fbpx

“عملاء وخونة” : بعد التصويب على القضاء قيس سعيّد يحاصرٌ المجتمع المدني 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل يسعى قيس سعيد فعلا لإصلاح ومحاسبة المخالفين من الجمعيات والمنظمات والبالغ عددها أكثر من 22 ألف جمعية؟ أم أن الهدف هو إحكام السيطرة على قطاع حيوي تحرَّر منذ ثورة 2011 ؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أقولها هنا لابدَّ من اتخاذ نص يمنعٌ تمويل الجمعيات من الخارج…لأنهم في الظاهر جمعيات وهم امتداد لقوى خارجية، ولن نسمحَ أن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة التونسية و للقيام بالحملات الانتخابية تحت غطاء التمويلات الأجنبية”.

هذه كلمات رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، خلال خطاب تجاوزَ ثلاثين دقيقة ألقاه على مسامع وزرائه الصامتين.

وكأن سعيّد ما أن انتهى من توجيه سهامه نحو القضاء بعد صدور قرار رسمي بحلّ مجلسه الأعلى واستبداله بآخر مؤقت، حتى تفرّغ الآن بكل حزم للمجتمع المدني أو كما يقول أحد أنصاره، رمزي عطوي مدون وناشط سياسي، لـ”درج”: “صواريخ الرئيس جاهزة لتٌصيب هذه المرة جمعيات ومنظمات المجتمع المدني الغارقة في الفساد وفي التمويل المشبوه”. 

حملة سعيّد بدأت على الجمعيات الناشطة في المجتمع المدني باتهام مؤسسات بأنها تتلقى أموالاً غير “شرعية” تصرف على الحملات الانتخابية وتوظف سياسياً من قبل خصومه، وكذلك استناداً إلى وجود شبهات فساد لبعض الجمعيات على غرار الجمعيات القرآنية التي تتهمها رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي بأنها تمول حركة النهضة وحملاتها الانتخابية وتشتري عبرها أصوات الناخبين من المهمشين ومن المؤدلجين في مختلف محافظات الجمهورية ، وأيضا هيئة الدفاع عن المغدروين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الذين اغتيلا في السنوات الأخيرة والتي تؤكد أنَّ “حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي تلقوا تمويلات قطرية استخدمت لدعم الجهاز السري لحركة النهضة ولتنفيذ الاغتيالات السياسية”. 

 إلاَ أنَّ وضعَ كل الجمعيات والمنظمات في سلة واحدة يثير شكوكا مشروعة حول أهداف قيس سعيّد من غلق باب التمويل عن الجمعيات، وتوظيف ملف ضحايا الاغتيال خدمة لمصالحه السياسية ولتضييق الخناق على خصومه وعلى رأسهم حركة النهضة.

هل غاية سعيد فعلا الإصلاح والتعديل ومحاسبة المخالفين من الجمعيات والمنظمات والبالغ عددها أكثر من 22 ألف جمعية وفق آخر إحصائية لرئاسة الحكومة التونسية؟ أم أن الهدف هو إحكام السيطرة على قطاع حيوي تحرَّر منذ ثورة 2011 وأصبح للتونسيين/ات الحق في التنظيم وتأسيس الجمعيات بشكل يسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم وتقديم خدمات تعجزُ الدولة التونسية في كثير من الأحيان عن تقديمها لمواطنيها. كما أنه يساهم في خلق آلاف فرص العمل وتوفير فرص نادرة للتعلم والتطور للشباب قد يعجزٌ القطاعين العام والخاص معاً عن توفيرها للشباب.

جاء في الفصل الأول من هذا المرسوم، أنه يضمن حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها وإلى تدعيم دور منظمات المجتمع المدني وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها.

المجتمع المدني التونسي على الرغم من كل الانتقادات اللاذعة التي توجه إليه من خارجه وحتى من محيطه نفسه، على قصور بعض من أدائه وفساد بعض الناشطين فيه إلا أنه يؤدي دوراً محورياً في خدمة أكثر الفئات هشاشة على غرار الأطفال والنساء المعنّفات والأشخاص ذوي الإعاقة، وكذلك حماية البيئة والمحيط وغيرها من الحقوق الانسانية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 

كما أنه شكّل رافعة هامة خلال العشرية الماضية من أجل إصدار تشريعات تحررية اعتبرت عربياً وإقليميا رائدة في مجالها على غرار قانون “القضاء على العنف ضد المرأة” وقانون “القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”، وقانون “النفاذ إلى المعلومة”.

علاوة على ذلك، أحدثت الجمعيات الإعلامية طفرة في المشهد الإعلامي التونسي وهي تشرف على تمويل المشاريع الصحفية المستقلة والمواقع الالكترونية الحديثة والتي تعمل في حقل مكافحة الفساد ونشر ثقافة الشفافية والمساءلة عبر تحقيقات استقصائية ذات قيمة ومضامين إعلامية ترتقي عن المضمون السائد المتكلس المقدم من بعض المنابر الإعلامية العمومية والرديئة ذات الغاية الربحية فقط ومن بعض وسائل الإعلام الخاصة.

إقرأوا أيضاً:

رئيس الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام شكري لطيف، يرى أنه من الخطير الحديث عن إصدار تنقيح نابع عن قيس سعيد للمرسوم 88 المتعلق بالجمعيات، فـ”المجتمع المدني ساهم في عديد المحطات في تعديل البوصلة وإقرار قوانين رائدة في مجال حقوق الإنسان والحريات، كما انّه ساهم في معاضدة مجهودات الدولة في مجالات عديدة أخرى مثل تقديم الخدمات لذوي الإعاقة وضحايا العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والاتّجار بالأشخاص وغيرهم من الفئات ذات الهشاشة”، كما يقول لـ”درج”. 

ويشير لطيف إل أن هناك  العديد من الجمعيات التي تعمل داخل المحافظات المهمشة وفي بيئات صعبة وتُقدّمُ خدمات مُعاضدة للدولة في مجالات التربية والثقافة وإنشاء المشروعات الاقتصادية الصغرى والمتوسّطة للفئات والعائلات الفقيرة، علاوة على أنها تُساهمُ في توظيف آلاف الشبّان من حاملي الشهادات الجامعية مباشرة داخل هياكلها وتُؤدّي واجباتها الجبائية والاجتماعية.

يذكر أن العديد من الجمعيات التونسية تنسّق حاليا فيما بينها لإصدار موقف مشترك تعبر فيه عن رفضها التنقيحات المزمع إدراجها على مرسوم 88 من قبل رئيس الجمهورية.

الخبير في القانون الدستوري أيمن الزغدودي والمستشار القانوني لمنظمة “المادة 19″ في تونس يرى في حديثه لـ”درج” أن النسخة المسربة عن تنقيح مرسوم الجمعيات لا يمكن القبول بها في كل حال من الأحوال باعتبارها تتضمن ثلاث مؤشرات خطيرة، و”إن تمت المصادقة عليها ستضرب حرية التنظيم في مقتل”، كما يقول. 

الزغرودي يشدّد على أنه “لا يجب ألا ننسى أن المرسوم المتعلق بحرية الجمعيات قد جاء في سياق تحرير الفضاء العام في تونس و جعله بالفعل ديمقراطياً تعددياً، حيث صدر بالتوازي مع النصوص المتعلقة بتنظيم بالانتخابات، وبالحق في بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية، وبحرية إنشاء الأحزاب السياسية ، وبحرية الاتصال السمعي البصري، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، لذلك فإن أي تنقيح لا يأخذ بعين الاعتبار هذا السياق فإنه سيؤثر سلبا على باقي المكاسب”.

إقرأوا أيضاً:

يستغرب الزغدودي لجوء رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى تنقيحات لمعاقبة الجمعيات المخالفة للقانون، على الرغم من وجود فصول في المرسوم 88 تنظّم هذه العملية في حال وقعت المخالفة على مستوى التأسيس والنشاط  أو على مستوى التمويل أو غير ذلك من المخالفات، ومن هذا المنطلق المرسوم عدد 88، يمكن أن يشكّل منطلقاً هاماً لمحاسبة الجمعيات علاوة على وجود نصوصا قانونية أخرى يمكن على أساسها أيضا محاسبة الجمعيات مثل القوانين الجبائية التي تجبر الجمعيات على أداء  واجباتها الضريبية، وتعاقبها في حال أثبت تهرّبها ضريبياً.

بالنسبة للتنقيح المزمع إحداثه على المرسوم 88 فهو خطير على ثلاثة مستويات: “أهمها ضرب مبدأ التصريح في تأسيس الجمعيات، حيث بمقتضى التنقيح،  ستكون الجمعية مجبرة على أن تقوم بتأسيس الجمعية ولا يحق لها الإعلان عن التأسيس الا اثر الحصول على النظام الأساسي للجمعية مؤشر من رئاسة الحكومة ويعني هذا أننا أصبحنا في نظام الترخيص المقنع، حيث ان الحكومة اذا ما رفضت التأشير على النظام الأساسي للجمعية فإن هذه الجمعية لن تتمكن من الإعلان في الجريدة الرسمية، وبالتالي لن تتمكن من إنشاء الشخصية القانونية التي تمكنها من مزاولة نشاطها”.

أما عن  الإشكال الذي يطرحه هذا التنقيح يؤكد الزغدودي أنه يتعلق بالتمويل لأن اللجنة التونسية للتحاليل المالية، التابعة للبنك المركزي التونسي،  ستصبح لها سلطة تقديرية على مستوى تقدير إمكانية أن تحصل الجمعية على التمويل الأجنبي أم لا وهي مسألة خطيرة وفق وصف الزغدودي لأن من صلاحية القضاء وحده حسم هذه النزاعات ولا يمكن للدولة أن تحجب بعض التمويلات بتعلة أنها مخالفة لبعض المبادئ، لأن الأصل في الأشياء الحريّة والقيد هو الاستثناء وفق تعبيره.

ويشير الزغدودي إلى أن التنقيح يقّيد أيضاً حق النفاذ إلى المعلومة بالنسبة للجمعيات بعد أن كان متاحا وفق قانون 2016 المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة.

ومع كل هذا الجدل حول نشاط الجمعيات والمنظمات وتمويلها يطرح سؤال هام: هل تسير تونس على خطى ديكتاتوريات عربية بدأت التضييق على الحريات عبر المسار ذاته الذي يعتمده قيس سعيد، ألا وهو تخوين نشطاء المجتمع المدني؟

إقرأوا أيضاً:

03.03.2022
زمن القراءة: 5 minutes

هل يسعى قيس سعيد فعلا لإصلاح ومحاسبة المخالفين من الجمعيات والمنظمات والبالغ عددها أكثر من 22 ألف جمعية؟ أم أن الهدف هو إحكام السيطرة على قطاع حيوي تحرَّر منذ ثورة 2011 ؟

“أقولها هنا لابدَّ من اتخاذ نص يمنعٌ تمويل الجمعيات من الخارج…لأنهم في الظاهر جمعيات وهم امتداد لقوى خارجية، ولن نسمحَ أن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة التونسية و للقيام بالحملات الانتخابية تحت غطاء التمويلات الأجنبية”.

هذه كلمات رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، خلال خطاب تجاوزَ ثلاثين دقيقة ألقاه على مسامع وزرائه الصامتين.

وكأن سعيّد ما أن انتهى من توجيه سهامه نحو القضاء بعد صدور قرار رسمي بحلّ مجلسه الأعلى واستبداله بآخر مؤقت، حتى تفرّغ الآن بكل حزم للمجتمع المدني أو كما يقول أحد أنصاره، رمزي عطوي مدون وناشط سياسي، لـ”درج”: “صواريخ الرئيس جاهزة لتٌصيب هذه المرة جمعيات ومنظمات المجتمع المدني الغارقة في الفساد وفي التمويل المشبوه”. 

حملة سعيّد بدأت على الجمعيات الناشطة في المجتمع المدني باتهام مؤسسات بأنها تتلقى أموالاً غير “شرعية” تصرف على الحملات الانتخابية وتوظف سياسياً من قبل خصومه، وكذلك استناداً إلى وجود شبهات فساد لبعض الجمعيات على غرار الجمعيات القرآنية التي تتهمها رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي بأنها تمول حركة النهضة وحملاتها الانتخابية وتشتري عبرها أصوات الناخبين من المهمشين ومن المؤدلجين في مختلف محافظات الجمهورية ، وأيضا هيئة الدفاع عن المغدروين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الذين اغتيلا في السنوات الأخيرة والتي تؤكد أنَّ “حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي تلقوا تمويلات قطرية استخدمت لدعم الجهاز السري لحركة النهضة ولتنفيذ الاغتيالات السياسية”. 

 إلاَ أنَّ وضعَ كل الجمعيات والمنظمات في سلة واحدة يثير شكوكا مشروعة حول أهداف قيس سعيّد من غلق باب التمويل عن الجمعيات، وتوظيف ملف ضحايا الاغتيال خدمة لمصالحه السياسية ولتضييق الخناق على خصومه وعلى رأسهم حركة النهضة.

هل غاية سعيد فعلا الإصلاح والتعديل ومحاسبة المخالفين من الجمعيات والمنظمات والبالغ عددها أكثر من 22 ألف جمعية وفق آخر إحصائية لرئاسة الحكومة التونسية؟ أم أن الهدف هو إحكام السيطرة على قطاع حيوي تحرَّر منذ ثورة 2011 وأصبح للتونسيين/ات الحق في التنظيم وتأسيس الجمعيات بشكل يسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم وتقديم خدمات تعجزُ الدولة التونسية في كثير من الأحيان عن تقديمها لمواطنيها. كما أنه يساهم في خلق آلاف فرص العمل وتوفير فرص نادرة للتعلم والتطور للشباب قد يعجزٌ القطاعين العام والخاص معاً عن توفيرها للشباب.

جاء في الفصل الأول من هذا المرسوم، أنه يضمن حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها وإلى تدعيم دور منظمات المجتمع المدني وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها.

المجتمع المدني التونسي على الرغم من كل الانتقادات اللاذعة التي توجه إليه من خارجه وحتى من محيطه نفسه، على قصور بعض من أدائه وفساد بعض الناشطين فيه إلا أنه يؤدي دوراً محورياً في خدمة أكثر الفئات هشاشة على غرار الأطفال والنساء المعنّفات والأشخاص ذوي الإعاقة، وكذلك حماية البيئة والمحيط وغيرها من الحقوق الانسانية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 

كما أنه شكّل رافعة هامة خلال العشرية الماضية من أجل إصدار تشريعات تحررية اعتبرت عربياً وإقليميا رائدة في مجالها على غرار قانون “القضاء على العنف ضد المرأة” وقانون “القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”، وقانون “النفاذ إلى المعلومة”.

علاوة على ذلك، أحدثت الجمعيات الإعلامية طفرة في المشهد الإعلامي التونسي وهي تشرف على تمويل المشاريع الصحفية المستقلة والمواقع الالكترونية الحديثة والتي تعمل في حقل مكافحة الفساد ونشر ثقافة الشفافية والمساءلة عبر تحقيقات استقصائية ذات قيمة ومضامين إعلامية ترتقي عن المضمون السائد المتكلس المقدم من بعض المنابر الإعلامية العمومية والرديئة ذات الغاية الربحية فقط ومن بعض وسائل الإعلام الخاصة.

إقرأوا أيضاً:

رئيس الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام شكري لطيف، يرى أنه من الخطير الحديث عن إصدار تنقيح نابع عن قيس سعيد للمرسوم 88 المتعلق بالجمعيات، فـ”المجتمع المدني ساهم في عديد المحطات في تعديل البوصلة وإقرار قوانين رائدة في مجال حقوق الإنسان والحريات، كما انّه ساهم في معاضدة مجهودات الدولة في مجالات عديدة أخرى مثل تقديم الخدمات لذوي الإعاقة وضحايا العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والاتّجار بالأشخاص وغيرهم من الفئات ذات الهشاشة”، كما يقول لـ”درج”. 

ويشير لطيف إل أن هناك  العديد من الجمعيات التي تعمل داخل المحافظات المهمشة وفي بيئات صعبة وتُقدّمُ خدمات مُعاضدة للدولة في مجالات التربية والثقافة وإنشاء المشروعات الاقتصادية الصغرى والمتوسّطة للفئات والعائلات الفقيرة، علاوة على أنها تُساهمُ في توظيف آلاف الشبّان من حاملي الشهادات الجامعية مباشرة داخل هياكلها وتُؤدّي واجباتها الجبائية والاجتماعية.

يذكر أن العديد من الجمعيات التونسية تنسّق حاليا فيما بينها لإصدار موقف مشترك تعبر فيه عن رفضها التنقيحات المزمع إدراجها على مرسوم 88 من قبل رئيس الجمهورية.

الخبير في القانون الدستوري أيمن الزغدودي والمستشار القانوني لمنظمة “المادة 19″ في تونس يرى في حديثه لـ”درج” أن النسخة المسربة عن تنقيح مرسوم الجمعيات لا يمكن القبول بها في كل حال من الأحوال باعتبارها تتضمن ثلاث مؤشرات خطيرة، و”إن تمت المصادقة عليها ستضرب حرية التنظيم في مقتل”، كما يقول. 

الزغرودي يشدّد على أنه “لا يجب ألا ننسى أن المرسوم المتعلق بحرية الجمعيات قد جاء في سياق تحرير الفضاء العام في تونس و جعله بالفعل ديمقراطياً تعددياً، حيث صدر بالتوازي مع النصوص المتعلقة بتنظيم بالانتخابات، وبالحق في بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية، وبحرية إنشاء الأحزاب السياسية ، وبحرية الاتصال السمعي البصري، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، لذلك فإن أي تنقيح لا يأخذ بعين الاعتبار هذا السياق فإنه سيؤثر سلبا على باقي المكاسب”.

إقرأوا أيضاً:

يستغرب الزغدودي لجوء رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى تنقيحات لمعاقبة الجمعيات المخالفة للقانون، على الرغم من وجود فصول في المرسوم 88 تنظّم هذه العملية في حال وقعت المخالفة على مستوى التأسيس والنشاط  أو على مستوى التمويل أو غير ذلك من المخالفات، ومن هذا المنطلق المرسوم عدد 88، يمكن أن يشكّل منطلقاً هاماً لمحاسبة الجمعيات علاوة على وجود نصوصا قانونية أخرى يمكن على أساسها أيضا محاسبة الجمعيات مثل القوانين الجبائية التي تجبر الجمعيات على أداء  واجباتها الضريبية، وتعاقبها في حال أثبت تهرّبها ضريبياً.

بالنسبة للتنقيح المزمع إحداثه على المرسوم 88 فهو خطير على ثلاثة مستويات: “أهمها ضرب مبدأ التصريح في تأسيس الجمعيات، حيث بمقتضى التنقيح،  ستكون الجمعية مجبرة على أن تقوم بتأسيس الجمعية ولا يحق لها الإعلان عن التأسيس الا اثر الحصول على النظام الأساسي للجمعية مؤشر من رئاسة الحكومة ويعني هذا أننا أصبحنا في نظام الترخيص المقنع، حيث ان الحكومة اذا ما رفضت التأشير على النظام الأساسي للجمعية فإن هذه الجمعية لن تتمكن من الإعلان في الجريدة الرسمية، وبالتالي لن تتمكن من إنشاء الشخصية القانونية التي تمكنها من مزاولة نشاطها”.

أما عن  الإشكال الذي يطرحه هذا التنقيح يؤكد الزغدودي أنه يتعلق بالتمويل لأن اللجنة التونسية للتحاليل المالية، التابعة للبنك المركزي التونسي،  ستصبح لها سلطة تقديرية على مستوى تقدير إمكانية أن تحصل الجمعية على التمويل الأجنبي أم لا وهي مسألة خطيرة وفق وصف الزغدودي لأن من صلاحية القضاء وحده حسم هذه النزاعات ولا يمكن للدولة أن تحجب بعض التمويلات بتعلة أنها مخالفة لبعض المبادئ، لأن الأصل في الأشياء الحريّة والقيد هو الاستثناء وفق تعبيره.

ويشير الزغدودي إلى أن التنقيح يقّيد أيضاً حق النفاذ إلى المعلومة بالنسبة للجمعيات بعد أن كان متاحا وفق قانون 2016 المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة.

ومع كل هذا الجدل حول نشاط الجمعيات والمنظمات وتمويلها يطرح سؤال هام: هل تسير تونس على خطى ديكتاتوريات عربية بدأت التضييق على الحريات عبر المسار ذاته الذي يعتمده قيس سعيد، ألا وهو تخوين نشطاء المجتمع المدني؟

إقرأوا أيضاً: