مع إدخال اللغة العربية إلى المواقع الإباحية على الإنترنت، برزت الإعلانات الموجهة إلى الرجال العرب لاستدراجهم إلى عمليات تكبير العضو الذكري. السياحة الطبية التجميلية تحقق ميزانيات كبرى للدول المقدمة للخدمات، لذلك تلجأ إلى حملات ترويجية قوية ومنظمة، لكن نوعية إعلانات هذه العمليات وأساليبها، تتبع آليات التبخيس النفسي للمشاهد، وبث الشعور بعدم الثقة، وربط الرجولة بحجم القضيب، وأحياناً ربط العلاقة مع النساء، أو الحصول على حب بحجم القضيب.
تستخدم عبارات من قبيل: “صدقني أنا أعرف معاناتك، وأعلم كم هو أمر محرج، لذلك تجربتي ستكون تجربتك”، “أما آن الأوان لتمتلك عضواً كبيراً؟”، أو تظهر شهادة رجل قبل العملية وبعدها، والفرق الذي التمسه في حياته. الأسلوب ذاته اتبعه أطباء التجميل في قاعات استقبال النساء: “تحتاجين نهداً أكبر”، “ربما يمكن لشفاه مكتنزة أن تجعلك أجمل”، وإن تنوعت الأساليب، إلا أن هناك حجر زاوية أساسياً مشتركاً بينها جميعاً، الإيحاء للرجل أو المرأة بالنقص، أو بعدم الكمال، وأن تغيير الشكل أو تكبير أحجام الأعضاء سيؤدي إلى الاكتفاء. إذاً، إيجاد عقدة نقص وتقديم وعد بحلها.
هيا الى تركيا
تمتلئ الشبكة العنكبوتية بالإعلانات التي تجذب الرجال العرب إلى تركيا لإجراء عمليات التكبير، وهذه الإعلانات تعتمد خطاباً مختلفاً عن تلك السابقة، فهي تسعى ما أمكنها للكتابة بلغة طبية محايدة، كما أن المواقع غالباً ما تخفي هوية الأطباء العاملين في هذا المجال. ويفضل الرجال العرب إجراء العمليات في تركيا من أجل السرية والتستر، والآن تستقطب الهند عمليات أكبر، وهي نقطة مهمة في عمليات تكبير العضو على المستوى العالمي، يقول الطبيب (أ.غ): “عمليات تكبير الأعضاء الذكورية هي أكثر العمليات سريةً وتكتماً عن الأسئلة والإحصاءات”، وهذا يزداد شدة كلما كان المجتمع تقليدياً أكثر كالمجتمع العربي.
لكن كم الحملات الإعلامية الموجهة إلى المجتمع العربي عبر الإنترنت لاستقطابه من قبل تركيا والهند، يبين أن العمليات جارية على قدم وساق، وأن المجتمع العربي بدأ يشكل سوقاً لهذه التجارة، ولا يمكن القول إن عمليات التجميل انتشرت في ثقافة الرجل العربي بمقدار ما تمارسها المرأة العربية، لكن تتوقع الدراسات أن تحقق عمليات تجميل الذكورة أرقاماً قياسية في السنوات المقبلة.
يخصص مركز “أنفينتي الطبي التركي” صفحته الإلكترونية للغة العربية، ويعرف القارئ إلى عملية تكبير العضو بطريقة الأسئلة والأجوبة. أحد الأسئلة، والتي وضعها القائمون على الموقع، يتطرق إلى، ما حكم عملية تكبير القضيب من الناحية الشرعية؟ لتأتي الإجابة: “طبعاً الحكم الشرعي من الأمور المهمة التي تشغل كثيرين ممن يقدمون على عملية تكبير القضيب في تركيا، وفي الحقيقة مراكز التجميل في تركيا لا تغفل هي الأخرى الاستفتاء على عملية قبل إقرارها، وخصوصاً إذا كانت بتلك الأهمية الكبيرة، على العموم، تكبير القضيب لدى رجال الدين أمر مباح شرعاً. يعكس ذلك رغبة الاستشاريين في جذب رجال الدين بأعداد أكبر إلى هذا النوع من العمليات.
حضور الرجل اجتماعياً: وعد بالقوة
د. مارك آبيكاسيس، مختص بهذا النوع من العمليات في فرنسا يقول: “عمليات تكبير العضو بسيطة من الناحية التقنية، لكن المظهر الجنسي له أهمية رمزية كبيرة، مرتبطة بالسيادة والسلطة”. ويبين آبيكاسيس أنه وفي كل مرة يسعى جاهداً إلى إقناع الرجال الذين يملكون أعضاءً بأحجام طبيعية أن يتراجعوا عن العملية، ومع ذلك غالباً ما يستمرون في إصرارهم، على رغم الإثباتات الطبية على الحجم الطبيعي لقضيبهم. يقول الدكتور إن الراغبين في العملية دوماً ما يكررون العبارة نفسها: “أرغب أن أشعر بأنني أفضل”، ويذكر أبيكاسيس بالمثل الفرنسي القائل: “سنتيميتر واحد في القضيب، هو كيلومتر كامل في الذهن”.
في تقرير وثائقي صور مع رجال فرنسيين راغبين في الخضوع للعملية، قال جيلبرتو مبيناً سبب إقدامه على العملية: “أخبرني الطبيب أن قياساتي في حالة طبيعية، لكنني على الصعيد النفسي، وفي العلاقة مع شريكتي، أحتاج أن أشعر أن كل شيء على أتم وجه. لذلك، أشعر أن زيادة سنتمترات قليلة ستغير حياتي. ربما أصبح أكثر عفوية، أقل خجلاً، ومرتاحاً أكثر. السنتمترات القليلة ستعود علي بالكثير”.
قليلة هي شهادات الرجال العرب الخاضعين للعملية، لكن عبارات ومفاهيم كثيرة مشتركة مع شهادة جيلبرتو الفرنسي: “أصبح عفوياً أكثر، مرتاحاً أكثر، أكثر ثقة”، لكن ما الذي يربط بين تكبير العضو والعفوية، أو النجاح في العلاقة مع الشريك. الطب التجميلي يتجاهل ما يعرفه عن علم النفس، لكي تجرى العملية، ويتم دفع ثمنها. يعلم الجميع أن اللجوء إلى تضخيم العضو لتحسين الحال الذهنية والنفسية هو المؤشر الدقيق على انهيار صاحبها، وعلى دخوله في مستنقع من التخبط، كما المرأة التي تغرق في العمليات على أمل أن تتحسن علاقتها مع جسدها، وحضورها الاجتماعي، من دون أن تصل إلا إلى مزيد من الانهيار.
يقول لي الصديق ج.ر: “إن كنت تملك المال فلماذا لا نقدم على العملية، فالقضيب رمز الخصوبة منذ أقدم الحضارات، وهو رمز القدرة”، أما ك. ش. فيقول: “حسناً الأمر يشبه حالة قيادة السيارة على طريق السفر، أنتم تلاحظون الشاحنات الكبيرة التي تعبر لتتجاوزكم، تتباهى بحجمها وسطوتها. نحن في عالم اليوم دوماً بحاجة لتبيان خضوبتنا وقدرتنا كرجال”، هنا يتحدث ك.ش. عن العضو باعتباره شاحنة أو حافلة، وهو حقيقةً يعمل في مجال السيارات.
القائمون على المستشفيات المختصة يؤكدون أن المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للرجال الراغبين بالتضخيم مختلفة ومتعددة، وهم من مهن مختلفة، وزراء، مديرون حكوميون، صحافيون، عمال إطفاء، عمال شرطة، كما أوضح الدكتور الفرنسي. لكن يلفت انتباهه الإقدام الكبير على تكبير العضو لدى ممارسي المهن المرتبطة بقيادة الشاحنات والآليات الكبيرة بشكل خاص.
“الهيمنة الذكورية”
في الفيلم الوثائقي بعنوان “الهيمنة الذكورية” للمخرج باتريك جان، تسمح لنا الكاميرا الداخلة إلى غرف المستشفى أن نقابل جيرانودال الخارج للتو من عملية التكبير، ما زال على السرير وغير قادر على إدراك جسده من تحت الشاش والأغطية، لكنه ومع ذلك يقول: “كيف أشرح لكم شعوري؟ خرجت للتو من العملية، وقبل معرفة النتائج، أشعر بالفخر، أشعر أن بإمكاني الآن إخراج عضوي كالحافلة”، كل هذه المشاعر التي يرويها هي عبارات جاهزة في اللغة، لأن جيرنودال لا يعرف بعد نتيجة العملية، وهو غير قادر على إدراك جسده بعد.
ويتحدث ب.ح، عن احتمال انتحار في حال عدم إقدامه على القيام بالعملية: “لا أخفيكم الأمر، لو أنني بقيت على ما كنت عليه، ربما كنت سأحاول الانتحار، لم أكن مرتاحاً مع نفسي. ولأجيب بدقة على سؤالكم، أشعر وكأنني عثرت على نفسي، أصبحت قادراً على كتابة اسمي وكنيتي، وحتى الصياح بهما بلا خجل”.
لن أسعى إلى استعراض الكيفيات التي تثمن فيها الثقافة العربية القضيب الذكري، وكيف تبنى كامل منظومة الأخلاق والإقتصاد وعلاقات القوى بناءً على الإنتاجية أو الخصوبة. القضيب هو رمز القوة، والقيمة العليا المنشودة حقيقةً في عمق المنظومة الثقافية البطريركية. في الريف السوري مثلاً، يمكن أن يطلب الأب من ابنه الطفل أن يظهر عضوه للضيوف كنوع من فخر الإنجاز، وتضحك النساء فرحات أمام هذا الفعل، ما يجعل مفاهيم الرجولة والنضوح ترتبط في عقل الطفل بحجم القضيب الذكري الكافي لتحقيق نمو سليم للإنسان.
يكتب الناقد الإنكليزي جون بيرغر في كتابه “طرق في الرؤية”: “الحضور الاجتماعي للمرأة يختلف في نوعه عن حضور الرجل. وذلك وفقاً للأعراف والعادات الجارية التي يعتريها دوماً الشك، ولم يتم تجاوزها إطلاقاً. يعتمد حضور الرجل على وعد بالقوة التي يجسدها. فإن كان هذا الوعد واسعاً وقابلاً للتصديق يزداد حضوره قوة. أما إذا كان صغيراً وغير قابل للتصديق فسيتضاءل هذا الحضور. وقد تكون القوة الموعودة أخلاقية أو جسدية أو مزاجية أو اقتصادية أو اجتماعية أو جنسية، لكن موضوعها يبقى خارجياً بالنسبة إلى الرجل. يوحي حضور الرجل بما هو قادر على فعله لك أو ما يمكن أن يفعله للآخرين. وقد يلفق حضوره تلفيقاً، أي أنه يدعي ما ليس قادراً على فعله، لكن الادعاء موجه دائماً نحو قوة يمارسها على الآخرين”.
المرأة: الرقيب الداخلي
يتابع الناقد الفني “جون برغر”، هذه المرة عن حضور المرأة الاجتماعي، فيكتب: “يعبر حضور المرأة وعلى النقيض من حضور الرجل عن سلوكها هي تجاه ذاتها، فيحدد لها ما يمكن وما لا يمكن فعله. ويتجلى حضور الأنثى في حركاتها، سكناتها، صوتها، تعبيراتها، ثيابها، وفي المحيط الذي تختاره، وفي ذوقها. إنها تبدو بكل ما تفعله مكبلة بهذا الحضور، الحضور النسوي”.
وفق جون برغر أن تخلق المرأة كامرأة يعني أن توجد داخل حيز ضيق خاص وفي حرز الرجال. ويرى أن تطور الحضور الاجتماعي للمرأة إنما هو نتيجة مهارتها في العيش تحت مثل هذه الوصاية، وداخل هذا المكان المحدود. ولكن التكلفة الواقعة عليها هي انقسام ذاتها إلى ذاتين. فهو يرى أن على المرأة أن تراقب ذاتها باستمرار. وصورة المرأة الخاصة عن نفسها تكاد ترافقها دوماً. عندما تجوب الغرفة أو عندما تبكي لوفاة والدها، قلما تستطيع أن تنجو من تصور نفسها بأنها تمشي أو بأنها تبكي. فمنذ طفولتها الباكرة علموها وأقنعوها بأن تراقب نفسها دوماً.
يحتاج أطباء التجميل في عياداتهم إلى مصممي غرافيك بشكل مستمر. يكتسب عمل المصمم الغرافيكي أهمية أولى عندما يصمم الصور وأجساد النساء التي ستعرض للزائرة، لتختار أياً منها ترغب في أن تكونها بعد العملية، وهنا هي عملية تقديم نماذج مثالية، مرسومة رقمياً، تختار المرأة من بينها، ما ترى فيه حلمها. والأهمية الثانية تأتي بعد الاتفاق على العملية، فيدخل المصمم صورة المرأة التي ستخضع للعملية، ويجري عليها التعديلات من طريق الفوتوشوب حتى يتم الاتفاق النهائي بين المرأة والطبيب. وتكون الصورة المختارة بمثابة العقد، أو المنجز الذي على الطبيب تحقيقه حتى يستحق أجره. ومن هنا تأتي أهمية مصممي الفوتوشوب.
الضعف والهشاشة لتجميل المرأة
يقول ي. حسين وهو مصمم فوتوشوب يعمل في عيادة طبيب تجميلي: “ما أفعله أولاً هو البحث عن صورة فوتوغرافية لحالة مصنوعة حتماً من البلاستيك، لأن الموديلات المعروضة في المحلات أو العارضات هي من البلاستيك. أرسم التغييرات على صورة النهد الذي سيخضع للعميلة، وكلما رسمتها بطريقة مثالية أكثر فقدت المشاعر وبعدت من حقيقة جسد الإنسان. برأيي، خطوط الزمن وتعاريجه على الجلد هي التي تعطي المرأة خصوصيتها وجماليتها. أما الهدف من عمليات التجميل، فهو خلق الصورة المثالية عن الجسد، إخفاء تهدلات الصدر والأرداف”.
يعتبر المصمم أن النموذج المقترح على المرأة، غير واقعي، إنه متعالٍ عن حقيقة الجسد، وأيضاً يعتبر أن الجمالية هي بأثر الزمن على الجلد. لكن النقطة الأهم في شهادة د.حسن، تأتي في جملته الأخيرة: “سأعترف، بأن العمليات التي تجرى على النساء يكون هدفها إظهارهن أكثر رفعة، نعومة، وهشاشة، أي أكثر ضعفاً. بينما حين نجري العمليات للرجال فإن الغاية هي إظهارهن أكثر قوة وسلطة”.
من المؤسف أننا أمام حلقة مفرغة إذاً، فالنساء تقدمن على عمليات التجميل لتظهرن أكثر ضعفاً، فالهشاشة والنعومة من مواصفات الجمال في الثقافة البطريركية، بينما تعيد العمليات الذكورية إنتاج تفوق الرجال وقوتهم. لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أن الثقافات التي تكرس بقوة صورة نمطية للمرأة، وتحرمها حقوقها، وتعامله بتمييزية، هي المجتمعات الأكثر صعوبة أيضاً وقمعاً للرجال. وكلما اشتد دور المرأة نمطيةً، اشتد دور الرجولة صعوبةً وتقييداً. بمعنى أن التقاليد التي تثقل المرأة تنتج أيضاً رجولة منهكة ومكبوتة، ومنها المجتمعات العربية، فالكثير من الدراسات الحديثة تبين أن العجز الجنسي ظاهرة منتشرة بكثافة في العالم العربي، وكلما ازداد المجتمع تشدداً، ارتفعت نسبة الإصابة بالعجز الجنسي، فمثلاً تسجل المجتمعات العربية الخليجية أعلى النسب في حالات العجز الجنسي.
إن عمليات التجميل النسائية، أو عمليات تكبير العضو الذكورية، تجعل من الذكورة والأنوثة صورة مسبقة عن التجربة الحياتية، صورة مفروضة على الأفراد، ومثالية على الرجل والمرأة السعي إلى تحقيقها. وهذا ما يسبب شعوراً دائماً بالإحباط والعجز، لأن الجسد ممنوع من استخلاص هويته عبر تجربته الشخصية بل عليه اللهاث وراء كمال غير حقيقي أصلاً، وغير موجود في الزمن الدنيوي، لأن حقيقة الجسد هو شرطه الفيزيائي الدنيوي القابل للفناء، وشخصية الفرد تبنى على التجربة التي تريد عمليات التجميل إخفاءها، إنها تقتل الحكمة، وتسعى إلى إلغاء تجارب الحياة التي تشكل الوعي، وحينها نحتاج مرة أخرى سنتمترات جديدة في القضيب، وميوعة أسخف في الأنوثة.