتماعيّ قد يكون له انعكاس سلبي في مجريات هذه القضية بالذات، فمن جهة، سيواجه المُتهم افتراضياً لا قانونيًا، صعوبة كبيرة في مواجهة هذه الشائعة، ومن جهة أخرى لا ضمانات عن عدم كشف أسماء وصور بعض الضحايا.
أما من جهة الملاحقة القانونية، انكشاف القضية على العلن، سيتيح لبعض أفراد هذه العصابة ممن لم يثبت تورطهم، أو لم تصل التحقيقات أدلة على تورطهم، إمكانيّة مغادرة البلاد، أو إيجاد طرق للتنصل قبل أن يتم إدراجهم رسمياً في قائمة المتهمين، والأخطر هو أن يلعب ذوي النفوذ مجدداً دوراً لحماية البعض كما حصل في قضايا سابقة.
إقرأوا أيضاً: