fbpx

عن “تأجيل السياسة” في ظل الحرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الدعوة إلى تأجيل “السياسة” تنطوي على فهم للحرب بوصفها حدثاً غير سياسي. حدث ديني ربما، ينسجم مع فهم “حزب الله” للحرب، علماً أنه في لحظة “السياسة” يتحول  الحزب إلى آلة براغماتية قابلة لمبادلة الأرض بالمغانم، على ما فعل في قضية ترسيم الحدود البحرية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 في موازاة المجزرة الإسرائيلية المستأنفة في جنوب لبنان، تحفل الميديا والسوشيل ميديا اللبنانية بنقاش يرسم حدود انقسام أهلي، موضوعه “السياسة”! الوقت ليس مناسباً لنتحدث بالسياسة، وعلى الخائضين في غمارها من الناشطين والكتاب والصحافيين أن يتجندوا لإغاثة اللاجئين أولاً، ولإدانة العدوان ثانياً. 

والإدانة طبعاً ليست فعلاً سياسياً، إنما يجب أن تقتصر على بعدها الأخلاقي، ذاك أن تحميلها أي بعد سياسي قد يأخذنا إلى ما بعدها، وإلى تناول دور “حزب الله” في ضائقتنا وفي استعصائنا وفي فشلنا. إذاً، علينا أن نؤجل النقاش إلى ما بعد الحرب، وهو تأجيل مستمد من تأجيل سبقه دُعينا إليه، حين هال البعض نقدنا “حماس” عندما أقدمت على ما أقدمت عليه في “7 أكتوبر” من العام الماضي.

ثمة من يحاول أن يدافع عن حقه في”السياسة”، وهو طبعاً حق في النقاش السياسي، لا في الفعل السياسي، ذاك أن الحق في الفعل السياسي طموح بعيد المنال، حرم “حزب الله” منه قوى فازت بالانتخابات وتملك كتلاً نيابية أكبر من تكتله، فما بالك بمجرد أصحاب رأي وقول؟! والمدافعون القليلون عن حقهم في تناول الحرب سياسياً، هم اليوم عرضة لاستهدافين، الأول تخويني تخوضه ماكينة الحزب الإعلامية والأيديولوجية، والثاني تتولاه دوائر أبعد من هذه الماكينة، وجديدة الالتحاق بها، وعدتها “أخلاقية” مصدرها قناعة “جوهرانية” تقول إن أي تناول لإسرائيل بغير “الحديد والنار” سيودي بصاحبه إلى جهنم أخلاقية.

والحال أن ما لا يساعد المدافعين عن حقهم في “السياسة” وجود فريق ثالث عماده الملتحقون بالخيارات “الإبراهيمية” ممن تنقصهم حساسية نقد الجريمة الإسرائيلية، ولا يستوي بحسبهم نقد “حزب الله” إلا إذا ترافق مع إعجاب بـ”فعالية” آلة القتل الإسرائيلية، أما أن تترافق هذه “الفعالية” مع أنهار من دماء المدنيين والأبرياء، فهذه خسائر جانبية لا تستحق أن تكون جزءاً من النقاش.

نعم يمكن لواحدنا أن ينحاز إلى الضحية، وأن يحدد هوية مرتكب الجريمة من دون لبس، وهو طبعاً إسرائيل، طالما أنها من يضغط على الزناد. وفي غمرة هذه المغامرة يمكنه أيضاً أن يسائل “حزب الله” ليس فقط عن انفراده بقرار الحرب، إنما أيضاً عن هذا اليتم الديبلوماسي والسياسي الذي نتخبط فيه بموازاة الحرب.

 في موازاة المجزرة الإسرائيلية المستأنفة في جنوب لبنان، تحفل الميديا والسوشيل ميديا اللبنانية بنقاش يرسم حدود انقسام أهلي، موضوعه “السياسة”!

 لقد تم تصحير المشهد السياسي والاقتصادي اللبناني بحيث لم يبق في الميدان إلا نجيب ميقاتي ليفاوض ويضغط ويساوم. و”حزب الله” هو من تولى مهمة التصحير، هو من منع انتخاب رئيس للجمهورية، وهو من حمى منظومة الفساد. فعل ذلك بينما كانت إسرائيل تنتقل إلى دورها الإبادي بقيادة اليمين المتطرف، وفعل ذلك معتقداً أن تحويل لبنان إلى ساحة يُسهِّل عليه مهمة التهامه.

إلى أن حانت ساعة الحقيقة، وظهر كم نحن مكشوفون وكم نحن مخترقون في ظل دولة “حزب الله”. لكن ما هو أفدح من ذلك، وما يتكتم عليه الداعون إلى تأجيل السياسة، هو أننا بمواجهة العدوان والنوايا الإسرائيلية الانتقامية، منقسمون حتى النخاع، وأن الاستجابة للإغاثة فولكلورية ومراوغة، ويستحضر المدعوون إليها تجاربهم الأهلية المريرة التي حفلت بها السنوات المنصرمة.

هذا كلام صادر عمن وجدوا أنفسهم يستغيثون لإيواء أقاربهم وأهل قراهم، بعدما خذلهم نجيب ميقاتي وخذلتهم حكومته. وفي هذه اللحظة تحضر السياسة بوصفها أداة تفسير لفشل الإغاثة، إذ إن الفشل مرده إلى وجود حكومة مثل بقائها المعلق ضرورة لـ”حزب الله” على رغم فسادها، وإلى فشل أهلي مصدره ذلك الصدع والشقاق الناجمين عن هيمنة جماعة على جماعات، وحزب على أحزاب، وطائفة على طوائف.

الحزب قرر عنا خوض “حرب الإسناد”. لا بأس، لكن ألا يستحق أحد من اللبنانيين أن يكون شريكاً في البحث عن مخرجٍ أو أفق لحرب هو جزء منها؟ لا أحدَ اليوم شريكٌ ولا سياسة غير ما تشهده أروقة الحزب وأنفاقه. 

الدعوة إلى تأجيل “السياسة” تنطوي على فهم للحرب بوصفها حدثاً غير سياسي. حدث ديني ربما، ينسجم مع فهم “حزب الله” للحرب، علماً أنه في لحظة “السياسة” يتحول  الحزب إلى آلة براغماتية قابلة لمبادلة الأرض بالمغانم، على ما فعل في قضية ترسيم الحدود البحرية، لكن المتاح للحزب في خطاب “تأجيل السياسة” غير متاحٍ لناشطين من أمثالنا، حتى لو كان ما يطمحون إليه مجرد تعليق أو مقال. فالمطلوب منا، كما المطلوب من الحكومة، الإغاثة فقط، وأن نعيرهم سكوتنا.     

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
25.09.2024
زمن القراءة: 3 minutes

الدعوة إلى تأجيل “السياسة” تنطوي على فهم للحرب بوصفها حدثاً غير سياسي. حدث ديني ربما، ينسجم مع فهم “حزب الله” للحرب، علماً أنه في لحظة “السياسة” يتحول  الحزب إلى آلة براغماتية قابلة لمبادلة الأرض بالمغانم، على ما فعل في قضية ترسيم الحدود البحرية…

 في موازاة المجزرة الإسرائيلية المستأنفة في جنوب لبنان، تحفل الميديا والسوشيل ميديا اللبنانية بنقاش يرسم حدود انقسام أهلي، موضوعه “السياسة”! الوقت ليس مناسباً لنتحدث بالسياسة، وعلى الخائضين في غمارها من الناشطين والكتاب والصحافيين أن يتجندوا لإغاثة اللاجئين أولاً، ولإدانة العدوان ثانياً. 

والإدانة طبعاً ليست فعلاً سياسياً، إنما يجب أن تقتصر على بعدها الأخلاقي، ذاك أن تحميلها أي بعد سياسي قد يأخذنا إلى ما بعدها، وإلى تناول دور “حزب الله” في ضائقتنا وفي استعصائنا وفي فشلنا. إذاً، علينا أن نؤجل النقاش إلى ما بعد الحرب، وهو تأجيل مستمد من تأجيل سبقه دُعينا إليه، حين هال البعض نقدنا “حماس” عندما أقدمت على ما أقدمت عليه في “7 أكتوبر” من العام الماضي.

ثمة من يحاول أن يدافع عن حقه في”السياسة”، وهو طبعاً حق في النقاش السياسي، لا في الفعل السياسي، ذاك أن الحق في الفعل السياسي طموح بعيد المنال، حرم “حزب الله” منه قوى فازت بالانتخابات وتملك كتلاً نيابية أكبر من تكتله، فما بالك بمجرد أصحاب رأي وقول؟! والمدافعون القليلون عن حقهم في تناول الحرب سياسياً، هم اليوم عرضة لاستهدافين، الأول تخويني تخوضه ماكينة الحزب الإعلامية والأيديولوجية، والثاني تتولاه دوائر أبعد من هذه الماكينة، وجديدة الالتحاق بها، وعدتها “أخلاقية” مصدرها قناعة “جوهرانية” تقول إن أي تناول لإسرائيل بغير “الحديد والنار” سيودي بصاحبه إلى جهنم أخلاقية.

والحال أن ما لا يساعد المدافعين عن حقهم في “السياسة” وجود فريق ثالث عماده الملتحقون بالخيارات “الإبراهيمية” ممن تنقصهم حساسية نقد الجريمة الإسرائيلية، ولا يستوي بحسبهم نقد “حزب الله” إلا إذا ترافق مع إعجاب بـ”فعالية” آلة القتل الإسرائيلية، أما أن تترافق هذه “الفعالية” مع أنهار من دماء المدنيين والأبرياء، فهذه خسائر جانبية لا تستحق أن تكون جزءاً من النقاش.

نعم يمكن لواحدنا أن ينحاز إلى الضحية، وأن يحدد هوية مرتكب الجريمة من دون لبس، وهو طبعاً إسرائيل، طالما أنها من يضغط على الزناد. وفي غمرة هذه المغامرة يمكنه أيضاً أن يسائل “حزب الله” ليس فقط عن انفراده بقرار الحرب، إنما أيضاً عن هذا اليتم الديبلوماسي والسياسي الذي نتخبط فيه بموازاة الحرب.

 في موازاة المجزرة الإسرائيلية المستأنفة في جنوب لبنان، تحفل الميديا والسوشيل ميديا اللبنانية بنقاش يرسم حدود انقسام أهلي، موضوعه “السياسة”!

 لقد تم تصحير المشهد السياسي والاقتصادي اللبناني بحيث لم يبق في الميدان إلا نجيب ميقاتي ليفاوض ويضغط ويساوم. و”حزب الله” هو من تولى مهمة التصحير، هو من منع انتخاب رئيس للجمهورية، وهو من حمى منظومة الفساد. فعل ذلك بينما كانت إسرائيل تنتقل إلى دورها الإبادي بقيادة اليمين المتطرف، وفعل ذلك معتقداً أن تحويل لبنان إلى ساحة يُسهِّل عليه مهمة التهامه.

إلى أن حانت ساعة الحقيقة، وظهر كم نحن مكشوفون وكم نحن مخترقون في ظل دولة “حزب الله”. لكن ما هو أفدح من ذلك، وما يتكتم عليه الداعون إلى تأجيل السياسة، هو أننا بمواجهة العدوان والنوايا الإسرائيلية الانتقامية، منقسمون حتى النخاع، وأن الاستجابة للإغاثة فولكلورية ومراوغة، ويستحضر المدعوون إليها تجاربهم الأهلية المريرة التي حفلت بها السنوات المنصرمة.

هذا كلام صادر عمن وجدوا أنفسهم يستغيثون لإيواء أقاربهم وأهل قراهم، بعدما خذلهم نجيب ميقاتي وخذلتهم حكومته. وفي هذه اللحظة تحضر السياسة بوصفها أداة تفسير لفشل الإغاثة، إذ إن الفشل مرده إلى وجود حكومة مثل بقائها المعلق ضرورة لـ”حزب الله” على رغم فسادها، وإلى فشل أهلي مصدره ذلك الصدع والشقاق الناجمين عن هيمنة جماعة على جماعات، وحزب على أحزاب، وطائفة على طوائف.

الحزب قرر عنا خوض “حرب الإسناد”. لا بأس، لكن ألا يستحق أحد من اللبنانيين أن يكون شريكاً في البحث عن مخرجٍ أو أفق لحرب هو جزء منها؟ لا أحدَ اليوم شريكٌ ولا سياسة غير ما تشهده أروقة الحزب وأنفاقه. 

الدعوة إلى تأجيل “السياسة” تنطوي على فهم للحرب بوصفها حدثاً غير سياسي. حدث ديني ربما، ينسجم مع فهم “حزب الله” للحرب، علماً أنه في لحظة “السياسة” يتحول  الحزب إلى آلة براغماتية قابلة لمبادلة الأرض بالمغانم، على ما فعل في قضية ترسيم الحدود البحرية، لكن المتاح للحزب في خطاب “تأجيل السياسة” غير متاحٍ لناشطين من أمثالنا، حتى لو كان ما يطمحون إليه مجرد تعليق أو مقال. فالمطلوب منا، كما المطلوب من الحكومة، الإغاثة فقط، وأن نعيرهم سكوتنا.