fbpx

عن إسرائيل المُصطنعة ونحن الطبيعيّين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بنيامين نتانياهو، كشخصية سياسية قيادية، ليس الوحيد من نوعه الذي وُجّهت إليه اتّهامات في تاريخ إسرائيل، فثمّة آخرون، تعرّضوا لمحاكمات وحتى لفترات اعتقال لتهم بالفساد أو الاحتيال أو التحرش الجنسي

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وجّهت الشرطة الإسرائيلية تهمة فساد لرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، بدعوى تلقّيه رشى من رجال أعمال، علماً أنه أقوى رجل في إسرائيل، فهو رئيس حكومتها منذ قرابة 10 أعوام (للمرة الثانية)، وقد تبوأ هذا المنصب لفترة أطول من أي رئيس حكومة آخر، عدا بن غوريون، إضافة إلى أنه زعيم أكبر حزب في الكنيست (ليكود) وفي الشارع الإسرائيلي.

وقد يجدر التذكير بأن نتانياهو، كشخصية سياسية قيادية، ليس الوحيد من نوعه، الذي وُجّهت إليه اتهامات في تاريخ إسرائيل، فثمّة آخرون، تعرّضوا لمحاكمات وحتى لفترات اعتقال، لتهم بالفساد أو الاحتيال أو التحرش الجنسي، يأتي ضمنهم رئيسان سابقان لإسرائيل، هما عيزرا وايزمن، الذي استقال أو عزل بتهمة فساد (2000)، وموشي كتساف، الذي اتُّهم بالتحرّش الجنسي (2007)، فعزل ثم سجن 7 سنوات. كذلك ثمة أريئيل شارون الذي اتهم بقضية احتيال وتعيينات سياسية ومخالفات تمويل (1998)، لكن ابنه عمري شارون تحمّلها وسجن لأجلها، وايهود اولمرت، الذي اتهم بالفساد ما أدّى إلى سقوط حكومته (2008)، وسجنه، كذلك واجه المصير ذاته وزير المالية الأسبق إبراهام هيرشزون بالفساد والاحتيال (2009)، وحكم عليه بالسجن، وضمن ذلك يأتي أرييه درعي، زعم حزب شاس، ووزير في أكثر من حكومة، الذي اتُّهم بالفساد (1999)، وسجن سنوات عدة، ولم يتمكن من العودة للحياة السياسية إلا عام 2012.

اللافت هنا سيادة نظرة متسرّعة وساذجة عندنا تعتقد أن تلك الاتهامات أو المحاكمات دليل عطب في إسرائيل، ودلالة على هشاشتها أو ضعفها، بدلاً من الاستنتاج بأنها دلالة على قوتها وحصانتها، كما أنها دليل عافية نظامها السياسي، الذي يتأسس على المساواة بين المواطنين أمام القانون، ورسوخ الفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية والقضائية والتشريعية)، بغض النظر عن رأينا بإسرائيل كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية ومصطنعة، كأن بقاء حكّام، أو شخصيات سياسية، في بلداننا، في السلطة لعقود، من دون أي شرعية انتخابية أو شعبية، ومن دون أي نجاحات على أي صعيد، هو دليل عافية وقوة لدولنا ومجتمعاتنا!

من ناحية أخرى، ففي إدراكاتنا السياسية التي نشأنا عليها، اعتدنا على اعتبار أن إسرائيل دولة مصطنعة، وغريبة، وأن سكانها اليهود لا ينتمون إلى أرومة إثنية معينة، وأن اليهودية دين، وليست قومية، وأن اليهود لا يشكلون شعباً، وطبعاً كل ذلك صحيح، إنما ثمة مشكلتان هنا، أولاهما، أن هذا الإدراك تحوّل إلى بديهية ثابتة ومطلقة، وصالحة لكل زمان ومكان، أي لا يمكن نقاشها، وهذا خطأ كبير، على رغم اعتبارنا هذه الدولة امتداداً لظاهرة استعمارية، ذات طابع استيطاني وإحلالي وعنصري وديني، كونها تستخدم الدين لتبرير ذاتها، إن كدولة، أو كمحفز لحضّ يهود العالم على الهجرة للاستيطان فيها، كما لاعتبار اليهود شعباً؛ على رغم أن الصهيونية، أساساً، هي حركة سياسية علمانية. المشكلة الثانية، تكمن بتجاهلنا أن دولنا العربية هي في معظمها مصطنعة، أيضاً، بهذا القدر أو ذاك، على رغم وحدة اللغة والدين (غالباً) والتاريخ المشترك، فمعظم هذه الدول لم تنشأ في سياق طبيعي، وإنما نشأت على حاملين أساسيين: الجيش أو العشيرة.

حسناً، إن إسرائيل دولة مصطنعة، وهوية مواطنيها زائفة، لكن ماذا عن دولنا ومجتمعاتنا وهوياتنا المصطنعة أو المدجنة؟

لعل ما تقدّم يفسّر أن إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية العنصرية المصطنعة، الصغيرة بمساحتها وبعدد شعبها، استطاعت إقامة دولة مؤسسات وقانون ومواطنين، في نظام ديموقراطي، على رغم قصوره وثغراته، دولة تتفوق على محيطها، في حين أننا في العالم العربي ما زلنا نكابد ضعف مبنى الدولة والمجتمع، بسبب هيمنة أنظمة استبدادية، حالت دون قيام الدولة، كدولة مؤسسات وقانون، وحالت دون قيام المجتمع، الذي لا يقوم إلا بوجود مواطنين أحرار ومتساوين.

في إسرائيل المصطنعة تلك، التي تعيش غريبة في محيط معادٍ، وعلى رغم ثغراتها ومشكلاتها وتناقضاتها، ثمة تعددية حزبية، وتداول على السلطة، وانتخابات دورية، وحرية صحافة ورأي، كما ثمة فصل بين السلطات، التنفيذية والقضائية والتشريعية، في حين ما زالت معظم أنظمتنا تعيش نوعاً من الجمود السياسي، خرقته تمردات “الربيع العربي”، مع أنظمة بات لها في الحكم ثلاثة أو أربعة أو خمسة عقود، أنظمة حكم وراثية، سواء في النظم الجمهورية أو الرئاسية.

ومعلوم أن إسرائيل شهدت، طوال تاريخها (1948-2018)، أي في 7 عقود، عشرين دورة انتخابية للكنيست، بمعدل دورة في كل 3.5 سنة، لكن معظم مجتمعاتنا لا تعرف ما هي الانتخابات، في أنظمة لا تفرّق بين الانتخاب والاستفتاء، ولا بين السلطة والدولة. ففي حين أن المواطن العربي في معظم البلدان العربية لا يعرف في حياته سوى حاكم أو اثنين (رئيساً أو ملكاً) في حين مر على إسرائيل منذ قيامها 12 رئيس حكومة، هم على التوالي: دافيد بن غوريون (1948 – 1953)، موشيه شاريت (1954 – 1955)، دافيد بن غوريون (1955 – 1963) ثانية، ليفي اشكول  (1963 – 1969)، غولدا مئير (1969 – 1974)، اسحق رابين (1974 – 1977)، مناحيم بيغين (1977 – 1983)، اسحق شمير (1983 – 1984)، شمعون بيرس (1984 – 1986)، اسحق شامير (1986 – 1992) ثانية، اسحق رابين (1992 – 1995) ثانية، شمعون بيرس ( 1995- 1996) ثانية، بنيامين نتنياهو (1996 – 1999)، ايهود براك (1999 – 2001)، اريئيل شارون (2001  – 2006)، إيهود أولمرت (2006 – 2009 )، بنيامين نتانياهو (2009-) ثانية.

هذا كله تحديداً مصدر تفوّق إسرائيل على أنظمتنا، ومصدر قوّتها واستقرارها، وتالياً هذا هو مصدر هشاشة أنظمتنا ومجتمعاتنا. حسناً، إن إسرائيل دولة مصطنعة، وهوية مواطنيها زائفة، لكن ماذا عن دولنا ومجتمعاتنا وهوياتنا المصطنعة أو المدجنة؟

إقرأ أيضاً:
أسئلة التطبيع المسكوت عنها

13.12.2018
زمن القراءة: 4 minutes

بنيامين نتانياهو، كشخصية سياسية قيادية، ليس الوحيد من نوعه الذي وُجّهت إليه اتّهامات في تاريخ إسرائيل، فثمّة آخرون، تعرّضوا لمحاكمات وحتى لفترات اعتقال لتهم بالفساد أو الاحتيال أو التحرش الجنسي

وجّهت الشرطة الإسرائيلية تهمة فساد لرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، بدعوى تلقّيه رشى من رجال أعمال، علماً أنه أقوى رجل في إسرائيل، فهو رئيس حكومتها منذ قرابة 10 أعوام (للمرة الثانية)، وقد تبوأ هذا المنصب لفترة أطول من أي رئيس حكومة آخر، عدا بن غوريون، إضافة إلى أنه زعيم أكبر حزب في الكنيست (ليكود) وفي الشارع الإسرائيلي.

وقد يجدر التذكير بأن نتانياهو، كشخصية سياسية قيادية، ليس الوحيد من نوعه، الذي وُجّهت إليه اتهامات في تاريخ إسرائيل، فثمّة آخرون، تعرّضوا لمحاكمات وحتى لفترات اعتقال، لتهم بالفساد أو الاحتيال أو التحرش الجنسي، يأتي ضمنهم رئيسان سابقان لإسرائيل، هما عيزرا وايزمن، الذي استقال أو عزل بتهمة فساد (2000)، وموشي كتساف، الذي اتُّهم بالتحرّش الجنسي (2007)، فعزل ثم سجن 7 سنوات. كذلك ثمة أريئيل شارون الذي اتهم بقضية احتيال وتعيينات سياسية ومخالفات تمويل (1998)، لكن ابنه عمري شارون تحمّلها وسجن لأجلها، وايهود اولمرت، الذي اتهم بالفساد ما أدّى إلى سقوط حكومته (2008)، وسجنه، كذلك واجه المصير ذاته وزير المالية الأسبق إبراهام هيرشزون بالفساد والاحتيال (2009)، وحكم عليه بالسجن، وضمن ذلك يأتي أرييه درعي، زعم حزب شاس، ووزير في أكثر من حكومة، الذي اتُّهم بالفساد (1999)، وسجن سنوات عدة، ولم يتمكن من العودة للحياة السياسية إلا عام 2012.

اللافت هنا سيادة نظرة متسرّعة وساذجة عندنا تعتقد أن تلك الاتهامات أو المحاكمات دليل عطب في إسرائيل، ودلالة على هشاشتها أو ضعفها، بدلاً من الاستنتاج بأنها دلالة على قوتها وحصانتها، كما أنها دليل عافية نظامها السياسي، الذي يتأسس على المساواة بين المواطنين أمام القانون، ورسوخ الفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية والقضائية والتشريعية)، بغض النظر عن رأينا بإسرائيل كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية ومصطنعة، كأن بقاء حكّام، أو شخصيات سياسية، في بلداننا، في السلطة لعقود، من دون أي شرعية انتخابية أو شعبية، ومن دون أي نجاحات على أي صعيد، هو دليل عافية وقوة لدولنا ومجتمعاتنا!

من ناحية أخرى، ففي إدراكاتنا السياسية التي نشأنا عليها، اعتدنا على اعتبار أن إسرائيل دولة مصطنعة، وغريبة، وأن سكانها اليهود لا ينتمون إلى أرومة إثنية معينة، وأن اليهودية دين، وليست قومية، وأن اليهود لا يشكلون شعباً، وطبعاً كل ذلك صحيح، إنما ثمة مشكلتان هنا، أولاهما، أن هذا الإدراك تحوّل إلى بديهية ثابتة ومطلقة، وصالحة لكل زمان ومكان، أي لا يمكن نقاشها، وهذا خطأ كبير، على رغم اعتبارنا هذه الدولة امتداداً لظاهرة استعمارية، ذات طابع استيطاني وإحلالي وعنصري وديني، كونها تستخدم الدين لتبرير ذاتها، إن كدولة، أو كمحفز لحضّ يهود العالم على الهجرة للاستيطان فيها، كما لاعتبار اليهود شعباً؛ على رغم أن الصهيونية، أساساً، هي حركة سياسية علمانية. المشكلة الثانية، تكمن بتجاهلنا أن دولنا العربية هي في معظمها مصطنعة، أيضاً، بهذا القدر أو ذاك، على رغم وحدة اللغة والدين (غالباً) والتاريخ المشترك، فمعظم هذه الدول لم تنشأ في سياق طبيعي، وإنما نشأت على حاملين أساسيين: الجيش أو العشيرة.

حسناً، إن إسرائيل دولة مصطنعة، وهوية مواطنيها زائفة، لكن ماذا عن دولنا ومجتمعاتنا وهوياتنا المصطنعة أو المدجنة؟

لعل ما تقدّم يفسّر أن إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية العنصرية المصطنعة، الصغيرة بمساحتها وبعدد شعبها، استطاعت إقامة دولة مؤسسات وقانون ومواطنين، في نظام ديموقراطي، على رغم قصوره وثغراته، دولة تتفوق على محيطها، في حين أننا في العالم العربي ما زلنا نكابد ضعف مبنى الدولة والمجتمع، بسبب هيمنة أنظمة استبدادية، حالت دون قيام الدولة، كدولة مؤسسات وقانون، وحالت دون قيام المجتمع، الذي لا يقوم إلا بوجود مواطنين أحرار ومتساوين.

في إسرائيل المصطنعة تلك، التي تعيش غريبة في محيط معادٍ، وعلى رغم ثغراتها ومشكلاتها وتناقضاتها، ثمة تعددية حزبية، وتداول على السلطة، وانتخابات دورية، وحرية صحافة ورأي، كما ثمة فصل بين السلطات، التنفيذية والقضائية والتشريعية، في حين ما زالت معظم أنظمتنا تعيش نوعاً من الجمود السياسي، خرقته تمردات “الربيع العربي”، مع أنظمة بات لها في الحكم ثلاثة أو أربعة أو خمسة عقود، أنظمة حكم وراثية، سواء في النظم الجمهورية أو الرئاسية.

ومعلوم أن إسرائيل شهدت، طوال تاريخها (1948-2018)، أي في 7 عقود، عشرين دورة انتخابية للكنيست، بمعدل دورة في كل 3.5 سنة، لكن معظم مجتمعاتنا لا تعرف ما هي الانتخابات، في أنظمة لا تفرّق بين الانتخاب والاستفتاء، ولا بين السلطة والدولة. ففي حين أن المواطن العربي في معظم البلدان العربية لا يعرف في حياته سوى حاكم أو اثنين (رئيساً أو ملكاً) في حين مر على إسرائيل منذ قيامها 12 رئيس حكومة، هم على التوالي: دافيد بن غوريون (1948 – 1953)، موشيه شاريت (1954 – 1955)، دافيد بن غوريون (1955 – 1963) ثانية، ليفي اشكول  (1963 – 1969)، غولدا مئير (1969 – 1974)، اسحق رابين (1974 – 1977)، مناحيم بيغين (1977 – 1983)، اسحق شمير (1983 – 1984)، شمعون بيرس (1984 – 1986)، اسحق شامير (1986 – 1992) ثانية، اسحق رابين (1992 – 1995) ثانية، شمعون بيرس ( 1995- 1996) ثانية، بنيامين نتنياهو (1996 – 1999)، ايهود براك (1999 – 2001)، اريئيل شارون (2001  – 2006)، إيهود أولمرت (2006 – 2009 )، بنيامين نتانياهو (2009-) ثانية.

هذا كله تحديداً مصدر تفوّق إسرائيل على أنظمتنا، ومصدر قوّتها واستقرارها، وتالياً هذا هو مصدر هشاشة أنظمتنا ومجتمعاتنا. حسناً، إن إسرائيل دولة مصطنعة، وهوية مواطنيها زائفة، لكن ماذا عن دولنا ومجتمعاتنا وهوياتنا المصطنعة أو المدجنة؟

إقرأ أيضاً:
أسئلة التطبيع المسكوت عنها