fbpx

عمال “سبينس”: معركة حقوق تختصر معاناة الطبقة الدنيا في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد أكثر من ست سنوات من الانتظار والعرقلة والتعطيل في معركة تحصيل حقوقهم، تتطلّع محكمة الاستئناف الجزائية في بيروت للنظر في قضية عمّال “سبينس” ضدّ الشركة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تأتي الجلسة ضمن إطار الاستئناف، الذي قدمته شركة “سبينس” ضد الحكم الابتدائي، الذي أصدرته القاضية المنفردة الجزائية في بيروت رلى صفير، مطلع العام 2018، واعتبرت فيه أن الشركة ومديرها السابق مايكل وايت مارسا ضغوطاً “لمنع عمال سبينس من ممارسة حريتهم النقابية، وصولاً إلى تعطيل النقابة التي أنشأوها عام 2012، ما يشكّل جرماً جزائياً وفق المادة 329 من قانون العقوبات”، وألزمتهم بدفع تعويضات مالية إضافة إلى الحبس شهراً وغرامة مالية.

معركة طويلة لانتزاع الحقوق

النقابة التي نشأت فكرة تأسيسها بعد مرور أشهر من إصدار وزير العمل حينها شربل نحاس، قراراً برفع الحد الأدنى لأجور العمال والمستخدمين في كانون الثاني/ يناير العام 2012، واستثناء الشركة موظفيها من هذا المرسوم لكونه “لا يتناسب أبداً مع أوضاع الشركة المالية، ولكونه خارجاً عن المألوف في الاقتصادات الناجحة”، والتحايل عليه من خلال تخفيض ساعات العمل، مع مطالبة العمال بإنتاجية أعلى، لقاء ما يحصلون عليه من رواتب، وإلزامهم بالتوقيع على كتب نموذجية يتنازل من خلالها الأجير بشكل نهائي عن زيادة الأجور، التي أُقرت بموجب المرسوم، والعمل على التضييق على الموظفين الذين وقّعوا عريضة تطالب الشركة بالالتزام بالمرسوم وتطبيقه.

المعركة التي بدأها العمال المؤسسون لهذه النقابة مستمرة حتى اليوم، في سبيل انتزاع حقوق العمال المنتسبين إليها، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان، وحصول العمال الأكثر تضرراً في هذه القضية على تعويضات مالية ومعنوية بسبب ما تعرضوا له من مضايقات واعتداءات جسدية ونفسية، وصولاً إلى طردهم تعسفياً من العمل، في محاولةٍ لمنعهم من تشكيل النقابة وممارسة حقوقهم المنصوص عليها في الدستور. 

ما سبق، أكده النقابي سمير طوق في حديثه لـ “درج ميديا” خلال وقفة احتجاجية نظّمها مؤسسو النقابة مقابل فرع الشركة في منطقة مار متر الأشرفية يوم الجمعة 10 أيار/ مايو 2024 قبل موعد جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي، بهدف إعادة تأكيد حقوقهم، ودعوة الشركة بإدارتها الجديدة إلى الامتثال للدستور والقوانين اللبنانية والأحكام الصادرة عنهما.

طوق الذي كان له الدور الأكبر في تأسيس النقابة، فاز بالدعوة التي قدّمها رفقة كل من ميلاد بركات وإيلي أبي حنا ومخيبر حبشي، وهم من ضيّقت الشركة حينها عليهم، وحاولت من ثم تهديدهم للعدول عن فكرة تأسيسها، وصولاً إلى طردهم تعسفياً، في سبيل إحباط عمل النقابة ومنع العمال الآخرين من الانضمام إليها.

“نقابة عمال سبينس تؤكد قدرة العمال على تأسيس نقابة من دون وساطة زبائنية وسياسية وإقطاعية، إذ اجتمعوا في مقر المرصد في بدارو عام 2012 وأجروا انتخابات نقابية، وهذه سابقة في لبنان”.

قضية العمال اليوم

على رغم مرور 12 سنة على تأسيس النقابة، لا يزال عملها داخل الشركة مقيّداً، فـ”الكثير من العمال الذين تتواصل معهم النقابة، يتحاشون الظهور علناً خشية التعرض للمضايقات، والطرد التعسفي وحرمانهم من لقمة عيشهم”، يقول طوق، مؤكداً أن “وضع العمال في جميع فروع سبينس كارثي، ويشتكون في غالبيتهم من ظروف العمل، وتدنّي الرواتب التي لا تؤمن الحد الأدنى المعيشي”.

ويضيف طوق أن “للعمال الحق في الحصول على راتب جيد، ولقمة عيش كريمة، والعمل ضمن بيئة خالية من الضغط والعنف، وأن المطلوب اليوم هو الموازنة بين شركاء الإنتاج من رب العمل والعمال، وتأمين الخدمات المستحقة لهم، لأن التوازن هو مكسب للفريقين، فريق أصحاب العمل وفريق العمل”، لافتاً الى أن “الضغط والإكراه اللذين تمارسهما المؤسسات على موظّفيها، لا يمكن أن يؤديا إلى نتيجة سليمة، بل يولدان لدى الموظف حالة من الضغط والحقد”.

وعن قضية مؤسسي النقابة، يلفت طوق إلى أنهم “ليسوا في صدد التخلي عنها، وهناك محطة ينبغي أن تصل إليها هذه القضية، أولها تمكين النقابة من العمل داخل المؤسسة، من دون وجود أي ضغط أو تدخل من الشركة، أي رفع اليد عن العمل النقابي، وإعطاء الحرية للعاملين لديها في اتخاذ القرارات التي تمثل خيرهم العام، وهم أدرى بتحديد ماهية خيرهم العام والدفاع عنه”.

وتوجّه طوق إلى إدارة الشركة الجديدة المتمثّلة بحسان عز الدين، داعياً الجميع إلى “الجلوس على طاولة المفاوضات تحت عين الدستور والقوانين المرعية الإجراء، ليُعطى لكل ذي حقّ حقه في ما يخص قضية المؤسسين الأربعة”، مشيراً إلى أنه “سبق وتمت محاولة التواصل معهم من خلال وسطاء إلا أنهم لم يحصلوا على أي استجابة”، مردفاً “إذا ما استمرت الشركة في تجاهل حقوق العمال، فسيتم التوجّه نحو المزيد من التصعيد”.

ضرورة العمل النقابي المستقلّ

مع بدء الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية، عمدت شركات ومؤسسات كثيرة إلى طرد جزء من موظفيها تعسفياً، وهو ما لم يتم التصدي له بشكل مناسب، لعدم وجود آليات عمل ونقابات مستقلة للدفاع عن حقوق الموظفين، من هنا تأتي الحاجة الى إنشاء مزيد من النقابات المستقلّة الشبيهة ب”نقابة عمال سبينس”.

في هذا السياق، يتحدث المحامي كريم نمّور المتابع لملف القضية إلى “درج ميديا” واصفاً إياها بـ”قضية جميع عمال لبنان”، لأن العمل النقابي كان يفتقر منذ التسعينات الى هذا النوع من النقابات المستقلة، وقد خرقت “نقابة عمال سبينس” الجمود الذي يحيط بالعمل النقابي في لبنان، ما أغضب الأحزاب التي انقضّت على العمال، فالشركة “تعتمد الآلية نفسها التي تعتمدها الشركات الكبرى، بافتتاح الكثير من الأفرع، وتوظيف تابعين للأحزاب السياسية بهدف إرضائهم”. 

لذلك، تشكل النقابات المستقلّة خطراً على هذه الأحزاب التي يخيفها “النضال العمالي والعمل النقابي الذي يزعزع النظام القائم، ويمثل جوهر الصراع بين الشعب والنظام، لأن النظام يتشكّل من أرباب العمل وأصحاب الأموال”، ولهذا لا تحظى هذه النقابات بأي دعم سياسي أو طرح قضاياها داخل المجلس النيابي.

ويرى نمور أن “ما يحدث الآن سببه عدم مصادقة لبنان على الاتفاقية 87 من اتفاقيات منظمة العمل الدولية، التي تنص على الحق في التنظيم النقابي الحر والمستقل عن السلطات، لجميع العاملين في القطاعين الخاص والعام”، مشيراً إلى أن “النقابات في لبنان تخضع لمبدأ العلم والخبر، وهو ما يتيح للشركات معرفة أسماء المتقدّمين لطلب تشكيل نقابة، في الفترة الفاصلة بين تقديم المستندات لوزارة العمل، وإصدار ترخيص من وزير العمل، وبالتالي طردهم قبل اكتسابهم الصفة النقابية، وهو ما حدث في قضية عمال “سبينس”، إذ تأخّر وزير العمل حينها سليم جريصاتي في إصدار الترخيص”.

النضال العمالي

تعد “نقابة عمال سبينس” سابقة من نوعها في لبنان لكونها أول نقابة أسّسها عمال، ما تسبّب بتعرضها لهجوم شرس، لعدم خضوعها للمنظومة السياسية التي تفضّل النقابات التي بإمكانها السيطرة عليها. وقد حاولت أحزاب سياسية الضغط على مؤيديها ومناصريها من العاملين في الشركة، ممن وُظِّفوا على أسس التبعية، للوقوف بوجه النقابة وعدم الانضمام إليها في فترة إنشائها.

في هذا الشأن، يتحدث المدير التنفيذي لـ”المرصد اللبناني لحقوق العاملين والموظفين” أحمد ديراني، لـ”درج ميديا”، مشيراً إلى أن “نقابة عمال سبينس تؤكد قدرة العمال على تأسيس نقابة من دون وساطة زبائنية وسياسية وإقطاعية، إذ اجتمعوا في مقر المرصد في بدارو عام 2012 وأجروا انتخابات نقابية، وهذه سابقة في لبنان”.

وكان تأسيس النقابة بمثابة معركة من ثلاثة محاور، إعلامية وقانونية ونقابية، انتصر فيها العمال، وذلك بتضافر الجهود العمالية مع ما قدمته “المفكرة القانونية” والمحامي نزار صاغية، و”الوقفة الاحتجاجية تعني انتصار العمال بما تبقى من القضاء المستقل”، يقول ديراني.

أما عن “الاتحاد العمالي العام”، الذي من المفترض أن يتولى مهمة الدفاع عن حقوق العاملين في المؤسسات العامة والخاصة، فيقول ديراني: “إن المرصد في كتاباته، يرى أن إكرام الميت دفنه، فالاتحاد جثة هامدة، والنقابات هي للأحزاب والطوائف وليست للعمال”.

يُعد العمال والأجراء اليوم، من أكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية والأمنية والقضائية التي يعاني منها لبنان، وارتفاع منسوب البطالة مع تضاؤل فرص العمل، إذ لا توجد قوانين رادعة لحمايتهم أو جهات مسؤولة تطالب بحقوقهم وتأمينها بالطرق الرسمية، ما يعيق تحسين ظروف عملهم ويبقيهم بين خيارين: إما القبول بالعمل كما هو، وإما فقدان لقمة عيشهم المتاحة.

وما يجعل الأمر أكثر تعقيداً، هو الاهتراء الذي يعيشه القطاع العام منذ بدء الأزمة المالية والاقتصادية عام 2019، وتدهور أجور موظفي القطاع العام مع انهيار سعر صرف الليرة، وبالتالي تراجع كبير في مستوى مراقبة الإدارات العامة وفعاليتها، بما فيها وزارة العمل التي توقفت مثلاً عن نشر تقاريرها السنوية إلكترونياً، وكان آخرها بحسب موقع الوزارة نُشر عام 2018.

16.05.2024
زمن القراءة: 6 minutes

بعد أكثر من ست سنوات من الانتظار والعرقلة والتعطيل في معركة تحصيل حقوقهم، تتطلّع محكمة الاستئناف الجزائية في بيروت للنظر في قضية عمّال “سبينس” ضدّ الشركة.

تأتي الجلسة ضمن إطار الاستئناف، الذي قدمته شركة “سبينس” ضد الحكم الابتدائي، الذي أصدرته القاضية المنفردة الجزائية في بيروت رلى صفير، مطلع العام 2018، واعتبرت فيه أن الشركة ومديرها السابق مايكل وايت مارسا ضغوطاً “لمنع عمال سبينس من ممارسة حريتهم النقابية، وصولاً إلى تعطيل النقابة التي أنشأوها عام 2012، ما يشكّل جرماً جزائياً وفق المادة 329 من قانون العقوبات”، وألزمتهم بدفع تعويضات مالية إضافة إلى الحبس شهراً وغرامة مالية.

معركة طويلة لانتزاع الحقوق

النقابة التي نشأت فكرة تأسيسها بعد مرور أشهر من إصدار وزير العمل حينها شربل نحاس، قراراً برفع الحد الأدنى لأجور العمال والمستخدمين في كانون الثاني/ يناير العام 2012، واستثناء الشركة موظفيها من هذا المرسوم لكونه “لا يتناسب أبداً مع أوضاع الشركة المالية، ولكونه خارجاً عن المألوف في الاقتصادات الناجحة”، والتحايل عليه من خلال تخفيض ساعات العمل، مع مطالبة العمال بإنتاجية أعلى، لقاء ما يحصلون عليه من رواتب، وإلزامهم بالتوقيع على كتب نموذجية يتنازل من خلالها الأجير بشكل نهائي عن زيادة الأجور، التي أُقرت بموجب المرسوم، والعمل على التضييق على الموظفين الذين وقّعوا عريضة تطالب الشركة بالالتزام بالمرسوم وتطبيقه.

المعركة التي بدأها العمال المؤسسون لهذه النقابة مستمرة حتى اليوم، في سبيل انتزاع حقوق العمال المنتسبين إليها، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان، وحصول العمال الأكثر تضرراً في هذه القضية على تعويضات مالية ومعنوية بسبب ما تعرضوا له من مضايقات واعتداءات جسدية ونفسية، وصولاً إلى طردهم تعسفياً من العمل، في محاولةٍ لمنعهم من تشكيل النقابة وممارسة حقوقهم المنصوص عليها في الدستور. 

ما سبق، أكده النقابي سمير طوق في حديثه لـ “درج ميديا” خلال وقفة احتجاجية نظّمها مؤسسو النقابة مقابل فرع الشركة في منطقة مار متر الأشرفية يوم الجمعة 10 أيار/ مايو 2024 قبل موعد جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي، بهدف إعادة تأكيد حقوقهم، ودعوة الشركة بإدارتها الجديدة إلى الامتثال للدستور والقوانين اللبنانية والأحكام الصادرة عنهما.

طوق الذي كان له الدور الأكبر في تأسيس النقابة، فاز بالدعوة التي قدّمها رفقة كل من ميلاد بركات وإيلي أبي حنا ومخيبر حبشي، وهم من ضيّقت الشركة حينها عليهم، وحاولت من ثم تهديدهم للعدول عن فكرة تأسيسها، وصولاً إلى طردهم تعسفياً، في سبيل إحباط عمل النقابة ومنع العمال الآخرين من الانضمام إليها.

“نقابة عمال سبينس تؤكد قدرة العمال على تأسيس نقابة من دون وساطة زبائنية وسياسية وإقطاعية، إذ اجتمعوا في مقر المرصد في بدارو عام 2012 وأجروا انتخابات نقابية، وهذه سابقة في لبنان”.

قضية العمال اليوم

على رغم مرور 12 سنة على تأسيس النقابة، لا يزال عملها داخل الشركة مقيّداً، فـ”الكثير من العمال الذين تتواصل معهم النقابة، يتحاشون الظهور علناً خشية التعرض للمضايقات، والطرد التعسفي وحرمانهم من لقمة عيشهم”، يقول طوق، مؤكداً أن “وضع العمال في جميع فروع سبينس كارثي، ويشتكون في غالبيتهم من ظروف العمل، وتدنّي الرواتب التي لا تؤمن الحد الأدنى المعيشي”.

ويضيف طوق أن “للعمال الحق في الحصول على راتب جيد، ولقمة عيش كريمة، والعمل ضمن بيئة خالية من الضغط والعنف، وأن المطلوب اليوم هو الموازنة بين شركاء الإنتاج من رب العمل والعمال، وتأمين الخدمات المستحقة لهم، لأن التوازن هو مكسب للفريقين، فريق أصحاب العمل وفريق العمل”، لافتاً الى أن “الضغط والإكراه اللذين تمارسهما المؤسسات على موظّفيها، لا يمكن أن يؤديا إلى نتيجة سليمة، بل يولدان لدى الموظف حالة من الضغط والحقد”.

وعن قضية مؤسسي النقابة، يلفت طوق إلى أنهم “ليسوا في صدد التخلي عنها، وهناك محطة ينبغي أن تصل إليها هذه القضية، أولها تمكين النقابة من العمل داخل المؤسسة، من دون وجود أي ضغط أو تدخل من الشركة، أي رفع اليد عن العمل النقابي، وإعطاء الحرية للعاملين لديها في اتخاذ القرارات التي تمثل خيرهم العام، وهم أدرى بتحديد ماهية خيرهم العام والدفاع عنه”.

وتوجّه طوق إلى إدارة الشركة الجديدة المتمثّلة بحسان عز الدين، داعياً الجميع إلى “الجلوس على طاولة المفاوضات تحت عين الدستور والقوانين المرعية الإجراء، ليُعطى لكل ذي حقّ حقه في ما يخص قضية المؤسسين الأربعة”، مشيراً إلى أنه “سبق وتمت محاولة التواصل معهم من خلال وسطاء إلا أنهم لم يحصلوا على أي استجابة”، مردفاً “إذا ما استمرت الشركة في تجاهل حقوق العمال، فسيتم التوجّه نحو المزيد من التصعيد”.

ضرورة العمل النقابي المستقلّ

مع بدء الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية، عمدت شركات ومؤسسات كثيرة إلى طرد جزء من موظفيها تعسفياً، وهو ما لم يتم التصدي له بشكل مناسب، لعدم وجود آليات عمل ونقابات مستقلة للدفاع عن حقوق الموظفين، من هنا تأتي الحاجة الى إنشاء مزيد من النقابات المستقلّة الشبيهة ب”نقابة عمال سبينس”.

في هذا السياق، يتحدث المحامي كريم نمّور المتابع لملف القضية إلى “درج ميديا” واصفاً إياها بـ”قضية جميع عمال لبنان”، لأن العمل النقابي كان يفتقر منذ التسعينات الى هذا النوع من النقابات المستقلة، وقد خرقت “نقابة عمال سبينس” الجمود الذي يحيط بالعمل النقابي في لبنان، ما أغضب الأحزاب التي انقضّت على العمال، فالشركة “تعتمد الآلية نفسها التي تعتمدها الشركات الكبرى، بافتتاح الكثير من الأفرع، وتوظيف تابعين للأحزاب السياسية بهدف إرضائهم”. 

لذلك، تشكل النقابات المستقلّة خطراً على هذه الأحزاب التي يخيفها “النضال العمالي والعمل النقابي الذي يزعزع النظام القائم، ويمثل جوهر الصراع بين الشعب والنظام، لأن النظام يتشكّل من أرباب العمل وأصحاب الأموال”، ولهذا لا تحظى هذه النقابات بأي دعم سياسي أو طرح قضاياها داخل المجلس النيابي.

ويرى نمور أن “ما يحدث الآن سببه عدم مصادقة لبنان على الاتفاقية 87 من اتفاقيات منظمة العمل الدولية، التي تنص على الحق في التنظيم النقابي الحر والمستقل عن السلطات، لجميع العاملين في القطاعين الخاص والعام”، مشيراً إلى أن “النقابات في لبنان تخضع لمبدأ العلم والخبر، وهو ما يتيح للشركات معرفة أسماء المتقدّمين لطلب تشكيل نقابة، في الفترة الفاصلة بين تقديم المستندات لوزارة العمل، وإصدار ترخيص من وزير العمل، وبالتالي طردهم قبل اكتسابهم الصفة النقابية، وهو ما حدث في قضية عمال “سبينس”، إذ تأخّر وزير العمل حينها سليم جريصاتي في إصدار الترخيص”.

النضال العمالي

تعد “نقابة عمال سبينس” سابقة من نوعها في لبنان لكونها أول نقابة أسّسها عمال، ما تسبّب بتعرضها لهجوم شرس، لعدم خضوعها للمنظومة السياسية التي تفضّل النقابات التي بإمكانها السيطرة عليها. وقد حاولت أحزاب سياسية الضغط على مؤيديها ومناصريها من العاملين في الشركة، ممن وُظِّفوا على أسس التبعية، للوقوف بوجه النقابة وعدم الانضمام إليها في فترة إنشائها.

في هذا الشأن، يتحدث المدير التنفيذي لـ”المرصد اللبناني لحقوق العاملين والموظفين” أحمد ديراني، لـ”درج ميديا”، مشيراً إلى أن “نقابة عمال سبينس تؤكد قدرة العمال على تأسيس نقابة من دون وساطة زبائنية وسياسية وإقطاعية، إذ اجتمعوا في مقر المرصد في بدارو عام 2012 وأجروا انتخابات نقابية، وهذه سابقة في لبنان”.

وكان تأسيس النقابة بمثابة معركة من ثلاثة محاور، إعلامية وقانونية ونقابية، انتصر فيها العمال، وذلك بتضافر الجهود العمالية مع ما قدمته “المفكرة القانونية” والمحامي نزار صاغية، و”الوقفة الاحتجاجية تعني انتصار العمال بما تبقى من القضاء المستقل”، يقول ديراني.

أما عن “الاتحاد العمالي العام”، الذي من المفترض أن يتولى مهمة الدفاع عن حقوق العاملين في المؤسسات العامة والخاصة، فيقول ديراني: “إن المرصد في كتاباته، يرى أن إكرام الميت دفنه، فالاتحاد جثة هامدة، والنقابات هي للأحزاب والطوائف وليست للعمال”.

يُعد العمال والأجراء اليوم، من أكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية والأمنية والقضائية التي يعاني منها لبنان، وارتفاع منسوب البطالة مع تضاؤل فرص العمل، إذ لا توجد قوانين رادعة لحمايتهم أو جهات مسؤولة تطالب بحقوقهم وتأمينها بالطرق الرسمية، ما يعيق تحسين ظروف عملهم ويبقيهم بين خيارين: إما القبول بالعمل كما هو، وإما فقدان لقمة عيشهم المتاحة.

وما يجعل الأمر أكثر تعقيداً، هو الاهتراء الذي يعيشه القطاع العام منذ بدء الأزمة المالية والاقتصادية عام 2019، وتدهور أجور موظفي القطاع العام مع انهيار سعر صرف الليرة، وبالتالي تراجع كبير في مستوى مراقبة الإدارات العامة وفعاليتها، بما فيها وزارة العمل التي توقفت مثلاً عن نشر تقاريرها السنوية إلكترونياً، وكان آخرها بحسب موقع الوزارة نُشر عام 2018.

16.05.2024
زمن القراءة: 6 minutes
|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية