fbpx

على الدول الأوروبية تسهيل عمل اللاجئين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

تشير الأدلة المستقاة من موجات اللاجئين السابقة ومن تجربة الدول الأخرى، إلى أن المكاسب طويلة الأجل التي يحصل عليها جميع الأطراف بالسماح للاجئين بالعمل، تفوق التكاليف القصيرة الأجل، ليس على صعيد المال العام فقط، بل أيضاً بالنسبة إلى وظائف المواطنين ومرتباتهم. في أميركا، تجاوزت معدلات تشغيل اللاجئين معدلات المواطنين في غضون ست سنوات. كما يصبح اللاجئ العادي مساهماً مالياً بشكل كامل بعد وصوله إلى البلاد بثماني سنوات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أمنية مهند صالحة الوحيدة هي أن يحصل على عمل، فمنذ وصوله إلى هولندا أواخر عام 2014، استطاع العمل لمدة أسبوع واحد فقط. حاله كحال 80 في المئة من اللاجئين السوريين في أوروبا، العاطلين من العمل.

كان مهند يدرس تكنولوجيا المعلومات عندما فر من سوريا عام 2012، وعمل كهربائياً في لبنان، حيث “تستطيع الذهاب لإصلاح كل شيء”، على عكس الوضع في هولندا. إذ يجب أن يحصل على تصريح مفصل حتى يصبح كهربائياً، كما أن مثل هذه الوظائف تحتاج إلى إجادة اللغة الهولندية. تهدف هذه القواعد إلى حماية العمالة المحلية، وتمنع الباحثين عن اللجوء من البحث عن وظائف. إذ إن اللاجئين الذين يجدون عملاً، يحرَمون من الدعم الحكومي.

يقيم الباحثون عن اللجوء في هولندا في مراكز تديرها الحكومة، وغير مُصرح لهم بالعمل خلال الشهور الست الأولى من وصولهم إلى الأراضي الهولندية. بعد ذلك، إذا استطاعوا العثور على وظيفة، تقوم الحكومة باقتطاع 75 في المئة من أجورهم لتغطية تكاليف السكن والطعام (ليس من المستغرب إذاً أن يقدم قلة منهم فقط على البحث عن عمل). وبمجرد منحهم صفة لاجئ، يُنقلون إلى أماكن سكن مدعومة، كما حصل مع صالحة العام الماضي. سجل صالحة نفسه في وكالة توظيف عمالة موقتة، إلا أن الحكومة المحلية أبلغته بأن عمله سوف يتسبب في فقدانه سكنه المدعوم، والإعانات الاخرى التي يحصل عليها.

لم تستطع الوكالة تأمين ما يكفي من العمل، ما اضطر صالحة إلى الاستقالة، ومن ثم عاد من جديد لتلقي الدعم من دافع الضرائب الهولندي. ترتفع معدلات البطالة في أوساط اللاجئين مقارنةً بنسبتها في أوساط المواطنين المحليين في جميع أنحاء أوروبا. لكن الفجوة في هولندا من بين الأكثر اتساعاً في أوروبا. بل إن نسبة من هم في سن العمل بين اللاجئين الذين وصلوا إلى هولندا أواخر تسعينات القرن الماضي، قد بلغت 55 في المئة فقط بعد 15 عاماً، مقارنةً بنسبة 80 في المئة في أوساط المواطنين. وعلى رغم ذلك، لا تتخطى نسبة البطالة في هولندا 5 في المئة، كما صرحت 40 في المئة من شركات الإنشاءات في هولندا العام الماضي بأنها تكافح من أجل سد عجز الوظائف، بخاصة في ظل حاجتهم إلى كهربائيين، مثل صالحة وكثر غيره.

تشير الأدلة المستقاة من موجات اللاجئين السابقة ومن تجربة الدول الأخرى، إلى أن المكاسب طويلة الأجل التي يحصل عليها جميع الأطراف بالسماح للاجئين بالعمل، تفوق التكاليف القصيرة الأجل، ليس على صعيد المال العام فقط، بل أيضاً بالنسبة إلى وظائف المواطنين ومرتباتهم. في أميركا، تجاوزت معدلات تشغيل اللاجئين معدلات المواطنين في غضون ست سنوات. كما يصبح اللاجئ العادي مساهماً مالياً بشكل كامل بعد وصوله إلى البلاد بثماني سنوات.تجدر الإشارة أيضاً إلى أن في الدول الأوروبية، غالباً ما تجعل اتفاقيات الأجور القطاعية تكلفة تشغيل العمالة المنخفضة الإنتاجية مرتفعة، مع صعوبة فصلهم من العمل. بينما لا تواجه أميركا صعوبة في خلق فرص عمل منخفضة الأجر للعمالة غير الماهرة من اللاجئين، كما أن فوائدها متواضعة لدرجة لا تغري اللاجئين بالإقبال على العمل.

لكن الدول الأوروبية أظهرت أنه من الممكن استيعاب العمالة المتدفقة المنخفضة الأجر من دون دفع الناس للبقاء بلا عمل بشكل دائم، أو إجبارهم على تلقي أجور مخفضة. توصلت دراسة بحثت بيانات العمالة على مدار عقدين من الزمان بالدنمارك، إلى أن القطاعات الوطنية منخفضة المهارة في المدن التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين (معظمهم من أفغانستان والعراق والصومال والبوسنة)، قد طردتهم من وظائفهم. لكنهم اتجهوا في نهاية المطاف إلى وظائف ذات مهارة وأجر أعلى في شركات أخرى.

قارنت دراسة حديثة أجراها الخبير الاقتصادي السويدي، باتريك جويسي، بين دمج القوى العاملة من اللاجئين في كل من الدنمارك، وألمانيا، وهولندا، والنرويج، والسويد. جاءت ألمانيا في المقدمة بفارق واضح في أعداد اللاجئين العاملين بعد 15 عاماً بنسبة 70 في المئة، بما يقارب نسبة العمالة الوطنية البالغة 74 في المئة.

كان أحد أسباب نجاح ألمانيا أن إصلاحات هارتز لسوق العمل التي بدأت عام 2003، أتاحت الفرصة أمام النظام الاقتصادي لإنشاء مزيد من الوظائف ذات الأجور المتدنية التي تناسب المهاجرين. علاوة على ذلك، سمحت ألمانيا للمجالس البلدية بتهيئة سياساتها المتعلقة بدمج اللاجئين وفق الظروف الداخلية، في حين تتبنى الدول الاسكندنافية سياسات موحدة. وعلى عكس هولندا، تشجع ألمانيا طالبي اللجوء الذين لديهم فرصة كبيرة لتلقي الموافقة على بدء العمل حتى قبل الحصول على الموافقة فعلاً. تقوم ألمانيا بما في وسعها، من ناحية تنسيق إجراءات طلبات اللجوء من خلال توفير سكن للاجئين، وتعليم اللغة، وتقديم تدريب على العمل، إضافة إلى توفير الوظائف. تستطيع الدول الأوروبية الأخرى تقديم المزيد في هذا الصدد على خطى ألمانيا، من أجل زيادة دور اللاجئين التكاملي للقوى العاملة الوطنية، بدلاً من اتخاذ دور تنافسي.

ولكن، لا بد في بادئ الأمر من أن تستمع الأماكن الغنية التي تستقبل جزءاً صغيراً من لاجئي العالم إلى نصيحة الدول الأفقر التي تستقبل نصيب الأسد من اللاجئين، بالسماح لطالبي اللجوء بالعمل. التحق صالحة في الوقت الراهن ببرنامج تدريبي برعاية “شركة ألياندر”، التي تعمل في تشغيل الشبكات الكهربائية. سوف توفر له وظيفة في الشركة، وورقة تثبت أنه يستطيع تركيب سلك كهربائي. لا شك في أن هذه الخطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها استغرقت ثلاث سنوات.

هذا الموضوع تم اعداده وترجمته عن موقع THE ECONOMIST لمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.

 

"درج"
لبنان
29.04.2018
زمن القراءة: 4 minutes

تشير الأدلة المستقاة من موجات اللاجئين السابقة ومن تجربة الدول الأخرى، إلى أن المكاسب طويلة الأجل التي يحصل عليها جميع الأطراف بالسماح للاجئين بالعمل، تفوق التكاليف القصيرة الأجل، ليس على صعيد المال العام فقط، بل أيضاً بالنسبة إلى وظائف المواطنين ومرتباتهم. في أميركا، تجاوزت معدلات تشغيل اللاجئين معدلات المواطنين في غضون ست سنوات. كما يصبح اللاجئ العادي مساهماً مالياً بشكل كامل بعد وصوله إلى البلاد بثماني سنوات.

أمنية مهند صالحة الوحيدة هي أن يحصل على عمل، فمنذ وصوله إلى هولندا أواخر عام 2014، استطاع العمل لمدة أسبوع واحد فقط. حاله كحال 80 في المئة من اللاجئين السوريين في أوروبا، العاطلين من العمل.

كان مهند يدرس تكنولوجيا المعلومات عندما فر من سوريا عام 2012، وعمل كهربائياً في لبنان، حيث “تستطيع الذهاب لإصلاح كل شيء”، على عكس الوضع في هولندا. إذ يجب أن يحصل على تصريح مفصل حتى يصبح كهربائياً، كما أن مثل هذه الوظائف تحتاج إلى إجادة اللغة الهولندية. تهدف هذه القواعد إلى حماية العمالة المحلية، وتمنع الباحثين عن اللجوء من البحث عن وظائف. إذ إن اللاجئين الذين يجدون عملاً، يحرَمون من الدعم الحكومي.

يقيم الباحثون عن اللجوء في هولندا في مراكز تديرها الحكومة، وغير مُصرح لهم بالعمل خلال الشهور الست الأولى من وصولهم إلى الأراضي الهولندية. بعد ذلك، إذا استطاعوا العثور على وظيفة، تقوم الحكومة باقتطاع 75 في المئة من أجورهم لتغطية تكاليف السكن والطعام (ليس من المستغرب إذاً أن يقدم قلة منهم فقط على البحث عن عمل). وبمجرد منحهم صفة لاجئ، يُنقلون إلى أماكن سكن مدعومة، كما حصل مع صالحة العام الماضي. سجل صالحة نفسه في وكالة توظيف عمالة موقتة، إلا أن الحكومة المحلية أبلغته بأن عمله سوف يتسبب في فقدانه سكنه المدعوم، والإعانات الاخرى التي يحصل عليها.

لم تستطع الوكالة تأمين ما يكفي من العمل، ما اضطر صالحة إلى الاستقالة، ومن ثم عاد من جديد لتلقي الدعم من دافع الضرائب الهولندي. ترتفع معدلات البطالة في أوساط اللاجئين مقارنةً بنسبتها في أوساط المواطنين المحليين في جميع أنحاء أوروبا. لكن الفجوة في هولندا من بين الأكثر اتساعاً في أوروبا. بل إن نسبة من هم في سن العمل بين اللاجئين الذين وصلوا إلى هولندا أواخر تسعينات القرن الماضي، قد بلغت 55 في المئة فقط بعد 15 عاماً، مقارنةً بنسبة 80 في المئة في أوساط المواطنين. وعلى رغم ذلك، لا تتخطى نسبة البطالة في هولندا 5 في المئة، كما صرحت 40 في المئة من شركات الإنشاءات في هولندا العام الماضي بأنها تكافح من أجل سد عجز الوظائف، بخاصة في ظل حاجتهم إلى كهربائيين، مثل صالحة وكثر غيره.

تشير الأدلة المستقاة من موجات اللاجئين السابقة ومن تجربة الدول الأخرى، إلى أن المكاسب طويلة الأجل التي يحصل عليها جميع الأطراف بالسماح للاجئين بالعمل، تفوق التكاليف القصيرة الأجل، ليس على صعيد المال العام فقط، بل أيضاً بالنسبة إلى وظائف المواطنين ومرتباتهم. في أميركا، تجاوزت معدلات تشغيل اللاجئين معدلات المواطنين في غضون ست سنوات. كما يصبح اللاجئ العادي مساهماً مالياً بشكل كامل بعد وصوله إلى البلاد بثماني سنوات.تجدر الإشارة أيضاً إلى أن في الدول الأوروبية، غالباً ما تجعل اتفاقيات الأجور القطاعية تكلفة تشغيل العمالة المنخفضة الإنتاجية مرتفعة، مع صعوبة فصلهم من العمل. بينما لا تواجه أميركا صعوبة في خلق فرص عمل منخفضة الأجر للعمالة غير الماهرة من اللاجئين، كما أن فوائدها متواضعة لدرجة لا تغري اللاجئين بالإقبال على العمل.

لكن الدول الأوروبية أظهرت أنه من الممكن استيعاب العمالة المتدفقة المنخفضة الأجر من دون دفع الناس للبقاء بلا عمل بشكل دائم، أو إجبارهم على تلقي أجور مخفضة. توصلت دراسة بحثت بيانات العمالة على مدار عقدين من الزمان بالدنمارك، إلى أن القطاعات الوطنية منخفضة المهارة في المدن التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين (معظمهم من أفغانستان والعراق والصومال والبوسنة)، قد طردتهم من وظائفهم. لكنهم اتجهوا في نهاية المطاف إلى وظائف ذات مهارة وأجر أعلى في شركات أخرى.

قارنت دراسة حديثة أجراها الخبير الاقتصادي السويدي، باتريك جويسي، بين دمج القوى العاملة من اللاجئين في كل من الدنمارك، وألمانيا، وهولندا، والنرويج، والسويد. جاءت ألمانيا في المقدمة بفارق واضح في أعداد اللاجئين العاملين بعد 15 عاماً بنسبة 70 في المئة، بما يقارب نسبة العمالة الوطنية البالغة 74 في المئة.

كان أحد أسباب نجاح ألمانيا أن إصلاحات هارتز لسوق العمل التي بدأت عام 2003، أتاحت الفرصة أمام النظام الاقتصادي لإنشاء مزيد من الوظائف ذات الأجور المتدنية التي تناسب المهاجرين. علاوة على ذلك، سمحت ألمانيا للمجالس البلدية بتهيئة سياساتها المتعلقة بدمج اللاجئين وفق الظروف الداخلية، في حين تتبنى الدول الاسكندنافية سياسات موحدة. وعلى عكس هولندا، تشجع ألمانيا طالبي اللجوء الذين لديهم فرصة كبيرة لتلقي الموافقة على بدء العمل حتى قبل الحصول على الموافقة فعلاً. تقوم ألمانيا بما في وسعها، من ناحية تنسيق إجراءات طلبات اللجوء من خلال توفير سكن للاجئين، وتعليم اللغة، وتقديم تدريب على العمل، إضافة إلى توفير الوظائف. تستطيع الدول الأوروبية الأخرى تقديم المزيد في هذا الصدد على خطى ألمانيا، من أجل زيادة دور اللاجئين التكاملي للقوى العاملة الوطنية، بدلاً من اتخاذ دور تنافسي.

ولكن، لا بد في بادئ الأمر من أن تستمع الأماكن الغنية التي تستقبل جزءاً صغيراً من لاجئي العالم إلى نصيحة الدول الأفقر التي تستقبل نصيب الأسد من اللاجئين، بالسماح لطالبي اللجوء بالعمل. التحق صالحة في الوقت الراهن ببرنامج تدريبي برعاية “شركة ألياندر”، التي تعمل في تشغيل الشبكات الكهربائية. سوف توفر له وظيفة في الشركة، وورقة تثبت أنه يستطيع تركيب سلك كهربائي. لا شك في أن هذه الخطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها استغرقت ثلاث سنوات.

هذا الموضوع تم اعداده وترجمته عن موقع THE ECONOMIST لمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.