fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

 عن جلنار عزقول ونساء مغيّبات عن “الثورة السورية”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما حدث في السويداء جريمة مركبة، تقوم بالأساس على ابتزاز الشاب لجلنار عزقول (15 عاماً) ثم خطفها بحسب رواية أهلها، لتقتل بعدها عائلة جلنار الشاب في محاكمة استعراضية – شعبية، ثم تقتل جلنار تحت ذريعة “الثأر” و”غسل العار”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تثير قصة جلنار عزقول الغضب والحنق، ككل مرة تقتل فيها امرأة، وتتركنا أمام  أسئلة من قبيل كيف يمكن وضع حدّ لكل هذا القتل؟ وكيف نحمي النساء والطفلات من “سلطة العار” ونظام سياسي فاشل؟ 

قُتلت الطفلة جلنار عزقول (15 عاماً) في السويداء على يد والدها، هي ضحية جديدة لسلطة أبوية ذكورية تُنزل “العقاب” و”تهدر الدم” وتحاكم الفتاة والمرأة بسبب جسدها بوصفه ملكية عامة للعائلة، وتحديداً لذكورها.

قبلها بوقت قصير، قُتلت امرأة أخرى، لم تُعرف قصتها على نطاق واسع، لكنها قُتلت خنقاً بينما كانت نائمة بين أطفالها ولم يُعرف قاتلها.

قضية الرأي العام التي شغلت السويداء بدأت بادعاء عائلة جلنار عزقول (15 عاماً) بأن الشاب مازن الشاعر (27 عاماً) خطف ابنتهم، ليلقوا القبض عليه ويحاكموه ميدانياً في أحد المنازل.

 ما حدث في الحقيقية هو جريمة مركبة، تقوم بالأساس على ابتزاز الشاب طفلة (15 عاماً) وخطفها بحسب رواية أهلها، لتقتل بعدها عائلة الفتاة الشاب في محاكمة استعراضية – شعبية، تُغذي ثقافة “الثأر” و”غسل العار”.

قُتل الخاطف جاثياً على ركبتيه، وبدت عليه علامات الإنهاك، وعندما اعترف أنه خطف الفتاة انهال عليه الرصاص، من دون أن نعلم إن كان اعترافه تم تحت التعذيب أم كان اعترافاً حقيقياً بجريمته، بخاصة أن عائلته أصدرت بياناً تنفي فيه خطف ابنها جلنار.

 لاحقاً قتل الأب جلنار بعدما “استلمها”، على رغم وعده بعدم “عقابها”، وتوقيعه على تعهّد خطّي بعدم المساس بها، إنها جرائم متعددة في مشهد واحد، وكلها تشير بوضوح إلى مأساة أن تكوني امرأة في بلد مثل سوريا.

هذا التعهد وطريقة التسليم وكأن الفتاة بضاعة ما، يضعاننا أمام صورة أقسى من الخطف، أمام صورة العائلة البطريركية التي “تسلم وتستلم” بناتها للزوج أو الموت، حيث لا قرار لهذه الفتاة على جسدها وحياتها ومصيرها.

حرية المرأة في السويداء: بين الحق بالتظاهر والشعور بالأمان

قُتلت جلنار في محافظة السويداء جنوب سوريا، التي تشهد منذ أكثر من سنة احتجاجات تطالب بالتغيير السياسي وتحسين الواقع الاجتماعي، وهو ما يطرح أسئلة عدة عن مدى الانقسامات داخل المجتمعات، وهل يعني خروج النساء في التظاهرات أنهن قادرات بالفعل على تقرير حيواتهن، بخاصة بعد المشاهد التي رُوّج لها على أنها تعني تحرر نساء السويداء وفتياتها؟

 الواقع المرير للنساء هناك يحكي قصة أخرى غير معلنة، عن نساء يُحرَمن من الإرث ويُكتب لهن ما يُسمى “غرفة المقاطيع”، والمقاطيع وصف يُطلق على من لم يبقَ لديها مكان تأوي إليه.

تقوم فكرة “غرفة المقاطيع” على إبقاء غرفة من منزل الأهل للإناث اللواتي لا يملكن عملاً، ولا يبقى لهن معيل مثل المطلقة أو الأرملة أو العزباء طالما أنها لم تتزوج ولا تملك معاشاً، وتمتلك المرأة من الغرفة حق الانتفاع فقط، وهو ما يعني أنه لا يحق لها أن تبيعها أو تورثها لأولادها، كأن تقوم بتأجيرها أو السكن فيها، وهذا ببساطة يعني حرمانها من حقّها في الميراث. 

يُذكر أن ذكور بعض العائلات يجبرون غالباً إناثها على التنازل عن الغرفة أو بيعها لهم بسعر زهيد.

“غرفة المقاطيع” مثال صغير على هضم حقوق النساء في السويداء، وهو ما يمتد على جميع المحافظات السورية لكن بأشكال أخرى.

على الجانب الآخر، إن كان الوجهاء والناشطون غير قادرين، بعد أكثر من سنة على المطالبة بإحقاق الحق وحماية طفلة، مع علم الجميع أنها مهددة بالقتل، فكيف يمكن أن نثق بأي حراك على مستوى أعلى؟

ليس الهدف تحميل أي ثورة أو حراك ما لا يستطيعه، لكن هذا يعيدنا إلى الثورة السورية. بشكل شخصي ومنذ بداية الثورة السورية، كانت لدي تحفظات شديدة على ما يخصّ وجود النساء في التظاهرات، وكان أول ما راقبته في كل تظاهرة هو وجود النساء.

 كان لدي تساؤل دائم عما سيحدث لو نزلت النساء كما الرجال إلى التظاهرات، إذ كان وجود النساء في التظاهرات السورية محدوداً واقتصر على رموز نسوية بعينها، ثم ما لبث أن تراجع حضورهن مع ازدياد عنف النظام وقمعه، لكن، أليست النساء في سوريا شجاعات لمواجهة الرصاص كما الرجال؟

سؤالي كان على الدوام، كيف يخرج رجال بلد ما للمطالبة بالحرية، بينما يقمعون هم أنفسهم الفتيات ويقتلونهن؟ هل تُوصلنا حرية البلاد إلى حرية النساء أم العكس؟ ما أنا متيقنة منه، أن حرية النساء هي التي تفتح لنا الباب على حرية أوسع.

فشلت الثورة السورية لأسباب مختلفة، منها قمع النظام وتدخل أطراف خارجية وتسليح المعارضة، والسبب الأخير الذي قد لا يريد البعض الاعتراف به هو أسلمة الثورة ودفع الفصائل المسلحة نحو التشدد، وبطبيعة الحال، حراك ديني يعني إقصاء النساء، فالدين لم يشجع يوماً على حرية النساء وحقوقهن.

لطالما كان هناك استنكار للحديث عن حرية النساء وسط معارك حرية الإنسان أو الفئات الجندرية الأخرى، لكن أول من سُلبت حريته في العالم هو المرأة، ولن تتحقق أي حرية إذا بقيت المرأة وجسدها محط العنف والتمييز والاستملاك.

أزمة الطائفية في السويداء

شهدت السويداء على مر العقود الماضية جرائم عدة بحق فتيات قررن الزواج من غير طائفتهن، وفي حين تغاضت عائلات كثيرة عن زواج أبنائهم الذكور من فتيات غير درزيات، لم يكن الأمر مشابهاً لدى الفتيات اللواتي قُتلن ونُفين وقطعت عائلاتهن علاقاتها بهن.

هذه جريمة بطريركية، فلو كانت جلنار فتى، هل سيقتله والده لمجرد خطفه أو ابتزازه أو وقوعه في الحب، أو هل ستُقتل خاطفته بهذه الطريقة الوحشية؟

حتى لو ذهبت جلنار مع مازن سواء برضاها أم بالقوّة، لا يحقّ لعائلتها قتلها أو قتل الشاب في محاكمة ميدانية يُطبق فيها الإعدام انتصاراً لـ”الشرف” و”الطائفة”.

تسلّط قصة جلنار الضوء على وضع النساء والفتيات في سوريا، والخطر الذي قد يتعرضن له حتى لو كنَّ ضحايا ابتزاز أو خطف، كما تكشف هشاشة المجتمع غير القادر على حماية فتاة كان الجميع على علم أنها ستُقتل بمجرد تسليمها لوالدها.

ولكن السؤال الأهم الذي تطرحه جريمة القتل هذه، ما هو دور الثورات والحراكات في إحقاق حق النساء وحمايتهن؟ وهل تنجح ثورات تغيب النساء عنها ليُقتلن في مكان آخر؟

14.09.2024
زمن القراءة: 4 minutes

ما حدث في السويداء جريمة مركبة، تقوم بالأساس على ابتزاز الشاب لجلنار عزقول (15 عاماً) ثم خطفها بحسب رواية أهلها، لتقتل بعدها عائلة جلنار الشاب في محاكمة استعراضية – شعبية، ثم تقتل جلنار تحت ذريعة “الثأر” و”غسل العار”.

تثير قصة جلنار عزقول الغضب والحنق، ككل مرة تقتل فيها امرأة، وتتركنا أمام  أسئلة من قبيل كيف يمكن وضع حدّ لكل هذا القتل؟ وكيف نحمي النساء والطفلات من “سلطة العار” ونظام سياسي فاشل؟ 

قُتلت الطفلة جلنار عزقول (15 عاماً) في السويداء على يد والدها، هي ضحية جديدة لسلطة أبوية ذكورية تُنزل “العقاب” و”تهدر الدم” وتحاكم الفتاة والمرأة بسبب جسدها بوصفه ملكية عامة للعائلة، وتحديداً لذكورها.

قبلها بوقت قصير، قُتلت امرأة أخرى، لم تُعرف قصتها على نطاق واسع، لكنها قُتلت خنقاً بينما كانت نائمة بين أطفالها ولم يُعرف قاتلها.

قضية الرأي العام التي شغلت السويداء بدأت بادعاء عائلة جلنار عزقول (15 عاماً) بأن الشاب مازن الشاعر (27 عاماً) خطف ابنتهم، ليلقوا القبض عليه ويحاكموه ميدانياً في أحد المنازل.

 ما حدث في الحقيقية هو جريمة مركبة، تقوم بالأساس على ابتزاز الشاب طفلة (15 عاماً) وخطفها بحسب رواية أهلها، لتقتل بعدها عائلة الفتاة الشاب في محاكمة استعراضية – شعبية، تُغذي ثقافة “الثأر” و”غسل العار”.

قُتل الخاطف جاثياً على ركبتيه، وبدت عليه علامات الإنهاك، وعندما اعترف أنه خطف الفتاة انهال عليه الرصاص، من دون أن نعلم إن كان اعترافه تم تحت التعذيب أم كان اعترافاً حقيقياً بجريمته، بخاصة أن عائلته أصدرت بياناً تنفي فيه خطف ابنها جلنار.

 لاحقاً قتل الأب جلنار بعدما “استلمها”، على رغم وعده بعدم “عقابها”، وتوقيعه على تعهّد خطّي بعدم المساس بها، إنها جرائم متعددة في مشهد واحد، وكلها تشير بوضوح إلى مأساة أن تكوني امرأة في بلد مثل سوريا.

هذا التعهد وطريقة التسليم وكأن الفتاة بضاعة ما، يضعاننا أمام صورة أقسى من الخطف، أمام صورة العائلة البطريركية التي “تسلم وتستلم” بناتها للزوج أو الموت، حيث لا قرار لهذه الفتاة على جسدها وحياتها ومصيرها.

حرية المرأة في السويداء: بين الحق بالتظاهر والشعور بالأمان

قُتلت جلنار في محافظة السويداء جنوب سوريا، التي تشهد منذ أكثر من سنة احتجاجات تطالب بالتغيير السياسي وتحسين الواقع الاجتماعي، وهو ما يطرح أسئلة عدة عن مدى الانقسامات داخل المجتمعات، وهل يعني خروج النساء في التظاهرات أنهن قادرات بالفعل على تقرير حيواتهن، بخاصة بعد المشاهد التي رُوّج لها على أنها تعني تحرر نساء السويداء وفتياتها؟

 الواقع المرير للنساء هناك يحكي قصة أخرى غير معلنة، عن نساء يُحرَمن من الإرث ويُكتب لهن ما يُسمى “غرفة المقاطيع”، والمقاطيع وصف يُطلق على من لم يبقَ لديها مكان تأوي إليه.

تقوم فكرة “غرفة المقاطيع” على إبقاء غرفة من منزل الأهل للإناث اللواتي لا يملكن عملاً، ولا يبقى لهن معيل مثل المطلقة أو الأرملة أو العزباء طالما أنها لم تتزوج ولا تملك معاشاً، وتمتلك المرأة من الغرفة حق الانتفاع فقط، وهو ما يعني أنه لا يحق لها أن تبيعها أو تورثها لأولادها، كأن تقوم بتأجيرها أو السكن فيها، وهذا ببساطة يعني حرمانها من حقّها في الميراث. 

يُذكر أن ذكور بعض العائلات يجبرون غالباً إناثها على التنازل عن الغرفة أو بيعها لهم بسعر زهيد.

“غرفة المقاطيع” مثال صغير على هضم حقوق النساء في السويداء، وهو ما يمتد على جميع المحافظات السورية لكن بأشكال أخرى.

على الجانب الآخر، إن كان الوجهاء والناشطون غير قادرين، بعد أكثر من سنة على المطالبة بإحقاق الحق وحماية طفلة، مع علم الجميع أنها مهددة بالقتل، فكيف يمكن أن نثق بأي حراك على مستوى أعلى؟

ليس الهدف تحميل أي ثورة أو حراك ما لا يستطيعه، لكن هذا يعيدنا إلى الثورة السورية. بشكل شخصي ومنذ بداية الثورة السورية، كانت لدي تحفظات شديدة على ما يخصّ وجود النساء في التظاهرات، وكان أول ما راقبته في كل تظاهرة هو وجود النساء.

 كان لدي تساؤل دائم عما سيحدث لو نزلت النساء كما الرجال إلى التظاهرات، إذ كان وجود النساء في التظاهرات السورية محدوداً واقتصر على رموز نسوية بعينها، ثم ما لبث أن تراجع حضورهن مع ازدياد عنف النظام وقمعه، لكن، أليست النساء في سوريا شجاعات لمواجهة الرصاص كما الرجال؟

سؤالي كان على الدوام، كيف يخرج رجال بلد ما للمطالبة بالحرية، بينما يقمعون هم أنفسهم الفتيات ويقتلونهن؟ هل تُوصلنا حرية البلاد إلى حرية النساء أم العكس؟ ما أنا متيقنة منه، أن حرية النساء هي التي تفتح لنا الباب على حرية أوسع.

فشلت الثورة السورية لأسباب مختلفة، منها قمع النظام وتدخل أطراف خارجية وتسليح المعارضة، والسبب الأخير الذي قد لا يريد البعض الاعتراف به هو أسلمة الثورة ودفع الفصائل المسلحة نحو التشدد، وبطبيعة الحال، حراك ديني يعني إقصاء النساء، فالدين لم يشجع يوماً على حرية النساء وحقوقهن.

لطالما كان هناك استنكار للحديث عن حرية النساء وسط معارك حرية الإنسان أو الفئات الجندرية الأخرى، لكن أول من سُلبت حريته في العالم هو المرأة، ولن تتحقق أي حرية إذا بقيت المرأة وجسدها محط العنف والتمييز والاستملاك.

أزمة الطائفية في السويداء

شهدت السويداء على مر العقود الماضية جرائم عدة بحق فتيات قررن الزواج من غير طائفتهن، وفي حين تغاضت عائلات كثيرة عن زواج أبنائهم الذكور من فتيات غير درزيات، لم يكن الأمر مشابهاً لدى الفتيات اللواتي قُتلن ونُفين وقطعت عائلاتهن علاقاتها بهن.

هذه جريمة بطريركية، فلو كانت جلنار فتى، هل سيقتله والده لمجرد خطفه أو ابتزازه أو وقوعه في الحب، أو هل ستُقتل خاطفته بهذه الطريقة الوحشية؟

حتى لو ذهبت جلنار مع مازن سواء برضاها أم بالقوّة، لا يحقّ لعائلتها قتلها أو قتل الشاب في محاكمة ميدانية يُطبق فيها الإعدام انتصاراً لـ”الشرف” و”الطائفة”.

تسلّط قصة جلنار الضوء على وضع النساء والفتيات في سوريا، والخطر الذي قد يتعرضن له حتى لو كنَّ ضحايا ابتزاز أو خطف، كما تكشف هشاشة المجتمع غير القادر على حماية فتاة كان الجميع على علم أنها ستُقتل بمجرد تسليمها لوالدها.

ولكن السؤال الأهم الذي تطرحه جريمة القتل هذه، ما هو دور الثورات والحراكات في إحقاق حق النساء وحمايتهن؟ وهل تنجح ثورات تغيب النساء عنها ليُقتلن في مكان آخر؟