fbpx

عقدة “الخواجة” في مقولة فصل الثقافة عن السياسة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تتكرر سياسة الاحتفاء بالمثقف الأوروبي، كاتباً، أو فناناً، أو مخرجاً سينمائياً، لديه «الجرأة» على خلط الأدب بالسياسة، والفن بالسياسة، والسينما بالسياسة، لكن في حال خطر على بال كاتب عربي، الكتابة في هذا المجال وعن هذه القضية، فلن يرى هذا الاهتمام بل قد يلاقي مصيراً قاتماً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مساء يوم الثلاثاء 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أقيم في معهد غوته في القاهرة، حفل توقيع لكتاب «بزوغ الحقيقية – على دروب اللاجئين عبر أوروبا»، للكاتب والصحافي الألماني نافيد كرماني.

امتلأت القاعة التي أقيم فيها حفل إطلاق الكتاب ومناقشته بمشاركة الروائي المصري عزت القمحاوي، والصحافي محمد شعير مديراً للنقاش، قبل موعد الحفل بنصف ساعة، لدرجة أن من أتى في الموعد المحدد، لم يجد كرسياً ليجلس عليه، واكتفى بالوقوف في آخر القاعة، أو أمام بابها.

قد لا يدعو هذا المشهد إلى الغرابة، لدرجة وصفه بهذه الدقة، لمن يتأمله من مسافة بعيدة، أو من يتابع أو أن أن إحدى هواياته «متابعة الأنشطة الثقافية». ولا لمن ليست لديه أدنى فكرة عن انعكاس الواقع المأزوم و«الكابوسيّ» سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على «كواليس» إنتاج الثقافة وفعّالياتها وسوقها، في المجال العام، في بلد مثل مصر.

بل إن هذا المشهد، ليس سوى جزء من سلسة طويلة من المشاهد الوافرة، تتيح لنا تأمل واقع الثقافة بواقع السياسة، وتجعل بعض المثقفين من دعاة فصل السياسة عن الثقافة، مثيرين للسخرية. إذ إن تكرار سياسة الاحتفاء بالمثقف الأوروبي، كاتباً، أو فناناً، أو مخرجاً سينمائياً، لديه «الجرأة» على خلط الأدب بالسياسة، والفن بالسياسة، والسينما بالسياسة، ولا يكتفي بتناول قضايا سياسية تخص بلده، أو محيطه، بل يتعاطف مع قضايا شعوب أخرى، كقضية اللاجئين السوريين، وهذه القضية بالذات، تهتم دور نشر مصرية، بالاحتفاء بها، وعبر كتابة «عابرة للنوع»، مثل الريبورتاج الصحافي أو الأدبي، شرط أن يكون كاتبها أجنبياً، لكن في حال خطر على بال كاتب عربي أو سوري، الكتابة في هذا المجال وعن هذه القضية، فلن يرى هذا الاهتمام لا من دور نشر، ولا حتى من جمهور.

هل هي «عقدة الخواجه؟»

 

هناك رقابة شديدة، تحظر تناول قضايا سياسية واجتماعية من خلال الأدب والسينما والفنون الأخرى. هناك عقوبات قد تصل إلى السجن لسنوات طويلة، في حال تم نشر أدب أو فكر مناهض لسياسات «الدولة».  الرعب يهيمن على الجميع.

 

ربما، وأضف إلى ذلك، أن هذا الكاتب الأوروبي الذي لم تسمع عنه في حياتك، سعره بالنسبة إلى دور النشر، أعلى بكثير من سعر الكاتب العربي. لكن هل تُلام دور النشر المصرية على ذلك؟ بالطبع هناك جزء من اللوم يقع عليها، لكن في المقابل، هناك رقابة شديدة، تحظر تناول قضايا سياسية واجتماعية من خلال الأدب والسينما والفنون الأخرى. هناك عقوبات قد تصل إلى السجن لسنوات طويلة، في حال تم نشر أدب أو فكر مناهض لسياسات «الدولة».

الرعب يهيمن على الجميع.

أما السجون المصرية، فباتت مزدحمة بمعتقلي الرأي، من ناشطين حقوقيين؛ مثل المبرمج والناشط السياسي علاء عبد الفتاح، وكتّاب صحافيين، مثل الباحث والصحافي إسماعيل الإسكندراني، والصحافيان؛ مصطفى الأعصر وحسن البنا. وهؤلاء من بين 60 ألف سجين سياسي مصري، بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، وهو أمر أنكره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مقابلة تلفزيونية بثت على قناة CBS، الأميركية في برنامج «60 Minutes».

لكان الاحتفاء بالآخر «الأجنبي»، وبحريته في قول ما يريد، حول الوضع السياسي في بلده، وصل ذروته، في لعبة المفارقات ما بين «هنا… وهناك»، عندما شارك فيلم سينمائي من الأروغواي عنوانه «ليلة الأثني عشر عاماً»، في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأربعين خريف 2018.  

يحكي فيلم «ليلة الأثني عشر عاماً» لمخرجه ألفارو بريخنر، قصة ثلاثة معتقلين سياسيين، قضى كل واحد منهم 12 عاماً يتنقل بين سجنٍ انفرادي وآخر. يحاول الفيلم أن يسلط الضوء على هذه التجربة المريرة، والمؤلمة، من التعذيب الجسدي والنفسي، التي من الممكن أن يتعرض لها الإنسان، ويتحمل قسوتها، من دون أن يفقد عقله، أو يموت قهراً. تتركز أحداث الفيلم ما بين فترة السبعينات والثمانينات، في الأروغواي، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية، وأحد المساجين الثلاثة هو الرئيس الأسبق للأروغواي خوزيه موخيكا (1935)، والذي كان قبل اعتقاله في تلك الفترة، مقاتلاً في منظمة توباماروس الثورية اليسارية.

نال هذا الفيلم جائزة الهرم الذهبي، وجائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد الفيلم السينمائي (الفيبرسي).

لكن، لم يمضِ سوى شهر وعشرة أيام تقريباً، على ختام مهرجان القاهرة السينمائي، حتى قضت محكمة جنايات القاهرة، وبرئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، بتاريخ 9 كانون الثاني/ يناير 2019، بالسجن المشدد للناشط السياسي أحمد دومة 15 سنة، وتغريمه 6 ملايين جنيه، وذلك في إعادة محاكمته في قضية «أحداث مجلس الوزراء».

كما سيشهد اليوم نفسه اختفاء مواطنين ألمانيين من أصول مصرية، وهما محمود عبد العزيز، وعيسى الصباغ. فيما اعترفت السلطات المصرية باحتجاز محمود عبد العزيز، وبأنه سيرحل إلى ألمانيا بعد تنازله عن الجنسية المصرية. إلا أن الخارجية الألمانية ما زالت تتواصل مع السلطات المصرية لمعرفة مصير عيسى الصباغ.

بالطبع، مسموح للأجنبي في بلد مثل مصر، أن يمارس نشاطه الثقافي، والسياسي المتعلق ببلده، لكنه قد يتعرض للخطف في حال تحدث في الشأن السياسي المصري، أو كان له أي «أصول» مصرية، ويتحدث في السياسة، أو أن يتعرض للتعذيب حتى القتل، كما حصل للباحث الإيطالي جوليو ريجيني، والذي علقت والدته على جريمة قتله: «قتلوه كما لو كان مصرياً».

 

 

22.01.2019
زمن القراءة: 4 minutes

تتكرر سياسة الاحتفاء بالمثقف الأوروبي، كاتباً، أو فناناً، أو مخرجاً سينمائياً، لديه «الجرأة» على خلط الأدب بالسياسة، والفن بالسياسة، والسينما بالسياسة، لكن في حال خطر على بال كاتب عربي، الكتابة في هذا المجال وعن هذه القضية، فلن يرى هذا الاهتمام بل قد يلاقي مصيراً قاتماً.

في مساء يوم الثلاثاء 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أقيم في معهد غوته في القاهرة، حفل توقيع لكتاب «بزوغ الحقيقية – على دروب اللاجئين عبر أوروبا»، للكاتب والصحافي الألماني نافيد كرماني.

امتلأت القاعة التي أقيم فيها حفل إطلاق الكتاب ومناقشته بمشاركة الروائي المصري عزت القمحاوي، والصحافي محمد شعير مديراً للنقاش، قبل موعد الحفل بنصف ساعة، لدرجة أن من أتى في الموعد المحدد، لم يجد كرسياً ليجلس عليه، واكتفى بالوقوف في آخر القاعة، أو أمام بابها.

قد لا يدعو هذا المشهد إلى الغرابة، لدرجة وصفه بهذه الدقة، لمن يتأمله من مسافة بعيدة، أو من يتابع أو أن أن إحدى هواياته «متابعة الأنشطة الثقافية». ولا لمن ليست لديه أدنى فكرة عن انعكاس الواقع المأزوم و«الكابوسيّ» سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على «كواليس» إنتاج الثقافة وفعّالياتها وسوقها، في المجال العام، في بلد مثل مصر.

بل إن هذا المشهد، ليس سوى جزء من سلسة طويلة من المشاهد الوافرة، تتيح لنا تأمل واقع الثقافة بواقع السياسة، وتجعل بعض المثقفين من دعاة فصل السياسة عن الثقافة، مثيرين للسخرية. إذ إن تكرار سياسة الاحتفاء بالمثقف الأوروبي، كاتباً، أو فناناً، أو مخرجاً سينمائياً، لديه «الجرأة» على خلط الأدب بالسياسة، والفن بالسياسة، والسينما بالسياسة، ولا يكتفي بتناول قضايا سياسية تخص بلده، أو محيطه، بل يتعاطف مع قضايا شعوب أخرى، كقضية اللاجئين السوريين، وهذه القضية بالذات، تهتم دور نشر مصرية، بالاحتفاء بها، وعبر كتابة «عابرة للنوع»، مثل الريبورتاج الصحافي أو الأدبي، شرط أن يكون كاتبها أجنبياً، لكن في حال خطر على بال كاتب عربي أو سوري، الكتابة في هذا المجال وعن هذه القضية، فلن يرى هذا الاهتمام لا من دور نشر، ولا حتى من جمهور.

هل هي «عقدة الخواجه؟»

 

هناك رقابة شديدة، تحظر تناول قضايا سياسية واجتماعية من خلال الأدب والسينما والفنون الأخرى. هناك عقوبات قد تصل إلى السجن لسنوات طويلة، في حال تم نشر أدب أو فكر مناهض لسياسات «الدولة».  الرعب يهيمن على الجميع.

 

ربما، وأضف إلى ذلك، أن هذا الكاتب الأوروبي الذي لم تسمع عنه في حياتك، سعره بالنسبة إلى دور النشر، أعلى بكثير من سعر الكاتب العربي. لكن هل تُلام دور النشر المصرية على ذلك؟ بالطبع هناك جزء من اللوم يقع عليها، لكن في المقابل، هناك رقابة شديدة، تحظر تناول قضايا سياسية واجتماعية من خلال الأدب والسينما والفنون الأخرى. هناك عقوبات قد تصل إلى السجن لسنوات طويلة، في حال تم نشر أدب أو فكر مناهض لسياسات «الدولة».

الرعب يهيمن على الجميع.

أما السجون المصرية، فباتت مزدحمة بمعتقلي الرأي، من ناشطين حقوقيين؛ مثل المبرمج والناشط السياسي علاء عبد الفتاح، وكتّاب صحافيين، مثل الباحث والصحافي إسماعيل الإسكندراني، والصحافيان؛ مصطفى الأعصر وحسن البنا. وهؤلاء من بين 60 ألف سجين سياسي مصري، بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، وهو أمر أنكره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مقابلة تلفزيونية بثت على قناة CBS، الأميركية في برنامج «60 Minutes».

لكان الاحتفاء بالآخر «الأجنبي»، وبحريته في قول ما يريد، حول الوضع السياسي في بلده، وصل ذروته، في لعبة المفارقات ما بين «هنا… وهناك»، عندما شارك فيلم سينمائي من الأروغواي عنوانه «ليلة الأثني عشر عاماً»، في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأربعين خريف 2018.  

يحكي فيلم «ليلة الأثني عشر عاماً» لمخرجه ألفارو بريخنر، قصة ثلاثة معتقلين سياسيين، قضى كل واحد منهم 12 عاماً يتنقل بين سجنٍ انفرادي وآخر. يحاول الفيلم أن يسلط الضوء على هذه التجربة المريرة، والمؤلمة، من التعذيب الجسدي والنفسي، التي من الممكن أن يتعرض لها الإنسان، ويتحمل قسوتها، من دون أن يفقد عقله، أو يموت قهراً. تتركز أحداث الفيلم ما بين فترة السبعينات والثمانينات، في الأروغواي، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية، وأحد المساجين الثلاثة هو الرئيس الأسبق للأروغواي خوزيه موخيكا (1935)، والذي كان قبل اعتقاله في تلك الفترة، مقاتلاً في منظمة توباماروس الثورية اليسارية.

نال هذا الفيلم جائزة الهرم الذهبي، وجائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد الفيلم السينمائي (الفيبرسي).

لكن، لم يمضِ سوى شهر وعشرة أيام تقريباً، على ختام مهرجان القاهرة السينمائي، حتى قضت محكمة جنايات القاهرة، وبرئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، بتاريخ 9 كانون الثاني/ يناير 2019، بالسجن المشدد للناشط السياسي أحمد دومة 15 سنة، وتغريمه 6 ملايين جنيه، وذلك في إعادة محاكمته في قضية «أحداث مجلس الوزراء».

كما سيشهد اليوم نفسه اختفاء مواطنين ألمانيين من أصول مصرية، وهما محمود عبد العزيز، وعيسى الصباغ. فيما اعترفت السلطات المصرية باحتجاز محمود عبد العزيز، وبأنه سيرحل إلى ألمانيا بعد تنازله عن الجنسية المصرية. إلا أن الخارجية الألمانية ما زالت تتواصل مع السلطات المصرية لمعرفة مصير عيسى الصباغ.

بالطبع، مسموح للأجنبي في بلد مثل مصر، أن يمارس نشاطه الثقافي، والسياسي المتعلق ببلده، لكنه قد يتعرض للخطف في حال تحدث في الشأن السياسي المصري، أو كان له أي «أصول» مصرية، ويتحدث في السياسة، أو أن يتعرض للتعذيب حتى القتل، كما حصل للباحث الإيطالي جوليو ريجيني، والذي علقت والدته على جريمة قتله: «قتلوه كما لو كان مصرياً».

 

 

22.01.2019
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية