أشار نواف سلام رئيس الحكومة اللبنانية، في سياق ردّه على سؤال عن خطة حكومته في موضوع المصارف والمودعين، إلى أنه هو نفسه ضحية كابيتال كونترول غير قانوني مارسه أحد المصارف بحق وديعته.
ردّنا سلام إلى حقيقة أننا حيال رئيس حكومة ضحية مثله مثل أكثر من مليون مواطن لبناني. والأرجح أن سلام أودع لدى هذا المصرف تعويض نهاية خدمته في الأمم المتحدة مثلاً، أو في إحدى الجامعات التي عمل فيها، إلى أن التهم مصرف لبناني عريق جنى عمره، حاله كحالنا، أو هكذا يحلو لنا أن نتخيل.
إذاً، وصل إلى رئاسة الحكومة مودع لبناني ضحية المنهبة التي شارك فيها مصرف وحكومة وبنك مركزي. علينا إذاً أن نتأمّل خيراً. هذا الرجل قال في اليوم الأول له في القصر الحكومي، إنه سيشطب “شطب الودائع”، تلك العبارة التي ساقها الخبراء الاقتصاديون والماليون العاملون في المصارف، أو مستشارو وزراء منظومة الفساد الممتدة من عين التينة إلى بيت الوسط، مروراً بكليمنصو وحارة حريك، ووصولاً إلى الرابية والبترون.
نحن الآن حيال رئيس حكومة يُشبهنا. يريد وديعته مثلما نريد ودائعنا. هل تذكرون حسان دياب حين كان رئيساً للحكومة، وطلب من الجامعة الأميركية في بيروت إرسال تعويض نهاية خدمته بالدولار الـ”فريش” إلى حسابه في الخارج، بينما كنا نحن مواطنيه، نقف على أبواب المصارف التي سرقت تعويضاتنا؟ الآن نحن أمام فارق بين الرؤساء لا تُخطئه عين.
وفي هذا الوقت، بدأت المصارف تستعدّ للمعركة. المافيا التي سطت على نحو مئة مليار دولار، بدأت بتزييت ماكينتها الإعلامية والقضائية والسياسية. رياض سلامة في السجن، لكن المافيا لم تتّعظ، ذاك أنها تملك المال، وبمستطاعها تجنيد ترسانة من المحامين والإعلاميين والسياسيين. المعركة ستدور حول الجهة التي ستتحمّل الخسائر. نحن الآن في موقع أفضل في ظل هذه الحكومة، لكن النتائج غير محسومة، فللمصارف أحزاب ممثّلة في الحكومة ووسائل إعلام، والأهم أرصدة في الخارج يمكن توظيفها في مواجهتنا.
نواف سلام إلى جانبنا، لكن بين وزرائه أعضاء في مجالس إدارات المصارف، وبينهم أيضاً وزير مالية ورثه من المنظومة التي سطت على الودائع. إذاً، المعركة ليست محسومة، وتحتاج إلى تنظيم للجهود، وتوظيف للطاقات، وتوثيق لمزيد من الأدلة التي يمكن سوقها إلى المحاكم… وما أكثرها.
بدأت المؤشرات تلوح. شكوى علينا، تقدّم بها صاحب مصرف “سوسيتيه جنرال” أنطون صحناوي، انضمّت إلى مسلسل الدعوى الفارغة التي وُوجهنا بها. لكن المؤشّر الأهم، كان ما أقدمت عليه جمعية المصارف من إعادة هيكلة نفسها، والتجديد لرئيسها، وتوسيع أعضائها، استعداداً لصدّ أي محاولة للإصلاح والهيكلة ورفض المشاركة في تحمّل الخسائر. ترفض الجمعية فكرة أنها مفلسة، وأن الأرباح الهائلة التي حقّقتها خلال سنوات “الهندسات المالية” يجب أن تُعيدها، وترفض رفع السرية المصرفية عن أعضاء مجلس إداراتها.
لكن الحكومة الجديدة وعدتنا بأمر آخر، من المفترض أن يشكّل انعطافة في العلاقة بين المودع والمصرف. إنه إصلاح القضاء، فالأخير وقف إلى جانب المصارف حتى الرمق الأخير.
منع محاسبة البنوك التي خالفت القانون عبر تنفيذها الكابيتال كونترول، ولم يحاسبها على إقدامها على تحويلات فاقت العشرة مليارات دولار خلال أسبوعي الإقفال، ولم يكترث هذا القضاء لوثيقة نشرناها عن تحويل استفاد منه أحد كبار القضاة، ناهيك بتحويلات موثّقة لنجل رياض سلامة ولغيره من أصحاب النفوذ. أما الفضيحة الأخيرة فتمثّلت بشركة “Optimum Invest”، إذ كشف أحد التقارير المالية عن حساب مالي في مصرف لبنان، كانت تُجرى من خلاله العمليات المالية المشبوهة، التي كانت تقوم بها الشركة لصالح مصرف لبنان، لا سيما في فترة الهندسات المالية، والذي تضمّن نحو 8 مليارات دولار أميركي مجهولة المصير، ومرة أخرى ينتظر القضاة بلوغ القاضية غادة عون سن التقاعد لكي يُقفَل الملف.
جرت استباحة القضاء من قبل المنظومة على نحو “وحشي”، على ما نقل نواف سلام عن أحد القضاة.
إصلاح القضاء يعني بين ما يعني محاسبة المصارف. لا شيء أوضح من استباحة البنوك لقانون النقد والتسليف. لا شيء أوضح من الجريمة الموصوفة التي ارتكبتها.
إقرأوا أيضاً: