“للذكر مثل حظ الأنثى” هي عبارة رفعها محتجون أمام البرلمان التونسي خلال مسيرة سلمية انتظمت مؤخراً طالبوا فيها السلطات بالإسراع في المصادقة على قانون جديد ينص على المساواة في الميراث بين الجنسين ويلغي النصوص المنظمة لمسألة الميراث المستمدة من الشريعة الإسلامية.
تعمل لجنة الحريات الفردية والمساواة التابعة لرئاسة الجمهورية التونسية منذ أشهر على إعداد تقرير حول المساواة بين الجنسين في كافة المجالات ويشمل هذا التقرير مشروع قانون جديد سيتم على أساسه تغيير قرابة 20 نصاً قانونياً متعلقاً بتنظيم الميراث واستبدالها بنصوص “متطورة وثورية” حسب تعبير مستشارة رئيس الجمهورية بشرى بالحاج حميدة التي أكدت تأجيل النقاش البرلماني حول هذا القانون إلى ما بعد إجراء الانتخابات البلدية تجنبا للتجاذبات السياسية التي يمكن أن يحدثها. وكانت مؤسسة لإفتاء التونسية قد أعلنت في وقت سابق مساندتها لدعوة رئيس الجمهورية ضرورة إجراء مراجعات قانونية تدعم حقوق المرأة وتساويها بالرجل كالسماح لها بالزواج بغير المسلم والمساواة في الميراث وعدد من الإجراءات المماثلة.
كغيره من المواضيع ذات الطابع الديني أثار مشروع قانون المساواة في الإرث بين الجنسين في تونس جدلاً كبيراً ترجم إلى تدوينات داعمة أو رافضة على المواقع الاجتماعية وتصريحات إعلامية لحقوقيين وشيوخ وأئمة. وعكس النقاش الحاد الحاصل حول هذا الموضوع تطوّر المناخ الديمقراطي الذي أصبح يسود البلاد حيث غاب التشنج المعتاد وحلّ محلّه النقاش العلمي الرصين من خلال ندوات دينية وقانونية وعلمية وأطروحات اختلفت في توجهاتها واتفقت على ضرورة توسيع النقاش من أجل إرضاء جميع الأطراف. وانقسم المتجادلون حول مشروع هذا القانون إلى داعم له بحجة ضرورة إرساء العدل بين جميع المواطنين ورافض على أساس ديني بحت.
وانتشر هاشتاغ/ وسم “المساواة في الميراث حق موش مزية” أي المساواة في الميراث حق وليس منة من أحد على مواقع التواصل الاجتماعي من طرف ناشطين وسياسيين وحقوقيين. وقد أّثار هذا الهاشتاغ ردود فعل مضادة اعتبرت هذا المطلب تحديا جديدا لثوابت الشريعة الإسلامية حتى ان البعض كتب بأنه “تحد للذات الإلهية” واحتج آخرون بالقول “هل أنتم أعدل من الله؟ ومن سمح لكم بمنح المرأة أكثر مما منحها ربها.” لتثير هذه الردود بحد ذاتها ردود فعل ساخرة أو مستنكرة استنادا إلى إجماع الجميع حول ما جاء في دستور تونس الجديد من تنصيص واضح على “المساواة بين جميع المواطنين”.
اعتمد المطالبون بتمرير قانون المساواة في الإرث بين الجنسين على ما جاء في الفصل 21 من الدستور التونسي والذي ينص على الآتي “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز.” “المسالة إنسانية قبل أن تكون نسوية” تقول الناشطة الحقوقية خلود عسالي في تصريح لدرج وتوضّح “رغم تطور العقليات في المجتمع التونسي مقارنة بعدد هام من البلدان العربية إلا أن بعض الممارسات الذكورية لا زالت تسطو على حق المرأة وتغبن جهودها وتحطم آمالها في العيش الكريم، ففي تونس مازالت العائلات تمارس التمييز ضد الإناث أثناء توزيع الميراث رغم أن المرأة التونسية ساهمت بشكل كبير منذ عقود في بناء الأسرة وتطوير المجتمع من خلال المشاركة في الحياة العملية والاجتماعية وحتى السياسية والنقابية.”
خلود تحدثت أيضاً عن قصص تروي معاناة المرأة التونسية في ما يتعلق بحصولها على ميراثها. عن السيدة حليمة أصيلة محافظة جزيرة “قرقنة” تقول خلود “انقطعت حليمة عن الدراسة مبكراً من أجل أن يواصل أشقاؤها الذكور الأربعة الدراسة، عملت حليمة مع والدها في صيد السمك على قاربه الصغير، اكتسبت حليمة الخبرة وطورت عملها وتضاعفت أملاك العائلة، حين توفي والدها اقتسم الأخوة الذكور الميراث الذي صنعته بعرق جبينها ولم يتبق لها سوى النزر القليل. والأهم أن حليمة وفي إطار القسمة خسرت ملكية القارب الذي عاد إلى أحد أشقائها ففقدت مورد رزقها الوحيد”. اقتسام الميراث في هذه الحالة كان قانونياً وشرعياً ولكنه لم يكن أبداً عادلاً ومن أجل إرساء العدل خرجنا جميعا للمطالبة بالمساواة.
قصة حليمة هي قصة نساء تونسيات كثيرات، لم يكن تقسيم الميراث على طريقة الشريعة الإسلامية منصفاً لجهودهن، ففي الأرياف والجهات الفقيرة تعتمد العائلة بصفة كلية على جهود المرأة في العمل الفلاحي وأعمال الحضائر في حين يعاني الذكور من البطالة. تعنّف المرأة في الأرياف التونسية حين تطالب بحقها “الشرعي” في الميراث وتعتبر خارجة عن الأعراف التي تميز الذكر وتورثه أملاك العائلة بحجة عدم التفويت فيها للأصهار وأبنائهم. وتشارك نساء بملء إرادتهن المجتمع هذه الأفكار حتى أن بعضهن ومنهن جامعيات وحقوقيات وقفن ضد المسيرة المطالبة بالمساواة في الميراث بسبب ما اعتبرنه تعدياً على أحكام الشريعة الإسلامية. حول هذه الاتهامات دونت الكاتبة التونسية صاحبة مؤلف “حيرة مسلمة” ألفة يوسف قائلة، “هنالك قراءتين للإسلام القراءة الحرفية وداعش تنفذها بامتياز والقراءة المقاصدية الروحانية وهدفها الأخلاق، ما سوى ذلك تلفيق يجعل البعض يقبل إلغاء الرق وإلغاء عقوبة قطع الأيدي من جهة ويرفض المساواة من جهة أخرى.” وفي نفس الإطار عبّرت الكاتبة المصرية نوال السعداوي عن سعادتها بمشاركة التونسيين ولو افتراضيا احتجاجهم من أجل المساواة بين الجنسين وكتبت على صفحتها على موقع “فيسبوك”، “تونس بدأت تخطو خطوات قوية على طريق المبادئ الإنسانية مثل العدل، المساواة والكرامة وتخلصت إلى حد كبير من القوى الدينية الرجعية وهذا مهم.”
ولا ترى “القوى الدينية” في تونس في رفضها لمسألة المساواة في الإرث “رجعية” بل تعيد رأيها إلى تكريس احترام العقيدة الإسلامية. الدستور أيضا هو حجة المتمسكين بتطبيق الشريعة حيث يقول الإمام شهاب الدين تليش، عضو هيئة مشايخ تونس، في حديث مع “درج”، “تنص توطئة الدستور على أن الإسلام هو دين الدولة ويؤكد الفصل السادس منه أن الدولة راعية للدين وتلتزم بحماية المقدسات ومنع النيل منها.” ويضيف شهاب الدين، “تطبيق قانون المساواة في الميراث يعتبر مخالفة واضحة لما جاء في الدستور والمعركة ستكون قانونية بالأساس، نحن نرفض الاستخفاف بديننا وما يحدث من إلغاء لمبادئ الشريعة منذ الثورة كالتشجيع على المثلية الجنسية والإنجاب خارج إطار الزواج والمطالبة بنسبة المولود إلى الأم والسماح بالإفطار العلني خلال شهر رمضان هي ممارسة فرضتها الدول الكبرى المانحة في إطار صفقات مالية مشبوهة مع بعض الأطراف السياسية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان. هذا التساهل والتمييع لمكتسبات الشريعة دفع المشاركين في المسيرة المنادية بالمساواة إلى الاستهزاء بالقرآن الكريم فكتبوا شعار “للذكر مثل حظ الأنثى” محرفين بذلك الآية التي تقول “للذكر مثل حظ الأنثيين” وهو أمر يعاقب عليه القانون.” ويضيف الإمام “سنعتمد كل المبادرات السلمية والقانونية في مواجهة خطر المنظمات المشبوهة التي تحاول تذويب الثقافات وضرب الموروث الديني وعولمة تونس وجرها نحو التفسخ الأخلاقي والقيمي”.
[video_player link=””][/video_player]