fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

عن التبسيط والتجميل… المشكلة في “كل العيون على رفح”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد أشهر من الرعب المستمر في قطاع غزة، فهل سيكون رسم توضيحي أُنتج بواسطة الآلة في غضون ثوانٍ، من خلال طلب (Prompt) غالباً لم يتجاوز السطر ونصف السطر لما في الصورة المتداولة من تنميط وتبسيط وغياب تام للتفاصيل، التجسيد البصري الأكثر انتشاراً والمُصدَّر إلى الدوائر غير المهتمّة بمجريات الأحداث؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في 26 أيار/ مايو، شنّت إسرائيل هجوماً على المنطقة الشرقية من مدينة رفح، أحرقت فيه عشرات الخيام وبرّرته بوجود قياديين من حماس وسط المنطقة، فقتلت ما لا يقل عن 45 شخصاً في تلك الليلة، وتركت عشرات الأهالي يطفئون الخيام المتلظّية بينما ينشغل بضعة آباء بالبحث عن الرؤوس التي نزعتها قنابل الجيش الإسرائيليّ عن أجساد أطفالهم، التي رفعوها أمام الكاميرات، وفي وجه العالم. 

مع إدانة المجتمع الدولي مجزرة الخيام، وبيان الأمم المتحدة الذي قال إن “ما حدث كان ربما إحدى أكثر فظائع هذه الحرب قسوةً”، لجأ ملايين الأشخاص إلى إنستغرام لإظهار “دعمهم” للشعب الفلسطيني، من خلال صورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي كُتبت عليها عبارة “كل العيون على رفح” (All eyes on Rafah).

يظهر في الصورة تصوّراً لتكتّلات منسّقة بطريقة بالغة الدقة من الخيام، نُصبت إلى ما لا نهاية على أرضٍ تبدو كصحراء خاوية تحيطها جبالٌ يكسوها الثلج، من المفترض أنها تحاكي مدينة رفح المحاصرة والمقصوفة التي تؤوي أكثر من مليون غزّي.

تحوّلت تلك الصورة، التي انتشرت على شكل “قالب ستوري” على إنستغرام، إلى ما يشبه حركةً اجتماعية افتراضية من نوعٍ ما، لتتم إعادة مشاركتها 45.3 مليون مرة (خلال كتابة هذه السطور، ومن المؤكد أن الرقم سيكون أعلى بكثير عند النشر)، وتصبح القالب الأكثر انتشاراً وتداولاً في تاريخ المنصة الاجتماعية، وما إن تحولت الصورة إلى “تريند” ظهرت مثيلاتها “كل العيون على السودان، كل العيون على الكونجو…”، كما بدأ البعض أيضاً بتريند وصلت مشاركته إلى مليون، مفاده، بما أننا نشرنا الصورة الاصطناعيّة، لننشر الآن الصورة “الحقيقية”.

المفارقة، أنه حتى الصورة الجديدة، التي من المفترض أنها “حقيقية” وتمثل رفح، وليست وليدة الذكاء الاصطناعي، هي بالحقيقة لمجزرة المغازي، وتعود إلى ديسمبر الماضي، لا رفح الآن، التي تم تجنبها مرة أخرى، إما عن سوء نيّة، أو جهل وتسرع سببه الرغبة بركوب التريند.

ظهرت صورة  “كل العيون على رفح”  أو مرة في حساب يحمل اسم @chaa.my وليس لديه سوى عدد يسير من المتابعين، لكنه شارك الصورة عبر حساب آخر باسم @shahv4012، الذي يبدو أنه أقدم على محاولات عدة لتوليد صور رديئة بواسطة الذكاء الاصطناعي عن حرب الإبادة في غزة، قبل أن تبدأ رحلة الصورة الأخيرة “الفيروسية” غير المُخطَّطة عبر عشرات ملايين الحسابات، بمكافأة من الخوارزمية التي تفضّل هذا المحتوى “النظيف”.

 “الصورة النظيفة” التي تلائم الجميع

من المفترض أن صورة “كل العيون على رفح”، تحثُّ على التضامن أولاً وتدعو الى اتخاذ إجراءٍ ما غير واضح، لكنها تفشل في توفير أي سياق أو تجسيد صوري حقيقي قد يدفع مستخدماً تشيلياً أو ناميبياً الى اتخاذ أي إجراء يتجاوز الضغط على خيار “Add yours” عند مشاهدة “الستوري”. 

يدافع البعض عن “نظافة الصورة” واختيار مادة ولّدها الذكاء الاصطناعي لحشد التعاطف مع المأساة بالإشارة إلى كونها نوعاً من التحايل على خوارزميات ميتا، التي كمّمت الصوت الفلسطيني أو المُدين لإسرائيل منذ ثمانية أشهر.

 لكن الصورة المتداولة تحمل، وإن عن حُسن نية، تجميلاً “مُعقّماً” مبالغاً فيه للعنف الذي حدث ويحدث في رفح، ما يسهل على الناس التعامل مع هذه القضية بإعفاء من “مشاعر سلبية” كثيرة تولّدها وقد تدفع مستخدمين الى الإشاحة بأنظارهم، وهو ما لا تفضّله خوارزميات الاستهلاك.

 إلا أن الخيام ليست مُهندَسةً بالشكل الذي تبدو عليه في الصورة، وهي ليست بهذه الكثرة في ظل تجاوز سعر الواحدة منها الألف دولار، ومن المؤكد أن هناك الكثير من التمزق والبلاستيك المنصهر الممزوج بالدماء، وأنَّ رفح ليست مُحاطة بجبال مكسوّة بالثلوج تهبُّ منها نسمات تدرأ حرَّ الصيف الذي لا يُطاق. 

لماذا الهروب من الصور الواقعية، وهي حرب الإبادة الأكثر توثيقاً في العصر الحديث؟ أليست صورة الأب الذي حمل جثة طفله منزوعة الرأس في أعقاب المجزرة على كاميرات المصوّرين نداء استغاثة لرؤية الواقع؟

 أكثر من مئة صحافي ومصوّر قتلتهم إسرائيل عمداً لطمس القصة منذ بداية الحرب، بينما تعرّض آخرون كمعتز عزايزة لاغتيال الشخصية، وصاروا محطَّ جدل عالمي. ألا يعد أحد أبسط واجباتنا تجاههم مشاركة صورة قد يكون دفع ثمنها حياة أو بُترت لأجلها أطراف؟ 

لو قيل لنا قبل عام فقط إن الصورة الأكثر انتشاراً لواحدة من أكثر الحروب دموية ووحشية، والتي من شأنها أن تبلور الغضب ضد قتل الأطفال النازحين في غزة، ستكون عبارة عن خيالٍ من إنتاج الذكاء الاصطناعي، لظننا أنه خيالٌ ديستوبي. 

فمنذ أقل من عقد من الزمان، عندما “هزّت الصورة” العالم وجسَّدت المأساة السورية، كانت صورة لطفلٍ لم يتجاوز الثالثة من عمره مرمياً على رمال الشاطئ بينما ابتلع بحر إيجه اليوناني أمه وشقيقه في رحلة نجاة لم تكتمل، عَرَف اسمه الملايين؛ اسم إيلان الكردي الذي يحمل هويةً وقصةً إنسانية من البشر للبشر.

أما الآن، بعد أشهر من الرعب المستمر في قطاع غزة، فهل سيكون رسم توضيحي أُنتج بواسطة الآلة في غضون ثوانٍ، من خلال طلب (Prompt) غالباً لم يتجاوز السطر ونصف السطر لما في الصورة المتداولة من تنميط وتبسيط وغياب تام للتفاصيل، التجسيد البصري الأكثر انتشاراً والمُصدَّر إلى الدوائر غير المهتمّة بمجريات الأحداث؟

النقرات وثعبان الذكاء الاصطناعيّ

من قبيل المصادفة، انتشرت صورة “رفح الخيالية” على نطاقٍ واسع فيما أعلن مارك زوكربيرغ أنه سيغذّي ذكاءه الاصطناعي بالمحتوى الذي نشاركه على منصاته، إنستغرام وفيسبوك، ما لم نُشِر إلى أنّه مولّد بالذكاء الاصطناعي نفسه.

إذ تعاني شركات التكنولوجيا الكبرى من نقص المعلومات التي بالإمكان من خلالها تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، فقد قرأت الإنترنت بالكامل، وشاهدت كل ما يمكن مشاهدته بُعيد إطلاقها، وهي الآن بحاجة إلى صورنا الخاصة ومحادثات بريدنا الإلكتروني للوصول إلى حلم “الذكاء الاصطناعي العام”.

 ومع ظاهرة مثل ظاهرة صورة رفح، التي صارت واجهة المدينة على الإنترنت من ناحية لغة الأرقام التي لا تفهم الخوارزميات سواها، ثم درّبت ميتا نماذجها على تلك الصور المزيّفة، فسنحصل على ثعبانٍ آلي يقضم ذيله الاصطناعي؛ ونخلق فضاءً رقمياً من الذكاء الاصطناعي وإليه.

ظاهرة “كل العيون على رفح” هذه ما هي إلا الحلقة الأحدث والأكثر تشوّهاً من سلسلة من الحركات الرقمية المنضوية تحت ظاهرة “ناشطية الأريكة” (clicktivism) التي حفَّزتها الحرب الإسرائيلية على غزة. ففي الآونة الأخيرة، أطلق مستخدمو تيك توك الناطق باللغة الإنكليزية حركة “المقصلة الرقمية” (التي نُقلت إلى الإنترنت العربي، وتطبيق إنستغرام تحديداً)، التي تدعو الى حظر المشاهير وأصحاب الوصول والتأثير الضخمين، الذين لم يستخدموا امتيازاتهم الرقمية لجذب الانتباه الجدير بالفظائع التي تحدث منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. 

ما يؤخذ على هذه الحركات هو ما أُخذ على مثيلاتها السابقة كافة منذ بداية الحرب وحتى في سياقات أخرى؛ وهو أن “رفع التوعية” بالأحداث لم يكن يوماً هدفاً نهائياً بدلاً من الوسيلة، ولا يكفي لمشاركة قصة أنشأها الذكاء الاصطناعي مع استمرار إطلاق المقاتلات الإسرائيلية الأحزمة النارية فوق الفلسطينيين.

قد تكون الدعوة الى فتح العيون الآن إشارة إلى أنه ربما حان الوقت أيضاً لتحويل “الوعي” إلى عمل ومساهمة ذات معنى، وهو المأمول في النهاية نتيجة لأي حركة حقوقية تنطلق من وسائل التواصل الاجتماعي. لأنه بخلاف ذلك، وكما ورد للأسف منذ الأشهر الأولى للحرب في مقال آخر على “درج” حول الظاهرة التي لم تتغير رغم اشتداد الفظائع، فإنه “عندما تصبح المشاركة السياسية مسألة نقرات، فإن قوة الإنترنت كمحرك للتغيير تصبح سراباً”.

31.05.2024
زمن القراءة: 5 minutes

بعد أشهر من الرعب المستمر في قطاع غزة، فهل سيكون رسم توضيحي أُنتج بواسطة الآلة في غضون ثوانٍ، من خلال طلب (Prompt) غالباً لم يتجاوز السطر ونصف السطر لما في الصورة المتداولة من تنميط وتبسيط وغياب تام للتفاصيل، التجسيد البصري الأكثر انتشاراً والمُصدَّر إلى الدوائر غير المهتمّة بمجريات الأحداث؟


في 26 أيار/ مايو، شنّت إسرائيل هجوماً على المنطقة الشرقية من مدينة رفح، أحرقت فيه عشرات الخيام وبرّرته بوجود قياديين من حماس وسط المنطقة، فقتلت ما لا يقل عن 45 شخصاً في تلك الليلة، وتركت عشرات الأهالي يطفئون الخيام المتلظّية بينما ينشغل بضعة آباء بالبحث عن الرؤوس التي نزعتها قنابل الجيش الإسرائيليّ عن أجساد أطفالهم، التي رفعوها أمام الكاميرات، وفي وجه العالم. 

مع إدانة المجتمع الدولي مجزرة الخيام، وبيان الأمم المتحدة الذي قال إن “ما حدث كان ربما إحدى أكثر فظائع هذه الحرب قسوةً”، لجأ ملايين الأشخاص إلى إنستغرام لإظهار “دعمهم” للشعب الفلسطيني، من خلال صورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي كُتبت عليها عبارة “كل العيون على رفح” (All eyes on Rafah).

يظهر في الصورة تصوّراً لتكتّلات منسّقة بطريقة بالغة الدقة من الخيام، نُصبت إلى ما لا نهاية على أرضٍ تبدو كصحراء خاوية تحيطها جبالٌ يكسوها الثلج، من المفترض أنها تحاكي مدينة رفح المحاصرة والمقصوفة التي تؤوي أكثر من مليون غزّي.

تحوّلت تلك الصورة، التي انتشرت على شكل “قالب ستوري” على إنستغرام، إلى ما يشبه حركةً اجتماعية افتراضية من نوعٍ ما، لتتم إعادة مشاركتها 45.3 مليون مرة (خلال كتابة هذه السطور، ومن المؤكد أن الرقم سيكون أعلى بكثير عند النشر)، وتصبح القالب الأكثر انتشاراً وتداولاً في تاريخ المنصة الاجتماعية، وما إن تحولت الصورة إلى “تريند” ظهرت مثيلاتها “كل العيون على السودان، كل العيون على الكونجو…”، كما بدأ البعض أيضاً بتريند وصلت مشاركته إلى مليون، مفاده، بما أننا نشرنا الصورة الاصطناعيّة، لننشر الآن الصورة “الحقيقية”.

المفارقة، أنه حتى الصورة الجديدة، التي من المفترض أنها “حقيقية” وتمثل رفح، وليست وليدة الذكاء الاصطناعي، هي بالحقيقة لمجزرة المغازي، وتعود إلى ديسمبر الماضي، لا رفح الآن، التي تم تجنبها مرة أخرى، إما عن سوء نيّة، أو جهل وتسرع سببه الرغبة بركوب التريند.

ظهرت صورة  “كل العيون على رفح”  أو مرة في حساب يحمل اسم @chaa.my وليس لديه سوى عدد يسير من المتابعين، لكنه شارك الصورة عبر حساب آخر باسم @shahv4012، الذي يبدو أنه أقدم على محاولات عدة لتوليد صور رديئة بواسطة الذكاء الاصطناعي عن حرب الإبادة في غزة، قبل أن تبدأ رحلة الصورة الأخيرة “الفيروسية” غير المُخطَّطة عبر عشرات ملايين الحسابات، بمكافأة من الخوارزمية التي تفضّل هذا المحتوى “النظيف”.

 “الصورة النظيفة” التي تلائم الجميع

من المفترض أن صورة “كل العيون على رفح”، تحثُّ على التضامن أولاً وتدعو الى اتخاذ إجراءٍ ما غير واضح، لكنها تفشل في توفير أي سياق أو تجسيد صوري حقيقي قد يدفع مستخدماً تشيلياً أو ناميبياً الى اتخاذ أي إجراء يتجاوز الضغط على خيار “Add yours” عند مشاهدة “الستوري”. 

يدافع البعض عن “نظافة الصورة” واختيار مادة ولّدها الذكاء الاصطناعي لحشد التعاطف مع المأساة بالإشارة إلى كونها نوعاً من التحايل على خوارزميات ميتا، التي كمّمت الصوت الفلسطيني أو المُدين لإسرائيل منذ ثمانية أشهر.

 لكن الصورة المتداولة تحمل، وإن عن حُسن نية، تجميلاً “مُعقّماً” مبالغاً فيه للعنف الذي حدث ويحدث في رفح، ما يسهل على الناس التعامل مع هذه القضية بإعفاء من “مشاعر سلبية” كثيرة تولّدها وقد تدفع مستخدمين الى الإشاحة بأنظارهم، وهو ما لا تفضّله خوارزميات الاستهلاك.

 إلا أن الخيام ليست مُهندَسةً بالشكل الذي تبدو عليه في الصورة، وهي ليست بهذه الكثرة في ظل تجاوز سعر الواحدة منها الألف دولار، ومن المؤكد أن هناك الكثير من التمزق والبلاستيك المنصهر الممزوج بالدماء، وأنَّ رفح ليست مُحاطة بجبال مكسوّة بالثلوج تهبُّ منها نسمات تدرأ حرَّ الصيف الذي لا يُطاق. 

لماذا الهروب من الصور الواقعية، وهي حرب الإبادة الأكثر توثيقاً في العصر الحديث؟ أليست صورة الأب الذي حمل جثة طفله منزوعة الرأس في أعقاب المجزرة على كاميرات المصوّرين نداء استغاثة لرؤية الواقع؟

 أكثر من مئة صحافي ومصوّر قتلتهم إسرائيل عمداً لطمس القصة منذ بداية الحرب، بينما تعرّض آخرون كمعتز عزايزة لاغتيال الشخصية، وصاروا محطَّ جدل عالمي. ألا يعد أحد أبسط واجباتنا تجاههم مشاركة صورة قد يكون دفع ثمنها حياة أو بُترت لأجلها أطراف؟ 

لو قيل لنا قبل عام فقط إن الصورة الأكثر انتشاراً لواحدة من أكثر الحروب دموية ووحشية، والتي من شأنها أن تبلور الغضب ضد قتل الأطفال النازحين في غزة، ستكون عبارة عن خيالٍ من إنتاج الذكاء الاصطناعي، لظننا أنه خيالٌ ديستوبي. 

فمنذ أقل من عقد من الزمان، عندما “هزّت الصورة” العالم وجسَّدت المأساة السورية، كانت صورة لطفلٍ لم يتجاوز الثالثة من عمره مرمياً على رمال الشاطئ بينما ابتلع بحر إيجه اليوناني أمه وشقيقه في رحلة نجاة لم تكتمل، عَرَف اسمه الملايين؛ اسم إيلان الكردي الذي يحمل هويةً وقصةً إنسانية من البشر للبشر.

أما الآن، بعد أشهر من الرعب المستمر في قطاع غزة، فهل سيكون رسم توضيحي أُنتج بواسطة الآلة في غضون ثوانٍ، من خلال طلب (Prompt) غالباً لم يتجاوز السطر ونصف السطر لما في الصورة المتداولة من تنميط وتبسيط وغياب تام للتفاصيل، التجسيد البصري الأكثر انتشاراً والمُصدَّر إلى الدوائر غير المهتمّة بمجريات الأحداث؟

النقرات وثعبان الذكاء الاصطناعيّ

من قبيل المصادفة، انتشرت صورة “رفح الخيالية” على نطاقٍ واسع فيما أعلن مارك زوكربيرغ أنه سيغذّي ذكاءه الاصطناعي بالمحتوى الذي نشاركه على منصاته، إنستغرام وفيسبوك، ما لم نُشِر إلى أنّه مولّد بالذكاء الاصطناعي نفسه.

إذ تعاني شركات التكنولوجيا الكبرى من نقص المعلومات التي بالإمكان من خلالها تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، فقد قرأت الإنترنت بالكامل، وشاهدت كل ما يمكن مشاهدته بُعيد إطلاقها، وهي الآن بحاجة إلى صورنا الخاصة ومحادثات بريدنا الإلكتروني للوصول إلى حلم “الذكاء الاصطناعي العام”.

 ومع ظاهرة مثل ظاهرة صورة رفح، التي صارت واجهة المدينة على الإنترنت من ناحية لغة الأرقام التي لا تفهم الخوارزميات سواها، ثم درّبت ميتا نماذجها على تلك الصور المزيّفة، فسنحصل على ثعبانٍ آلي يقضم ذيله الاصطناعي؛ ونخلق فضاءً رقمياً من الذكاء الاصطناعي وإليه.

ظاهرة “كل العيون على رفح” هذه ما هي إلا الحلقة الأحدث والأكثر تشوّهاً من سلسلة من الحركات الرقمية المنضوية تحت ظاهرة “ناشطية الأريكة” (clicktivism) التي حفَّزتها الحرب الإسرائيلية على غزة. ففي الآونة الأخيرة، أطلق مستخدمو تيك توك الناطق باللغة الإنكليزية حركة “المقصلة الرقمية” (التي نُقلت إلى الإنترنت العربي، وتطبيق إنستغرام تحديداً)، التي تدعو الى حظر المشاهير وأصحاب الوصول والتأثير الضخمين، الذين لم يستخدموا امتيازاتهم الرقمية لجذب الانتباه الجدير بالفظائع التي تحدث منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. 

ما يؤخذ على هذه الحركات هو ما أُخذ على مثيلاتها السابقة كافة منذ بداية الحرب وحتى في سياقات أخرى؛ وهو أن “رفع التوعية” بالأحداث لم يكن يوماً هدفاً نهائياً بدلاً من الوسيلة، ولا يكفي لمشاركة قصة أنشأها الذكاء الاصطناعي مع استمرار إطلاق المقاتلات الإسرائيلية الأحزمة النارية فوق الفلسطينيين.

قد تكون الدعوة الى فتح العيون الآن إشارة إلى أنه ربما حان الوقت أيضاً لتحويل “الوعي” إلى عمل ومساهمة ذات معنى، وهو المأمول في النهاية نتيجة لأي حركة حقوقية تنطلق من وسائل التواصل الاجتماعي. لأنه بخلاف ذلك، وكما ورد للأسف منذ الأشهر الأولى للحرب في مقال آخر على “درج” حول الظاهرة التي لم تتغير رغم اشتداد الفظائع، فإنه “عندما تصبح المشاركة السياسية مسألة نقرات، فإن قوة الإنترنت كمحرك للتغيير تصبح سراباً”.